مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكقراءة في كتاب

“قراءة في كتاب “حواشي سيدي الحسن اليوسي على شرح كبرى السنوسي

         ثانيا- بين يدي كتاب حواشي اليوسي على شرح كبرى السنوسي 

         افتتح الشيخ الحسن اليوسي عمله بذكر السبب الذي دفعه لوضع الحواشي على شرح كبرى السنوسي والذي كان بالأساس وقوفه على المواضع التي استعصى عليه فهمها واستيعابها فأراد بيان ما استشكل عليه الفهم فيها، يقول مبينا ذلك: “مررت فيها بمواضع متعاصية على بعض الأذهان متواصية ألا تدخل جنتها إلا بشفاعة الذكاء والبيان فعزمت على أن أنبه عليها وأقطع إن شاء الله إضافة الإبهام إليها”[17]، ويضيف قائلا: “ثم بدا لي أن أضيف إلى ذلك من الفوائد ما يحتاج إليه وما يستملحه الناظر عند الوقوف عليه مع التزام تفسير ما يحتاج إليه من الألفاظ اللغوية غير تارك إن شاء الله تعالى إلا بعض مالا يكون من الأوضاع العربية”[18].

وهذا إنما كان بقصد أن تكون العبارات والمعاني المبثوثة في شرح كبرى السنوسي قريبة سهلة ميسرة لكل من أراد سبر أغوارها والاطلاع عليها والنهل منها، فما كان منه إلا الوقوف عند كل لفظة أو عبارة تحتاج لبيان مع سوق ما يمكن سوقه من أقوال العلماء في كل مسألة تكون معضدة لعمله في هذا المتن العقدي القيم، كما نجد أن اليوسي رحمه الله في بعض الأحيان شارحا لمتن عقيدة السنوسي مباشرة، ومحشيا على شرحها لها أحيانا أخرى، فجمع بذلك بين الأمرين على خلاف ما رأينا عند من سبقه أو عاصره أو أتى من جاء بعده من المتكلمين والنظار الذين كانت لهم عناية بهذا المتن العقدي، فسلك بذلك “مسلكا بسط فيه القول فيما يحتاج منها إلى البسط مقرنا ذلك بالتوجيه والتفسير والاستدراك، من ذلك قوله – مثلا- في توجيه كلام السنوسي: “وإرسال الرسل”[19]، قال اليوسي مصوبا لكلام السنوسي في هذه الفقرة ما نصه: “الظاهر أنه عطف على أحكام وحينئذ إن أراد أن المحدود هو العلم بما صرح به في هذا الحد فقط، فقد بقيت أمور كثيرة، وإن أراد ما تضمنه مطلقا لا جهة لذكر صدقها في كل أخبارها لدخوله، فلو عبر بالرسالة وعطف على الألوهية، وقال هكذا: العلم بأحكام الألوهية والرسل وما يتوقف شيء من ذلك إلى آخر كلامه كان أوجز كلام وأحسن”[20]

ومن قوله في الاستدراك على الإمام السنوسي في تفضيل القول في شروط الولي قال اليوسي مستدركا عليه: “وعد أن يذكرها ولم يتعرض لها فيما سيأتي إذ لم يذكر هنالك إلا تعريف الكرامة، ولم يؤخذ منه جميع ما يذكر في الولي من أنه العارف بالله تعالى وصفاته المواظب على الطاعات المتجنب للمعاصي غير المنهمك في اللذات والشهوات صريحا، وإن كان الصلاح المذكور في تعريف الكرامة قد يستلزمها وسنزيدها بيانا هنالك إن شاء الله تعالى”، ومما تم استدراكه عليه كذلك قوله: “ولم نتعرض لأبحاث الوجود لعدم تصريح المصنف به، وسنستدرك ما يحتاج إليه في فصل الرؤية إن شاء الله”[21].

        وقد بين محقق كتاب الحواشي ذلك بقوله: “ولم يقتصر اليوسي على ما ورد من هذه النماذج التي تجعلك ترى رأي العين منهجه المتبع في الشرح والبيان، بل كثيرا ما قرر الكلام المنقول من قبل السنوسي عن الأئمة المتقدمين كابن التلمساني شارح المعالم في أصول الدين للإمام الرازي أو ابن دهاق شارح الإرشاد لإمام الحرمين كما عمل على تمييز كلام السنوسي عن كلام غيره حين يورده هذا الأخير بين ثنايا كلامه على سبيل  الاستشهاد، كما هو الحال في نقله لكلام ابن التلمساني المذكور أو كلام البيضاوي صاحب الطوالع، وفيه إنصاف للسابق من العلماء من حيثية سبق التفطن للفكرة أو ما يمكن تسميته الاهتداء إلى جذور الأفكار وأصولها وهو إعمال لمعنى قول الفقهاء قضي للسابق إذ يبقى لكل سابق للمكرمات على غيره فضل الأسبق على كل حال، ثم إن اليوسي سلك في حواشيه طريقة غيره من المحشين المتمثلة في إيراد كلام المؤلف بصيغة “قوله” ثم تتبع كلامه بفكر ناقد تارة، موجه أخرى، مؤيد ثالثة، وهو منهج اتبعه من أول الكتاب إلى آخره وبذلك اشتمل الكتاب على بحوث غاية في العمق والاختصاص، ومسائل تعتبر من دقائق علم الكلام “ولم يكتف فيه بالشرح والتعليق وإنما فتح في ثنايا الكلام آفاق للبحث وتوسع في كثير من النقط فظفرنا منه بعلم غزير، هذا وإن مما يثير الانتباه أيضا في حواشي اليوسي على كبرى السنوسي تلك الاستطرادات ذات النفس العلمي العميق التي يسيل بها قلمه سواء في استقصائه لكلام السنوسي عند الانتهاء من تقرير كل فصل فصل ليعاود النقاش والتحليل العميقين في النقاط ذات الصلة بالفصل والتي يقدر من وجهة نظره أنها لا زالت في حاجة الى مزيد تقرير[22] 

ثالثا: القيمة العلمية لحواشي اليوسي في مجال الدرس العقد 

حضي كتاب حاشية اليوسي على شرح كبرى السنوسي بمكانة علمية عظيمة ومنزلة متميزة بين الكتب المؤلفة في وقته وأوانه، فيه فوائد جليلة ومعارف نافعة فكان له بذلك كبير الأثر فيمن بعده، لذلك نجده قد حضي بعناية خاصة من طرف العلماء والمهتمين والمقبلين على الدرس العقدي.

           ولعل القيمة العلمية للحواشي تعود لارتباطها بعلماء أفذاذ سواء سيدي الحسن اليوسي أو سيدي محمد بن يوسف السنوسي رحمهم الله أجمعين، كما أنها ألفت في فترة زمنية بلغت حوالي الست سنوات بين سنة 1065و1071 على اختلاف أماكن الشيوخ الذين أخذ منهم واعتمد عليهم في عمله على شرح كبرى السنوسي،  فحظيت بذلك باهتمام الباحثين قديما وحديثا، “وظل الاقتباس والنقل عنها أمرا لا منصرف عنه في كتب المتأخرين ممن تلا مرحلة اليوسي تاريخيا فكان من بين هؤلاء وأولئك ممن أبدى إعجابه بها على غرار باقي كتبه ومؤلفاته سواء ما كان منها أصيلا أو ما كان منها شرحا أو تعليقا كما أن هناك من جعل بعض مباحثها موضوع اعتراض أو نقد ومناقشة”[23].

          وممن تأثر باليوسي في آرائه العقدية من طبقات العلماء التالين له الشيخ أبو حفص عمر بن عبد الله الفاسي 1188هـ،  الذي عبر عن إعجابه بشيخ شيوخه الإمام اليوسي في أكثر من عمل فكري، كما هو شأنه معه في كتابه القول الفصل في التمييز بين الخاصة والفصل في علم المنطق الذي وضع عليه شرحا حافلا سماه: ” إحراز الفضل بتحرير مسائل القول الفصل، كما أن ابن حمدون هذا عمل بدوره على اقتباس كلام اليوسي واعتماد رأيه في كثير من المسائل، منها على سبيل المثال قوله في تقرير كلام الشيخ ميارة في نسبة وضع علم العقائد إلى الإمام الأشعري: “فيه نظر بل الحق كما قاله اليوسي في كتابه القانون وحواشي الكبرى”[24]، ومن بين الذين أعجبوا باليوسي إعجابا كبيرا واعتمدوا كتابه الحواشي على شرح كبرى السنوسي، العلامة المحقق أبو العلاء إدريس بن أحمد الوزاني الحسني صاحب الكتاب الحاشية المسماة: النشر الطيب على شرح الشيخ الطيب بن كيران لتوحيد ابن عاشر” فقد حشد الأنقال الكثيرة عن كتب اليوسي كالحواشي والقانون والمشرب على سبيل الاستشهاد والتحقيق في كثير من المسائل وذلك في “حاشيته المباركة التي أبدع فيها وأجاد وحقق وأفاد، فقد قلدها بصريح النقول وطرزها بفوائد أبهرت العقول”[25].

             إذا كانت عقائد السنوسي رحمه الله قد لاقت القبول من العامة والخاصة وكتب لها الانتشار والشهرة لقرون من تأليفها، وذلك بفضل عدة مميزات أولاها أنها يسرت وقربت العقيدة الأشعرية من طالبيها والمقبلين عليها،  فإن حواشي سيدي الحسن اليوسي جاءت خادمة لنفس الهدف، حيث كانت طريقه واختياره في التقريب العقدي مكملة لما سلف وملبية لرغبة الطلاب المتزايدة في فهم مضامين العقيدة الصحيحة.  

الهوامش:


[1]– أنظر مقدمة محقق حواشي اليوسي  على شرح كبرى السنوسي.  

[2] –  أنظر:  الاستقصا للناصري 7/108-109 طبعة دار الكتاب المغرب. إظهار الكمال في تتميم مناقب سبعة رجال للعباس بن إبراهيم التعارجي 286 المطبعة الحجرية، الإعلام لخير الدين الزركلي 2/227-228 الطبعة الثانية -الاعلام بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام للعباس بن إبراهيم التعارجي 3/154-163 المطبعة الملكية بالرباط 1975، الزاوية الدلائية ودورها الديني والعلمي والسياسي للدكتور محمد حجي الرباط المطبعة الوطنية 1964، سلوة الانفاس ومحادثة الاكياس عمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس لمحمد بن جعفر الكتاني 3/361-362 المطبعة الحجرية بفاس.1316هـ- شجرة النور الزكية في طبقات ا لمالكية لمحمد بن محمد مخلوف ص 328-329 نشر دار الكتاب العربي بيروت، صفوة من انتشر من اخبار صلحاء القرن الحادي عشر لمحمد الصغير الإفراني 206-210 المطبعة الحجرية بفاس، الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي لمحمد بن الحسن الحجوي الثعالبي4/116-118- النبوغ المغربي في الادب العربي لعبد الله كنون 1/285-286 و 2/307-314 و 3/37-38، دار الكتاب اللبناني بيروت 1961. نزهة الحادي لمحمد الافراني ص: 245، نشر أزهار البستان فيمن اجازني بالجزائر وتطوان لمحمد بن قاسم بن زاكور ص 88-90 المطبعة الملكية بالرباط 1967، اليوسي مشاكل الثقافة المغربية في القرن السابع عشر للمستشرق الفرنسي جاك بيرك باريس موطون ومن معه لاهاي 1958.

[3]– أنظر الزاوية الدلائية لمحمد حجي 97 وما بعدها. 

[4]– المحاضرات المقدمة، وصفوة من انتشر للافراني206.

[5]– فهرسة اليوسي 49 وما بعدها.

[6]– أنظر صفوة من انتشر: 344، نشر المثاني، 3/25، إلتقاط الدرر: 258، الإستقصا 7/108، الفكر السامي: 2/337، موسوعة أعلام المغرب:5/1801، معلمة المغرب: 22/7692.

[7]– انظر كتاب البدور اللوامع لليوسي17.

[8]–  أنظر فهرسة اليوسي ومقدمة المحاضرات.

[9] – أنظر مقدمة المحاضرات ونشر المثاني لابن الطيب القادري 2/146-147 طبعة حجرية بفاس 1310هـ .

 صفوة من انتشر للافراني 208 – 210. – [10]

[11] – المحاضرات المقدمة

 -[12]نشر المتاني 2/142 المطبعة الفاسية 1310هـ

[13] – الفكر السامي 4/116 

[14]– العدلوني في ترجمة ومناقب اليوسي. 

[15]– الأعلام 3/ 162.

[16] – أنظر المصادر والمراجع في الإحالة رقم 1.

[17] – مقدمة كتاب الحواشي 1/115

[18] – مقدمة كتاب الحواشي1/115

[19]– عمدة أهل التوفيق والتسديد 44

[20] –  انظر مقدمة كتاب الحواشي 85

[21] – مقدمة الحواشي  1/ 86

[22] – أنظر الصفحة  من مقدمة محقق كتاب حواشي اليوسي 85.

[23]– حواشي اليوسي 1/88.

[24]– حاشية ابن حمدون بالحاج على شرح ميارة على المرشد 1/ 21.

[25]– انظر مقدمة حواشي اليوسي على شرح السنوسي 1/92

الصفحة السابقة 1 2

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق