مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام

“كرامة”، محاميات مسلمات من أجل حقوق الإنسان

 

بشرى لغزالي

 

 

تهتم عدة مؤسسات بحثية عبر العالم بالقضايا النسائية والإسلام عبر إصداراتها العلمية والأكاديمية وأنشطتها الفكرية. وتسعى في مجملها إلى إبراز صورة النساء في الإسلام، ولاسيما في ظل الصورة القاتمة التي يروجها الإعلام الغربي عن الإسلام والمسلمات، وتسليط الضوء على القيم الإنسانية التي جاء بها الإسلام مثل المساواة والكرامة. وتُعتبر “كرامة” إحدى هذه المؤسسات التي انطلقت من مبدإ الكرامة القرآني باعتباره حقا إنسانيا بهدف دعم القضايا النسائية. فكيف تأسست “كرامة”؟ وما هي أهدافها وغاياتها؟ وكيف تسعى عمليا إلى دعم المسلمات على المستوى الحقوقي؟

ما هي “كرامة”؟

“كرامة” هي جمعية تأسست سنة 1993 بواشنطن لتحسين معرفة النساء المسلمات بحقوقهن ودعمها في كافة أرجاء المعمور من أجل مشاركة فعالة في مجتمعاتهن المدنية والمجتمع الدولي. وتأتي هذه الجمعية لتنشر فكرة أن الله تعالى لا يفرق بين الذكر والأنثى ويمنح الكرامة لجميع البشر بغض النظر عن الجنس مصداقا لقوله تعالى: “ولقد كرمنا بني آدم…” (سورة الإسراء:70).

وانطلاقا من هذه الآية الكريمة جاءت تسمية الجمعية “كرامة” لتعلم المسلمات على وجه الخصوص هذه الفكرة بغية تحسين أنفسهن ومجتمعهن، وفكرة عدم وجود تعارض في الإسلام بين حقوق الإنسان والعقيدة من خلال مجموعة من البرامج التعليمية والبحث الفقهي وشبكة تضم فقيهات وفاعلات في المجال القانوني وقياديات مسلمات. وقد تأسست “كرامة” على المبدإ الأساسي أن التعليم والحوار والعمل الجاد أفضل الأدوات لمحو الآثار الوخيمة والمدمرة للجهل والصمت والتعصب.

كيف جاءت فكرة جمعية “كرامة”؟

تأسست هذه الجمعية بفضل مجهودات الدكتورة عزيزة الهبري، أستاذة القانون وباحثة إسلامية بجامعة ريتشموند، إذ بدأت سنة 1981 بإنتاج الأبحاث الفقهية الإسلامية والكتابة كأستاذة فلسفة بجامعة تكساس إيه أند إم ثم أستاذة قانون بجامعة ريتشموند بكلية الحقوق. وسعت الدكتورة عزيزة إلى محو الفهم الخاطئ عن وضع المرأة في الإسلام الذي يحمله المدافعون عن حقوق المرأة في الغرب. وأدركت الحاجة إلى رؤية إصلاحية جديدة مترسخة في الفقه الإسلامي المبني على العقيدة وتفهمت أن المسلمات سيقاومن الإصلاحات التي تتعارض مع عقيدتهن.

وبالفعل، تحول هذا الهدف من فكرة إلى واقع سنة 1993 تجسد عبر تشكيل مجموعة صغيرة من الأفراد تطورت حتى صارت جمعية متوسعة تشتغل على نطاق أوسع. ومنذ عام 2003، طورت جمعية كرامة أوراش عمل تعليمية مكثفة داخل الولايات المتحدة وخارجها، وقدمت دورات متخصصة في قواعد الفقه الإسلامي فيما يتعلق بمبدإ المساواة بين الجنسين.

وعلى مر السنوات، أصبحت “كرامة” مقصد العديد من الجهات لمعرفة آرائها ووجهات نظرها في مختلف المسائل القانونية المرتبطة بالإسلام، بما فيها الهيئات التابعة لحكومة الولايات المتحدة والحكومات الأخرى ووسائل الإعلام والأكاديميين ومنظمات حقوق الإنسان الأخرى. وتعمل “كرامة” من خلال فريقها على نشر برامجها التعليمية والبحثية في الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط.

ما هي أهداف “كرامة”؟

سعيا من “كرامة” لبناء مجتمع عالمي يتأسس على الاحترام والكرامة، تروم هذه الجمعية المضي قدما بقضية حقوق المرأة المسلمة في المجالات القانونية والاجتماعية. ولتحقيق هذا المبتغى، تعتمد على المعرفة كأداة لتعليم المسلمات وعامّة الناس الحقوق التي كفلها الإسلام للمرأة، وتَشارُك هذه المعرفة لتمكين النساء من نقل معارفهن في الشريعة الإسلامية إلى أوطانهن وأقلياتهن ومجتمعاتهن والبدء في الدفاع عن حقوقهن وحقوق كل المسلمات. ولا تقتصر هذه المعرفة على مجالات الفقه الإسلامي، بل تشمل أيضا القيادة وحل النزاعات لتكون المسلمات رائدات في إحداث التغيير داخل مجتمعاتهن، وتمكينهن لتولي الدفاع عن أنفسهن في مختلف المواقف والبيئات. كما تصبو كرامة إلى إقامة جسر للتقريب بين العقائد والثقافات والمجتمعات وسد الهوة بينها من خلال حرية الاستشارة القانونية والحوار في الولايات المتحدة أو خارجها.

وفي ظل المشاعر المعادية للشريعة الإسلامية المستندة على معلومات خاطئة عن الشريعة بشكل خاص والإسلام عموما، تهدف “كرامة” إلى تصحيح هذه الفهوم عبر تقديم سلسلة من المحاضرات لتوعية المسلمين وغير المسلمين حول ماهية الشريعة وكيفية ممارستها في الولايات المتحدة والقضايا الدستورية المحيطة بحظر محتمل، وآثار هذا الحظر على الحرية الدينية في أمريكا.

كيف تسعى “كرامة” إلى تحقيق هذه الأهداف؟

لتحقيق هذه الأهداف ونقل تلك المعارف، قامت كرامة بتكوين شبكة عالمية من المدافعين الأكفاء عن حقوق المرأة المسلمة الذين يملكون دراية بمبادئ الإسلام في المساواة بين الجنسين ولديهم القدرة على تشارك مثل هذه المعلومات مع الآخرين. كما أنشأت “كرامة” شبكة من الفقيهات والمحاميات والقياديات المسلمات اللواتي يشاركن في الأبحاث الفقهية الإسلامية وفي تكوين المسلمات الأمريكيات والأجنبيات من خلال برامج القانون والقيادة والأبحاث. وتقوم أيضا بإنتاج وتجميع الأبحاث الفقهية ونشر علم فقهاء وعلماء من جميع أنحاء العالم، وكتابة المقالات وإلقاء المحاضرات، وتطوير برامج متعمقة وشاملة طبقا للشريعة الإسلامية.

وتنظم برامج وِورَش عمل في الولايات المتحدة وأوربا والشرق الأوسط، حيث تعمل هذه البرامج على تزويد المشاركات بالمعرفة عن الشريعة الإسلامية والحقوق التي كفلها الإسلام للمرأة وتوفير التداريب والخبرة اللازمة في جميع النواحي العملية. كما تنقل تلك المعارف عبر مختلف البرامج المبنية على الأسس التعليمية والتوعية القانونية والحوار. كما تعتمد كرامة على هذه الدورات التدريبية والبرامج التعليمية لمساعدة المشاركات على تطوير مهارات القيادة وحل النزاعات، ودعم النساء بالوسائل الضرورية لإحداث تغير إيجابي عبر التعلم في إطار ديني.

وتختلف مدة هذه البرامج وأوراش العمل لتتراوح مابين يوم إلى ثلاثة أسابيع مثل “برنامج القانون والقيادة الصيفي”. كما تدعو الجمعية المسلمات الأمريكيات إلى الحديث عن التمييز الذي يتعرضن له في مجتمعهن الأمريكي لتسليط الضوء عليه باعتباره من قضايا الحقوق المدنية، ووضع أرضية للنقاش تمكن المسلمات الأمريكيات من معالجة الإشكاليات المطروحة في مجتمعهن.

تعتمد مؤسسة كرامة إذن على المعرفة والبرامج التفاعلية باعتبارها مفتاحا للتوعية ودافعا للتغيير يمكن المستفيدات من أخذ الخبرة واكتساب المعرفة ونقلها بدورهن إلى محيطهن ومجتمعهن. كما يمكن القول بأن برنامج كرامة يتسم بالشمولية لأنه لا يقتصر على التوعية الدينية فحسب، بل يضم أيضا جوانب قانونية وعملية على مستوى القيادة وحل النزاعات مثلا. كما أن استهداف أنشطتها المسلمين وغير المسلمين داخل الولايات المتحدة وخارجها، يسمح بتعميم الفائدة. لكن مختلف الأحداث المأساوية التي يعرفها العالم والتي تُوجَّه فيها أصابع الاتهام للإسلام والمسلمين أو مشاعر الكراهية التي يذهب ضحيتها أفراد من الجاليات المسلمة تجعل مهمة “كرامة” شاقة ومحفوفة بالصعاب والعقبات، وتُبرز مدى أهمية الوعي بالآخر وبثقافته وفكره ودينه في إذابة مجموعة من الأفكار الخاطئة عنه تكون دافعا مبررا لسلوكات عدائية.

يمكن الاطلاع على موقع “كرامة” على الرابط التالي: http://karamah.org/ar/

 

 

نشر بتاريخ: 01 / 04 / 2015

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق