مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينأعلام

قصة عُروة بن مسعود الثقفي

“قَتْلُه كقتْل صاحب ياسين !!” حديث شريف

هل أتاكم حديث: “صاحب يس؟”.

إنه المذكور في سورة: “يس”.

من قوله تعالى: (وجاء من اقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتَّبِعوا المرسلين)([1]).

إلى قوله تعالى: (بما غفر لي ربِّي وجعلني من المكرمين)([2]).

نصح قومه فقتلوه… فخلَّد الله ذكره… وعظَّم شأنه… وأخبرنا ربنا أنه قد غفر له وأدخله الجنة !.

(قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين)([3]). نصح قومه حيّاً، ونصحهم مَيْتاً.

قال قتادة: >لا تَلْقَى المؤمن إلا ناصحاً، لا تَلْقَاهُ غاشّاً، لمَّا عَايَنَ ما عاين من كرامة الله تعالى، قال: (يا ليت قومي يعلمون) الآية<([4]).

وأصحاب الدعوات- دائما- يموتون لتحيا دعوتهم… يحصدُهم الموت… ويزرعون الحياة !!.

وَضَيْفُنَا المبارك على هذه “السطور”… دعا قومه إلى الإسلام… فقتلوه… فأخبرنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن”قَتْلَه كَقَتْلِ صاحب ياسين، دعا قومه إلى الله فقتلوه”([5]).

فما هي قصته؟

لم يحضر “عُرْوَةُ بن مسعود” و”غَيْلاَن بن سَلَمة” حصار الطائف([6])، كانا “بجرش”([7]) يتعلَّمان صنعة العَرَّادَات([8]) وَالمَنْجَنِيق([9]) والدَّبَّابات([10])، فَقَدِمَا وقد انصرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن “الطائف”، فنصبا المنْجَنِيق والعَرَّادَات والدَّبَابَات، وَاسْتَعَدَّا للقتال، ثم ألقى الله في قلب “عروة بن مسعود” الإسلام وغيَّره عمَّا كان عليه، فخرج إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم استأذن في الخروج إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام.

فقال: “إنهم إذاً قاتلوك!”([11]).

قال: لا، أنا أَحَبُّ إليهم من أبكار([12]) أولادهم.

ثم استأذنه الثانية ثم الثالثة.

فقال، صلى الله عليه وسلم: “إن شئت فاخرج”.

فخرج، رضي الله تعالى عنه، إلى “لطائف” حيث قبيلته “ثقيف”، فَقَدِمَ عِشَاءً فدخل منزله فجاء قومه فَحَيَّوْهُ بتحية الشرك !!.

فقال: “عليكم بتحية أهل الجنة: السلام”([13]).

ثم دعاهم إلى الإسلام، فخرجوا من عنده يأتمرون به، فلمَّا طلع الفجر أَوْفَى([14]) على غرفة له فَأَذَّنَ بالصلاة، فخرجت ثقيف من كل ناحية، فرماه رجُلٌ من بني مالك، يقال له “أَوْس بن عَوْف”فأصاب”أَكْحَلَهُ”([15]) فلم يَرْقَاْ([16]) دمُه !!.

وقام “غيلان بن سَلمة”، و “كِنَانةُ بن عَبْدِ يا ليل”، و”الحَكَمُ بن عمرو”، ووُجوهُ الأحلاف فلبسوا السلاح وساروا([17]).

فلما رأى ذلك “عروة”، قال:

“قد تصدقتُ بدمي على صاحبه([18]) لأصلح بذلك بينكم، وهي كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها الله إليَّ، ادفنوني مع الشهداء الذين قُتلوا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم([19]).

ومات فدفنوه معهم.

وبلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خبرهم، فقال:

“قَتْلُه كَقَتْلِ صاحبِ ياسين، دعا قَوْمَهُ إلى الله فقتلوه”([20]).

هكذا كانت دعوتهم تتعالى فوق الأهواء… وترتقي فوق شهوات النفس… ويهضمون أنفسهم في سبيل الله تعالى.

رضي الله عن “عُرْوَةَ بْنِ مسعود الثقفي” وأرضاه([21]).

الدروس والعبر المستخلصة من القصة:

  • تشابهت قصَّتا قتْل الرَّجُلين: الرَّجُل المذكور في سورة يس، والصَّحابي: عُرْوَة بن مسعود الثَّقفي؛ فكلٌّ منهما رَغِبَ في هداية ونصيحة قومه لما يَنْفَعُهُمْ دنيا، واُخرى، لكنَّهم قتلوهُ ظُلماً وعدوانا.!
  • تُوخذ النَّصيحة من الأحياء الأخيار، وقد توخذُ النَّصيحة والعبرة من حال الأموات..
  • شِعار المؤمن: النصيحة لجميع خلق الله، والابتعاد عن الغش، أو إلحاق الأذَى بهم..
  • كثيرٌ من المُصْلِحِين المُخْلِصين ضَحَّوْا بحياتهم من أجل غيرهم ليعيش مَنْ بَعْدَهُم سُعَداء.
  • تَعَلُّمُ الصِّناعات النَّافعة لخلق الله، في السِّلْم، والحرب، مُرَغَّبٌ فيه، وضروري لِرُقِيِّ الأُمم.
  • (فَمَنْ يُرِدِ الله أن يَهْدِيَهُ يَشْرح صَدْرَهُ للاِسْلاَم)([22]).
  • مِنْ مُقْتَضَى حُبِّ الصحابة للنبي، صلى الله عليه وسلم، وامتثالِ أوامره: اسْتِئْذَانُهُم له، امتثالاً لقوله تعالى: (إنَّ الذين يستاذِنُونَك أولئك الذين يومنون بالله ورسوله)([23]).
  • تحذير النبي، صلى الله عليه وسلم، لِعُرْوَةَ من قومه بأنهم سيقتُلُونه، لكنَّه اغْتَرَّ بمحبَّتهم السابقة له، قبل اعتناقه الإسلام، فأقبل، رضي الله عنه، على بيع نفسه لله، عز وجل.
  • تحية أهل الإسلام هي أعظم تحية؛ لأن >السلام< اسم من أسماء الله تعالى، خالق الخلق أجمعين. وهذه التحية ارتضاها الله، عز وجل، لعباده المومنين دنيا، وأخرَى، وكرَّمهم بها. أمَّا تحية الجاهلية، مثل: >عِمْ صباحاً<، أو >عِمْ مَسَاءً< فهي مرفوضة، مردودة على أصحابها.
  • الأذان بالصَّلاة شعار إسلامي خالص، يتضمَّن ذِكْراً مخصُوصاً، أما غير المسلمين، فشعارُهُم: >النَّفَّار<، أو >النَّاقوس<، ونحو ذلك.
  • الصحابي الجليل: عروة بن مسعود الثقفي، رضي الله عنه، باع نفسه لله، عز وجل، وفرِح بإكرام الله، عز وجل له، بأن جعله من الشُّهداء الذين أثنى عليهم بقوله: (إن الله اشْتَرَى من المُومِنين أَنْفُسَهُم وأمْوالهم بأن لهم الجنة)([24]).
  • جِوَار الأخيار مطلوب شرعاً في الحياة، وفي الدَّفْن بعد الحياة، رجاء بركتهم. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

———————————————————————————————–

([1]) سورة: يس، آية: 20.

([2]) سورة: يس، آية: 27.

([3]) سورة: يس، آية: 26، 27.

([4]) هذا قول ابن عباس، نقله عنه قتادة. انظرهُ في تفسير ابن كثير: 5/ 609. وجزء الآية من سورة: يس، رقم: 26.

([5]) تفسير ابن كثير: 5/ 609. وصاحب ياسين؛ هو الرجل الذي جاء من أقصا المدينة يسْعى يدعو الناس لاتباع نصيحة المرسلين إليهم قبله.

([6]) الطائف: بلاد ثقيف.

([7]) جُرَش: بضم الجيم، وفتح الراء، وآخرها شينٌ معجمة: مدينة عظيمة باليمن، وولاية واسعة من جهة مكة، و”جَرَش”: بفتح الجيم والراء معاً من عَمَل دمشق. معجم البلدان، مادة: (جرش).

([8]) العَرَّادَة، وجمعها: عَرَّادَات؛ وهي آلة حرْبية لِرَمْيِ الحجارة. المُنْجِد، مادة: (عرد)، وفيه تشخيص الآلة.

([9]) المنجنيق؛ والمنجليق، وجمعها: مَجَانِق، وَمَجانِيق: آلة حربية، تُرْمَى بها القذائف، كلمة يونانية. المنجد، مادة: (منج)، وفيه تشخيص الآلة.

([10]) الدَّبَّابة، وجمعها: دبَّابات؛ وهي سيارة مصفَّحة، تهْجُم على صفوف الأعداء، وتُرْمَى منها القذائف. المنجد، مادة: (دبَّ)، وفيه تشخيص الآلة.

([11]) الطبقات الكبرى؛ لابن سعد: 1/ 312. ط: دار صادر، بيروت، 1968.

([12]) أبكار أولادهم: أوائل أولادهم.

([13]) قال تعالى في تحية أهل الجنة: (دعْواهم فيها سبحانك اللهم وتَحِيَّتُهُمْ فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين) سورة: يونس، آية: 10.

([14]) أوفى: ارتقى وصعد.

([15]) الأَكْحَلُ: عِرْقٌ في العَضُدِ. وفي المختار من صحاح اللغة، مادة: (كحل): >والأَكْحَلُ عِرْقٌ في اليد يُفْصَدُ<. وهي نفس إصابة >سعد بن معاذ<، رضي الله عنه.

([16]) لم يَرْقَأ دمُه: أي لم يَسْكُنْ، ولم يَقِف. المختار من صحاح اللغة، مادة: (رقأ).

([17]) أرادوا الانتقام من >أوس بن عوف<.

([18]) صاحب الدَّم: هو خالِقُه ومُوجِدُهُ.

([19]) يقصد شهداء الصحابة الذين استشهدوا في حصار الطائف.

([20]) تاريخ الطبري: (أحداث سنة تسع): 3/ 96، 97، والمنتظم؛ لابن الجوزي: 3/ 342، 343،

([21]) القصة من كتاب: صور ومواقف من حياة الصحابة؛ لسعد يوسف أبو عزيز، ص: 7- 9. أقول: وأغلب هذه القصة يوجد في الطبقات الكبرى؛ لابن سعد: 1/ 312.

([22]) سورة: الأنعام، من آية: 125.

([23]) سورة: النور، من آية: 62.

([24]) سورة: التوبة، من آية: 111.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق