مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

كيف كان يتعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال؟

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحابته أجمعين.

وبعد؛

فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان أكمل وأحسن الناس خلقا، وأكرمهم، وأتقاهم، وقد مدح الله تعالى أخلاقه صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم، فقال: (وإنك لعلى خلق عظيم)[1]، ولمّا سُئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول صلى الله عليه وسلم قالت: “كان خلقُه القرآن”[2] ، وقد كان صلى الله عليه وسلم يعامل الناس على قدر عقولهم،  وقوة إيمانهم، ومن ذلك معاملته صلى الله عليه وسلم للأطفال، وتربيته لهم.

فكيف كان يتعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال؟

إن النبي عليه الصلاة والسلام كانت له أساليب خاصّة في التعامل مع الأطفال، ومنها ما يلي:

* مداعبة الأطفال، والعطف عليهم، وملاطفتهم، وإدخال السرور على قلوبهم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير، قال: أحسبه، قال: كان فطيما، قال: فكان إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه، قال: “أبا عمير ما فعل النغير” قال: فكان يلعب به”[3]. والنغير: “طائر يشبه العصفور وسمي نغيرا والجمع نغران”[4] ، وهو: طائر كان يلعب به.

في هذا الحديث درس كبير في تربية الأطفال، وتشويقهم، والتودد إليهم بما يحبونه، والاستعانة بذلك لتشجيعهم على أداء واجباتهم الدينية والدنيوية؛ ليكبروا مدركين لحقوقهم وواجباتهم.

* تقدير الأطفال واحترامهم ومنحهم حقوقهم، فالنبي صلى الله عليه كان يقدر الأطفال ويعاملهم معاملة حسنة، ويربيهم على الاحترام، ويعطيهم حقهم، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بِقَدَح، فشرب منه، وعن يمينه غلام أصغر القوم، والأشياخ عن يساره، فقال: “يا غلام أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ”، قال: ما كنت لأوثر بفضلي منك أحدا يا رسول الله، فأعطاه إياه”[5]. والغلام هو ابن عباس رضي الله عنهما[6].
* تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب على الأطفال، فعن عبد الله بن عامر، أنه قال: دعتني أمي يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا، فقالت: ها تعال أعطيك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم “وما أردت أن تعطيه” قالت: أعطيه تمرا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أما إنك لو لم تعطيه شيئا كتبت عليك كذبة”[7].

*تجويز النبي صلى الله عليه وسلم للأطفال اللعب واللهو المباح، وفي هذا ترفيه على نفسيتهم والترويح عليهم، فعن ابن شهاب، قال: أخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة رضي الله عنها، قالت: “لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما على باب حجرتي، والحبشة يلعبون في المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه، أنظر إلى لعبهم”[8].
* تعليم الأطفال وتربيتهم ووعظهم وتوجيههم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع “[9].

* العدل بين الأبناء، فالنبي صلى الله كان يأمر أن تكون المعاملة بالعدل بين الأولاد، لقوله  صلى الله عليه وسلم للرجل الذي أعطى مالا لولد من أولاده ولم يُعطِ الآخرين: “أفعلت هذا بولدك كلهم؟» قال: لا، قال: «اتقوا الله، واعدلوا في أولادكم”[10].
قال النووي: “وفي هذا الحديث أنه ينبغي أن يسوي بين أولاده في الهبة، ويهب لكل واحد منهم مثل الآخر، ولا يفضل، ويسوي بين الذكر والأنثى”[11].

*تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع حفيديه، وحبه لهما، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يتعامل مع حفيديه الحسن والحسين رضي الله عنهما معاملة حسنة، ويظهر ذلك من خلال تقبيله لهما، ووضعهما في حجره، والالتزام بالذهاب إليهما، والاقتطاع من وقته لتحقيق ذلك، والدعاء لهما، فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين رضي الله عنهما يلعبان بين يديه، وفي حجره فقلت : يا رسول الله أتحبهما ؟ قال : وكيف لا أحبهما وهما ريحانتاي من الدنيا أشمهما “[12].

*شفقة،  ورحمة، وحنان النبي صلى الله عليه وسلم على حفيدته أُمامة بنت أبي العاص رضي الله عنها عندما توفيت والدتها زينب  رضي الله عنها، فكان يأخذها معه في بعض الأحيان للصلاة، وإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها، فعن أبي قتادة رضي الله عنه: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها”[13].

هذه نماذج من معاملة النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال التي تبين من خلالها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل الأطفال معاملة خاصة، في الإحسان إليهم، والشفقة عليهم، والرحمة بهم، والعدل بينهم في الهدايا والعطايا، والدعاء لهم بالخير والبركة، والتجاوز عن الكثير من أخطائهم….

****************

هوامش المقال:

[1]  سورة القلم الآية: 4.

[2]  أخرجه أحمد في مسنده رقم: (25302)، (42 /183).

[3]  أخرجه مسلم في صحيحه كتاب: الآداب، باب: استحباب تحنيك المولود عند ولادته وحمله إلى صالح يحنكه، وجواز تسميته يوم ولادته، واستحباب التسمية بعبد الله، وإبراهيم، وسائر أسماء الأنبياء عليهم السلام، رقم: (2150) (3 /1692).

[4]  الغريبين في القرآن والحديث(6 /1864).

[5]  أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: المساقاة، باب: في الشرب، ومن رأى صدقة الماء وهبته ووصيته جائزة، مقسوما كان أو غير مقسوم، رقم: (2351)(3 /109).

[6]  فتح الباري(1 /282).

[7]  أخرجه أبو داد أبو داود في سننه كتاب: الآداب، باب: في الكذب، رقم: (4991) (7 /342).

[8]  أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الصلاة، باب: أصحاب الحراب في المسجد، رقم: (2351)(3 /109).

[9]  أخرجه أحمد في مسنده، رقم: (6756) (11 /369).

[10]  أخرجه مسلم في صحيحه كتاب: الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة، رقم: (1623) (3/ 1242).

[11]  شرح مسلم على النووي (11 /65).

[12]  أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، رقم: (3990) (4 /155).

[13]  أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الصلاة، باب: إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة، رقم: (516)(1/ 109).

*********************

جريدة المصادر والمراجع:

سنن أبي داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السِّجِسْتاني.تحقيق: شعَيب الأرنؤوط ـ محمد كامِل قره بللي.دار الرسالة العالمية، 1430 هـ ـ 2009 م.

صحيح البخاري، لمحمد بن إسماعيل أبي عبدالله البخاري الجعفي، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)،ط1، 1422هـ.

صحيح مسلم، لمسلم بن الحجاج أبي الحسن القشيري النيسابوري ، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

الغريبين في القرآن والحديث، لأبي عبيد أحمد بن محمد الهروي، تحقيق ودراسة: أحمد فريد المزيدي،  مكتبة نزار مصطفى الباز ـ المملكة العربية السعودية، ط1، 1419 هـ – 1999 م.

مسند أحمد، لأحمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرون، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1: 1419 /1998.

المعجم الكبير، لسليمان بن أحمد بن أيوب أبي القاسم الطبراني، تحقيق : حمدي عبد المجيد السلفي، مكتبة العلوم والحكم ـ الموصل، ط2، 1404 ـ 1983م.

المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، لأبي زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط2، 1392.

*راجع المقال: الباحث محمد إليولو

Science

عبد الفتاح مغفور

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق