مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراويمعالم

قصبة السمارة الأثرية

الدكتور مصطفى مختار

باحث بمركز علم وعمران

انتقل الشيخ ماء العينين من الاستقرار بـ”كريزيم “، بالساقية الحمراء، إلى بناء “الدار الحمراء“، بها، إلى تأسيس زاوية السمارة[1]. حيث كان المقصود بناء قصبة منيعة[2]، بفضل جهود الدولة المغربية[3]، وإسهام جهات مغربية مختلفة[4]، ودور الصلاح في العمران الصحراوي لتحقيق هذا المشروع الوطني الطموح.

      تخطيط أولي:

      مزج الشيخ ماء العينين خلال اختيار موقع السمارة بين صورة الحاضرة المغربية التراثية قرب المجرى المائي، وصورة مدينة القوافل الصحراوية، وصورة مدينة الصلحاء الواصلة بين أطراف التدافع المجالي[5].

      مركز القصبة:

      جُعلت الزاوية مركز قصبة السمارة. حيث شكلت “المحور الرئيسي للبنية الداخلية، فبنايتها التي كانت مخصصة لسكنى الشيخ، فرضت التصميم، وأحكمت تنظيمه. والزاوية عبارة عن منزل مربع الشكل تعلوه قبة فقدت جل زخرفتها، فبعد عبور مدخل مستقيم نجد صحنا تعلوه القبة، وتحيط بجهاته الأربع أروقة عالية مسقوفة بسطح من “الورق والجائزة”، وتحملها سواري مربعة الشكل وأقواس منكسرة، تحت هذه الأخيرة تنفتح أبواب ثلاث غرف“[6].

      محيط المركز:

      يتكون محيط المركز من “مجمّع سكني يضم العديد من البيوت، وهذه المباني مكونة من قاعات كبيرة، ومساكن واسعة، في وسطها غرفة كبيرة على شكل  دائري تعلوها قبة في غاية الروعة والجمال أعدها للكتب، وجلوسه وقت التأليف، واستقبال الوفود ويحيط بهذه الغرفة، بيوت زوجاته“[7].

      وقال غيره عن بيت الشيخ: “يقع وسط القصبة ويتألف من قاعة واسعة وسطى سقفها على هيأة قبة“. وفي جانب من القاعة “كان ينصب منبر لجلوس الشيخ لإلقاء دروسه في الوعظ” أو لحضور الاحتفالات الدينية. “وبقرب القاعة كان يوجد بهو مسقوف ثم قاعة أخرى تحتوي على مساطب وطنافس للجلوس” ثم “غرفة للخدم يتوسطها سلم يرقى إلى الطبقة العلوية المخصصة” للراحة والاستحمام[8].

      وأما بيوت زوجات الشيخ، فيتكون كل بيت من “بهو عميق وضيق، وثلاث غرف مستطيلة الشكل، ودرج يؤدي إلى السطح“[9]. وكانت البيوت “مرصعة من الداخل بألواح الخشب الجيّد المزين بالنقوش والزخرفة“. و”أرض البنايات كلها مبلطة بأنواع الرخام، أما جدران البيوت فكانت مطلية بالجير من الداخل“[10].

      سور النواة العمرانية وأبوابها:

      أحاط المترجم بناياته بسور متوسط الارتفاع من حجر زمور المنجور، سمكه نصف متر[11]، وطوله شمالا 54.67 م، وشرقا 60.13 م، وغربا 57.60 م[12].

      وذهب أحدهم إلى أنه بني باللوح )الطابية(. ولعله يقصد جزءا منه. حيث تراصت الحجارة في سور إحدى زوايا القصبة الخلفية التي كانت بها زخرفة حجرية مثلثة الشكل تعلوها زخرفة صغيرة الحجم، كروية الشكل. وتراءت زخرفة أخرى دقيقة في تناسق خطوطها وجماليتها بالجزء العلوي من زاوية ثانية[13].

 وكانت بالسور عشرة أبراج. وعلت أبوابه الخمسة زخرفة وأقواس (باب الشرق- باب الساحل- الباب الأوسط- الباب الشمال- باب الحجب([14].

      جامع قصبة السمارة:

      احتل جامع قصبة السمارة شرقا خلف السور المذكور. وقاربت مساحته 97968 متر مربع. وضمّت جزأين (بيت الصلاة المكوّن من ثلاثة بلاطات موازية لحائط القبلة- صحن المسجد(. وشكّل محرابه نصف دائرة يوضع فيها المنبر[15].

      وإجمالا هو مسجد مكون “من صحن كبير تعلوه عدة قباب تحتها عدة أعمدة  من الحجر، مربعة الشكل، تتكللها أقواس من الصخور المرصوصة الرقيقة. وله صومعة متوسطة الارتفاع، وقد صمم على الطراز المغربي الأندلسي“[16].

      وقال أحد الباحثين: “يتكون المسجد من صحن مركزي معتمدا على ثمانية من القباب المحمولة على أعمدة من الحجر المصقول، وعلى يمين المحراب ذي اللون الناصع يوجد درج يؤدي إلى صومعة قليلة الارتفاع نسبيا“.

      وأرجع الباحث نفسه هندسة المسجد إلى النمط المغربي الأندلسي، وأشار إلى كيفية تراص حجارة المسجد وأحجامها وأشكالها، وتناسق الأقواس داخل صحن المسجد المركزي، وتناسق أعمدته ذات القاعدة المربعة[17].

      وبالرغم من تصدع بنياته المعمارية المتبقية، حافظ جامع القصبة على بعض مكونات تصميمه الأولي، وبعض تقنيات البناء شبه الصحراوي[18]، بفضل إسهام فعاليات تقنية وحرفية من جنوب المغرب في بناء قصبة السمارة[19].

      بنايات خارج سور القصبة: 

      تواجدت خارج السور دُور آل المترجم وأتباعه. وحافظت على طابعها الأصلي. وهي “ثمانية عشر بيتا على شكل القصور المغربية الصحراوية ذات الطوابق العديدة والمنافذ الصغيرة والمساريب الظليلة” [20].

     ويبدو أنها شيدت “بأحجار متوسطة الحجم ومتراصة بصفة منتظمة، ويفصل فيما بينها أحجار مسطحة أصغر حجما. كما أن غالبية جدران السمارة متصلة فيما بينها بملاط سميك. أما الطلاء فقد اقتصر على القبب والأبواب“.

     أما بخصوص نوافذ البنايات، فهي، بالرغم من قلتها “فتحات مستطيلة الشكل وضيقة وغالبا ما تكون مغطاة بسواكف أو لحاف. ومن الخاصيات الملفتة للنظر، وجود فتحات صغيرة للتهوية“[21].

      ملاحق القصبة:

      اغتنت قصبة السمارة بملاحق أساسية، مثل خزانة الكتب، ومدرسة قرآنية للطلبة، ومركز للدراسات، ودار الضيافة، ومساكن المساعدين، ومحلات الطبخ، وسوق، وصهريج لحفظ المياه، وهري عظيم لخزن المواد الغذائية، وسجن[22].

الإحالات:

[1] التنظيم الاجتماعي والمجالي لمعالم المقدس بالسمارة، محجوب كرماز، في: السمارة الحاضرة الروحية والجهادية، مطبعة المعارف الجديدة، 2002 م، ص217.

[2] الساقية الحمراء ووادي الذهب، ج1، محمد الغربي، الدار البيضاء، مطابع دار

الكتاب، د. ت، ص353، وص354، وص356.

[3] المعسول، ج4، مطبعة فضالة، 1960 م، ص84، وص93، وص95، وص98.

[4] الساقية الحمراء ووادي الذهب، ج1، ص353، وص354.

[5] الساقية الحمراء إبان تأسيس زاوية السمارة، محمد دحمان، في: السمارة الحاضرة الروحية والجهادية للصحراء المغربية، ص91.

[6] التنظيم الاجتماعي والمجالي لمعالم المقدس بالسمارة، ص215.

[7] الشيخ ماء العينين علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الأوروبي، ج1، الطالب أخيار بن الشيخ مامينا، الرباط، مطبعة المعارف الجديدة، 2011 م، ص99.

[8] الساقية الحمراء ووادي الذهب، ج1، ص356.

[9] التنظيم الاجتماعي والمجالي لمعالم المقدس بالسمارة، ص215.

[10] الشيخ ماء العينين علماء وأمراء، ج1، ص100.

[11] الساقية الحمراء ووادي الذهب، ج1، ص354، وص356.

[12] مادة اسمارة، مدينة، عز الدين العلام، في: معلمة المغرب، ج2، ص442.

[13] العمران عند الشيخ ماء العينين، ماء العينين الجيه، في: الشيخ ماء العينين فكر وجهاد، مطبعة النجاح الجديدة، 2001 م، ص126، وص130، وص133.

[14] الساقية الحمراء ووادي الذهب، ج1، ص356؛ وغيره.

[15] التنظيم الاجتماعي والمجالي لمعالم المقدس بالسمارة، ص215- 216.

[16] الشيخ ماء العينين علماء وأمراء، ج1، ص99.

[17] العمران عند الشيخ ماء العينين، ص125، وص129.

[18] التنظيم الاجتماعي والمجالي لمعالم المقدس بالسمارة، ص216.

[19] الساقية الحمراء ووادي الذهب، ج1، ص353، وص354.

[20] نفسه، ص356.

[21] العمران عند الشيخ ماء العينين، ص125- 126.

[22] الساقية الحمراء ووادي الذهب، ج1، ص356، وص357، وص359.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق