مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراويأعلام

قصيدة المديح النبوي عند شعراء الصحراء دراسة تطبيقية في قصيدة محمد سالم ولد عبد الفتاح الصحراوي

لم يحظ شعر شعراء الصحراء الفصيح بما يستحقه من الجمع و التدوين ثم  الدرس و الفحص  ، و لا نكاد نعثر من أشعارهم إلا على  نتفٍ منثورة بين ثنايا بعض الكتب المعروفة من قبيل المعسول و الوسيط في تراجم أدباء شنقيط ، و لقد أتاح عبد الرحمان حجي للقراءِاكتشاف  خريدة فريدة من فرائد المديح النبوي الصحراوي  ، حين أقدم على نشر قصيدة محمد سالم ولد الفتاح البالغة زهاء مائة و ستين  بيتا  ، و تدلنا القراءة الأولى للقصيدة على اختلافها عن قصيدة الشيخ اليدالي المشهورة  التي خصص لها  " ماسينيون " دراسة مهمة ، كشفت بعض مضامينها و أوجه التناص بها ، بعد أن عمل على تأطيرها تأطيراً زمانيا يبرز سياقاتها الخارجية . ذلك أن قصيدة الشاعر محمد سالم ولد عبدالفتاح ، تخلو تماما من التوسل بالأولياءبوصفه نوعا من أنواع الحب الصوفي 1،خلافا لقصيدة اليدالي التي تسمح بعض أبياتها بإدراجها ضمن " شعر التصوف التوسلي " ، إذ تذكر كرامات الأولياء و تستدر بركاتهم2.

إن المديح النبوي فنقديم 3بلغ ذروته في العصر المملوكي بتأثير من  عوامل خارجية سياسية وعسكرية أحاطت بالعالم الاسلامي ، وعوامل داخلية اجتماعية واقتصادية ودينية متعددة أثرت في المجتمع الاسلامي4، و قد وصفه زكي مباركبأنه"من فنون الشعر التي أذاعها التصوف، فهي لون من التعبير عن العواطف الدينية، وباب من الأدب الرفيع؛ لأنها لا تصدر إلا عن قلوب مفعمة بالصدق والإخلاص"5، و ذاك حال الشاعر محمد سالم الصحراوي الذي قال عنه المترجم : " شاعر مجيد ، عاش جل حياته في المغرب (…) ، له أشعار كثيرة ، لم تجمع بعد، أغلبها في المديح النبوي "6، و ليس نشازا في هذا المسعى ، فقد طارت شهرة الشعراء المداحين في الآفاق مثل البوصيري صاحب البردة الشهيرة ، و محمد  شمس الدين النواجي الذي عرف بالمدّاح نسبة إلى غزارة قصائده في المديح ، حتى قال عن نفسه :

سُمّيتُ بِاسْمِكَوَ المَدّاحُ لِي لَقَبُ         يَا حَبَّذَا الاسمُ أْوْ يَا حَبَّذََا اللَّقَبُ7

و بالنظر إلى أهمية مديحيات الشاعر محمد سالم الصحراوي ، سنعمد فيما يأتي إلى دراسة مطولته الآنفة الذكر التي مطلعها : (وقفت أبكي …) ، وذلك من خلال تحليل بنائها الموضوعي  ثم الأسلوبي ،

ذلك أن نقد البناء الموضوعي لا ينفصل عن نقد نظيرهالموضوعي ،فقد " انتبه نقادنا القدامى إلى أن سلامة  اللغة من شروط جمالية القصيدة "8،

1-  البناء الموضوعي للقصيدة :

سن شعراء المديح النبوي طريقة " شبه موحدة " فيتشييد معمار القصيدة ،فلا تكاد تخلو قصيدة من المدائح النبوية من العناصر الأساسية الآتية:

" المقطع الغزلي الاستهلالي

التخلص من الغزل إلى المديح النبوي

مدح الرسول صلى الله عليه و سلم

الدعاء لله و التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم ، و التوسل بشفاعته

وصف قصيدة المديح نفسها

المقطع الختامي ،وهو الصلاة على رسول الله وآله وصحبه أجمعين " ص 58

و ليست تشذ قصيدة " وقفت أبكي" عن هذا المبنى ، فقد تضمنت مختلف العناصر التي درج النقاد على ملاحظتها و استخراجها من " المدحة النبوية" أيّاً كان مبدعها ، و إيثاراً للاختصار غير المخلّ بمضامين القصيدة وعناصر بنائها الموضوعي ، سنعمد إلى تحليلها من خلال محاورها الموضوعية الآتية :

محور المقدمات :مقدمة الربع و الطلل ومقدمة التشبيب و الغزل

محور التخلص .

محور المدح النبوي .

محور المقدمات .

لا تخطئ الأذن  ، و لا تزيغ العين عن إدراك أصداء الشعر الجاهلي في مطالع9قصيدة محمد سالم الصحراوي التي تبدأ بالتصريح بالوقوف على الأطلال و البكاء على دوارسها  :

وقفت أبكي ودمع العين ينسجم /// و نار شوقي في الأحشاء تضطرم

على دوارس أطلال تعاورها /// نسف الروامس قفرِ ما بها أرم

يطلق بعض النقاد القدامى على مثل هذا المفتتح اسم المحيا ، فقد قال ابن الخطيب مترجما لأبي عامر ابن ينق: " شعره رائق المحيا و الأقسام، مسفر المعاني و الوجوه الوسام"10. تلك الوسامة التي نلمسها أيضا في " البكاء على الربع و الطلل و الغزل " المنثال بطلاوة على امتداد  اثني عشر بيتا من القصيدة محل كلامنا :

وقفت أسألها حيران أندبها /// فاستعجمت و غدا عني بها بكم

فلم أزل باكيا بالرسم أسأله /// شوقا وما لي في إفصاحه عشم

أكفكف الدمع لا أنفك أسجمه /// أبكي على خاشع نؤي به سلم

و خالدات ثلاث ركد جثمت /// على رماد قديم وسطه فحم

تحنو عليه طوال الدهر خاشعة /// على معرسها سفع به سحم

جرت عليه الصبا أذيالها و مضت /// بعد الأنيس عليها أعصر دهم

خلت على رسمها من بعدنا حجج /// منها تقضى عليها الحل و الحرم

غدت بها العين و الآرام ساكنة /// منها البهام مع الآجال تلتئم

من كل أم غضيض الطرف فاترة /// دنا عليها الكباث الغض و الينم

وكل أربد في ميثاء ذي لبد /// جثا على بيضه صعل به صمم

يغضو على البيض بالهفهاف ملتحفا /// فيها الرئال الربد تنتظم

ومن سماحيج في روض تكنسه /// قد مال منه الضال و السلم

يغدو يطاردها في كل مرقبة /// علنكد مسحل طاوي الحشا سدم

من كل ضحيانة يقفو نحائصه /// حيث الخزامى و حيث القضب و العذم

حتى إذا رابه منها الوحام مضى /// و هاجها بعده معصوصب كدم

يقرو بهن مواقيع الحيا أبدا /// من لهله القرو حيث السحّ و الديم

حيث الوجين بكل النبت مؤتزر /// مما وشى الأسحم الهطال و الرهم

أطلاؤها ضمنتها في أكاسمها /// أزهار سح سريع روضة كرم

بالأقحوان و بالسعدان لابسة /// منها المعالم و الأهضام و الأكم

غير خاف أن الطلل الدارس قد هيّج أشواق الشاعر وحنينه للماضي الذي تختزنه " ذاكرة المكان "بأثافيه (حجارة موقد النار) و رياحه التي مسحت بأذيالها وجه الرسم (الطلل المندرس)  الذي مرت عليه حجج (سنوات) غيّرت كل شيء ، فأصبح مرتعا  تمرح به و ترتع  صغار الوحش (البهام) ، كالظليم (ذكر النعام) ، و تنمو فيه و تترعرع الأعشاب البرية كالخزامى و القضب و العذم . وحين تجود عليه السماء بماء غزير ، يصبح روضاً غناء يتمايس فيه الأقحوان و السعدان ، و تلبس الآكام و الأهضام و المعالم ثوبها الأخضر القشيب الذي يلهب الشوق إلى التي هام بحبها الشاعر في المطلع الغزلي الموالي الذي وصله " بالأماكن /الأطلال " حيث قال :

فكم رداح بها باتت تساعدني /// بيضاء ناعمة في طرفها سقم

غريرة ناهد لعساء بهكنة /// لم يعرها فاقة يوما ولا يتم

ترخي أثيثا فويق الوجه منتثرا /// كما تجن محيا الجليم الظلم

تميل مثل قضيب البان مائسة /// عن حسن قامتها قد تقصر القيم

تمشي الهوينا كما تمشي القطاة على /// وعث الكثيب و ما يبدو لها قدم

سود ذوائبها بيض ترائبها /// حمر أناملها في خلقها عمم

عجزا مهفهفة نجلاء غانية /// نيرانها أبداً في القلب تضطرم

تلوح منها بروق في الظلام كما /// تفوح منها الغوالي حيث تبتسم

حورا خدلجة درم مرافقها /// قد غص منها البرى و الحجل و الخدم

و كل ساق له حجل يغص به /// أزرى به أبداً من مية الخدم

تجلو ثنايا ذوات الظلم نابتة /// في الراح و المسك لم يمرر بها ظلم

يزينها حور ناهيك من حور /// ومنطققد  زانه  رخم

لم تدر ما كان بالتنور من أرب /// يوما و لا سهرت تؤذي به العدم

ما كان إلا إذا ما الحي مرتحل /// تأوي إلى هودج تسمو به الفؤم

يضني الزمام يديها حين تمسكه /// لينا كأن يديها صابها عسم

كأنها أم ساجي الطرف أخذلها /// مقزع الرأس جلد قانص لحم

ذو دردق هزل سود ثمانية /// و ليس يكسب إلا ما يقي الوضم

يضعنا هذا الوصف في أجواء صورة المرأة في الشعر الجاهلي ، و قبل أن نستبق باب تلقي الصور الجميلة التي يكتنز بها النص ، يكفي أن نشير إلى أن عديداً من الألفاظ الواردة في النص تجعل من السهل إدراك صدى شعر امرىء القيس والأعشى و غيرهما (بهكنة، مهفهفة ، نجلاء ، غانية، حورا خدلجة ، درم مرافقها…)

محور التخلص:

يجلو قول الشاعر ( كيف التخلص لي مما أكابده /// منها و منها بقلبي في الحشا ضرم) رغبته في الانتقال من الغزل إلى ما يُبرد به حرقة العشق و الهيام ، وما ذاك إلا امتداح خير الورى كما ينبئ بذلك البيت الموالي :

ما خلت لي اليوم سلوانا أيممه /// إلا بأمداح من فازت به الأمم

إن السلوة و السلوان في اللغة هو:

من كان في الملأ الأعلى له رتب /// ما إن به بلغتها قبله النسم

وما أقول وقد جلت مناقبه /// عن ذكر مثلي لها ولي بها همم

أمداح  ربي له في الكتب قاطبة /// ما للسوى بعده في حصرها جعم

بر عطوف و جود النفس ديدنه /// أشهى من الراح نطقا ليس ينتئم

طافت به خضم في الدهر يمطرها /// من سيب راحته الهطال و الديم

من البراري لا تهتان نائله /// تأتي الفئام  و يأتي الفوج يرتطم

إني بِطَه النبي المختار من مضر /// من المكاره في الدارين أعتصم

كما به فيهما مستحلب أبدا /// من المهيمن فوزاً ليس ينخرم

دين علي إذا لم يأتني أجلي /// بتربه أرتدي يوما و ألتئم

آتي إليه من البيت الحرام وقد /// مرغت بالركن منه الوجه أستلم

فالبحجاز اشتياقي كاد يسلبني /// يا حبذاه ومنه حبذا الحرم

تئن نفسي دواما بالوصول له /// كما عليه مدى الأيام أعتزم

به عسى لي وعلّ اليوم ترحم يا /// من منك في خلقه قد عمت الرحم

ولقد أجاد الشاعر عند هذا الحد التخلص مرتين ، أولاهما ، عندما خلص من ذكر المحبوب المتخيل (المرأة) إلى ذكر محبوبه الأسمى (الرسول عليه السلام ) متشوفا بل متعهدا بزيارة قبره ما لم تسرع إليه المنية ، ذاك أن الاشتياق للحرم و أرض الحجاز يستبد بنفسه لدرجة أنها تئن من الحنين ، و ثانيهما ، عندما ختم تباريح الشوق بخاتم التوسل بالنبي المختار إلى الله الرحيم القهار الذي توجه إليه مناجيا ، إذ قال :

أنت الرحيم وأنت الفرد خالقنا /// و الأول والآخر القهار و الحكم

و انت سبع سماوات بلا عمل /// بنيتهن بناء ليس ينهدم

و أنت أمسكتها بالجو قائمة /// شبت مصابيحها في الدهر تضطرم

تزينها شهب منها يمانية /// تزهو و شامية كالزهر تنتظم

من كل برج تضيء الأفق طلعته /// و نيرات نجوم فوقها نجم

تحمي مقاعدها من كل ناحية /// ترمي الشياطين من أرجائها الرجم

فلم يزل من جيوش الجن منهزم /// بشهبها أبدا يقفوه منهزم

وبعد ذاك دحوت الأرض مخرجة /// ماء ومرعى قفته الناس و النعم

فجرت أمواهها للخلق قاطبة /// ذا راكد منها وذا سدم

أمست ممهدة بالشم راسية /// تحوطها أبحر في الدهر تلتطم

فذاك ملح أجاج ما يصاغ طمى /// وذاك عذب فرات سائغ شبم

و الفلك ماخرة فيها مسخرة /// لها عليها دوام الدهر تقتحم

سويت ذاك و لم يمسسك –بارئنا /// حاشى- لغوب ولا إعيا و لا سأم

وذا بستة أيام ولا عجب /// إن قلت كن كان ما تقضي وما تسم

ذاك اصطناع إله لا شريك له /// فرد قدير غني باق له القدم

لقد جمع  الشاعر جمعا لطيفا كل معاني التوحيد في هذه الأبيات ، بدءاً من الاستدلال على قدرة الله بدليل البرهان  و العناية(رفع السماوات بلا عمد ، إخراج الماء من الأرض و إنبات النبات و كل ما تصلح به حياة البشر …) و انتهاء بتوحيد الصفات من قدرة وقدم و بقاء ومخالفة للحوادث ، ثم انتقل بعد ذلك انتقالا سلسا سليما إلى جوهر المديح النبوي .

ذكر الاسراء و المعراج و منزلة النبي عند ربه  :

 استهل الشاعر  التغني بالشمائل المحمدية بذكر معجزة الاسراء و المعراج التي اعتبرها مناط تفضيل رباني للنبي المعصوم حيث قال :

يا من سرى صاعدا يطوي البراق به /// بسط العوالم بالإجلال يتسم

و من بحور جنان الخلد عن عجل /// أتاه ثمّ القراح الصرف و الرخم

حتى تسامى فويق السبع مرتفعا /// منها تصاحبه الآلاء و الرحم

سرى بك الروح إجلالا ومكرمة /// و الليل لولاكم داج به غسم

تسير أملاك العرش خلفكم /// تبغي الذي منكم للفوز تغتنم

و سدرة المنتهى كنت الامام بها /// و الرسل خلفك و الأملاك تزدحم

و غيرك العرش و الكرسي فوقهما /// في الدهر ما وضعت يوما له قدم

غادرت دونك أملاكا مقربة /// و أهل عزم و رسلا أنبيا عظموا

من رفرف لم تزل في رفرف شرفا /// حتى تناهت لك الخيرات و النعم

و أنت من  حجب تسمو إلى حجب /// فما هنالك سر عنك ينكتم

نوجيت ثمّ مناجاة وحينئذ /// أدناك للرؤية العظمى له الحكم

بقاب قوسين أو أدنى بمنزلة /// نمى لك منها الفوز و الرخم

فجئتنا و حمدنا ما أتيت به /// حمدا و شكرا دواما ليس ينصرم

ذكر الشمائل المحمدية ومدح الحضرة النبوية :

بلغتنا شرعة بيضاء خالصة /// من الأماني بها دامت لنا العمم

بيمنكم لم نحمل فوق طاقتنا /// إصرا كما حملت من قبلنا الأمم

شكت لكم بيضة الاسلام ما هي قد /// صارت به اليوم في الآفاق تلتحم

فبادروها بداراً قبل ما انفصمت /// و اليوم كادت لعمر الله تنفصم

وقد شكا من دجى الاشراك نوركم /// تداركوه فقد طافت به الظلم

أنت الأمير وهذا الكون أجمعه /// إنساً وجناً و أملاكا لك الخدم

شمس الضحى إنما ضاءت بنوركم /// و البحر أودع فيكم الكرم

و البدر من حسن ذاك الوجه مقتبس /// و الدهر منكم به قد نيطت الهمم

ما الضيغم الرزِم الضرغام منقبضا /// على براثينه حيكت به أجم

مردي السباع له أجر مهرتة /// فوه تثاءب عن سمر المدى هضم

يوما بأشجع منكم في مواطنه /// ولا بأهيب منكم ذلك الرزِم

فأنتم ظل هذا الكون قاطبة /// له الملاذ كما أنتم له النظم

ألفيتم دين الله مهملة /// من الديانة قفرا كلها شيم

فمذ برزتم جرى عمرانها أبداً /// وصار كل وصيم تحته رجم

ما غاب ناموس عمران وفلسفة /// إلا و منه انزوى عنا بك الطسم

قد فقت من في الدنيا و العجوز بها /// لله أنت إلى جناته القدم

فقد تعد لك الجنات قاطبة /// فيها لك الحور و الولدان و الرمم

و أنت أغلى مقاما قد حللت به /// و أنت في العالمين المفرد العلم

من ليس يهديه ما في الذكر جئت به /// يهدى بكل قويم الحد يختصم

تمضي على شرب قب أياطلها /// ضراغم الأسد في أيديهم الخذم

من كل ورد وفضي ومن يقق /// وكل أشقر منه شدت الختم

إلى الذي صد عما أنت قائله /// حتى يدين وما في قلبه وهم

قد خاب منها لأعداء المهيمن ما /// كانت عليه دوام الدهر تعتزم

وقد تلاشى الذي كانت تؤمله /// وما عليه من الآراء تحتزم

لم تُحصِ بالبحر والأشجار مدحكم /// يوما لو اجتمعت في دهرها الأمم

مدح الخلفاء الأربعة:

انتقل الشاعر إلى مدح الخلفاء الراشدين ، إذ قال :

صديقنا عمر عثمان حيدرة /// على الورى لهم أمسى بك الكرم

الدين كم شيدوا يوما له أظُما /// و الشرك كم أطماً يوما له هدموا

هم الأولى صدقوا في عهد ربهم /// فليس يحصر ما حازوا وما اغتنموا

على جنان أبي بكر سعى عمر /// في شأنها فهي في الأيام تلتئم

و عون عثمان يجري صوبها أبدا ///  وقد حماها علي ذلك القدم

ذكر المعجزات الحسية

حرص الشاعر على ذكر بعض المعجزات الحسية ، حيث قال :

من لي بلثم يد مدت فسح بها /// ماء السحاب و ماء  في السما غسم

و صاع ماء بها ألف به رويت /// و مثله صاعها مما تقي السمم

وكم بها انهزمت ألف و ما التفتت /// وكم بها وهبت للمعتفى وهم

لو لم تكل أمنا ما الرف يحمله /// أمسى إلى اليوم فيه ليس ينعدم

فمثل هذا جدير أن يكون له /// من البرية للحبلى به الوحم

ذكر شفاعة النبي عليه السلام

حرص الشاعر على تضمين قصيدته الطويلة مسألة شفاعة النبي عليه السلام يوم العرض ، حيث قال :

أنت الشفيع وكل الناس في دهش /// و لا شفيع إذاً يرجى ولا رحم

إن قيل نفسي نفسيقلت ها أنا ذا /// لها ولم تر ذا في رسلها الأمم

أوصدت الأنبياعنها قدمت لها /// سعيا وإنك في أمثالها  قدم

فنورك اقتبسوا منه الذي اقتبسوا /// هم البدور وأنت الشمس فوقهم

و حيثما الشمس في الآفاق طالعة /// عنها تغور بدور التم و النجم

واشفع تشفع وسل تعطه هنالك قد /// تقاصرت في الورى عن نيلها الوهم

ينجي الاله الذي قد شاء يومئذ /// على يديك و قد طافت بك الخدم

و أنت تسقي الذي ما بعده ظمأ /// تنتاب كوثرك الأفواج و الرذم

الحقيقة المحمدية :

يتبدى من الأبيات أدناه ، أن الشاعر قد تأثر بما بات يسمى " الحقيقة المحمدية " ، ومؤداها على حد قول الدكتور محمود سالم محمد في كتابه المدائح النبوية إلى نهاية العصر المملوكي أن الله تعالى قد بدأ خلق الوجود بخلق نور ، وهو النور المحمدي11الذي لولاه لم يخلق شيء من المخلوقات و الكائنات ، كما في قول شاعرنا :

" لولاك لم تك شمس و لا قمر /// ولم يكن أبدا لوح ولا قلم

كذا المسبح من أحشائه أبدا /// لولاك لم يلقه في الدهر ملتقم

و أنت لولاك لم يفد الذبيح ولا /// زال الخليل بذات اللفح تضطرم

ولا ذوو الفيل في التضليل كيدهم /// غدا ولا أبدا فيه غدا الدلم

و الريح عاد بها لولاك ما هلكت /// والدار مدين يوما ما بها جثموا

ثمود ما أحذتها الدهر صاعقة /// لولا الاله ولولاكم و لا ندموا

لولاكم الدهر لم يصنع سفينته /// نوح ولا فار لولاكم الرجم

لولاك يوسف مذ ألتقه إخوته /// يغدو الدهر قبرا ذلك الرجم

و حسنه ذاك مما أنت واهبه /// إذ منك في الخلق كل الحسن ينقسم

و لقد ختم  شاعرنا المفوه ميميته الطويلة بالصلاة على النبي المختار و الآل و الصحب الأبرار :

من لم يصل على المختار من مضر /// لا زال في فمه بين الورى صجم

دامت عليك صلاة الله يتبعها /// سلامه الدهر طرا ليس ينصرم

والآل و الصحب و الأتباع أجمعهم /// ومن بدينك من ذا الكون يتسم

ما دام من كل يعروه من نصب /// يا خير ملتجأ يشكو لك الوجم

وما شدا ذو الجوى  وهنا على مهل /// وقفت أبكي ودمع العين ينسجم

 

 

د. بوزيد الغلى

 

 

 


هوامش الدراسة :

 

1  الفيلالي ،عبد الوهاب ، الأدب الصوفي في المغرب إبان القرنين الثاني عشر و الثالث عشر للهجرة – ظواهر و قضايا- ، منشورات الرابطة المحمدية للعلماء ، مركز دراس بن اسماعيل  لتقريب العقيدة و المذهب و السلوك ، فاس ، الطبعة الأولى ، 2014 ، ص 43

2Louis Massignon, Un poète saharien . La quassidah d’Al Yedali ,Revue du monde musulman , volume VIII , Mai 1909 ,page 205.

 محمود سالم ، المدائح النبوية حتى نهاية العصر المملوكي ، دمشق ، دار الفكر ، ط 1996، ص 193.

4أسامة محمد البحيري ،  قصيدة المديح النبوي – دراسة تطبيقية في ديوان شمس الدينالنواجي ، منشورات نادي تراث الامارات ، الطبعة الأولى 2013 ص 56

 

5 زكي مبارك: المدائح النبوية في الأدب العربي، منشورات المكتبة العصرية، صيدا بيروت، الطبعة الأولى  ،1935 ، ص 17.

6محمد المختار السوسي ، المعسول ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ج 3 ص 40 و ما بعدها

7أسامة محمد البحيري ،  قصيدة المديح النبوي – دراسة تطبيقية في ديوان شمس الدين  النواجي ، منشورات نادي تراث الامارات ، الطبعة الأولى 2013 ص 57.

8يوسف حسين بكار ، بناء القصيدة في النقد العربي القديم في ضوء النقد الحديث، دار الأندلس للطباعة  و النشر و التوزيع ، بيروت ، لبنان ، الطبعة  الثانية ، ص 147

9ذكر صاحب العمدة اختلاف النقاد في إطلاق  اسم " المطلع " على مبدأ القصيدة بصيغة المفرد أو بصيغة الجمع (مطالع)  ،  مرجحا الرأي الأخير ، مستشهدا بآراء الجاحظ و العتابي و غيرهما . راجع : ابن رشيق، العمدة  في محاسن الشعر و آدابه و نقده ، تحقيق وتعليق محمد محيي الدين عبد الحميد ، دار الرشاد الحديثة ، الدار البيضاء ، (د.ت)، ج1 ص 215-216

10جيش التوشيح ، ابن الخطيب ، حققه و قدم له و ترجم له هلال ناجي، أعد أصلا من أصليه محمد ماضور ،مطبعة المنار ، تونس (د.ت) ، ص 182

11محمود سالم محمد ، المدائح النبوية حتى نهاية العصر المملوكي ،دمشق ، دار الفكر العربي ، بيروت ، دار الجيل ، 1991، ص 247.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق