مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثقراءة في كتاب

كشف النقاب الحاجب عن مصطلح ابن الحاجب

يعتبر المختصر الفرعي لابن الحاجب، الموسوم بـ»جامع الأمهات«، من المختصرت الفقهية المالكية التي جمعت فروع المذهب باستيعاب؛ إذ عرض فيه مؤلفه زبدة ما في الأمهات الفقهية التي تقدمته، مثل المدونة، ومختصراتها، وغيرها، وهذا ما دفع العلماء من بعده إلى التنافس في خدمته؛ شرقا وغربا، حفظا وشرحا، ومن أهم الشروح التي وضعت عليه: كتاب »تسهيل المهمات في شرح جامع الأمهات« لبرهان الدين إبراهيم بن علي ابن فرحون اليعمري(ت799هـ)، جمع فيه هو الآخر ما تقدمه من الشروح على الكتاب، مثل شرح ابن عبدالسلام(ت749هـ) المسمى »تنبيه الطالب لفهم ابن الحاجب«، وشرح ابن راشد القفصي(ت748هـ) المسمى »الشهاب الثاقب«، وشرح الشيخ خليل(ت776هـ) المسمى »التوضيح«، وبالإضافة إلى جمعه بين هذه الشروح فإنه يمتاز بالمقدمة الحافلة التي وضعها المؤلف بين يدي القارئ، جعلها مفتاحا يحل الاصطلاحات التي وظفها ابن الحاجب في مختصره، وتكشف عن منهجه فيه، ونظرا لأهميتها، وقيمتها العلمية الكبيرة في فهم الأصل وبيان مشكلاته، أشار ولد ابن عرفة: محمد بن محمد بن عرفة على ابن فرحون – حيث عرض عليه هذا الأخير مؤلفاته لما نزل عنده بالمدينة في حجة سنة (ت772هـ)- بإفرادها عن الشرح؛ لينتفع بها على وحه الاستقلال، فشرح الله صدر ابن فرحون لذلك، فجعل مقدمة شرحه كتابا مستقلا وَسَمَهُ بـ» كشف النقاب الحاجب عن مصطلح ابن الحاجب«، وقد أضحت بالفعل مرجعا لا يستغني عنه الطالب المبتدي، ولا الفقيه المنتهي.

يَضُمُّ »كشف النقاب« بين دفتيه تسعة عشر فصلا هي كالآتي: الفصل الأول في المشهور، والثاني في الأشهر، والثالث في الأصح، والرابع في الصحيح، والخامس في الظاهر والواضح والأظهر، والسادس في المنصوص، والسابع في التخريج والإجراء والاستقراء، والثامن في المعروف، والتاسع في الإجماع والاتفاق، والعاشر في المذهب، والحادي عشر في الجمهور والأكثر وأكثر الرواة والكثري أو جلّ الناس وفقهاء الأمصار، والثاني عشر في الأحسن والأولى والأشبه والمختار والصواب والحق والاستحسان، والثالث عشر في الروايات والأقوال وما يتعلق بذلك، والرابع عشر في قول ابن الحاجب: »ثالثها«، والخامس عشر في قوله: »رابعها«، والسادس عشر في قوله: »وفيها«، والسابع عشر في التنبيهات وما يتصل بها، والثامن عشر في بيان معاني ألفاظ وقعت في الكتاب، والتاسع عشر في بيان أسماء مبهمة وقعت فيه. ومن هذه الفصول ما حَوَى تفريعات داخله يفصل بينها بقوله »فصل« على طريقة المتقدمين.

جرى المؤلف في بيان الاصطلاحات التي أطلقها ابن الحاجب في مختصره على منهج واضح في عمومه، إذ يشرح المصطلح ويبين معناه إذا كان مما يحتاج إلى ذلك، مشيرا أنه قاعدة في الكتاب ، ثم يُرْدِفُ بذكر الأمثلة من مختلف أبواب الأصل، مُبَيِّناً  الباب الذي توجد فيه تسهيلا للوقوف عليها، وغالبا ما يُتْبِعُ هذا بذكر مجموعة من التنبيهات الضرورية هي بمثابة اسثتناء من القاعدة، فيشير إلى أن هذه القاعدة أو الجواب لا يطَّرد في كلام المؤلف، ويُعَزِّزُ ذلك بالأمثلة أيضا، ويُنَبِّهُ على بعض المسائل التي خالف فيها ابن الحاجب المذهب، مثل تشهيره ما ليس بمشهور، وعلى مواضع خالف فيها منهجه، وعلى مسائل أخرى قد يقع الوهم للقارئ في فهم مراده منها، كأن يُصدر بقوله: ظاهر المدونة (كذا)، ثم يذكر مذهب العراقيين، فَيُظن أن ظاهر المدونة  الذي صدَّر به هو المشهور وليس كذلك، ومثله في غير مصطلح المشهور، وغالبا ما يستغني المؤلف بالإحالة إلى الأصل عن إيراد كلامه كاملا طلبا للاختصار، ولم يَخْلُ الكتاب من فوائد مهمة تتعلق بالأصل و غيره، ومنها ما أفاده بخصوص نسخ الكتاب، كما عند تمثيله لقاعدة التصدير بحكم المسألة، ثم العطف عليه بـ»قيل«، للدلالة على أن الأول هو المشهور، جاء فيه:  كقوله في صيام يوم الشك: »وفي صومه تطوعا الكراهة والجواز« هكذا في النسخ؛ لصحيحه، وكذا وقع في النسخة المقروءة على ناصر الدين الأبياري، وفي نسخة ابن عبدالسلام، ويلزم عليها تقديم غير المشهور، فإن الجواز هو المشهور، وفي بعض النسخ تقديم الجواز على الكراهة، فينتفي الانتقاد، وكقوله في الاعتكاف: »ومن نذر اعتكاف ليلة فقيل: يبطل«… لكن في بعض النسخ: »ومن نذر اعتكاف ليلة لزمه يومها، وقيل: يبطل«، ولعله من إصلاح بعض الطلبة، فإن المؤلف أذن لناصر الدين الأبياري في إصلاح كتابه، وأذن له أن يأذن لمن يشاء، ورأيت خط القاضي ناصر الدين بالإذن لبعض من قرأ عليه الكتاب، ولذلك نجد النسخ مختلفة في بعض المواضع، فينبغي للفقيه والمفتي التنبه لمثل ذلك فهو كثير في الكتاب.

رجع ابن فرحون في تأليف كتابه إلى مصادر كثيرة ومتنوعة، واعتمد بالأخص على شروح الكتاب المتقدم ذكرها، وعلى مؤلفات أخرى في الفقه وأصوله، لعلماء المذهب وغيرهم من أرباب المذاهب الأخرى، خاصة الشافعية.

صدر الكتاب عن دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1990م، تحقيق حمزة أبو فارس، وعبدالسلام الشريف، وتحتاج هذه الطبعة إلى مزيد مراجعة وتصحيح.

الكتاب كشف النقاب الحاجب عن مصطلح ابن الحاجب.
المؤلف برهان الدين إبراهيم بن علي ابن فرحون اليعمري الأندلسي(ت799هـ)
مصادر ترجمته توشيح الديباج (45)، ونيل الابتهاج (33)، وكفاية المحتاج(96)، وشجرة النور الزكية (222).
دار النشر دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1990م، تحقيق حمزة أبو فارس، وعبدالسلام الشريف.
الثناء على المؤلف قال أحمد بابا في كفايته: مقدمة من عرفها سهل عيله حلّ الكتاب.

إنجاز: د.مصطفى عكلي

Science

الدكتور مصطفى عكلي

باحث مؤهل متعاون مع مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط

عميد كلية الدراسات الإسلامية بالإنابة بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

أستاذ مساعد بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية أبو ظبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق