مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثقراءة في كتاب

كتاب البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل في مسائل المستخرجة

كتاب: «البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل في مسائل المستخرجة» للقاضي الفقيه أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد ـ الجد ـ القرطبي (تـ520هـ) كتاب حافل من أمّات مصادر الفقه المالكي، وقد عدّه المختصون بيانا شافيا، وتحصيلا كافيا، وشرحا وافيا، وتعليلا لمسائل كتاب «المستخرجة» ـ من أسمعة تلامذة الإمام مالك ـ لمؤلفه الراوية الفقيه: محمد بن أحمد العتبي (تـ255هـ).

استغرق تأليفه اثنتي عشرة سنة، أودعه ابن رشد جميع معارفه الفقهية التي اكتسبها من دراساته «للمدونة» وما كتبه عليها أئمة المذهب ـ في خلال سبعة أجيال ـ من شروح، واختصارات، وتفريعات، وزيادات، وتعليقات، وقد استوعب جميع مسائل «المستخرجة»، و«المدونة» اللّتين كان فقهاء الغرب الإسلامي في القرون الأولى يتسارعون في حفظهما، ويقطعون أعمارهم في تدارس ما كُتب حولهما، وقد تمكن الفقيه العلامة أبو الوليد ابن رشد من أن يطلع على كل ما كتب حولهما إلى زمانه، وينقده نقد المجتهد الخبير في نطاق المذهب المالكي.

وعن سبب تأليف ابن رشد للكتاب: فقد جاء في مقدمة «البيان والتحصيل» أن جماعة من فقهاء جيّان أصحاب ابن رشد جاؤوه في صدر (506هـ)، وبعض الطلبة من أهل شلب يقرأ عليه في كتاب الاستلحاق من العتبية، فمر بمسألة أشكلت على القارئ والحاضرين، فشرحها لهم بما أزال غموضها، ورغبوا إليه أن يتتبع عويص هذا الكتاب بالشرح والبيان، فرد عليهم ابن رشد بأن العتبية كلها بحاجة إلى توجيه وتوضيح، فاشتد إلحاحهم، فلم يجد ابن رشد بدا من إسعافهم والشروع في تحرير كتاب البيان والتحصيل مرحلة مرحلة، حتى إذا حلّ عام (511هـ) وقد أكمل نيفا وخمسين جزءاً ـ أي نحو نصف الكتاب ـ امتُحن بالقضاء، وشغلته أمور المسلمين عن التأليف، فلم يعد يتفرغ إليه إلا يوما واحدا في الأسبوع ينقطع فيه عن الناس، ومضت أربعة أعوام هكذا في القضاء لم ينجز خلالها الشيخ إلا أربعة كتب أو خمسة، قال: «فأيست من تمامه في بقية عمري إلا أن يريحني الله تعالى من ولاية القضاء، وكنت من ذلك تحت إشفاق شديد وكرب عظيم، وذكرت ذلك لأمير المسلمين وناصر الدين أبي الحسن علي بن يوسف بن تاشفين ـ أدام الله تأييده وتوفيقه ـ في جملة الأعذار التي استعفيت بسببها، وغبّطته بالأجر على تفريغي لتمامه، فقبل الرغبة فيما رغّبته فيه من الثواب، وأسعف الطلبة فيه لما رجاه بأن تثقل بذلك موازينه يوم الحساب».

وتدارك ابن رشد ما فاته أيام القضاء بعد إعفائه منه أواسط (515هـ)، فأقبل بكليته على كتابة ما بقي من البيان والتحصيل حتى أتمه مستهل ربيع الآخر من عام (517هـ).

وجلس ابن رشد في أول محرم من عام (518هـ) لإسماع كتابه البيان والتحصيل بعد أن استخرج منه أصلا أباح للناس أن يكتبوا منه، فكان يقرأ فيه تلميذه ابن مسرّة، والشيخ ممسك بالمسودة التي نقل منها ذلك الأصل وقُوبل بين يديه.

وأما عن عمله في الكتاب فقد ذكره في مقدمته فقال: «أذكر المسألة على نصها، ثم أشرح من ألفاظها ما يفتقر إلى شرحه، وأُبَيّن من معانيها بالبسط لها ما يحتاج إلى بيانه وبسطه، وأحصل من أقاويل العلماء فيها ما يحتاج إلى تحصيله، إذ قد تتشعب كثير من المسائل وتفترق شعبها في مواضع، وتختلف الأجوبة في بعضها لافتراق معانيها، وفي بعضها باختلاف القول فيها، فأبين موضع الوفاق منها من موضع الخلاف، وأحصل الخلاف في الموضع الذي فيه منها الخلاف، وأذكر المعاني الموجبة لاختلاف الأجوبة فيما ليس باختلاف، وأُوَجّه منها ما يحتاج إلى توجيهٍ بالنظر الصحيح والرد إلى الأصول والقياس عليها، فإن تكررت المسألة في موضع آخر دون زيادة عليها ذكرتها في موضعها على نصها، وأحَلتُ على التكلم عليها في الموضع الأول؛ وإن تكررت في موضع آخر بمعنى زائد يحتاج إلى بيانه والتكلم عليه كتبتها أيضا على نصها وتكلمت على المعنى الزائد فيها، وأحلت في بقية القول فيها على الموضع الذي تكلمت على المعنى الزائد فيه من الرسم والسماع الذي وقع الكلام فيه عليها، ليكون كل من أشكل عليه معنى من المعاني في أي مسألة كانت من مسائل الكتاب طلبها في موضعها من الكتاب، فإما أن يجد التكلم عليها فيه مُسْتَوفى، وإما أن يجد الإحالة على موضعه حيث تقدم».

الكتاب كتاب البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل في مسائل المستخرجة.
المؤلف القاضي الفقيه أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (تـ520هـ).
مصادر ترجمته  الغنية للقاضي عياض (54-57)، الصلة لابن بشكوال (2/546-547)، بغية الملتمس للضبي (41)، الديباج المذهب (2/229).
دار النشر  دار الغرب الإسلامي ـ بيروت ـ ، تحقيق: (محمد حجي، أحمد الحبابي، سعيد أعراب، أحمد الشرقاوي، أحمد الخطابي، محمد العرائشي)، الطبعة الثانية 1408هـ/1988م».
قال ابن عميرة الضبي  «ومن تآليفه كتاب البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل العتبية وهو كتاب ظهر فيه».

Science

الدكتور مصطفى عكلي

باحث مؤهل متعاون مع مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط

عميد كلية الدراسات الإسلامية بالإنابة بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

أستاذ مساعد بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية أبو ظبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق