مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامقراءة في كتاب

قراءة في كتاب: ماذا عن المرأة؟ للمؤلف نور الدين عتر

 

مونية الطراز

التعريف بالكتاب:
الكتاب الذي بين أيدينا مؤلف قيم للدكتور العلامة نور الدين عتر، وهو من منشورات دار اليمامة بدمشق صدر سنة 2003 في طبعته الحادية عشرة والأولى المنقحة والمزيدة لهذه الدار. حجم الكتاب متوسط، يقع في  255 صفحة و يتألف من ثلاث مقدمات، الأولى لهذه الطبعة المنقحة والموسعة، ومقدمتين لطبعات سابقة، ولكل مقدمة من المقدمات المذكورة خصوصيتها وأهميتها في بيان قيمة البحث وموطن خطورته، أما مباحث هذا الكتاب فتعالج مجموعة من المفاهيم والإشكاليات المعقدة التي تعتبر جوهر قضية المرأة، من وجهة نظر شرعية لا تغفل الواقع، ولا تغيب المعطيات العلمية والنفسية والاجتماعية ذات الصلة بالموضوع، وقد خُتم الكتاب بملحق أعقب الخاتمة وأُتبع بفهرسة للموضوعات.
لماذا هذا الكتاب؟
رغم أن الكتاب صدر منذ سنوات إلا أنه يعالج مسألة لازالت تحسب في خانة القضايا المعتبرة ضمن مواضيع الساعة، فموضوع المرأة الذي اختاره الكاتب، فضلا على أهميته في الظروف الراهنة، يصطبغ بلون خاص في هذا الكتاب مما يضفي عليه قيمة زائدة تميزه من ناحيتين:
أولا: من ناحية المحتوى، حيث عالج فيه الكاتب قضايا يغلب عليها طابع الإشكال، حرّر القول فيها تحريرا يجمع بين ما تقتضيه المقاربة الشرعية وما تستدعيه الواقعية والمعطيات العلمية العصرية.
ثانيا: من ناحية منهجية المقاربة والقوة العلمية للمؤلف الدكتور العلامة نور الدين عتر الذي تميز بعطائه العلمي الدقيق سواء من خلال بحوثه المتعلقة بعلوم القرآن والتفسير وعلوم الحديث، أو من خلال ما قدّم من رصيد علمي في مجال الفقه بجميع أبوابه، فهو حين يعالج قضية المرأة فإنه ينظر إليها بمنظار المتمكن من آليات الاستنباط الفقهي والنظر الأصولي المصلحي، وبدراية المتخصص في التفسير، العالم بدلالات الألفاظ اللغوية والشرعية، ويكفيه  بهذا ميزة وأهلية تُثمن إصداراته.
موضوعات الكتاب:
قدّم الكاتب في مدخله إلى البحث توضيحات تتعلق بخطورة موضوع المرأة وحساسيته بالنسبة للجنسين الذكر والأنثى، حيث ذكّر أنه موضوع يحاط بمغالطات تزيد من التباعد بين الجنسين وتخرجهما عن مضمون الحديث النبوي “إنما النساء شقائق الرجال” فهذا الحديث وغيره من النصوص التي رفعت من قدر المرأة بعد تحقير طالها لأزمان، يؤسس لفصل جديد من الكرامة والعزة كقيم إسلامية تتميز بطابع الخلود، فيجدر بها أن تعم حياة الناس في هذا العصر. إن الغيرة على كرامة المرأة – حسب الكاتب- بقيت عبر التاريخ ديدن المسلمين، تميزوا بها عن غيرهم من الحضارات. وكذلك تعليم المرأة كان مطلبا شرعيا ومقصدا أساسيا، ولم يكن في يوم من الأيام ترفا ولا قضية ثانوية. ولذلك فالمرأة المسلمة – يقول الكاتب- في خضم هذه الدعوة العالمية إلى تعليم المرأة تجد نفسها معنية بالخطاب الشرعي قبل أن تكون معنية بالخطاب العالمي.
حاول الكاتب في التمهيد تقريب القارئ من المحتويات العامة للبحث، فتحدث عن مؤسسة الزواج واعتبرها الورش الذي يتم فيه بناء الإنسان الصالح، وعدد فضائل الزواج وفق التصور التشريعي والتي تؤدي إلى الاستقامة والتهذيب وبناء العمران البشري، وهي متضمنة في 16 فضيلة، استعرضها الكاتب وأصّل لها من القرآن والسنة، معتبرا أن مؤسسة الزواج مصنع للحياة يقوم على حسن اختيار الزوجين بعضهما لبعض وفق شروط استدل عليها من النصوص الشرعية، وبيّن أن استبعادها مغامرة بمستقبل الزوجية لعدولها عن تدبير الحكيم الخبير، وفي هذا السياق أوضح أن للاختيار قواعد وآداب نصّت عليها الشريعة لضبط التعارف والخطبة، وأكد أنها تنطوي على حكم فريدة بيّنها من خلال ما استعرضه وحلّله من الشواهد الشرعية التي تظهر ميزتها وتفوُّقها على العوائد الغربية المستهترة والتي لا تحترم الإنسان، كما أنها تسمو على” قيم التحرر” المستمدة من الأجنبي، فالاختيار- في نظر الكاتب- مزية أقرّها الشارع من باب تكريمه المرأة، وأهميته لا تقل عن أهمية تشريعات أخرى تقصد إلى تكريم النساء كتشريع المهر، فالمهر يبطن حكما عظيمة أثار الكاتب بعضها وبين آثارها المحمودة على علاقة الأزواج ما لم تبلغ قيمة المهر حد التكلف. وحيث إن مقصد التكريم أصل في المهر فإن الشريعة فرضته، ونهت في المقابل عن زواج الشغار الذي يهين المرأة ويفرغ العلاقة الودية من مضمونها ويسلبها سمة السمو التي تميزها، فالشريعة في جوهرها –يقول الكاتب- تسعى إلى بناء علاقة زوجية راقية وفق أسس قوية ومتينة، تحفظ للطرفين سلامة العشرة وسعادة العيش بما تحيطهما به من عناية تشمل النواحي المعنوية النفسية والجوانب المادية، فتنضبط بذلك تصرفاتهما وتستقيم. وقد وضح الكاتب من هذه الجوانب:
1- الطمأنينة النفسية، وبيّن أنها مقصد أساس من مقاصد التشريع الإسلامي.
2- العشرة بالمعروف، وبيّن أهميتها، وأكّد على طبائع الرجال والنساء، وكيف راعت الشريعة لنفسياتهما في ضوابط العشرة التي أقرتها.
3-  العلاقة الجنسية وعظمة تعاليم الإسلام في آدابها، وارتفاعها عن البهيمية السافلة، إذ العلاقة الجنسية في الشريعة تسمو عن التصورات التي لا تلتزم بقيم العفاف، وتروّج بدل ذلك للمفاهيم المغالطة كأكذوبة الكبت الجنسي الذي لا يعبر إلا عن مساعي الالتفاف على كرامة الإنسان، فكل هذه الدعاوى حسب الكاتب مردودة تفندها شواهد استقاها من بيانات علماء الغرب أنفسهم. وفي موضوع ذي صلة كشف عن بعض حِكم الأحكام ذات الارتباط بالاتصالات الزوجية التي اعتبرتها الشريعة محرمة.
4- حفظ الغيب، وهي مسألة اعتبرها الكاتب من أسس العلاقة الزوجية المتينة، دليلها قوله تعالى ﴿فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله﴾ فمتى تحقق حفظ الغيب كان ذلك صمام أمان لهذه العلاقة، ذلك أنه يشمل المال والعرض وأسرار الزوجية، وهي أمور ذات حساسية وخطورة بين الزوجين لا بد من حسن تدبيرها.
5- التزين الواجب في الزوجين لبعضهما، وهو أمر لم يسطره الشرع عبثا وإنما لغاية حكيمة، فالتزين يحفظ  العلاقة، ولا بد –في نظر الكاتب- من تخليصه من كل ما من شأنه أن يأتي على قيمته كالزهد مثلا، فالتزين أصيل في الشريعة وله مقاصده وطرائقه، كما أنه حضي من اهتمام الفقهاء بحيز مهم يستحقه، فمن القضايا التي عالجها الفقهاء مشروعية التزين بالذهب والحرير بالنسبة للمرأة، وهذه المسألة يعتبرها الكاتب واضحة وتحتاج إلى دعم لدحض مذهب المخالفين الذي فيه شذوذ ظاهر بيّن الكاتب علته.
 إن التزين وحفظ الغيب وكل هذه الجوانب الخمسة التي استعرضها المؤلف تحفظ العلاقة الزوجية وتُصلح العشرة، وقد شرعت لهذه العلاقة  حقوق وواجبات متصلة بها لتحفظها، وهي تنسجم مع فطرة طرفيها، وتهدف إلى تحقيق مقاصد معينة بيّنها الكاتب، إلا أن هناك إشكالات متعلقة بالموضوع يظهر فيها ما يعارض كرامة المرأة تطرق إليها بالبيان من ذلك خدمة المرأة بيت زوجها، فهذه المسألة في تقدير الكاتب راجعة إلى اختلاف الأعراف، وهي رهينة عمليا بوازع الدين في المرأة واحتساب مرضاة الله في التزام قناعة تدبير البيت بالنسبة لها، ويعتبر الدكتور عتر أن هذا الأمر مبني على ميول فطري في المرأة وعلى هواية فيها لا على الإلزام. ومن الإشكالات التي ناقشها أيضا هنا مسألة القوامة، فساق ما ارتبط بها من نصوص، ودقق في تفاصيل وخلافات الموضوع بما يستحقه من تحليل، وبما يناسب من حجج تراعي في عمقها خطورة الموضوع ودلالة مصطلحه، والتباس مفهومه.
وفي موضوع آخر يتعلق هذه المرة بعمل المرأة قرّر الكاتب أن تربية النشء وظيفة أسمى من العمل خارج البيت، إلا إذا دعت الضرورة، وأوضح أن خروج المرأة للعمل تترتب عليه أخطار متنوعة وضّحها من خلال إحصائيات غربية حديثة، وبيّن أنها تطال النواحي الاجتماعية والنفسية والاقتصادية للمجتمع، لذلك يبقى الامتناع عن العمل خارج البيت في نظره مناسبا للمرأة وموافقا لمذهب الشريعة الذي اعتبره لا يعارض الخروج للعمل بإطلاق، وإنما يقيّده بما يناسب طبيعتها وتكوينها، وينوء بها أن تقع في الاستغلال الجسدي ولو من باب استعمالها من حيث يرجى من اختلاف مظهرها ورقتها جني المال بالأساس، وفي حديثه عن عمل المرأة فرّق بين حقها في أن تعمل وبين الإيجاب والإلزام عليها أن تعمل لكسب المال،  وكل هذا التفصيل والترتيب يرجعه الكاتب إلى رعاية الشرع للمرأة وتكريمها من باب فضيلة التكريم الذي جاءت به الشريعة مبدءا لصالحها أنثى، وأما  جعلت الجنة تحت قدميها.
ومن هذه الإشكالات التي أفاض فيها صاحب الكتاب انتقل إلى شبهات تتعلق بموضوع تعدد الزوجات الذي اعتبره أمرا يحتاج إلى فهم واقعي، وإلى توضيح يبدد مشكلاته، فبيّن شروط التعدد التي إذا التزمت كان مباحا، واشترط أن ينظر إلى الموضوع بمنظار واقعي ورؤية بعيدة المدى. وقد دعا الكاتب إلى ضرورة تشجيع الزواج حفاظا على وحدة الأمة وسلامتها من الانهيار، واعتبر أن التعدد، في بعض الحالات، له حِكم وأفضال من شأنها أن تضمن هذا المسعى، ثم قدّم دروسا وعبرا استخلصها من  زيجات النبي صلى الله عليه وسلم.
ولم يهمل المؤلف حكمة الطلاق في الإسلام الذي عُرض في التصور القرآني باعتباره علاجا ناجعا ومناسبا لبعض الحالات، ولبيان هذه الحكمة أقام مقارنة بين نسب الطلاق في المجتمع الإسلامي ونظيره الغربي، وفي المقابل أقام مقارنة لنسب الطلاق حسب البيئات المتعددة. وفي نهاية مبحثه استعرض بعض الأسباب التي علّق عليها انتشار ظاهرة الطلاق.
هذه كانت مجمل موضوعات الكتاب الذي ذيله صاحبه بفقرات قال إنها لم تنشر حول الحجاب والاختلاط كان قد بعث بها إلى مجلة العربي الكويتية يردّ فيها على مقال للأستاذ “أحمد حسن الباقوري” الذي أباح فيه الاختلاط وهتك الحجاب. وهي مناسبة كانت سانحة للتنوير على كل حال.
وفي خاتمة الكتاب دعا المؤلف إلى تضافر جهود النساء من أجل تصحيح مسار قضية المرأة عبر مؤسسات نسائية تطّلع بهذا الحمل. وقد كان هنا يؤسس لسنّة حميدة التقطتها جهات مختلفة همها التحرير والتنوير وفق كتاب الله المنير.
هذا وقد أٌرفِق الكتاب بملحق للدكتور نور الدين عتر، صاحب الكتاب، حمل عنوان “كشف أغاليط في الذهب المحلّق” كان استجابة لدعوة بعض محبي الدكتور، ومناسبة للرد على بعض غلاة اللامذهبيين في ما أثير حول إباحة الذهب للنساء من شبهات.
وعموما فالكتاب أرضية مهمة للنقاش في الموضوع أكثر مما هو تقرير كون القضية تحتاج إلى عمق أكبر بالنظر إلى التعقيد الذي يميزها، فمن يطالع الكتاب سيكتشف لا محالة أن صاحبه ضيّق كثيرا من حريات المرأة الشرعية وإن التزم الأمانة العلمية، فكثير من أرائه لم تبن على نظر شرعي قوي وحجج علمية مفحمة، وإنما بنيت على قاعدة سد الذريعة اعتبارا للمآلات المتوقعة بالنظر إلى ما يحصل في الغرب، كما أن هذه الآراء استندت إلى شواهد استقاها الكاتب من الكشوفات العلمية ليبني تصوره حول قضية المرأة، وقد وفق الكاتب في معالجة جل القضايا التي تطرق إليها، إلا أنه لم يسلم من غلبة النظرة التقليدية في مقاربته لموضوع عمل المرأة وموضوع التعدد ومواضيع أخرى تحتاج إلى نقاش علمي رصين، ومدارسات تنطلق من معطيات هذا الكتاب وتستفيد من منهجه في التحليل وتتجاوب مع قدرة الدكتور عتر على الحوار، فالظاهر أنه يمتلك من المقومات العلمية والمؤهلات الفكرية ما يجعله سندا للمرأة وداعما لتحررها من قيود التقليد، وينظر إليها خارج نطاق نوعها، ينظر إليها باعتبارها إنسانا مسئولا لا تنحصر وظيفته بين الجدران. ويكفيه أنه أشاد بقناعات رزان عبده الحكيم في كتابها “صورة المرأة في الحديث النبوي”.

نشر بتاريخ 20/02/2012

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق