مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامقراءة في كتاب

قراءة في كتاب: دور المرأة في بناء المجتمع، للدكتور محمد مطر الكعبي

نادية الشرقاوي

يتبين من خلال الاطلاع على كتابات الدكتور محمد مطر الكعبي اهتمامه الشديد وعنايته الكبيرة برصد ودراسة الظواهر الاجتماعية وعلاقتها بالدين الإسلامي، حيث تضم مؤلفاته كتبا قيمة ككتاب:”العنف في التراث الإسلامي: عبرة وذكرى” “مآثر الأعلام” “نظرات في الدين والفكر والمجتمع”، ودراسة أخرى لعلاقة المرأة بالمجتمع من خلال عرض صور تطبيقية من النموذج الإسلامي، وذلك في كتابه “دور المرأة في بناء المجتمع”، وهو صادر عن دار القلم بطبعته الأولى بتاريخ 2010م، وهو من الحجم 22×15، يضم 94 صفحة.
ويدعو د. محمد مطر الكعبي من خلال سطور هذا الكتاب كل امرأة مؤمنة واعية أن تعرف مسؤوليتها وتدرك مواهبها التي منحها الله إياها، فتضعها الموضع اللائق بها وتدفع بها مسيرة الخير والنماء، وأن تعقد العزم وتشد الهمم، وتترك التقاعس والتقصير، لأن “مسيرة التاريخ لا ترحم، وسُنة الله في النهوض والانحطاط لا تحابي أحدا، كما قال الله تعالى: ﴿لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا﴾ النساء 123.”الصفحة: 7
كما يؤكد د. الكعبي على أن مناط التكليف للإنسان هو العقل والبلوغ وليس الذكورة والأنوثة، والشريعة جاءت عامة للناس كلهم ذكورا وإناثا، وخطاب الشارع جاء شاملا للذكور والإناث في أغلبه، وأحيانا جاء خاصا بالمرأة وأحيانا خاصا بالرجل، “فقد أرسى القرآن الكريم والسنة النبوية مفاهيم جديدة، وأسسا واضحة، لمجتمع جديد وفريد يتحمل المسؤولية فيه الرجال والنساء، بمسالك أخلاقية رفيعة، ويهدفون إلى غايات عالية نبيلة سامية.” الصفحة:12.
ويقدم صاحب هذا الكتاب نماذج مختلفة بعضها عرضها من القرآن الكريم كامرأة عمران وأم موسى عليه السلام وفتاتا مدين وامرأة فرعون والصحابية المجادلة خولة بنت ثعلبة وملكة سبأ، وبعضها من واقع المجتمع النبوي، حيث كانت المرأة حاضرة في مجالات مختلفة، تشهد الصلوات في الجمعة والجماعات، وتحرص على الحضور في الميدان الاقتصادي والإسهام فيه، والصحة والتمريض، والعلم والتعليم، والمعارك مع الجيوش، وفي المجال الاجتماعي والأمور السياسية أيضا.
وفي صدد عرض النماذج القرآنية، يقول د. الكعبي:” لقد ذكر القرآن الكريم عددا من النسوة الطاهرات في مقام التجلة والاحترام، لما قدَّمنه من عمل ناجح وما تركنه من أثر صالح، وذكر بعضا ممن سلكن طريق الضلالة فأصبحن سلف شر لكل سالكة بعدهن” الصفحة: 21.
ومما أورده صاحب الكتاب من الأمثلة النسائية في القرآن تضحية وجهاد أم موسى وأخته لحماية المولود الصغير وبذل قصارى الجهد في ذلك، فقال:”لقد كانت مثال الأم الصالحة التي تعلق فؤادها بولدها، فغدت بعده والِهًا لا يقر لها قرار حتى تعرف مصيره ومآله، وثار أهل بيتها أشدّ الاستنفار بحثا عن آثاره وأخباره، وكلفت ابنتها التي كانت قرة عين لها بالبحث عنه دون أن يشعر بها أحد فيكشف سرّها ويفضح أمرها، فقامت هذه الفتاة بمهمتها على أحسن وجه، وكانت تؤدي مهمة أمنية من أعظم مهمات الأمن والحراسة والكتمان” الصفحة:24.
أما عن النماذج النسائية في المجتمع النبوي، فيقول:”لقد فتح الإسلام أمام المرأة كل ساحات الخير، والإسهام النافع في بناء المجتمع ورفعة الحياة الفاضلة، وشرّع لها الأبواب عالية في إطار الأخلاق الصالحة، والاستقامة الواضحة..
وأذكر طرفا من حضور المرأة ومشاركاتها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو يرى ذلك فيُقرها عليه ويشجعها، أو يأمرها بالمزيد ويدفعها إليه، أو ينبهها ويضعها في الموضع الصحيح الذي يليق بها ويَحْسُن، وقد كانت معه من أول يوم جاءته فيه النبوة، فكانت المرأة هي السابقة إلى الإسلام في شخص خديجة بنت خويلد، وكانت المرأة من المهاجرات الهجرة بعد الهجرة، فقد هاجرت المسلمات إلى الحبشة، وهاجرن من مكة إلى المدينة، وخلدن أروع الأمثلة في التضحية والصبر على فراق الأهل والوطن وتحمل المشاق والتعذيب، لقد كانت المرأة حاضرة في كل موطن ذكر فيه المؤمنون بخير واعتزاز” الصفحة: 31-32.
وقد عزز الكاتب كلامه بمجموعة من النصوص الحديثية من السنة النبوية، منها مثلا ما جاء في حضور النساء الصلوات في الجمعة والجماعات: عن عائشة رضي الله عنها قالت:”كن نساء المؤمنات يشهدن صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس” أخرجه البخاري ومسلم.
ومنها أيضا ما جاء في حضور المرأة المعارك مع الجيوش، فعن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها، قالت: “غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى وأقوم على المرضى” أخرجه مسلم.
والأمثلة التي ساقها المؤلف كثيرة في هذا السياق، وختم كلامه بالتأكيد على أن المرأة المسلمة كان لها أيضا مواقف إبداع وتألق عبر التاريخ، فقال:” ومن مواقف الإبداع للمرأة المسلمة في العهد النبوي: تفكيرها في اختراع المنبر أو السبق إلى صنعه، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الجمعة وغيرها واقفا بين الناس، مستندا إلى جذع، فلما كثر الناس واتسع مداهم رأت امرأة أن الأمر يتطلب شيئا آخر، ووسيلة جديدة في البلاغ تواكب التطور وبعمق تفكيرها اهتدت إلى المنبر” الصفحة: 85
وفي الأخير يؤكد د. الكعبي أن عمل المرأة اليوم ومشاركتها في جل ميادين الحياة أصبح واقعا لا يمتري فيه أحد، وأن منع المرأة من ولوج باب الحياة باسم الإسلام أمر غير مقبول، “والصواب في هذا أن ترشد طريقها، ويضبط دخولها، ويحافظ على كرامتها، وتنال العناية والمكان اللائقين” الصفحة:6.

نشر بتاريخ 27/09/2012

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. السلام عليكم
    أاتا باحث من الهند حاليا في القاهرة وأرجو التواصل معكم

  2. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته امابعد

    الأستاذةالفاضلة/نادية حفظها الله

    آمل التواصل معك انا سعودية من طالبات الاستاذالدكتور/صالح نعمان وقد أوصاني بالتواصل معك فهل تسمحين بذلك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق