مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه: شعبان

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا  محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

لا ريب أن فضائل الأشهر ثابت في السنة، وكان صلى الله عليه وسلم يحب بعض الأشهر على بعض، لرفعة درجات العمل فيها، ومكانتها عند الله تعالى، ومضاعفة الثواب فيها، واختصائصها بخصائص وميزات، فالله تعالى جعل الأشهر، وفضل بعضها على بعض في الأعمال الصالحة.

ومن هذه الأشهر: شهر شعبان، الذي نعد أيامه، وهو أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه: شعبان، ثم يصله برمضان».

هذا الحديث رواه من حديث عائشة رضي هذا  الله عنها: أحمد في مسنده[1]، رقم الحديث: 25548، وأبي داود في سننه[2]: كتاب الصوم، باب في صوم شعبان، رقم الحديث: 2431، والنسائي[3] في سننه الصغرى: كتاب الصيام، صوم النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، وذكر اختلاف الناقلين في ذلك، رقم الحديث: 2350، والكبرى: كتاب الصيام، صوم النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، وذكر اختلاف الناقلين في ذلك، رقم الحديث: 2671، وصيام شعبان، رقم الحديث: 2922، والبيهقي[4] في سننه الكبرى: كتاب الصوم، باب فى فضل صوم شعبان، رقم الحديث: 8691، وشعب الإيمان، رقم الحديث: 3538، وجزء فضائل الأوقات: باب في فضل شعبان، رقم الحديث: 19، والحاكم في مستدركه[5]، وقال: “هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه”، وابن خزيمة في صحيحه[6]: كتاب الصيام، باب استحباب صوم شعبان ووصله بشهر رمضان إذ كان أحب الشهور إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصومه، رقم الحديث: 2077، والبغوي في شرح السنة[7]: كتاب الصيام، باب صوم شعبان، رقم الحديث: 1779.

استشف العلماء من هذا الحديث أحكاما فقهية، وفوائد علمية، انتقيتها من شروح كتب الحديث، وهذه نتف منها، مرتبا إياها على سنوات وفيات المؤلفين، مقتصرا منهم على المتأخرين:

قال أبو العباس ابن رسلان المقدسي (المتوفى عام: 844 هـ): “فإن قيل: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخص شعبان بصيام التطوع فيه مع أنَّه قال: أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم. فالجواب: أن جماعة أجابوا عن ذلك بأجوبة غير قوية لاعتقادهم أن صيام المحرم أفضل من شعبان كما صرح به الشافعية وغيرهم كما قال النووي: أفضل الأشهر للصوم بعد رمضان الأشهر الحرم، وأفضلها المحرم، ويلي المحرم في الفضيلة شعبان. والأظهر – كما قال بعض الشافعية والحنابلة وغيرهم – أن أفضل الصيام بعد شهر رمضان: شعبان؛ لمحافظته صلى الله عليه وسلم على صومه أو صوم أكثره، ويدل على ذلك ما خرجه الترمذي من حديث أنس: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الصيام أفضل بعد رمضان؟ قال: شعبان، تعظيمًا لرمضان، وذلك لأنه يلي رمضان قبله كما فضل شوال، لكونه يلي رمضان بعده … فظهر بهذا أن أفضل التطوع ما كان قريبًا من رمضان قبله وبعده، وذلك يلتحق بصيام رمضان لقربه منه، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب من الفرائض قبلها وبعدها، فيلتحق بالفرائض في الفضل وهي تكملة لنقص الفرائض”[8].

وقال محمد عبد الرؤوف المناوي (المتوفى عام: 1031هـ): “أخذ منه أن أفضل الصوم بعد رمضان: شعبان”[9].

وقال ابن علان البكري (المتوفى عام: 1057هـ):  “أفضل الصوم بعد رمضان: شعبان، لتعظيم رمضان؛ لأن سبب الفضل مختلف، فالمحرم لكونه فاضلاً في ذاته، وشعبان لتعظيم غيره”[10].

وقال أبو الحسن السندي (المتوفى: 1138هـ): “بل كان يصومه كله فيصله برمضان، والمراد: الغالب”[11].

وقال الأمير الصنعاني (المتوفى: 1182هـ): “أخذ منه أنه أفضل الصوم بعد رمضان، إلا أنه تقدم أفضل الصوم إلى الله بعد رمضان: المحرم، وهو لا يحب إلا الأفضل، ولعل وجه الجمع: أن الإكثار في صوم شعبان أفضل، لحديث عائشة: أنه لم يكن يصوم في شهر أكثر من شهر شعبان، ويطلق الصوم أفضل في شهر محرم”[12].

وقال شرف الحق الصديقي (المتوفى عام: 1329هـ): “كون شعبان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس على الإطلاق، بل في أمر الصوم فقط، فيجوز أن يكون أحب الشهور إليه صلى الله عليه و سلم في غير أمر الصوم غير شعبان، والوجه الأول هو القوي”[13].

وقال أبو محمد السبكي الأزهري (المتوفى: 1352هـ): “كان صوم شعبان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من صوم غيره من بقية الشهور التي كان يتطوع فيها بالصيام، فإن قلت: لم لم يكثر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصوم في المحرم، وقد قال كما تقدم في: باب في صوم المحرم: أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم؟ أجيب: بأنه يحتمل أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يعلم فضل المحرم إلا في آخر حياته، أو أنه كان يتفق له في المحرم من الأعذار ما يمنعه من إكثار الصيام فيه. والحكمة في إكثاره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصوم في شعبان، ما جاء في حديث أسامة بن زيد قال: قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان. قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين. فأحب أن يرفع عملي … ثم يصله برمضان، أي: يصل صيام شعبان بصيام رمضان، ولا ينافى ما تقدم من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لا تقدموا صوم رمضان بيوم أو يومين، فإن النهى فيه محمول على من لم يصم شعبان كله أو معظمه، بل يصوم اليوم أو اليومين قبل رمضان احتياطا له، ويحتمل أن المعنى أنه يصوم في آخر شعبان حتى يقرب أن يصله برمضان. فقه الحديث: دل الحديث على الترغيب في الإكثار من الصيام في شعبان. وعلى جواز وصل صيامه برمضان، إذا صامه كله أو معظمه “[14].

وقال محمد الإثيوبي (المتوفى: 1442هـ): “سبب محبته له، أنه شهر يَغفُل فيه الناس بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفَع فيه الأعمال إلى اللَّه تعالى، فأحبَّ أن يُرفَع عمله وهو صائم، وقولها: بل كان يصله برمضان، أي: بل كان يصومه كله، فيصله بصوم رمضان، والمراد أنه يصوم غالبه، أو محمول على بعض الأحيان”[15].

صفوة القول: أن شهر شعبان كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس على الإطلاق، بل في أمر الصوم فقط، كما سطره العلماء، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم إسوة حسنة في صيام شعبان، وإن كان وصاله صلى الله عليه وسلم شعبان برمضان من خصائصه صلى الله عليه وسلم، فإنا نأتي برغائب الأعمال بما نطيق.

***************

هوامش المقال:

[1] ) المسند 42/ 354.

[2] ) السنن أبي داود 4 /97.

[3] ) السنن الصغرى 4/ 199، السنن الكبرى 3/ 175-254.

[4] ) السنن الكبرى 4 /292، شعب الإيمان 5/ 351، فضائل الأوقات ص: 113.

[5] ) المستدرك على الصحيحين 1/ 434.

[6] ) الصحيح 3/ 282.

[7] ) شرح السنة 6 /330.

[8] ) شرح سنن أبي داود 10/ 541-542.

[9] ) فيض القدير شرح الجامع الصغير 5 /84.

[10] ) دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين 6/ 637.

[11] ) حاشية السندي على سنن النسائي 4/ 199.

[12] ) التنوير شرح الجامع الصغير 8 /299.

[13] ) عون المعبود شرح سنن أبي داود 4 /72.

[14] ) المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود 10 /188.

[15] ) ذخيرة العقبى في شرح المجتبى 21 /262.

****************

جريدة المراجع

شرح سنن أبي داود لأبي العباس أحمد بن حسين بن علي بن رسلان المقدسي، تحقيق: جماعة من الباحثين، إشراف خالد الرباط، دار الفلاح للبحث العلمي وتحقيق التراث، الفيوم – مصر، الطبعة الأولى: 1437 /2016.

ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (ج21) لمحمد بن علي بن آدم بن موسى الإثيوبي الوَلَّوِي، دار آل بروم للنشر والتوزيع، مكة المكرمة- السعودية، الطبعة الأولى: 1424 /2003.

المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود لأبي محمد محمود بن محمد بن أحمد بن خطاب السبكي، مطبعة الاستقامة، القاهرة- مصر، الطبعة الأولى: 1351-1353.

التنوير شرح الجامع الصغير لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، تحقيق: محمَّد إسحاق محمَّد إبراهيم، مكتبة دار السلام، الرياض- السعودية، الطبعة الأولى: 1432/ 2011.

عون المعبود شرح سنن أبي داود لأبي عبد الرحمن محمد أشرف بن أمير بن علي شرف الحق، الصديقي، العظيم آبادي، اعتناء: مشهور بن حسن آل سلمان، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض- السعودية، الطبعة الأولى: 2009.

فيض القدير شرح الجامع الصغير لعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين المناوي القاهري، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، الطبعة الأولى: 1356.

دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين لمحمد علي بن محمد بن علان البكري الصديقي، اعتناء: خليل مأمون شيحا، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، الطبعة الرابعة: 1425 /2004.

شعب الإيمان لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: عبد العلي عبد الحميد حامد، مختار أحمد الندوي، مكتبة الرشد، الرياض-السعودية، الطبعة الأولى: 1423 /2003.

المستدرك على الصحيحين لأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد الحاكم النيسابوري، وفي ذيله تلخيص المستدرك لأبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية، حيدر آباد- الهند، الطبعة الأولى: 1340-1341-1342.

السنن الكبرى لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، تحقيق: جماعة من العلماء، دار النوادر، الطبعة الأولى: 1424/ 2013، مصورة عن مجلس دائرة المعارف النظامية، حيدر آباد- الهند، الطبعة  الأولى: 1344.

السنن الكبرى لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني، النسائي، تحقيق: حسن عبد المنعم شلبي، إشراف: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1421 /2001.

السنن لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، محمد كامل قره بللي، دار الرسالة العالمية، القاهرة- مصر، الطبعة الأولى: 1430 /2009.

المسند لأحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، تحقيق: جماعة من الباحثين، إشراف: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1421 /2001.

حاشية على سنن النسائي لأبي الحسن محمد بن عبد الهادي السندي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، بيروت- لبنا، الطبعة الرابعة: 1414/ 1994، مصورة عن المطبعة المصرية، القاهرة- مصر، الطبعة الأولى: 1348 /1930.

فضائل الأوقات لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي الخراساني، تحقيق: عدنان عبد الرحمن مجيد القيسي، مكتبة المنارة- مكة المكرمة، السعودية، الطبعة الأولى: 1410.

شرح السنة لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي، تحقيق: زهير الشاويش، شعيب الأرنؤوط، المكتب الإسلامي، بيروت- لبنان، دمشق- سوريا، الطبعة الثانية: 1403/ 1983.

*راجع المقال الباحث: عبد الفتاح مغفور

Science

يوسف أزهار

  • باحث بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسير ة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق