مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

لغة القرآن الكريم وبلاغته في تفسير ابن عادل الحنبلي -اللباب في علوم الكتاب- الحلقة الثالثة

حمدا لله ابتداءَ الكلام، وعلى نبينا أفضلُ الصلاة والسلام، وعلى آله وصحبه الكرام، وبعدُ:

فسنعرضُ فيما يلي كما سبق بعضَ ما يتعلق بالبسملة من فوائد في اللغة مما ذكره ابن عادل في كتابه «اللباب في علوم الكتاب»، وما زلنا في الكلمة الأولى من البسملة، وهي «بِاسْمِ»، وقد ذكرنا ما لِلْبَاءِ من تعلّق بالمحذوف، والآن نذكر الألف التي في أوله.

لفظ «اسم» كما هو معروف من الأسماء العشرة التي قَضَوْا بأنها تبتدئ بهمزة وصل، وهي: اسم، واسْتٌ، وابنٌ، وابْنُمٌ، وابنةٌ، وامرُؤٌ، وامرأة، واثنان، واثنتان، وايْمن التي للقَسَم.

قال ابن عادل(1): «وهمزته همزةُ وصل، أي: تثبت ابتداء وتُحذف دَرجا»، ثم استشهد لجعلها همزة قَطع للضرورة الشعرية بقول الشاعر(2):

وَمَا أَنَا بِالْمَخْسُوسِ فِي جِذْمِ مَالِكٍ /// وَلَا مَنْ تَسَمَّى ثُمَّ يَلْتَزِمُ الْإِسْمَا

وإثباتها ابتداء وحذفها درجا في الكلام إنما يكون في النطق لا الكتابة، لأنها في الكتابة تأخذ حكما آخر غير حكم نطقها، فإنها إن ابتُدئ بها الكلامُ كانت همزةَ قَطع، وإن كانت في وسط الكلام كانت همزةَ وصل، وقد تُقطع في وسط الكلام لضرورة الشعر كما سبق في البيت.

أما في الكتابة فقد خصصوا حذفها مع اسم الجلالة «الله» دون غيره، وفي ذلك مبحث لَطيف ذكره ابن عادل في كتابه «اللّباب» مع إيراد عِلل الحذف، فمن ذلك:

– أنها تُحذف لكثرة الاستعمال، فقولُ: بسم الله، كثيرٌ في الكلام عند أكثر الأفعال وفي كثير من المواضع، فلأجل ذلك حُذفت للتخفيف.

– وقيل: ليُوافق الخَطُّ اللفظَ، فكأنهم حذفوها لعدم النطق بها.

– وقيل غيرُ ذلك في تعليل حذفها، وذلك في الفرق بين قولين، الأول: بسم الله، والثاني: اقرأ باسم ربّك. فإن قلتَ: لِمَ حذفوا  همزة الوصل من الأول ولَمْ يحذفوها من الثاني؟ قلتُ: في ذلك تفصيل، فإنهم خَصُّوا الحذف باسم الجلالة «الله»، وأثبتوا الألف مع سائر الأسماء والصفات، هذا أمر، ثم لدخول الباء على الثاني، وهي من حروف المعاني، فإن دخلت على الكلمة ألبسَتها لَبوسها، وهي هنا بمعنى الاستعانة كما تقدم في مبحث الاستعاذة، والتقدير على أحد الأقوال: اقرأْ مُستَعينا باسم ربك. وإنما لم يحذفوا الهمزة من «اقرأ باسم ربك»، لأن الباء لها معنًى ولا تنوب عن الألف، فيكون الكلامُ مع الحذف: اقرأ اسمَ ربك، فيبقى المعنى صحيحا وإن لم يكن مُرادا في هذا الموضع(3).

أما حذفها من «بسم الله»، فلأن الابتداء بالسين غيرُ ممكن، وهو على القول بأن أصل «اسم» هو «سم» بضم السين أو كسرها، فحين دخلت الباءُ نابت عن هذه الألف التي لم يجعلوها من أصل الكلمة، فأمكن حذفها لاستعاضتهم بالباء عنها، لذلك كتبوا هذه الباء في أكثر الأحوال طويلة في الخطّ لتُشبه الألف(4).

ثم أمّا ما يتّصل بالباء ومُتعلّقها، فإن القول فيه قريب من القول في الاستعاذة، وقد مر ذكر ذلك وتفصيله في المبحث الذي خُصص للاستعاذة، ومُجمله أن البصريين والكوفيين على خِلافٍ في تعلُّق هذه الباء، فالبصريون يعلّقونها باسم محذوف، والكوفيون بفعل محذوف.

اشتقاق الاسم:

لفظ الاسم قد اختُلف في اشتقاقه على قولين:

إما أن يكون مشتقا من السمو، أي: الارتفاع، قيل: لأنه يدل على مُسَمَّاه فيُظهره ويرفعه، فهو من مادة «سمو»، وهذا رأي أهل البصرة في ذلك.

وإما أن يكون مشتقا من الوسم، وهو في اللغة بمعنى العلامة، فكل اسم هو في الأصل علامة على مُسَمَّاه، إن أُطلق أفادَ ذلك المُسَمَّى، وهذا مذهب الكوفيين في اشتقاقه من الوسم.

أما ابن عادل فيميلُ إلى اشتقاقه من السمو على مذهب أهل البصرة، ويردّ مذهب أهل الكوفة في اشتقاقه من الوسم، قال: «وهذا وإن كان صحيحا من حيث المعنى، فإنه فاسد من حيث التصريف»(5).

يُريد أن اشتقاقه من السمو أقربُ لأنه يُجمع على أسماء في التكسير ويُصغر على سُمَيّ، ولو كان مشتقا من الوسم لجُمع على أوسام في التكسير ولصُغِّر على وُسيم، وهذا لا يكون، قال: لأن التكسير والتصغير يردّان الأشياء إلى أصولها.

فائدة الكلام عن اشتقاق الاسم:

ذكر ابن عادل أن لهذا المبحث فائدةً تختلف باختلاف جهة الاشتقاق، فأما على رأي البصريين في اشتقاقه من السمو، وهو الراجح عندهم وإليه مالَ ابن عادل، فإن يُفيد أنه تعالى لم يزل موصوفا قبل وجود الخلق وبعدهم وعند فنائهم، فلا تأثير لهم في أسمائه ولا صفاته.

وعلى قول الكوفيين أنه مشتق من الوسم، فيذهب إلى أنه تعالى كان في الأزل بلا اسم ولا صفة، فلمّا خلق الخلق جعلوا له أسماءً وصفات، فتبيّن بهذا أن ما ذهبوا إليه فاسد(6).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

(1) اللُّباب (1/128).

(2) البيت للأحوص الأنصاري، انظر شعر الأحوص (ص:243).

(3) انظر اللباب (1/129).

(4) انظر اللباب (1/130).

(5) اللباب (1/127)، وانظر الإنصاف لابن الأنباري (1/8).

(6) انظر تفسير الرازي (1/105)، ففيه مباحث حول الاسم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع والمصادر:

– الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين، لأبي البركات الأنباري، المكتبة العصرية.

– شعر الأحوص الأنصاري، تحقيق عادل سليمان جمال، مكتبة الخانجي.

– اللباب في علوم الكتاب، لابن عادل الحنبلي الدمشقي، تحقيق جماعة من المحققين، دار الكتب العلمية.

– مفاتيح الغيب (التفسير الكبير)، لفخر الدين الرازي ، دار إحياء التراث العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق