مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامقراءة في كتاب

قراءة في كتاب: “نفقة المرأة وقضية المساواة” للدكتور صلاح الدين سلطان

  

مونية الطراز

عن سلسلة في التنوير الإسلامي الصادرة عن نهضة مصر للطباعة والنشر صدر كتاب “نفقة المرأة وقضية المساواة” للدكتور صلاح الدين سلطان، وهو الكتاب الثلاثون لهذه السلسلة، صدرت طبعته الأولى التي نعرض لها هنا عن دار النشر المذكورة سنة 1999 م.
 والكتاب وإن كان عدد صفحاته لا يتجاوز 70 صفحة إلا أنه قيّم في مجاله ومهمّ في بيان علاقة النفقة بقضية المساواة. 
قدّم للكتاب الدكتور محمد عمارة الذي أشاد بما جاء فيه من فِكر ذات قيمة عالية، فصاحب الكتاب -كما يقول- قدّم أدلة مادية تبرهن على امتياز المرأة على الرجل في الإرث من خلال منهج استقرائي مدعوم بالأرقام والإحصائيات، ووضّح عمارة كذلك في هذه المقدمة أن كتاب “نفقة المرأة وقضية المساواة” هو استكمال لدراسة سابقة للمؤلف تحت عنوان ” ميراث المرأة وقضية المساواة” ، كما أن هذه الدراسة وسابقتها هما بحق تجسيد ناضج للموقف الإسلامي الذي أنصف النساء على النحو الذي لم يحدث في أي حضارة من الحضارات.
وتحت عنوان حق المرأة في النفقة في الشريعة الإسلامية أدرج الكاتب ثلاثة مباحث، فتناول في أولها حق البنت في النفقة في الشريعة الإسلامية، هذا المبحث جعله في مطالب أربعة: ناقش في الأول أدلة وجوب نفقة الأولاد على أبيهم مستشهدا بنصوص من القرآن والسنة توجب الإنفاق على الآباء وتحثهم عليه، كما بيّن في المطلب الثاني ما تختص به البنت دون الذكر من الإنفاق، وأورد اتجاهات الفقهاء في ذلك، ذكر منها اتجاها يقول بوجوب النفقة على البنت حتى تتزوج وعلى الذكر حتى يبلغ أو يكتسب، واتجاها آخر يقرّ أنه لا فرق بين الذكر والأنثى في النفقة، وبيْن هذين القولين رجّح الكاتب الاتجاه الأول الذي يرى أن الإنفاق على الذكر واجب على أبيه حتى يبلغ ويصبح قادرا على الكسب، في حين تظل الأنثى تحت رعاية الأب ينفق عليها حتى تتزوج لتنتقل بعدها الكفالة للزوج، وهذا الترجيح برهن عليه الكاتب بما يحتاج من دلائل من القرآن والسنة وأقوال الفقهاء.
في المبحث الثاني، تناول الكاتب حق الزوجة في النفقة في الشريعة الإسلامية في مطلبين كذلك، فقدّم في المطلب الأول أدلة وجوب النفقة للزوجة في الشريعة الإسلامية، استقاها من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، وأكّد على أن هذه النصوص وغيرها جعلت القضية موضع اتفاق كل فقهاء الأمة، ومحل إجماعهم على وجوبها على الزوج.
في المطلب الثاني، بيّن الكاتب مقدار النفقة الواجبة للزوجة على زوجها، وأورد اختلاف العلماء حول هذا المقدار، وما يراعى فيه من أحوال الزوج أو الزوجة أو هما معا، وخلُص في الأخير إلى أن كل النصوص التي تحدثت عن نفقة الزوجة لم تخلُ من وصف “المعروف” وهو – كما قال القرطبي- المتعارف عليه من غير تفريط ولا إفراط، ويتعلق بحال الزوج والزوجة معا.
بعد هذه التوضيحات، بيّن الكاتب ما حدّده فقهاء الأمة من واجبات تحق للزوجة في النفقة، ركّز من بينها على سكن الزوجية الذي اعتبره وفق إضافة الضمير في الآية إلى الزوجات ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ (الأحزاب 34) ﴿لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ﴾ (الطلاق 1) ملك للزوجة على وجه المنفعة “ملك منفعة”، ثم ذكر تفصيلات الفقهاء في مواصفات هذا السكن والتي منها أن يكون خاصا بالزوجين فقط، وأن يكون واسعا بقدر المستطاع، في مكان غير موحش، وبين جيران صالحين، كما نقل اشتراط الفقهاء للتهوية الجيّدة لسكن الزوجية، وأن يكون سكنا مناسبا للزوجة على الإجمال.
وإلى جانب ما اشترط في سكن الزوجية، نقل الكاتب لوازم أخرى تجب على الزوج من طعام  وشراب وكسوة وما يلحق بذلك من أدوات الزينة والنظافة، ومن خدم، وأشياء أخرى تدخل في دائرة المعاشرة بالمعروف وحسن التعامل مع الزوجة كإنسان يستحق كل تكريم من الزوج، خصوصا في حالات معيّنة من قبيل رعاية الحامل والرفق بها، والعناية بالمرضع والإحسان إليها، ونقل إلى جانب هذا دقائق وتفصيلات لم تغب عن بال الفقهاء مثل توفير الغسالة والسخّان.
في المبحث الثالث الذي جعله الكاتب في مطلبين، بيّن الكاتب ما يحق للأم من واجب النفقة في الشريعة الإسلامية، فذكر أدلة وجوب النفقة للأم على الأبناء في المطلب الأول، لينتقل في المطلب الثاني إلى الحديث عما تختص به الأم دون الأب في النفقة، ومن ذلك أن نفقة الأولاد تكون على الأب القادر دون الأم وإن كانت موسرة، وأن الأم اختصت بمزيد من البر على أولادها أكثر من الأب، فإذا لم يتسع مال الابن للإنفاق على الأم والأب معا كانت الأم أولى من الأب في الإنفاق.
بعد هذه المباحث، وتحت عنوان التوازن بين حقي المرأة في الميراث والنفقة في الشريعة الإسلامية، عالج الكاتب بتركيز موفّق ما تُبطنه حقوق الإرث وحق الإنفاق من ترتيب وأسرار يبرّر أنصبة القسمة وتعلّقها بموقع المرأة من الأسرة، ولتوضيح هذه العلاقة درس الكاتب علاقة الميراث بالنفقة في حالة الابنة، أكّد فيها أن البنت إذا انفردت تكون مثل الولد إذا انفرد، فتأخذ النصف فرضا والباقي ردا عليها، بل حتى حين تكون متزوجة لا تُحرم من هذا الحق لخلو الساحة من غيرها، ولتجد عِوض الحماية في مالها عن أهلها، إلا أن تكون وريثة مع أخيها فيرث نصف حصتها ويكون بما زيد في حقه كفيلا لأخته وحاميا لها. وتبقى البنت أحظى من أخيها لأنها حسب الكاتب معفاة من مسئولية الإنفاق التي أسندت بموجب القسمة لأخيها.
وسعيا من الكاتب إلى بيان مزيد من أسرار القسمة ولطائف التشريع الرباني فيها، قدّم الكاتب مثالين توضيحيين عن حالة إرث بنت مع جدها مقارنة مع إرثها مع جدتها، حيث أن التوريث اختلف لما قلت الحماية للبنت، وضعفت وجوه كفالتها.
بعد أن أفاض صلاح الدين سلطان في بيان الأسرار الكامنة في علاقة الإرث بنفقة الابنة انتقل إلى كشف بعض خبايا علاقة ميراث الأم بما يجب من حق النفقة لها، وهنا بيّن أن الأم تحظى بمثل ما يجب للأب في الحالات الغالبة، وأنها تنال نصف ما يناله الأب في الحالات النادرة فقط، ويقل حظها كلما اتسعت دائرة كفالتها، فترث الأم الثلث مثلا إذا كان لها ولد واحد في حين ترث السدس إذا كان لها أكثر من ولد.
بعد ذلك درس الكاتب علاقة ميراث المرأة بالنفقة حين تكون أختا، فأكّد -من خلال مسائل توضيحية- أن أوضاع الأخت تشبه تماما أوضاع البنت سواء كانت بمفردها أو مع الابن، وأنها لا ترث شيئا مع وجود الأب لحكمة ظاهرة في كونه مسئولا عنها مسئولية تامة، بينما ترث الثلث مع وجود أخيها لأن مسئوليته عنها تختلف عن مسئولية أبيها، في حين ترث النصف مع زوج الأخت لأنه غير مسئول عنها، وتأخذ التركة كلها إذا انفردت بها. هذا في حالة الأخت الشقيقة أما الأخت لأم فإنها ترث مثل أخيها نظرا لضعف صلة القرابة بينهما، فلا يرجى – إلا نادرا- أن يتحمل الأخ مسئولية أخته لأمه، ولهذا سوى الله تعالى بينهما في الإرث.
وفي علاقة الميراث بالنفقة بالنسبة للزوجة اعتبر الكاتب أن الزوجة أحظى من الزوج وإن كانت تأخذ نصف ما يأخذه منها، لأنها تعيش مكفولة كفالة تامة، ولأنها إذا تزوجت ثانية يكون لها المهر والصداق، في حين إذا أراد هو الزواج يكون عليه المهر والصداق، وأنها إذا لم تتزوج تعود نفقتها على أبيها إذا لم يكن لها أبناء، وقد أكّد الكاتب على أن المرأة لا تظلم حين ترث نصف مقدار ما يأخذه الزوج منها عند موتها، ووضّح ما ذهب إليه بأمثلة توضيحية.
وفي ختام الكتاب ذكر الكاتب حالات أخرى تتجلى فيها بوضوح علاقة الميراث بالنفقة وهي حالة ميراث الجدة، وقدّم في ذلك مسألة تضم أب وأب أب وأم أب وأم أم، فأوضح أن الأب حجب أباه وأمه لأنه مسئول عن نفقتهما في حين ورثت أم الأم السدس لأنه غير ملزم بنفقتها، فورثت أم الأم هنا ولم يرث نظراؤها رجالا ونساء لوجود من يكفلهم ويسأل عنهم.
هذا وقد خلص الكاتب من خلال هذه الدراسة القيمة إلى أن هناك ميزان رباني دقيق بين حقي المرأة في الإرث والنفقة، واستنتج أنه إذا توفرت للمرأة كفالة قوية مؤكدة قلّ نصيبها عن نصيب الرجل في الميراث لقوة حقها في النفقة، وأنه إذا قلت أوجه الكفالة فإن المرأة ترث مثل الرجل مثل حالة الإخوة مع الأخوات لأم، وقد ترث أكثر منه، وقد ترث ولا يرث نظيرها من الرجال، وختم هذه التقريرات الشرعية بتأكيده على أن المرأة إذا وضعت حقوقها التي تكتسبها في جانب، وحظها من الميراث -أيًا كان- في جانب فسيبدو أن المرأة هي بحق أحظى من الرجل كثيرا، وليس هذا ظلما للرجل بل هو مراعاة لضعف المرأة عن الاحتراف والاكتساب فعوّضها الله تعالى بهذه الحقوق الكثيرة التي تكفل لها حياة كريمة سواء كانت بنتا أم زوجة أم أما.
الكتاب يعد لبنة مهمة في تصحيح نظر دعاة ظلم الإسلام للمرأة، وهو إلى جانب كتاب “إرث المرأة وقضية المساواة” يمثل دراسة متميزة وتصور مكتمل عن وضع المرأة داخل منظومة الإسلام، تبرز التكريم وتظهر الامتياز الذي حظيت به المرأة في ظل الشريعة الإسلامية السمحة. 

نشر بتاريخ 28/05/2012

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق