مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثقراءة في كتاب

كشف القناع عن تضمين الصناع

  يُعدُّ كتابُ «كشف القناع عن تضمين الصُّنّاع»، لأبي علي الحسن بن رحَّال بن أحمد المعداني(ت1140هـ)، من المؤلفات الطريفة والفريدة في موضوعها، ألفه صاحبه وفق أصول وفروع المذهب المالكي، وتبرز قيمة هذا الكتاب في كونه حاول إماطة اللثام عن نازلة مُشْكلة في فقه المعاملات، تتعلق بقضية تضمين الصناع والأجراء لما يقبضونه ويدخل تحت أيديهم، وبالعيوب التي تظهر على الدواب بعد بيعها، وقد كثر  الكلام حول هذه النازلة بين الفقهاء في القديم والحديث، مما جعل ابن رحال ينبري لها بتأليف يجمع شتاتها وجزئياتها من بطون أُمَّات المذهب المالكي، ومن جملة ما بحثه رحمه الله في هذه الكتاب الإشكالات التالية: هل الحراس يضمنون لما يحرسونه، وكذا الأكرياء للطعام، والفَرَّان لما يتلف له من خبز، والطَّحَّان لما يدفع له من طعام، وخازن الزرع في داره لغيره، والسَّماسرة لما يُضيَّعونه، والرَّاعي لما يرعى للناس، وما إلى ذلك، وتلك مسائل لا يُعلم  أنَّ هناك من خصها من فقهاء المذهب بتأليف مفرد في الموضوع، وإنما كانوا يكتفون فقط بالتطرق إليها داخل بعض الأبواب من دواوينهم الفقهية، كما في المدونة من رواية الإمام سحنون (ت240هـ)، عن عبد الرحمن بن القاسم العتقي (ت191هـ)، وأصول الفتيا للإمام  ابن الحارث الخشني (ت361هـ)، وتحفة الحكام في نكت العقود والأحكام، للإمام ابن عاصم الأندلسي (ت 829هـ).

  وابن رحال كعادته عند إثارته لمثل هذه المواضيع لا يقدم لها بتقديم أو تمهيد، بل يلج مباشرة  إلى المقصود، ومن طالع أول الكتاب تفطن لهذا من أول وهلة؛ إذ نجده رحمه ينطلق مباشرة  من نص لابن رشد رحمه الله في مقدماته يقول فيه: (الأصل في الصناع أن لا ضمان عليهم، وأنهم مؤتمنون؛ لأنهم أجراء، وقد أسقط النبي صلى الله عليه وسلم الضمان على الأجراء)، والذي يظهر أن شيخنا لم يعجبه هذا الإطلاق بحكم ما أصاب الناس في زمانه من جهة ضعف الوازع الديني عندهم وقلة الأمانة، فبدأ بالتأصيل لما ذكره ابن رشد، وبيان ما يتفرع عن ذلك من جزئيات فقهية، وما  يمكن استنباطه واستخراجه منها من قواعد وأحكام.

  ومما زين هذا الكتاب ورفع من شأنه ذلك المنهج الرصين الذي سلكه صاحبه فيه؛ إذ تميز بالسهولة والوضوح، والبعد عن التكلف، وشرح ما يحتاج إلى شرح دون إطناب أو حشو، والاستدلال ببعض النصوص والأقوال، مع تعقبه ونقده وتعليقه على جملة منها، إضافة إلى إبداء رأيه في بعض الأحكام.

  أما مصادره التي صاغ من خلالها مادة هذا الكتاب فهي كثيرة؛ أذكر منها على سبيل المثال: المدونة من رواية سحنون(ت240هـ)، عن عبد الرحمن بن القاسم (ت191هـ)، والعتبية لمحمد بن أحمد العتبي (255هـ)، والواضحة لعبد الملك بن حبيب (ت238هـ)، والمقدمات الممهدات لأبي الوليد بن رشد (ت520هـ)، والتنبيهات لأبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي (ت544هـ)، وعقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة  لأبي محمد جلال الدين عبد الله ابن شاس (ت616هـ).

   ورغم صغر حجم هذا الكتاب إلا أنه حوى بين طياته علما غزيزا استفاد منه بعض المالكية في تحرير بعض المسائل الفقهية، أذكر منهم أبا الحسن علي بن عبد السلام التسولي (ت1258هـ)، في كتابه: البهجة في شرح التحفة.

  طبع الكتاب أربع مرات: الأولى على الحجر بمدينة فاس، والثانية بتحقيق وترجمة المستشرق الفرنسي جاك بارك، نشر مطبعة كربونال بالجزائر سنة (1949م)، والثالثة بتحقيق الدكتور محمد أبو الأجفان رحمه الله، نشر المؤسسة الوطنية للترجمة والتحقيق والدراسات بتونس، الطبعة الأولى (1986هـ)، والرابعة بنفس التحقيق وصدرت عن دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى (1417هـ – 1996م).

الكتاب: كشف القناع في تضمين الصناع.

المؤلف: أبو علي الحسن بن رحال المعداني (ت1140هـ).

مصادر ترجمته: نشر المثاني (3/293-294)، وطبقات الحضيكي (1/212)، وإتحاف أعلام الناس( 3/7-9).

دار النشر: دار البشائر الإسلامية،  تحقيق الدكتور: محمد أبو الأجفان، الطبعة الأولى (1417هـ – 1996م).

 الثناء على المؤلف: قال محمد بن الطيب القادري: صاعقة المذهب المالكي في وقته، ومالك زمانه.

إعداد: ذ. رشيد قباظ

Science

الدكتور رشيد قباظ

باحث مؤهل بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء بالرباط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق