مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

لغة القرآن وبلاغته من خلال كتاب: «معارج التفكر ودقائق التدبر» الشيخ عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني «وقفات التّأني عند آيات سورة السَّبع المَثاني (الفاتحة)» «البَسْمَلة» «الحلقة الخامسة عشرة»

تمهيد:

بسم الله الرحمن الرحيم ابتداء كل أمر ذي بال، وبه التَّبرُّك والاستعانة في جميع الأقوال والأفعال، فالحمد لله الذي أرشدنا إلى ذلك بافتتاح كتابه العزيز بالبسملة، والشكر له على إنعامه علينا بنعمه المترادفة والمسترسلة، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الرسول الأعظم عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم.

والبدء باسم الله هو الأدب الذي أوحى به الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في أول ما نزل من القرآن باتفاق وهو قوله تعالى: « اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق »[العلق: 1] وهو الذي يتفق مع قاعدة التصور الإسلامي الكبرى من أن الله «هو الأول والآخر والظاهر والباطن» فهو سبحانه الموجود الحق الذي يستمد منه كل موجود وجوده، ويبدأ منه كل مبدوء بدأه، فباسمه إذن يكون كل ابتداء، وباسمه إذن تكون كل حركة وكل اتجاه، ووصفه سبحانه في البدء بالرحمن الرحيم، يستغرق كل معاني الرحمة وحالاتها، وهو المختص وحده باجتماع هاتين الصفتين، كما أنه المختص وحده بصفة الرحمن.[1]

كنا تحدثنا في الحلقة الماضية عن الاستعاذة، وسنخصص الحديث في هذه المقالة عن مصطلح البسملة، فما هي البسملة؟

البسملة:

جاء في لسان العرب: بَسْمَلَ الرجلُ إذا كتب بِسْمِ اللَّهِ بَسْمَلَة[2]؛ وهو من الأفعال المَنْحُوتَة، أي المُرَكَّبة مِن كلمتين، كحَمْدَلَ، وحَوْقَلَ، وحَسْبَلَ، وغيرِها[3] وأنشد الشاعر: [4]

لَقَدْ بَسْمَلَت لَيْلى غَداةَ لَقِيتُها، /// فَيَا حَبَّذا ذَاكَ الحَبِيبُ المُبَسْمِل

قال محمد بن المُكرَّمِ: كان ينبغي أن يقول قبل الاستشهاد بهذا البيت: وبَسْمَلَ إذا قال بِسْمِ اللَّهِ أَيضا، وينشد البيت، ويقال: قد أَكثرت من البَسْمَلَة أَي من قول بِسْمِ اللهِ.[5]

ولفظ البسملة مصدر قياسي بسمل، إذا قال: بسم الله على ما في الصحاح ومفردات الراغب واللسان وغيرها، أو إذا قال: بسم الله الرحمن الرحيم، على ما في حواشي البيضاوي للشهاب، وحواشيه للشيخ زادة، وغيرهما، أو إذا كتب بسم الله على ما في التهذيب للأزهري، فتلخص أن البسملة قول: بسم الله، أو قول: بسم الله الرحمن الرحيم نفسها، وهي حقيقة اصطلاحية على ما في تذكرة ابن هشام حيث قال: البسملة لغة: قول بسم الله واصطلاحا: نفس بسم الله الرحمن الرحيم، أو من إطلاق اسم الملزوم على اللازم، على ما قاله بعضهم، ثم لا يخفى أن البسملة والحمدلة ونحوها من باب النحت، وهو نوع اختصار، وقد أفرده أبو علي الفارسي بالتأليف[6]، وعقد السيوطي في المزهر النوع الرابع والثلاثين له تعريفه: وهو أن يؤخذ من الكلمتين مثلا كلمة واحدة وهو جنسٌ من الاختصار وذلك «رجل عَبْشميّ» منسوبٌ إلى اسمين[7]، وأنشد الخليل: من الوافر[8]

أقولُ لها ودمعُ العَينِ جَارٍ /// ألَمْ يَحْزُنْكِ حَيْعَلَةُ المُنَادِي

وجزم العصام في شرح الرسالة الوضعية بأنه من الاشتقاق الأكبر، وهو: رد اللفظ إلى آخر لمناسبة بينهما في المعنى، وأكثر الحروف الأصلية مع الترتيب، كما في جذب وجبذ، ويقال للصغير أصغر، وللكبير أوسط، فإن لم يكن هناك مناسبة في المعنى نحو: « قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِين»[الشعراء: 168] فمتعلق بالاشتقاق.[9]

ولفظ بسم جار ومجرور متعلقان بمحذوف، والباء هنا للاستعانة  أو للإلصاق، وتقدير المحذوف: أبتدئ، فالجار والمجرور في محل نصب مفعول به مقدم، أو ابتدائي، فالجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف[10]، وهو ما يعرف به ذات الشيء، وأصل لفظة «اسم» كما ذكر علماء العربية «سِمْوٌ» بدلالة قول العرب في الجمع «أسماء» وقولهم في التصغير «سُمَيّ»، وهو مشتق من السُمُوّ بمعنى الارتفاع، فمعنى «الاسم» بحسب الاشتقاق لفظ رُفِعَ به ذكر المُسمّى لِيُعْرفَ به. وقيل أصل «اسم» هو «وَسْم» بمعنى العلامة، حذفت الواو ثم تُوُصِّلَ إلى الابتداء بالساكن بزيادة همزة الوصل، فالاسم على هذا علامة دالة على المسمى.[11]

والله مضاف إليه [12]، وهو اسم علم في اللغة العربية على ذات الخالق الرب جل جلاله، الجامع لكل صفات الكمال، والمنزه عن كل صفة من صفات النقصان التي لا تليق بذات الخالق الأزلي الأبدي، ولهذا فلفظ الله هو أعظم أسماء الله الحسنى، ومن خواص هذا الاسم أنه لم يسم به غير الخالق  جل جلاله، لا على سبيل الحقيقة ولا على سبيل المجاز[13]،  قال تعالى: « هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا »[مريم: 65]. وتأتي أسماء الله تابعة لهذا الاسم، وأوصافا له، ومضافة إليه  قال تعالى: « هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيم هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُون» [الحشر: 22-23] وقال تعالى: « وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا »[الأعراف: 180]، وقال تعالى: « قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى»[الإسراء: 110]، وقال تعالى: «اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى»[طه:8]، وقد يأتي لفظ الجلالة الله تابعا لغيره من الأسماء، كما في قوله تعالى: «الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد اللّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيد»[إبراهيم: 1-2] فلفظ الجلالة «الله» على قراءة الجر عطف بيان، تابع للاسم الذي قبله.[14]

والرحمن الرحيم صفتان لله تعالى، وجملة البسملة ابتدائية لا محل لها من الإعراب[15]، والرحمن صفة مشبهة مأخوذة من الرحمة، يقال لغة: رَحِمَ المؤمنُ أخاه المؤمنَ رَحْمَةً، ورُحْمًا، ومَرْحَمَةً، أي: رَقَّ لهُ، وعَطَفَ عليه، والرَّحمة صفة من صفات الرب على ما يليق به جل جلاله، وهي تستلزم الإنعام والإكرام، والرَّحيم صفة مشبهة أيضا مأخوذة من الرحمة، وهي مبنية على وزن «فَعِيل» للمبالغة أيضا، فمعنى «الرحيم» الكثير الرحمة أيضا.[16]

أوجه البلاغة في البسملة:

ابتدأ الله تعالى بالبسملة سورة الفاتحة وكل سور القرآن، ما عدا سورة التوبة، تنبيها على أن ما في كل سورة حق، ووعد صادق للعباد، فهو سبحانه يفي لهم بجميع ما تضمنت السورة من وعد ولطف وبر، وإرشادا إلى استحباب البدء بالبسملة في كل الأعمال، التماسا لمعونة الله وتوفيقه، ومخالفة لغير المؤمنين الذين يستفتحون أعمالهم بأسماء آلهتهم أو زعمائهم.

قال بعض العلماء: إن «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» تضمنت جميع الشرع، لأنها تدل على الذات وعلى الصفات[17]، والبسملة كلمة منحوتة من جملة: «بسم الله الرحمن الرحيم» ولها نظائر من الكلمات المنحوتة:

فمنها: « السَّبْحَلَةُ» نحتا من جملة: «سبحان الله».

ومنها: «الحَيْعَلَةُ» نحتا من جملة: حَيَّ على الصلاة أو حَيَّ على الفلاح.

ومنها «الحَوْقَلَةُ» نحتا من جملة: لا حول ولا قوة إلا بالله.

ومنها «الحَمْدَلَةُ» نحتا من جملة الحمد لله.

ومنها «التَّهْلِيلُ» نحتا من جملة لا إله إلا الله.

ومن هذا النحت ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال:

«ما تَسَرْوَلْقَمْتُ قَطُّ» أي: ما لبست السراويل قائما قط.

وما «تَعَمْقَعَدْتُ» قَطُّ أي: ما لبست العمامة قاعدا قط.

ومن الاختصارات التي يكنى بها عن الجمل، ما ورد في السنة من الترغيب في التسبيح، والتحميد والتكبيرعقب الصلوات المكتوبة، كناية عن ذكر : « سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر».[18]

 وفي البسملة طائفة من الوجوه البلاغية حصرها الشيخ حبنكة الميداني في أمور منها:

 – أنها فيها قصر الابتداء والتبرك والاستعانة، وجعلها خاصة بالله عز وجل وصفاته العلية، وذلك على تقدير العامل في « بسم الله» فعلا متأخرا، عملا بالقاعدة البلاغية التي تبين أن من أغراض تقديم المعمول على العامل إفادة القصر والاختصاص.

– وفيها الإيجاز بحذف العامل ليعم، ولتكون الجملة صالحة لبداية كل ذي بال بها، ويقدر لكل أمر ما يناسبه.

– كما فيها حسن اختيار صفتي الرحمن الرحيم لمزية فيهما، وهي مناسبتها لموضوع التسمية المتضمن الالتصاق والاستعانة بالله تبارك وتعالى، ففي ذكر هاتين الصفتين تعريض بالمقتضي الذي دفع المؤمن للاستعانة بالله  وحده، إذ الكلام إجمال وإيجاز لقول القائل: لا أبتدئ مستعينا بالله وحده، لأنه هو الرحمن الرحيم، ففي هذا سوق للمعنى مقترنا بدليله وهو ما يسمى عند البلاغيين: «المذهب الكلامي» وهو أن يساق المعنى مقترنا بدليله.[19]

وفي هذا المقام  يشير أبو حيان الأندلسي إلى أن الحذف قيل لتخفيف اللفظ، كقولهم بالرفاه والبنين، باليمن والبركة، فقلت إلى الطعام وقوله تعالى: « فِي تِسْعِ آيَاتٍ » [النمل: 12] أي أعرست وهلموا واذهب، قال أبو القاسم السهيلي وليس كما زعموا إذ لو كان كذلك كان إظهاره وإضماره في كل ما يحذف تخفيفا، ولكن في حذفه فائدة، وذلك أنه موطن ينبغي أن لا يقدم فيه سوى ذكر الله تعالى، فلو ذكر الفعل وهو لا يستغني عن فاعله لم يكن ذكر الله مقدما، وكان في حذفه مشاكلة اللفظ للمعنى، كما تقول في الصلاة الله أكبر ومعناه من كل شيء، ولكن يحذف ليكون اللفظ في اللسان مطابقا لمقصود القلب، وهو أن لا يكون في القلب ذكر إلا الله عز وجل، ومن الحذف أيضا حذف الألف في بسم الله الرحمن الرحيم وذلك لكثرة الاستعمال.

– ومن الأوجه البلاغية كذلك التكرار في الوصف، ويكون إما لتعظيم الموصوف أو للتأكيد، ليتقرر في النفس.[20]

فوائدها:

يقول الشيخ عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني: قول الله عز وجل « بسم الله الرحمن الرحيم» هي جملة عظيمة علمنا الله أن نستفتح التلاوة والقراءة بها، وعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم «أن نستفتح كل أمر ذي بال بها»[21]، ونص التسمية عند الجميع: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» وهي ثابتة على رأس كل سورة في أكثر المصاحف إلا براءة.[22]

ورغم قصر البسملة  ففوائدها جمة لا تعد ولا تحصى  نذكر منها ما يلي:

– أن البسملة آية من سورة الحمد، وآية من أوائل كل سورة عند الشافعي، وليست آية في كل ذلك عند مالك، وعند أبي حنيفة وأحمد بن حنبل هي آية من أول الفاتحة، وليست آية في غير ذلك، والاحتجاج في ذلك مبسوط في كتب الفقه.

– لم يوصف بالرحمن في العربية بالألف واللام إلا الله تعالى، وقد نعتت العرب مسيلمة الكذاب به مضافا، فقالوا: رحمان اليمامة[23]، قال شاعر منهم يمدح مسيلمة:[24].

سَمَوْتَ بالمَجْدِ يَا بنَ الأَكْرَمِينَ أَبًا /// وَأَنْتَ غَيْثُ الوَرَى لَازِلْتَ رَحْمَانَا

– تكتب بسم الله بغير ألف في البسملة خاصة، استغناء عنها بباء الاستعانة، بخلاف قوله تعالى: « اقرأ باسم ربك الذي خلق»[العلق:1]

– تحذف الألف من الرحمن لدخول الألف واللام عليها.

– يقال لمن قال: بسم الله الرحمن الرحيم: مبسمل، وهو ضرب من النحت اللغوي[25]، وقد ورد ذلك في شعر لعمر بن أبي ربيعة: [26]

لَقَدْ بَسْمَلَت لَيْلى غَداةَ لَقِيتُها، /// فَيَا حَبَّذا ذَاكَ الحَبِيبُ المُبَسْمِل

ومثل بَسْمَلَ: حَوْقَلَ إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وهَيْلَلَ إذا قال: لا إله إلا الله، وسَبْحَلَ إذا قال: سبحان الله، وحَمْدَلَ إذا قال: الحمد لله، وحَيْصَلَ وحَيْعَلَ إذا قال: حَيَّ على الصلاة وحيَّ على الفلاح، وجَعْفَلَ إذا قال: جُعِلْتُ فداك.[27]

– كانت قريش قبل البعثة تكتب في أول كتبها: « باسمك اللهم» وكان أمية بن أبي الصلت أول من كتب: باسمك اللهم، إلى أن جاء الإسلام، ونزلت بسم الله الرحمن الرحيم، [28]، وروى محمد بن سعد في «طبقاته» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكتب كما تكتب قريش: باسمك اللهم، حتى نزل قوله تعالى: «وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيم»[هود: 41]، فكتب: باسم الله، حتى نزل قوله تعالى: «قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ»[الإسراء: 110]، فكتب باسم الله الرحمن الرحيم، حتى نزل قوله تعالى: «إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم»[النمل: 30] فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم.[29]

– مشروعة البداءة باسم الله على كل أمر ديني أو دنيوي، استعانة وتبركا وتيمنا.

– إثبات اسمه تعالى «الله» الدال على أنه له كمال الألوهية والعبودية سبحانه وتعالى.

– إثبات اسمي الله: «الرحمن»، «الرحيم»، وما تضمناه من الصفة والأثر.[30]

– أن اسمه تعالى «الله» هو أصل أسمائه- تعالى- تأتي بقية أسمائه تابعة له، لهذا جاء اسماه «الرَّحمن» و «الرَّحِيم» تابعين لهذا الاسم.

– أن اسم «الله» أعظم من اسمه «الرحمن» ولهذا قدم عليه، وأن اسمه «الرحمن» أبلغ من «الرحيم» وأخص منه من حيث اللفظ، ولهذا قدم عليه، تقديمًا للأعظم والأهم.

 – الاعتراف بنعمة الله تعالى  وفضله وإحسانه، أن هذا كله من آثار رحمته المذكورة في قوله تعالى «الرحمن الرحيم».

– الجمع بين أسلوب الترهيب والترغيب، لأن في قوله «الله» دلالة على عظمة الله وقهره، وفي قوله «الرَّحمن الرَّحيم» دلالة على فضل الله، وإحسانه وإنعامه، والأول أسلوب ترهيب، والثاني ترغيب.

– الدلالة على أن الاستعانة إنما تستمد من الله تعالى، ويجب صرفها له، فهو القادر على إعانة من استعان به، وهو «الرحمن الرحيم» بعباده، أرحم من الوالدة بولدها[31]، كما جاء في الحديث: «للهُ أَرْحَم بِعِبادِه، مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِها»[32] فهو نعم النصير والمعين، ومفزع الخائفين وأرحم الراحمين.

– إظهار مخالفة المشركين، الذين يفتتحون أمورهم باسم اللات والعزى ومناة، وغيرها من الأصنام والأنداد، من المخلوقين وغيرهم، ومن المؤسف أن نرى كثيرًا من الكتاب من المسلمين أو من المنتسبين إلى الإسلام يصدرون كتبهم وصحفهم باسم الشعب وباسم الحرية، وتقرأ الكتاب من أوله إلى آخره لا تجد فيه ذكر اسم الله.

– فيها الرد على القدرية الذين يقولون: إن العبد يخلق فعل نفسه، إذ لو كان ذلك كذلك لما احتاج العبد إلى طلب العون من الله تعالى.

– أن ذكر اسم الله عون للعبد على جميع أحواله، وسبب لحصول الخير والبركة، والحصول على مطلوبه، والنجاة من مرهوبه بإذن الله تعالى، والسلامة من الشيطان وهمزاته وشروره، وإغاظته ودحره وطرده من أن يحول بين العبد وبين قراءته، ويوسوس له فيها، أو في وضوئه، أو أن يشاركه في أكله وشربه ودخوله وخروجه، وسائر أحواله.[33]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

[1] في ظلال القرآن، سيد قطب، 1/21-22.

[2] لسان العرب، جمال الدين ابن منظور ، 11/56، دار صادر بيروت، الطبعة: الثالثة – 1414 هـ.

[3] تاج العروس من جواهر القاموس، محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى الزَّبيدي، تحقيق مجموعة من المحققين، 28/86، دار الهداية.

[4] ديوان عمر بن أبي ربيعة، ص: 177، دار القلم، بيروت- لبنان. ولفظة الحبيب وردت في الديوان: الحديثُ، ولفظة المُبَسْمِلُ في الديون المُبَسْمَلُ.

[5] لسان العرب، 11/56.

[6] الرسالة الكبرى في البسملة، أبو العرفان محمد بن علي الصبان، تحقيق: فواز أحمد زمرلي، وحبيب يحيى المير، ص: 156، دار الكتاب العربي، 1428هـ/2007م.

[7] المزهر في علوم اللغة وأنواعها، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي، تحقيق: فؤاد علي منصور، 1/371، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة: الأولى، 1418هـ 1998م.

[8] كتاب العين، أبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: د.مهدي المخزومي ود.إبراهيم السامرائي، 1/60، دار ومكتبة الهلال.

[9] الرسالة الكبرى في البسملة، ص: 156.

[10] إعراب القرآن الكريم وبيانه، محيي الدين الدرويش، 1/24.

[11] معارج التفكر ودقائق التدبر، 1/19.

[12] إعراب القرآن الكريم وبيانه، 1/24.

[13] معارج التفكر ودقائق التدبر، 1/19.

[14] اللُّباب في تفسير الاستعاذة والبسملة وفاتحة الكتاب،  سليمان بن إبراهيم بن عبد الله اللاحم، ص: 89-90-91، دار المسلم للنشر والتوزيع، الرياض – المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1420 هـ – 1999 م.

[15] إعراب القرآن الكريم وبيانه، 1/24.

[16] معارج التفكر ودقائق التدبر، 1/20.

[17] التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، د وهبة بن مصطفى الزحيلي، 1/46، دار الفكر المعاصر – دمشق، الطبعة : الثانية ، 1418 هـ.

[18] معارج التفكر ودقائق التدبر، 1/12-13.

[19] نفسه، 1/28.

[20] تفسير البحر المحيط، أبي حيان الأندلسي، دراسة وتحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، 1/129، دار الكتب العلمية- بيروت.

[21] معارج التفكر ودقائق التدبر، 1/18.

[22] الإقناع في القراءات السبع، أحمد بن علي بن أحمد بن خلف الأنصاري الغرناطي، أبو جعفر، المعروف بابن البَاذِش، ص: 56، دار الصحابة للتراث.

[23] إعراب القرآن الكريم وبيانه، 1/25.

[24] فتح رب البرية في شرح نظم الآجرومية (نظم الآجرومية لمحمد بن أبَّ القلاوي الشنقيطي)، المؤلف (مؤلف الشرح): أحمد بن عمر بن مساعد الحازمي، ص: 10، مكتبة الأسدي، مكة المكرمة، الطبعة: الأولى، 1431 هـ – 2010 م.

[25] إعراب القرآن الكريم وبيانه، 1/25.

[26] ديوان عمر بن أبي ربيعة، ص: 177، دار القلم، بيروت- لبنان. ولفظة الحبيب وردت في الديوان: الحديثُ.ولفظة المُبَسْمِلُ في الديون المُبَسْمَلُ

[27] إعراب القرآن الكريم وبيانه، 1/25-26.

[28] نفسه، 1/27.

[29] الطبقات الكبرى، أبو عبد الله محمد بن سعد المعروف بابن سعد، تحقيق: إحسان عباس، 1/263، دار صادر بيروت، الطبعة: الأولى، 1968 م.

[30] اللباب في تفسير الاستعاذة والبسملة وفاتحة الكتاب، ص: 170.

[31] نفسه، ص: 171.

[32] صحيح البخاري، الجامع الصحيح المختصر، محمد بن إسماعيل أبو عبد الله،  البخاري الجعفي، تحقيق : د. مصطفى ديب البغا ، 5/2235، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته، رقم الحديث: 5653، دار ابن كثير، اليمامة بيروت، الطبعة الثالثة ، 1407 1987.

 [33] اللباب في تفسير الاستعاذة والبسملة وفاتحة الكتاب، ص: 172.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق