مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينغير مصنف

قصة تزويج النبي صلى الله عليه وسلم، جُلَيْبِيباً، رضي الله عنه، بابنة رجل من الأنصار

 

 

 

إعداد وتقديم: ذ/ نافع الخياطي

يحكي لنا «أبو برزة الأسلمي»([1]) قصة جُلَيْبِيب([2])، رضي الله عنه، فيقول:

«إن جليبيباً كان امرأً من الأنصار، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، إذا كان لأحدهم «أَيِّمٌ»([3]) لَمْ يُزَوِّجْهَا حتى يَعْلَمَ هل للنبيّ صلى الله عليه وسلم، فيها حاجة؟ أم لا.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذات يوم لرجل من الأنصار: «يا فلان زَوِّجْنِي ابنتك».

قال: نِعِمَّ، وَنُعْمَ عَيْنٍ([4]).

قال: «إني لست أريدها لنفسي».

قال: لمن؟

قال: «لجليبيب».

قال: يا رسول الله حتى أَسْتَأْمِرَ أُمَّهَا.

فأتاها فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يَخْطُبُ ابْنَتَكِ.

قالت: نِعِمَّ، وَنُعْمَةُ عَيْنٍ، زَوِّجْ رسول الله.

قال: إنه ليس لنفسه يريدها.

قالت: فلمن؟

قال: لجليبيب.

قالت: ألجليبيب؟ لاَ لَعَمْرُ الله لا أُزَوِّجُ جُلَيْبِيباً.

فلمَّا قام أبوها ليأتي النبي صلى الله عليه وسلم، قالت الفتاة من خِدْرِهَا([5]) لأبويها: مَنْ خطبني إليكما؟

قالا: رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قالت: أَفَتَرُدُّونَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أَمْرَه؟! ادْفَعُونِي إلى رسول الله فإنه لَنْ يُضَيِّعَنِي.

فذهب أبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: شَأْنَكَ بها، فَزَوَّجَهَا جُلَيْبِيباً.

قال إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة لثابت:

أتدري ما دعا لها به النبي، صلى الله عليه وسلم؟

قال: وما دعا لها به النبي صلى الله عليه وسلم؟

قال: «اللَّهُمَّ صُبَّ عليها الخير صَبّاً ولا تَجْعَل عَيْشَهَا كَدّاً كَدّاً».

قال ثابت: فَزَوَّجَهَا إِيَّاه، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مَغْزًى له قال: «هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟».

قالوا: نَفْقِدُ فُلَاناً وَفُلَاناً.

ثم قال: «هل تفقدون من أحد؟».

قالوا: نفقد فلاناً وفلاناً.

ثم قال: «هل تفقدون من أحد؟».

قالوا: لا.

قال: «وَلَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيباً فَاطْلُبُوهُ في القَتْلَى».

فنظروا فوجدوه إلى جَنْبِ سبعة قد قَتَلَهُمْ ثُمَّ قَتَلُوه.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا مني وأنا منه، أَقَتَلَ سَبْعَةً ثُمَّ قَتَلُوه؟ هذا مِنِّي وأنا منه، أَقَتَلَ سَبْعَةً ثم قتلوه؟ هذا مني وأنا منه».

فوضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ساعديه ثم حفروا له، ما له سرير إلا سَاعِدَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتَّى وضعه في قبره.

قال ثابت: فما كان في الأنصار أَيِّمٌ أَنْفَقَ مِنْهَا.

وفي رواية للبزار: «فكأنما حَلَّت عن أَبَوْيْهَا عِقَالاً»([6]).

الدروس والعبر المستخلصة من هذه القصة:

1-  فضيلة استشارة الأخيار، وخاصة في الأمور الهامة. وخيرُ الأخيار: النبي صلى الله عليه وسلم.

2-  مشروعية جواز عرض الرَّجل بنته على الرَّجل الصالح.

3-  تلبية طلب الأخيار من شيم الأبرار.

4-  من حقوق المرأة: استشارتها فيما يهمُّها، وفيما يهمُّ كل شؤون البيت والأسرة.

5-  يجب تزويج الرجل الصالح، ولا تردُّ خِطْبَتُه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ»([7]).

6-  رَدُّ طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يُعَدُّ من الكبائر؛ لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً)([8]).

7-  قوة الإيمان وصِدْقُهُ، وشدَّةُ محبة النبي صلى الله عليه وسلم، والثِّقَةُ فيه تدفع المؤمن إلى امتثال أوامره، واجتناب نواهيه.

8-  دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم، للمرأة بكثرة الخير، وراحة البال، ووافر السعادة، وهو دعاء مستجاب.

9-  حِرْصُ الرسول صلى الله عليه وسلم، على تَفَقُّدِ أصحابه في الحرب والسِّلْم، مصداقاً لقوله تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنَ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ)([9]).

10- شجاعة جليبيب وبطولته واستشهاده، رضي الله عنه.

11- يكفي جُليبيباً شَرَفاً وحظّاً وحُظْوَةً أن يثْنِيَ الرسول صلى الله عليه وسلم، عليه، وَيَعُدَّهُ منه ويُؤَكِّدَ على ذلك، وَيَحْمِلَهُ على يَدَيْهِ الكريمتين إلى أن يضعه في قبره.

12- النساء الصالحات وَجَاذِبِيَّتُهُنَّ بالأخلاق والمروءة في المجتمع المسلم، وحرص الرِّجال العُقَلاء على الاقتران بهنّ.

والحمد لله رب العالمين.


([1]) هو الصحابي الجليل: أبو برزة الأسلمي، قال السندي: مشهور بكنيته، واسمه نَضْلة بن عُبَيد على الصحيح، وقيل: غير ذلك، وكان إسلامه قديماً، وشهد فتح خيبر وفتح مكة وحنيناً، قيل: نزل مرو ومات بها، ودفن في مقبرة كلاباذ بمرو، وقيل: مات بالبصرة، وقيل: مات في مفازةٍ بين سِجِستانَ وهَراةَ، وجاء أنه مات سنة خمس وستين في ولاية عبد الملك، وقيل غير ذلك. انظر: مسند الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق شعيب الأرنؤوط، حديث أبي برزة الأسلمي: 33/ 9، الاستيعاب في معرفة الأصحاب؛ لابن عبد البر، رقم الترجمة: (2609): 4/ 1495، أسد الغابة في معرفة الصحابة؛ لابن الأثير، رقم الترجمة: (5726): 6/ 28، الإصابة في تمييز الصحابة؛ لابن حجر، رقم الترجمة: (9616): 7/ 33.

([2]) هو الصحابي الجليل: جُلَيْبِيب بِضَمِّ الجيم، على وزن قُنَيْدِيل، وهو أنصاري. له ذِكْرٌ في حديث أبي برزة الأسلمي في إنكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابنة رجل من الأنصار، وكان قصيراً دَمِيماً… انظر: أسد الغابة، رقم الترجمة: (772)- جليبيب: 1/ 550، الإصابة، رقم الترجمة: (1181): 1/495.

([3]) أَيِّمٌ: بفتح فتشديد؛ أي: بنت بلا زوج. مسند الإمام أحمد، أول مسند البصريين، حديث أبي برزة الأسلمي، رقم الحديث: (19784): 33/ 30.  وفي لسان العرب؛ لابن منظور، مادة: (أَيَمَ): الأَيِّمُ من النساء؛ التي لا زوج لها، بكراً كانت أو ثَيِّباً، ومن الرِّجال الذي لا امرأة له، وَجَمْعُ الأيِّمِ من النساء أَيَايِمُ وَأَيَامَى.

([4])  «ونُعْمَ عَيْنٍ»: بضم فسكون، وفي بعض النسخ: ونُعْمة عين، بضم فسكون أيضاً. ونُعْمَةُ عَيْنٍ: أي قُرَّة عَيْنٍ. يعني أُقِرُّ عَيْنَكَ بطاعتِك واتِّباع أمرك. يُقالُ: نُعْمَة عَيْنٍ، بالضَّمِّ، وَنُعْمَ عَيْنٍ، وَنُعْمَى عَيْنٍ. النهاية في غريب الحديث والأثر: 5/ 84.

([5]) الخِدْرُ بالكسر: سِتْرٌ يُمَدُّ للجارية في ناحية البيت، ثم صار كُلُّ ما وَارَاكَ من بيت ونحوه خِدْراً، والجمع خُدُورٌ وأخْدَارٌ، وأَخَادير جمع الجمع، وفي الحديث: «أنه عليه السَّلام كان إذا خُطِبَ إليه إحدى بناته أتى الخِدْرَ فقال: إنَّ فلاناً يَخْطُبُ، فإن طعنت في الخِدْرِ لم يُزَوِّجها». ومعنى طعنت في الخدر: دخلت وذهبت. انظر: لسان العرب؛ لابن منظور، مادة: (خَدَرَ).

([6]) من كتاب: (صور ومواقف من حياة الصحابة)؛ لمؤلفه: سعد يوسف أبو عزيز، ص: 209- 211، و(أبو برزة الأسلمي رضي الله عنه، سيرته وأحاديثه)؛ لنافع الخياطي، ص: 90- 92 ، (قيد الطبع).

([7]) أخرجه الترمذي في سننه، باب ما جَاءَ إذا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ فَزَوِّجُوهُ، رقم الحديث: (1084)، قال الألباني: حسن: 3/ 386. وأخرجه الطبراني في: المعجم الكبير، باب من يكنى أبا حاتم أبو حاتم المزني، رقم الحديث: (762): 22/ 299. والبيهقي في سننه: باب الترغيب في التزويج من ذي الدين والخلق المرضي، رقم الحديث: (13481): 7/ 132.

([8]) سورة: الأحزاب، آية: 36.

([9]) سورة: التوبة، آية: 128.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق