مركز الأبحاث والدراسات في القيمدراسات عامة

قيمة التسامح: المرجعية الإسلامية في مواجهة العنف المرتبط بالتطرف 4/4

4. موقف الدين الإسلامي من التطرف
من الناحية الشرعية فإن التطرف هو المغالاة والإفراط، كالمغالاة أو الزيادة عما جاء في كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الحديث عن التفريط فله مجال آخر غير هذا المجال.
والحديث عن موقف الدين من الإرهاب والتطرف له أهمية كبيرة في إرساء دعائم السلام الذي أصبحت الإنسانية في أمس الحاجة إليه، خاصة بعد كل هذه الحروب التي تركت آثارها المدمرة على العالم كله في مختلف النواحي. ولهذا السبب بالذات أرست الرابطة المحمدية للعلماء أساليب وطرائق لحوار الأديان من خلال لقاءات متعددة وعبر ندوات وملتقيات، إيمانا منها أنه بفضل الحوار الحضاري ينعم سكان العالم بالهدوء والاستقرار، و إذا كان لنا من توضيح في هذا المقام فإننا نوصى باستمرارية الحوار المفيد من اجل الحفاظ على تطبيق المبدأ المعروف(الوقاية خير من العلاج) وربما يجوز لنا إن نقول: إننا لو طبقنا هذا المبدأ منذ شعرنا بإرهاصات الإرهاب وبداية ظهور التطرف على الساحة لتغيير وضع الأمة الإسلامية خاصة والعالم بصفة عامة، لعل ما حدث على الساحة يعطينا الدروس المستفادة والعبر النافعة (إن في ذلك لعبرة لأولى الأبصار).
يتمثل موقف الدين الإسلامي من الإرهاب والتطرف في مواقف عديدة منها على سبيل المثال:
–   ترك النهى عن الإرهاب والتطرف يعرض الأمة للهلاك
مما لا شك فيه أن أفعال الإرهابيين والمتطرفين وأقوالهم، وسوء فهمهم يتنافى مع شريعة الإسلام التي أكدت على السماحة واليسر، بل إن الأديان السماوية كلها تأبى التطرف وترفض التنطع في أداء العبادات الشرعية، أو مصادرة اجتهادات الآخرين في المسائل الاجتهادية، أو تجاوز الحدود الشرعية مع المخالف، فكل ما سلف ذكره من المنكرات المحرمة تحريما إجماعيا لما له من الآثار السيئة على الإنسانية وعلى الإسلام والمسلمين بصفة خاصة سواء أكان ذلك بتشويه صورة الإسلام لدى (الغرب) أم بتشويهه لدى عامة المسلمين.
قال الله تعالى: “واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب”، يقول ابن عباس- رضي الله عنهما-: “نزلت هذه الآية في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر فيما بينهم فيعمهم الله بالعذاب”. وفى هذا دعوة صريحة لتعميم الوعي الديني في نفوس المسلمين، وأحياء الحوار الفكري، والتواصل العلمي، والمزيد من تكرار الندوات والمؤتمرات لتحقيق مبدأ الإخاء الإنساني والتعايش السلمي.
ومن هنا نهى الإسلام عن هذه السلبية المقيتة التي قد تسلم الأمة إلى الضياع وتودى بها إلى الهلاك، وأكد الإسلام أن تكون الأمة متكاتفة، متعاونة، معتصمة بحبل الله المتين، سائرة على الصراط المستقيم، وفى ضوء ذلك نفهم مغزى قول النبي صلى الله عليه وسلم: “مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا فى نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا”. ولا أحد ينكر أن أصغر خرق في السفينة- والحال كذلك- يساوى أوسع قبر للمجتمع كله .
–    الدعوة إلى محاصرة الإرهابيين والمتطرفين وشل حركاتهم:
نظرا لأن الإسلام أكد على ضرورة الحفاظ على الكليات الخمس: الدين والنفس والمال والعقل والعرض فقد حدد عقوبة رادعة لكل من يحارب الله ورسوله ويسعى في الأرض فسادا بالاعتداء على الأرواح أو الأعراض أو الأموال أو غيرها قال تعالى: “إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم”
–    القصاص من الإرهابيين لحرمة قتل الناس:
قال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: “فإنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. ألا هل بلغت!؟ اللهم فاشهد”. وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: ” إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النَّار”.
وهكذا شددت السنة النبوية المطهرة على تحريم قتل المسلم. فعن ابن مسعود- رضى الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سباب المسلم فسوق وقتاله كفر”.
–    الدعوة إلى عدم إيذاء الناس وإن لم يكونوا مسلمين:
نهى الإسلام عن إيذاء الآخرين حتى ولو كانوا من غير المسلمين، قال الله تعالى: “والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا”
وقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم إيذاء الذمي إيذاء شخصيا له صلى الله عليه وسلم ولربه جل وعلا. قال عليه الصلاة والسلام: “من آذى ذميا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله”. لأن فيه إعلان الحرب عليه، والإيذاء به ومن المعروف أن الرعب والفزع وما يترتب عليهما يتنافى مع الآداب الإسلامية التي تقوم على السماحة واليسر، والتعامل بالحسنى، والدعوة إلى الله برفق ولين وبالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.
–    التيسير والتبشير:
وإذا كان الدين الإسلامي نهى عن الغلو والتنطع والتنفير والتعسير فإنه رغب في الرفق والتوجيه باللين والتبشير والتيسير فمن وصاياه صلى الله عليه وسلم لمعاذ وأبى موسى عندما بعثهما إلى اليمن “بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا”. ويعلل  صلى الله عليه وسلم ذلك في حديث آخر فيقول: “إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين” والرفق كما هو معلوم لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شأنه”، وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم موقف واضح وصريح في مواجهة الغلو بكل أشكاله حتى ولو كانت مقاصد فاعليه حسنة.
–    نشر المحبة بين الناس:
قال صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى لغيره ما يحب لنفسه” وقال أيضا: ” لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا. ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم”
قال الإمام النووي رحمه الله: “واعلم أن ابتداء السلام سنة ورده واجب، وإن كان المُسلم جماعة فهو سنة كفاية في حقهم، وإذا سلم بعضهم حصلت سنة السلام في حق جميعهم، فإن كان المسلم عليه واحد تعين عليه الرد، وإن كانوا جماعة كان الرد فرض كفاية في حقهم، فإن رد واحد منهم سقط الحرج عن الباقين، والأفضل أن يبتدئ الجميع بالسلام وأن يرد الجميع”
–    الابتعاد عن الغلو:
قال صلى الله عليه وسلم… “إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين”، والغلو كما أشرنا إليه في البداية: هو المبالغة في الشيء والتشدد فيه بتجاوز الحد، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التنطع في الدين نهيا تحريمياً بقوله: “هلك المتنطعون..” قالها ثلاثا. والمتنطعون: هم المتعمقون المغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم.
–    عدم ترويع أمن الناس:
روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يحل لمسلم أو مؤمن إن يروع مسلما” وروي عنه أيضا: “من نظر إلى مسلم نظرة يخيفه فيها- بغير حق- أخافه الله تعالى يوم القيامة” ذلك لأن الإسلام دين السلام والأمان وترويع المسلم وتخويفه يتنافى مع روح الإسلام. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من بات وهو آمن في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه وليلته، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها”.
قال الفخر الرازي – رحمه الله تعالى- وهو يتحدث عن قيمة الأمن وأنها مقدمة على باقي القيم: “إننا إذا أتينا بشاتين إحداهما صحيحة والأخرى سقيمة، ووضعنا أمام السقيمة علفا رديئا، وأمام الصحيحة علفا جيدا، ولكننا ربطنا بجوارها ذئبا تراه ويراها، فإن السقيمة سوف تأكل العلف الرديء، أما الصحيحة التي ترى الذئب فلن تقدم على الأكل من شدة الخوف”.
خلاصات للوقاية من التطرف والإرهاب:
تنمية الوعي الديني الوسطي: على المؤسسات التربوية الإعلامية الدينية والتعليمية وغيرها أن تغرس في أذهان الشباب التعمق في الفقه الإسلامي والوعي الديني، وأن توجههم إلى البحث في العلوم
وجوب إحياء الثقة في المربين والعلماء: لابد من بعث الثقة في العلماء والمفكرين والمربين خاصة الذين يتصدون للفتوى وللدعوة في الوسائل الإعلامية المختلفة، فلعل إحياء روح المحبة والمودة يسهم في محو هذه الفجوة التي ترسبت على مختلف العصور لأسباب عديدة.
الاجتهاد ضمن فقه الواقع بما يتصدى إيجابيا للتيارات الإرهابية: يجب أن تكون للقيمين الدينيين مرونة في التعامل مع قضايا الفقه الإسلامي بما يتطلبه الواقع. والمغرب معروف بفقه علمائه النوازليين.

إعادة النظر في بناء مضامين المناهيج الدراسية: إعادة صياغة مناهج الدراسة فى المؤسسات التعليمية، وتضمينها من التربيات والقيم ما يتصدى لظاهرتي الإرهاب والتطرف انطلاقا من قيمنا الروحية والوطنية، وتشبيع الناشئة بها.
تحصين الشباب: إذا كانت مواقع الأنترنيت لا تخضع لمراقبة فإن من الواجب أن يتم تحصين الشباب للتعامل معها بشكل إيجابي وفق ما يتطلبه راهن الحال درءا لهم من مزالق التطرف والإرهاب.
ترشيد المشهد الإعلامي: ضرورة إعادة النظر فيما يقدم من برامج وأعمال درامية على شاشة التلفزة بما يساير القيم الحضارية لمجتمعنا.
                                                                                               محمد بلكبير
                                                                          رئيس مركز الدراسات والأبحاث في القيم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق