مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

قصيدة عبد السلام بن حمدون بناني الفاسي (ت1130 هـ) في مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

بقلم: عبد الفتاح فيوض

ما أن لاح فجر الإسلام وسطع نوره، وفاحت دلائل رسوله عليه الصلاة والسلام، وذاعت شمائله حتى سارع الشعراء يمجدونه ويمدحون صفاته الخلقية والخلقية، وينشرونها في الناس، فتنافس في ذلك المتنافسون يبتغون فضلا من الله ورضوانا، ويفصحون عما يكنون من فرط حب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وشدة تعلق به، فنظموا نوعا من الشعر يسمى المديح النبوي، وهو  فن ” من فنون الشّعر التي أذاعها التصوف، فهي لون من التعبير عن العواطف الدينية، وباب من الأدب الرفيع لأنها لا تصدر إلاّ عن قلوب مفعمة بالصدق والإخلاص”[1].

ويعتبر حسان بن ثابت رضي الله عنه[2] من السابقين الأولين من الشعراء الذين رسموا لبنات المديح النبوي وأسسوا بنيانه، فصارت قصائد حسان رضي الله عنه للمادحين مثالا يحتذى، ومنهجا بعده يقتفى، فساروا على منواله، ونسجوا على نسجه. وقد تنامت المدائح النبوية بتنامي الدعوة المحمدية، وبحث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الشعراء على الدفاع عن الإسلام وتمجيد أركانه، فابدعوا قصائد في ذلك، تجاوزت إلى مدحه صلى الله عليه وسلم[3].

وكثرت المداح بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ولم تسم رثاء، لأنهم رأوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم حي عند ربه يرزق، فهم يمدحونه كما يمدح الأحياء، وإذا كان الرثاء يراد به إعلان الحزن والتفجع، فلم يقصد ذوو المدائح النبوية سوى التقرب إلى الله تعالى بتعداد شمائل نبيه صلى الله وسلم، ونشر رسالته[4].

ومنذ أن دخل الإسلام المغرب وتعرف أهله على شمائل المصطفى صلى الله عليه وسلم وصفاته الخلقية والخلقية لم يتوانوا لحظة ولم يذخروا جهدا في التعبير عما يختلجهم من حب صادق لرسول الإسلام عليه الصلاة والسلام، فلفرط حبهم له أكبوا بكل نهم على المدائح النبوية، فنظموا قصائد شكلت أبرز تعابيرهم عن تلك العواطف الجياشة.

وتعتبر قصيدة الشاعر عبد السلام بناني الفاسي (ت1130 هـ) نموذجا لهذه القصائد.

ولذلك رأيت أن أقدم قصيدته مقسما الاشتغال عليها إلى قسمين: الأول: تعريف موجز بالناظم وبقصيدته، والثاني: ضبط القصيدة، والتعليق عليها.

أولا: التعريف بعبد السلام البناني الفاسي وبقصيدته:

1 ـ التعريف بعبد السلام البناني:

المصادر المتوفرة لدينا لا تسعفنا في التعريف بعبد السلام بناني الفاسي، سوى بعض الإشارات المبثوثة في فهارس ابنه محمد بن عبد السلام، وما أشار إليه حفيده عبد الكريم بن عبد السلام بن البناني (ت 1196هـ/1781م ) في ترجمة والده ضمن كتاب «تحفة الفضلاء الأعلام في التعريف بالشيخ أبي عبد الله محمد البناني عبد السلام»، فقد خصص الفصل الثاني من الباب الأول للتعريف بجده عبد السلام البناني، سماه: “في ذكر بعض مناقب والده رحمه الله تعالى”. والذي يمكن أن نستشف منه ما يأتي:

اسمه ونسبه:

عبد السلام بن حمدون بن عبد الواحد البناني الفاسي.

والده: سيدي الحاج حمدون بن عبد الواحد، ذكر صاحب “تحفة الفضلاء” أنه كان من حملة القرآن ، يحرص على ختمه. وبعد قراءته للقرآن يخرج لتجارته، وكان غالب جلوسه في السارية التي تقابل محراب جامع القرويين. توفي عام اثنين وتسعين وألف[5].

شيوخه:

كان من شيوخه أبو العباس أحمد بن العربي بن الحاج (ت 1109 هـ/1697م) الذي كان يسرد عليه كتاب الشمائل[6].

وذكر حفيده أنه كان شديد الملازمة للشيخ عبد القادر الفاسي(ت 1091هـ/1680م)، وقد استجازه وأجازه، واستدعى الإجازة منه لولده محمد بن عبد السلام أيضا، كما استجاز شيوخا آخرين مغاربة ومشارقة، وذكر حفيده أن كل من أجاز جده ـ الناظم ـ من الشيوخ كان يعَمّم له الإجازة مع ولده باستدعائه ذلك منهم[7].

ومن هؤلاء الشيخ أبو سالم عبد الله بن محمد العياشي (ت 1090 هـ)، والعلامة أبو عبد الله الخرشي(ت1101 هـ)، و العلامة ملا إبراهيم بن حسن بن شهاب الدين الكوراني الشهرزوري (ت 1101هـ). والشيخ علي الأجهوي (ت1066هـ)، والشيخ عبد الباقي الزرقاني (ت 1099هـ) ، قال ابن الناظم محمد بن عبد السلام (1163 هـ) “وهذان الشيخان المصريان عمما لي الإجازة مع والدي حسب استدعائه”[8].

مؤلفاته

  ذكر صاحب “التحفة” أن جده عبد السلام البناني ألف منظومة في التوقيت، ونظم أشعارا كثيرة وقصائد غزيرة في مدح المصطفى r، كما له قصائد في مدح المولى إدريس الثاني باني مدينة فاس[9].

مكانته:

حلاه حفيده بقوله: “فكان رضي الله عنه عالما أديبا زاهدا ورعا ذا سمت حسن وخط جيد”[10]. وذكر في موضع آخر أنه: ” كان فقيها أديبا ماهرا حافظا”[11].

وفاته:

كانت وفاته على ما ذكر حفيده الشيخ عبد الكريم ليلة الأحد 02 محرم سنة (1136 هـ)/ (1723م)[12].

2 ـ التعريف بالقصيدة:

القصيدة تندرج ضمن أدب المديح النبوي، وهي  من البحر الطويل  تقع في خمسة وخمسين بيتا، وهي ضمن كتاب “تحفة الفضلاء الأعلام في التعريف بالشيخ أبي عبد الله محمد البناني بن عبد السلام” لحفيده عبد الكريم بن محمد بن عبد السلام البناني الفاسي،  الذي ألفه في التعريف بوالده، فعقد الفصل الثاني من الباب الأول في التعريف بجده عبد السلام البناني، فأورد هذه القصيدة[13].

ثانيا: نص القصيدة:

صَلَاةٌ وَتَسْلِيمٌ عَلَى أَشْرَفِ الْوَرَى

رَسُولٌ كَرِيمٌ شَافِعٌ وَمُشَفَّعُ

حَبِيبٌ تَجَلَّى لِلْقُلُوبِ فَأَشْرَقَتْ

بِنُورِ مَعَانِيهِ الْحَقَائِقُ أَجْمَعُ

وَسِرٌّ بَدَا للْخَلْق عِنْدَ ظُهُورِهِ

بَدِيعٌ لَهُ جُلُّ الْخَلَائِقِ تَتْبَعُ

فَكَانَ بِحَمْدِ اللهِ شَمْسًا مُنِيرَةً

أَنَارَتْ قُلُوبًا فَهْيَ مِنْهُ تَشَعْشَعُ

وَأَطْبَاقُ أَرْوَاحِ الْأَنَامِ بِغَرْسِهِ

بِرَوْضَةِ مَعْنَاهُ زَكَتْ تَتَرَعْرَعُ[14]

فَمَا زَالَ يَرْعَاهَا بِعَيْنِ عِنَايَةٍ

وَيُرْخِي عَلَيْهَا ذَيْلَهُ فَتَقَنَّعُ
هُوَ الْمُصْطَفَى الْمَبْعُوثُ لِلْخَلقِ رَحْمَةً

لَهُ شَرَفٌ سَامٍ وَقَدْرٌ مُرَفَّعُ

هُوَ الْمُجْتَبَى الْمُخْتَارُ مِنْ خَيْرِ أُسْرَةٍ

بِتِيجَانِ أَسْرَارِ الْكَمَالِ مُبَرْقَعُ

نَبِيٌّ أَتَانَا بِالشَّرَائِعِ وَالْهُدَى

كَفَجْرٍ يَشُقُّ لَيْلَ كَفْرٍ وَيَصْدَعُ

رَسُولٌ غَدَا سَيْفَ الْإِلَهِ مُهَنّدًا

فَأَكْرِمْ بِهِ سَيْفًا بِهِ الْكُفْرُ يُقْطَعُ

فَلَوْلَاهُ مَا كَانَ الْوُجُودُ بِأَسْرِهِ

وَلَا كَانَتِ الدُّنْيَا الَّتِي هِيَ مَزْرَعُ

وَمِنْهُ بَدَا الْإِحْسَانُ وَالْجُودُ والسَّخَا

فَفِي كَفِّ طَهَ الْمُصْطَفَى الْخَيْرُ أَجْمَعُ

فَمَا الشَّمْسُ إِلَّا مِنْ سَنَا وَجْهِ أَحْمَدٍ

وَلَا الْبَدْرُ إِلَّا مِنْ ضِيَائِهِ يَلْمَعُ

وَلَا عَنْبَرٌ أَذْكَى وَلَا مِسْكُ اَذْفَرٌ[15

يَفُوحَانِ إِلَّا مِنْ شَذَاهُ مُضَوَّعُ[16]

فَكَمْ ظَهَرَتْ مِنْ مُعْجِزَاتٍ لَهُ وَمَنْ         

يُطِيقُ لَهَا حَصْرًا وَلَا هِي تُجْمَعُ

فَمِنْهَا رُجُوعُ الشَّمْسِ بَعْدَ غُرُوبِهَا

وَلَوْلَاهُ مَا كَانَتْ تَغِيبُ وَتَرْجِعُ

وَكَلَّمَهُ الْأَحْجَارُ وَالضَّبُّ جَهْرَةً

وَفِي كَفِّهِ قَدْ كَانَ لِلْمَاءِ مَنْبَعُ

وَلَا شَكَّ فِي الْأَشْجَارِ قَدْ سَجَدَتْ لَهُ

وَشُقَّ لَهُ الْبَدْرُ الْمُنِيرُ الْمُرَفَّعُ

وَأَعْطَى صَحَابِيَّيْنِ[17] سَوْطَيْنِ لَيْلَةً

بَدَا لَهُمَا نُورٌ عَلَى الْجَوِّ يَسْطَعُ

مَدَحْتُكَ يَا غَوْثَ الْأَنَامِ وَإِنَّمَا

مَدِيحُكَ أَحْلَى لِلْقُلُوبِ وَأَنْفَعُ

وَلَكِنَّنِي قَصَّرْتُ فِيمَا أَتَيْتُهُ

لِعِلْمِيَ أَنَّ الْأَمْرَ فِي ذَاكَ أَوْسَعُ

وَمَنْ لِي بِحَصْرِ الْمُعْجِزَاتِ وَإِنَّهَا

عَنِ الْحَصْرِ أَفْكَارَ الْخَلَائِقِ تَقْمَعُ

فَخُذْهَا رَسُولَ اللهِ مِنِّي هَدِيَّةً

وَلِي فِيكَ يَا خَيْرَ النَّبِيِّينَ مَطْمَعُ

قَبُولُ الْهَدَايَا بَعْضُ وَصْفِكَ سَيِّدِي

لِذَاتِكَ أَوْصَافُ الْمَكَارِمِ تَرْجَعُ

فَكَمْ قَدْ جَبَرْتَ الْكَسْرَ مِنْ أَهْلِ فَاقَةٍ

وَلَا سِيَّمَا مِثْلِي أَتَى يَتَوَجَّعُ

فَيَا أَحْمَدُ الْمَحْمُودُ جِئْتُكَ قَاصِدًا

وَعَنْ بَابِكَ الْمَفْتُوحُ لَا أَتَضَعْضَعُ

فَأَنْجِزْ بِتَعْجِيلِ الزِّيَارَةِ وَاللِّقَا

بِزَورَتِكَ الْآمَالُ تُرْجَى فَتَنْجَعُ

أَلَا يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّيَ مُقْرَحٌ

وَقَدْ كَلِفَتْ نَفْسِي وَقَلْبِي مُوَلَّعُ

أَلَا يَا رَسُولَ اللهِ قَلْبِيَ شَائِقٌ

وَقَدْ فَنِيَتْ نَفْسِي فَمَا أَنَا أَصْنَعُ

إِلَيْكَ رَسُولَ اللهِ أَلْجَأُ دَائِمًا

لَعَلَّ قَمِيصَ الذَّنْبِ عَنِّيَ يُنْزَعُ

فَلَا تَنْسَنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَمَا

يُشَفِّعُكَ الْمَوْلَى الْكَرِيمُ فَتَشْفَعُ

فَطُوبَى لِمَنْ أَضْحَى بِبَابِكَ وَاقِفًا

وَيَا سَعْدَ مَنْ يُمْسِي بِبَابِكَ يَضْرَعُ

فَيَا رَبِّ أَوْزَارِي عَلَيَّ ثَقِيلَةٌ

دَخَلْتُ حِمَى الْهَادِي بِهِ أَتَشَفَّعُ

فَبِالْعَفْوِ عَامِلْنِي وَقَابِلْ إِسَاءَتِي

فَبَابُكَ مَفْتُوحٌ وَفَضْلُكَ أَوْسَعُ

وَيَا رَبِّ عَافِنِي مِنَ الْمَكْرِ وَالبَلَا[18]

فَأَنْتَ الْمُعَافِي لِلشَّدَائِدِ تَدْفَعُ

وَإِنِّي وَإِنْ كَانَتْ ذُنُوبِي كَثِيرَةً

فَمَا لِيَ بَابٌ غَيرُ بَابِكَ أَقْرَعُ

فَجَاهُ رَسُولِ اللهِ ذُخْرِي وَعُدَّتِي

بِهِ يَبْلُغُ الْمَأْمُولُ مَنْ جَاءَ يَضْرَعُ

فَصَلِّ عَلَيْهِ كُلَّمَا ذُكِرَ اسْمُهُ

وَسَلِّمْ سَلَامًا دَائِمًا لَيْسَ يُقْطَعُ

وَآلٍ وَأَزْوَاجٍ وَصَحْبٍ وَجِيرَةٍ

وَمَنْ يَقْتَفِي أَثْرَ النَّبِيِّ وَيَتْبَعُ

وَسِيلَتِيَ الْعُظْمَى الْحَبِيبُ مُحَمَّدٌ

لَدَيْكَ بِهِ قَدْ جِئْتُ لِلْبَابِ أَقْرَعُ

عَلَيْهِ سَلَامُ اللهِ مَا لَاحَ بَارِقٌ
  

وَمَا سَطَعَتْ[19] لَيْلًا نُجُومٌ وَتَطْلُعُ
عَلَيْهِ سَلَامُ اللهِ مَا وَكَفَ الْحَيَا

وَمَا سَجَعَتْ بِالْأَيْكِ[20] طَيْرٌ وَتَشْجَعُ

عَلَيْهِ سَلَامُ اللهِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ

وَمَا كَانَ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ مُوَدِّعُ

عَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ أَلْفًا مُضَعَّفًا

وَأَضْعَفَ ضِعْفِ الضِّعْفِ وَالْحَصْرُ يُمْنَعُ

عَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ يَا خَيْرَ مَاجِدٍ

لَهُ فِي ذُرَى الْعَلْيَاءِ قَدْرٌ مُرَفَّعُ

عَلَيْكَ رَسُولَ اللهِ أَلْفَ تَحِيَّةٍ

وَآلَافَ أَلْفٍ دَائِمًا تَتَرَفَّعُ

فَيَا خَيْرَ مِفْضَالٍ وَيَا خَيْرَ فَاضِلٍ

وَيَا مَنْ بِهِ شَمْسُ السَّعَادَةِ تَطْلَعُ

وَيَا خَيْرَ مَأْمُولٍ وَيَا خَيْرَ رَاحِمٍ

وَيَا رَحْمَةً تُهْدَى إِلَى النَّاسِ تَنْفَعُ

تَفَضَّلْ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ فَإِنّهُ

بِبَابِكَ عَبْدٌ وَاقِفٌ يَتَضَرَّعُ

[وَ][21]وَفِّقْهُ يَا رَحْمَنُ لِلْخَيْرِ وَالْهُدَى

وَلِلْعِلْمِ وَالتَّقْوَى فَإِنَّكَ تَسْمَعُ

وَلِلأَهْلِ وَالْأَحْبَابِ فِيكَ إِلَهَنَا

وَمَنْ لَهُ فِي نَهْجِ الشَّرِيعَةِ مَنجَعُ[22]

وَشَيْخِيَ وَالْإِسْلَامُ كُنْ لِجَمِيعِهِم

وَمَنْ لَهُ فِي مَدْحِ الْحَبِيبِ تَوَلُّعُ

إِلَيْكَ بَسَطْتُ الْكَفَّ أَرْغَبُ سَائِلًا

عَلَى الْخَلْقِ طُرًّا سُحْبَ جُودِكَ يَهْمَعُ[23]

وَجِئْتُكَ يَا ذَا الْجُودِ وَالْفَضْلِ خَاشِعًا

فَمَا خَابَ مَنْ يَأْتِي إِلَيْكَ وَيَخْشَعُ

وَأَلْقِ سَلَامِي عَابِقًا مُتَأَرِّجًا[24]

يَفُوحُ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ وَيَنْصَعُ

انتهت قصيدة الشيخ عبد السلام بن حمدون البناني الفاسي رحمه الله في المديح النبوي.

فقد استهل الشاعر رحمه الله قصيدته بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم انطلق في الثناء عليه وتعداد صفاته والإشادة بشمائله التي عم نفعها الخلق كافة، فوصفه بالنور الذي أنار الكون، وأنار القلوب فتكشفت به الحقائق، وتغذت به الأرواح وترعرعت في رياضه.

ثم استرسل في  تعداد أوصافه صلى الله عليه وسلم بكونه رحمة للخلق، تميز بشرف النسب وكمال الخلق، جاء بشرع أخرج به الناس من الظلمات إلى النور، وقطع به دابر الكفر، فقام عليه صلاح الدنيا واستقامة الوجود. كما وصفه صلى الله عليه وسلم بمصدر الإحسان والكرم والجود الذي يشمل الخلق جميعا، فهو في ذلك  كالبدر والشمس، وكالعنبر والمسك الفواح.

ثم أبرز معجزاته صلى الله عليه وسلم، فذكر منها رجوع الشمس من مغربها وتكليم الجماد والحيوان، ونبع الماء من كفه وانشقاق القمر وغيرها من المعجزات التي لا تحصى.

ثم أفصح رحمه الله عن قصده من هذا المديح، مبتغيا به النفع لقلبه وإهدائه للممدوح عليه الصلاة والسلام. ومعبرا عن بالغ شوقه إلى زيارة قبره صلى الله عليه وسلم.

ثم توجه بخطابه إلى النبي صلى الله عليه وسلم  يطلب الشفاعة منه، ويتوسل به إلى الله تعالى استغفارا لذنوبه ووقاية له من الزلل. ثم يصلي ويسلم على رسوله صلى الله عليه وسلم وآله وأزواجه وصحبه والمقتفين أثره. وبتضرع إلى الله تعالى بتوفيقه للعلم والتقوى، ويدعو لأهله وأحبابه وشيخه ولجميع محبي النبي صلى الله عليه وسلم ولمحبي مدحه. ثم يختم في الأخير بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إن قصيدة عبد السلام بناني الفاسي تمثل نموذجا للقصائد المغربية في المديح النبوي، التي عبر فيها شعراء المغرب عن فرط حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشدة تعلقهم به، والذي زاد منه بعدهم عن روضته الشريفة مما أذكى شغفهم إلى زيارة مقامه الرفيع، كما أنهم حرصوا من تلك المدائح أن يقدموا لمعاصريهم النموذج الأمثل  للكمال الإنساني، ليقتفوا أثره، ويتبعوا سنته، ويصقلوا مجتمعهم من الأدران العالقة به. فتفجرت قرائحهم  بمدح الرسول صلّى الله عليه وسلّم في قصائد تعبر عن حبهم له، وشدة تلهفهم إلى زيارة مقامه الشريف، فعبروا عما يسري في روعهم، وكيف لا وهم أبناء الإسلام وحماته، المحبين لنبيه والمعجبين بشمائله، والمناصرين لرسالته.

***************

هوامش المقال:

[1]  الدكتور زكي مبارك، المدائح النبوية في الأدب العربي، دار المحجة البيضاء، 1935 (ص17)

[2]  شاعر رسول الله r ، وهو ابن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد بن مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري، توفي سنة خمسين، وهو ابن مائة وعشرين سنة، ستون منها في الجاهلية، وستون في الإسلام. (الاستيعاب 1 /341 ، الإصابة 2/ 55)

[3]  سامي مكي العاني، الإسلام والشعر، (عالم المعرفة، الكویت، العدد 66 ،1978م، ص108).   

[4]  الدكتور زكي مبارك، المدائح النبوية في الأدب العربي (ص17)

[5] تحفة الفضلاء الأعلام 12

[6]  إجازة محمد بن عبد السلام البناني  لمحمد بن الحسن البناني ، نسخة بالخزانة الحسنية الرباط / ضمن مجموع رقم ( 14060)  (ص 132) .

[7]  تحفة الفضلاء الأعلام  (ص 13)

[8] الفهرسة الصغرى لمحمد بن عبد السلام بناني الفاسي، نسخة بمكتبة آل سعود الدار البيضاء رقم (1/330)  (ص 6).

[9] تحفة الفضلاء الأعلام، (ص11، 12)

[10] نفسه  (ص 10)

[11] نفسه  (ص 13)

[12] نفسه  (ص 12)

 نفسه( ص 10 ـ  11) [13]

[14] تنبت وتتحرك. قال الخليل ” تَرَعْرَعَ الصَّبيُّ: أي تحرَّك ونبت” (العين 1/ 87)

 من الذَفَر: كلُّ ريح ذَكِيّةٍ من طيبٍ أو نَتْنٍ. يقال مِسْكٌ أَذْفَرُ، بيِّنُ الذَفَرِ (الصحاح للجوهري، مادة [ذفر] 2/ 663) [15]

[16] من ضاعَ المِسْكُ وتَضَوَّعَ وتَضَيَّعَ، أي تحرَّك وانتشرت رائحته. (المصدر السابق، مادة [ضوع] 3/ 1251)

[17] الصحابيان هما: عباد بن بشر وأسيد بن حضير، خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة فأضاء لهما نور مثل طرف السوط فلما افترقا افترق الضوء معهما. رواه البخاري في كتاب فضائل الأنصار، باب منقبة أسيد بن حضير وعباد بن بشر رضي الله عنهما (3594 )، وأحمد (12980 ).

[18] في قراءة الكلمة عسر، وما أثبته هو الأقرب لخطها. وقد يكون: “من المكر واليا” على أن يكون المعنى: عافني وتولني. أو عافني واجعلني من أوليائك. والله أعلم

[19]  في الأصل “طلعت”، وما أثبت هو المناسب للسياق والدافع للتكرار.

 [20] الأيك: الشجرُ الكثير الملتفُّ، الواحدة أيكة. الصحاح (4 /1375) مادة [أيك]

[21]  الواو ساقط من الأصل بفعل الطمس

[22]  المنجع: الموضع يقصد لما فيه من كلأ وماء. لسان العرب (8 /347) مادة [نجع]

[23]  يهمع : يمطر، والهُموعُ: السيَلانُ. والهامِعُ: السائلُ. الصحاح (3 /1308) مادة [همع].

 [24] من تأرج: فاحت رائحته الطيبة. الغريب المصنف، باب الطيب للنساء وغيرهن (2 /442) 

******************

لائحة المصادر والمراجع:

  •   المدائح النبوية في الأدب العربي، الدكتور زكي مبارك، ، دار المحجة البيضاء، 1935م
  • الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ابن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي ، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت، ط1: 1412 هـ – 1992 م.
  • الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، دار الكتب العلمية بيروت، ط1: 1415 هـ.
  • الإسلام والشعر، سامي مكي العاني، عالم المعرفة، الكویت، العدد 66، 1978م.   
  • تحفة الفضلاء الأعلام في التعريف بالشيخ أبي عبد الله محمد البناني بن عبد السلام. عبد الكريم مخطوط بالخزانة الملكية بالرباط رقم (13900).
  •   إجازة محمد بن عبد السلام البناني لمحمد بن الحسن البناني ، مخطوط بالخزانة الحسنية الرباط / ضمن مجموع رقم ( 14060) .
  • الفهرسة الصغرى، محمد بن عبد السلام بناني الفاسي، مخطوط بمكتبة آل سعود الدار البيضاء رقم (1/ 330) .
  • كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي،  تحقيق: د مهدي المخزومي، د إبراهيم السامرائي. دار ومكتبة الهلال.
  •  الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار. دار العلم للملايين – بيروت. ط4: 1407 هـ‍ – 1987 م.
  •  لسان العرب، ابن منظور، تحقيق: عبد الله علي الكبير، محمد أحمد حسب الله، هاشم محمد الشاذلي. دار المعارف. القاهرة.
  • الغريب المصنف، أبو عُبيد القاسم بن سلاّم تحقيق: صفوان عدنان داوودي، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، الأعداد (101،102،103،104)

*راجع المقال الباحث: عبد الفتاح مغفور

Science

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق