مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكقراءة في كتاب

“قراءة في كتاب “حواشي سيدي الحسن اليوسي على شرح كبرى السنوسي

          اهتم علماء المغرب بتقريب المتن العقدي وتيسير مضامينه وتسهيل طرق استيعابه وفهمه للمتلقي على اختلاف مستويات الفهم والإدراك، ومن تم فقد اختلفت وتعددت المسالك التقريبية لتحقيق ذلك بين النظم والاختصار والشرح والتقييد وغيرها، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تعد أو تحصى، وتعتبر حواشي سيدي الحسن اليوسي رحمه الله واحدة من أهم تلك المصنفات التي تحمل بعدا تقريبيا للعقيدة يتمثل بالأساس في تتميم النقائص، وإزالة اللبس عن كل مبهم ومشكل و تنحية كل غبش في التصور، وإماطة كل ما قد يحول دون الفهم الصحيح للمعاني، وقد تلقاها الناس بالقبول – تماما كما هو الشأن بالنسبة لعقائد السنوسي رحمه الله وشروحها، التي حظيت بالقبول في أوساط المهتمين قراءة وتدريسا وشرحا ونظما-، خاصة مع “ما عرفه عصر اليوسي من تنافس وإظهار طول الباع في علم التوحيد، وفن إقرائه وبقدر إتقائه يعلو قدر العالم ويسمو في الأوساط العلمية وبخاصة وضع الحواشي والشروح على العقائد السنوسية، فقد كان التمكن منها مما يعد مؤشرا على قدرة العالم وعلو مكانته في العلم بين الأقران لاسيما مدينة فاس حيث معترك الأكابر من العلماء[1].

أولا- العلامة سيدي لحسن اليوسي ومكانته العلمية:

أ- نُبذ عن حياة العلامة سيدي الحسن بن مسعود اليوسي[2]:

          وُصف بمجدد عصره وغزالي زمانه وأوانه، أعجوبة الدهر العالم العلامة الماهر الفهامة، الحاذق في كل علم وفن، حتى اعتبر من نظراء حجة الإسلام، والفخر الرازي، والعضد، والسعد التفتازاني، بل حتى الحسن البصري ومن في مقامه، نعم هو العالم الجليل سيدي الحسن اليوسي الذي يعتبر الحديث عنه إحياء لجميل سمته ونهمه في طلب العلم، وسيرته الحافلة بالعطاء العلمي المنقطع النظير، وما واكبه من ترحال وجولان في طلب العلم عند الطلب كما عند بثه والنفع به وتلقينه، فكان عصامیا نابغا في العديد من الفنون والعلوم التي أخذت بِلُبّه فأدرك منها ما لم یدركه غیره، تاركا رحمة الله عليه كتبا ومصنفات فریدة في نوعها و كمها أَثْرَت المكتبات والخزانات المغربیة و العربیة بتنوع مصدرها ومحتواها و مواضیعها، في الفقـه و الأصول و التوحید، وعلم الكلام، واللغة والشعر وغيرها كثير، فالذين عايشوه وجايلوه اتفقوا على أنه لم يبق فن إلا وألف فيه، ولعل من أجمل ما قيل فيه- نظرا لمكانته وفضله وذيوع صيته بين أقرانه ومعاصريه ونبوغه الغير مسبوق -، ما قاله عنه سيدي أبي سالم العياشي رحمه الله:

                             من فاته الحسن البصري يصحبه        فليصحب الحسن اليوسي يكفيه

          وهو الذي قال فيه  شيخه وأستاذه سيدي محمد بن ناصر الدرعي رحمه الله حين قدومه عليه طالبا للعلم سنة 1060هـ بقوله:

                            أبا علي جزيت الخير و النعما           ونلت كل المنى من ربنا قسما

          أبو علي الحسن بن مسعود اليوسي، من قبيلة آيت يوسي البربرية مفخرة المغرب، وأشهر من أنجبته الزاوية الدلائية من العلماء، حتى ارتبط اسمه باسمها وظن البعض أنه من أبنائها، التحق اليوسي بالزاوية الدلائية وهو مازال شابا طالبا للعلم فتزوج فيها وانقطع عن لهو الشباب ولغوه ومكث فيها حوالي عشرين سنة طالبا، ثم أستاذا، يمتاز هذا العالم الكبير بقوة العارضة وشدة التحصيل وجدة الأسلوب فهو يسير في كتبه على غير ما عند معاصريه من العلماء المغاربة، وإنك لتجد في مؤلفات اليوسي طريقة جديدة في الكتابة تذكرك بطريقة أكابر الكتاب القدامى أمثال ابن المقفع والمبرد، فالألفاظ جزلة متينة، والأسلوب سلس منطلق لا تقيده الأسجاع وغيرها من المحسنات البديعية اللفظية إلا متى أتت عفوا دون تكلف، أو وقعت في رسائل خاصة تستدعي ذلك والمواضيع المطروقة جديدة متنوعة متسلسلة يربط بينهما رغم تباينها نوع من التعلق بحيث تتكامل ويستدعي بعضها البعض الآخر[3]

          وقد تحدث اليوسي عن طلبه العلم ووصفه بالفتح الرباني قال في كتابه المحاضرات: “كانت قراءتي كلها أو جلها فتحا ربانيا، ورزقت – ولله الحمد- قريحة وقادة وفطنة ذكية، فكنت بأدنى سماع وأدنى أخذ ينفعني الله، فقد أسمع بعض الكتاب ويفتح الله علي في جميعه فتحا ظاهرا وأبلغ فيه مالم يبلغه من سمعته منه، ورب كتاب لم أسمعه أصلا غير أن سماع البعض في كل فن صار بدوا للفتح وتتميما لحكمة الله في سنة الأخذ عن المشايخ، ولا تستوحش مما ذكرناه من قلة سماع الكتب والفنون ظنا منك أن الربح يكون أبدا على قدر رأس المال كلا فقد يبلغ ألف مثقال، وما ذلك على الله بعزيز”[4].

ب- شيوخ وتلاميذ العلامة سيدي الحسن اليوسي:

        كان الشيخ اليوسي رحمه الله حريصا على ذكر فضل من تتلمذ على أيديهم من العلماء والشيوخ على اختلاف المناطق والحواضر التي حل بها حتى من استفاذ منه بالشيء اليسير ففي الفصل الأول من “الفهرسة” أتى اليوسي على الترجمة الوافية لشيوخ التعلم، فترجم لحوالي واحدا وعشرين شيخا، مع ذكر آخرين ممن حصل الانتفاع بهم، والدعاء لهم بالرحمة والمغفرة، والاعتراف بفضل من طال العهد بينه وبينهم فَطواه النسيان، يقول مبينا ذلك: “ثم المراد ذكر من ظهر بخصوصية وفضيلة، لا كل من استفدنا منه شيئا إذ لا نحصيه، بل كثير ممن حصل لنا منه ضبط القرآن أو تجويده في زمن الصغر لم نذكرهم لكثرتهم، ومنهم من لم نثبت عليه أو على اسمه، جزى الله جميعهم خيرا، وجمعنا وإياهم في حظيرة القدس عند النظر إلى وجهه الكريم، مع الذين أنعم الله عليهم آمين..”[5]، ومن هؤلاء الشيوخ محمد بن إبراهيم الهشتوكي، وعبد الله بن أحمد بن رحال، ومحمد بن موسى، وأبو جمعة بن مسعود الشيخ أبي عبد الله محمد بن عبد القادر، القاضي الشيخ أبي عبد الله محمد بن سعيد بن عبد الله السملالي، والشيخ أبي محمد عبد الله بن سعيد السملالي، والشيخ الأديب اللغوي أبي سلطان عبد العزيز اليعقوبي، وعن الشيخ عبد الله بن يعقوب السملالي وعلي بن أحمد الرسموكي، وأخذ عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الدلائي، هذا بالإضافة إلى من لقيهم من الشيوخ من بلاد سجلماسة أبي العباس أحمد الدراوي إمام القصبة السجلماسية، وقاضي سجلماسة أيضا الفقيه المشارك محمد بن عبد الله الحسني ودرعة وفاس وباقي المناطق الأخرى، وتذاكر مع غير هؤلاء كالشيخ أبي محمد عبد القادر الفاسي والشيخ أبي عبد الله محمد بن سعيد السوسي المرغيثي وغيرهم مما لا يسع ذكرهم.

          أما تلاميذ الشيخ اليوسي فعددهم أكثر من أن يعد ويحصى، منهم: أحمد بن حمدان التلمساني المحدث، ومحمد الصغير الفاسي بن عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي وسيدي أحمد بن محمد بن ناصر الدرعي الذي اشتهر في فن الحديث، ومحمد بن يعقوب الولالي، الذي أخذ عنه الفقه والفرائض والعربية والحساب، وعبد الكريم بن علي التدغي والحسن بن علي الهلالي، وأبي عبد الله بن زاكور، وعبد الوهاب بن محمد بن الشيخ،  وعلي بن عبد الرحمن الدرعي، وأحمد الشدادي.

أما الذين أصبحوا من كبار العلماء ذائعي الصيت هناك أبي سالم العياشي أبو الحسن النوري، محمد العربي القادري، أحمد الولالي، محمد بن عبد السلام بناني، أبو عبد الله بن زاكور، الحسن بن رحال المعداني، أحمد بن مبارك أبو عبد الله التازي[6] وغيرهم كثير.

ج- مكانة العلامة سيدي الحسن اليوسي العلمية بين شهادات معاصريه[7]، ولوامع مصنفاته التي أغنت الخزانة العلمية:

         قيلت في حق العلامة سيدي الحسن اليوسي شهادات كثيره منها ما نعته به الشيخ محمد المرابط الدلائي في إجازته له قال: “الصدر الرئيس فارس الإملاء والتدريس شيخ الجماعة بالديار البكرية والحضرة الدلائية ذو التدقيق المعهود أبو الحسن بن مسعود، صاحب النباهة الشامخة والنزاهة الباذخة والجلالة العليا والهمة التي نيطت بالثريا المتمسك من الرواية بأسبابها ومن النزاهة بأهدابها، من ألقت إليه المعارف زمامها وجمعت السيادة ما وراءها من المجد وأمامها”[8]، وقال عنه أبو محمد عبد القادر بن علي بن يوسف الفاسي فيما أجازه به: لفقيه العلامة المحقق الفهامة الصدر الأوحد والعلم المفرد رئيس الإقراء والمتهيئ للمناصب العلمية الشماء، الأبذل في إيصال النفع لطالبيه غاية المجهود أبو علي الحسن بن مسعود”[9]، وقال عنه الإفراني في الصفوة: “وكان أبو علي رحمه الله تضلع في العلوم العقلية وبرز فيها على أبناء وقته حتى قال في تأليفه المسمى ب: القول الفصل في الفرق بين الخاصة والفصل، أنه بلغ درجة الشيخ سعد الدين التفتازاني والسيد الجرجاني وأضرابهما بحيث يقبل من كلام العلماء ويرد، وسأله يوما سائل بدرسه عن مسألة فقال له: اسمع مالم تسمعه من إنسان، ولا تجده محررا في ديوان ولا مسطرا ببنان، وإنما هو من مواهب الرحمن، وأضاف قائلا: وكان شاعرا النظم عنده أسهل من التنفس حتى كان يقول: لو شئت ألا أتكلم إلا بالشعر لفعلت… ليقول في موضع آخر “وبالجملة فهو آخر العلماء بل خاتمة الفحول من الرجال حتى كان بعض أشياخنا يقول: هو المجدد على رأس هذه المائة، لما اجتمع فيه من العلم والعمل بحيث صار إمام وقته وعابد زمانه”[10]، وجاء في نشر أزهار البستان لابن زاكور قوله: “حبر الأحبار وجهينة الأخبار وزين القرى والامصار العظيم النظير في سائر الأقطار من أسعد بمطالع انواره  كواكب نحوسي وأعراني  من ملابسي بوسي وألحفني بمطارف المسرات عن حنادس عبوسي مولاي أبو علي سيدي الحسن اليوسي”[11]، وعنه قال ابن الطيب القادري في نشر المثاني: “الإمام الكبير، المحقق الشهير، كان عالما ماهرا في المعقول والمنقول، وأقبل عليه الناس إقبالا عظيما، فكان حيثما قرأ أطبق عليه الناس، وكان آية في الأدب والنقل و الإدراك وحفظ كلام الأدباء يستحضر ديوان أبي تمام وأبي الطيب والمعري ويسرد قصائد عن ظهر قلب”، وقال عنه كذلك: “وكان له أصحاب وأتباع وإقبال من الناس ولا يكون مجلسه إلا غاصا بالأعيان وكان محققا للدراية والرواية له عارضة كبيرة في النقل والتحقيق وحكي لنا أنه بقي في تدريس تفسير الفاتحة بفاس نحو ستة أشهر”[12]، ونوه الحجوي رحمه الله بمشاركته ورياسته في كتابه الفكر السامي، قال: “فقيه أصولي لغوي إخباري أديب شاعر نظار مشارك ماهر في الفنون انتهت إليه الرياسة الكبرى في العلم في وقته وله شهرة ذائعة في المغرب والمشرق”[13]، وقال فيه العدلوني: “وكان من أعيان هذه الطائفة السعيدة، وأعلام هذه الجماعة المفيدة شيخ شيوخنا الإمام وقطب دائرة فلك مشايخ الإسلام، أشرقت شمسه على المشارق والمغارب وانضيت إليه الأسنمة والغوارب، حجة الله على عباده، وخاتمة المحققين في علومه واجتهاده لم يلحقه أحد في زمانه، ولا له مثيل في فخره وانفراده إذا تكلم في طريق القوم أتى بالعجب العجاب وأذهل بفصاحته عقول أولي الألباب شهرته تغني عن إقامة البرهان، كالشمس لا تحتاج إلى بيان ذا الأحوال الباهرة والكرامات الظاهرة الكريم التوسي أبا عبد الله علي سيدي الحسن بن مسعود اليوسي رحمه الله وقدس روحه”[14]، وقال فيه العباس بن إبراهيم صاحب الاعلام رواية عن “إفادة النبيه فيمن ادعى الاجتهاد أو ادعى فيه: “ومنهم عالم المغرب ونادرة الدنيا في وقته الحسن بن مسعود اليوسي رضي الله عنه، سمعت من يقول من وعاة التاريخ من بلدنا: لو كان له مذهب لاتبع”[15]

        ومما يدل على مكانته العلمية المرموقة أنه  كان رحمه الله مشاركا محصلا مدرسا مؤلفا ناظما ناثرا، حيث أقبل على مختلف العلوم والفنون فأتقنها حتى شُهد له بحذاقة وفطنة وبراعة قلّ نظيرها، وارتقى في معارج طلب العلوم وفاز بأعلى المراتب، وكان من ثمرة ذلك أن ألف مؤلفات جمّة جليلة في الفقه والعقيدة والتصوف  وغيرها، أغنى بها المكتبة المغربية ظلت شاهدة على نبوغه وطول باعه منها على سبيل المثال لا الحصر:

        – فهرسة اليوسي قواعد الإسلام من مضمون حديث النبي عليه السلام. المحاضرات “في الأدب”، منح الملك الوهاب فيما استشكله بعض الأصحاب من السنة والكتاب، زهر الأكم في الأمثال والحكم، حاشية على شرط السنوسي، نيل الأماني في شرح التهاني وهو شرح على داليته في مدح الشيخ محمد بن ناصر، الكوكب الساطع في شرح جمع الجوامع” ، قانون أحكام العلم وأحكام العالم وأحكام المتعلم، حاشية على الكبرى للسنوسي، نفائس الدرر في حواشي شرح المختصر في المنطق،- نيل الأماني من شرح التهاني – وهي قصيدة نظمها تهنئة لشيخه أبي عبد الله محمد بن ناصر الدرعي وشرحها، مشرب العام والخاص من كلمة الإخلاص في تفسير كلمة لا إله إلا الله وهو كتاب في علم التوحيد، منح الملك الوهاب فيما استشكله بعض الأصحاب من السنة والكتاب،  تذكرة الغافل حاشية على تلخيص المفتاح  للسكاكي، القول الفصل في الفرق بين الخاصة والفصل، البدور اللوامع في شرح جمع الجوامع في أصول الفقه للسبكي، عقد جواهر المعاني في مناقب الغوث عبد القادر الجيلاني: في التصوف، منظومة في العبادات، كتاب فيما يجب على المكلّف أن يعرفه من أُصول الدين وفروعه،  نفائس الدرر على شرح المختصر للسنوسي (في المنطق)، وله مؤلفات أخرى في علوم مختلفة زينت حياته وكانت علم لا شك أن نفعه عميم على من جاء بعده

         كانت وفاته رحمه الله بداره بقرية تمزيزت، ليلة الاثنين خامس عشر ذي الحجة عام اثنين ومائة وألف، ودفن بمكان يسمى جنان مشكة، ثم نقل جثمانه بعد عشرين سنة إلى العدوة الشمالية من مدينة صفرو[16].

1 2الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق