مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكقراءة في كتاب

قراءة في كتاب: الرسالة القشيرية لابن هوازن القشيري(ت.465هـ)

جعل الله الصوفية صفوة عباده ممن تولاهم الله بالحفظ والعناية، إذ توجهت كليتهم إلى التقرب إلى الله عز وجل والاقتداء برسوله الأكرم، وامتثال داعي دعوته الشريفة التي جل قدرها بإتمام مكارم الأخلاق وابتغاء شرفها، إذ الأخلاق ضمان العيش الكريم والسعي بين الخلق بحسن الجوار وصدق المعاشرة، كما حرصوا على أداء العبادات بآداب العبودية وصدق الافتقار ونعت الانكسار مراعين لحقوق الحق والخلق،  سيرتهم الورع والتقوى، فأرادوا أن يعم خير هذا النهج على سائر العباد والراغبين المتطلعين إلى الإحسان في العبادة، فوضحوا وأصلوا وبينوا نهجهم في تآليف قصدت إلى تقريب المسلك الصوفي ومراميه التزكوية في مؤلفات أمهات في هذا العلم، تنوعت وتعددت، ومنها الرسالة القشيرية للإمام ابن هوازن القشيري رحمه الله تعالى، التي تعد دون شك مصدرا أصلا في علم التصوف، وملاذا تقريبيا لسلوك القوم وممارساتهم، إذ لا يكاد يخلو مؤلف جاء بعدها من الاستناد إليها والاستشهاد بما فيها، كما حوت درر كلام القوم ونفائس هذا العلم مما جعلها مرجعا أساسا لمن أراد التعرف على التصوف علما وممارسة يراد بها وجه الحق تعالى والاقتداء بهدي نبيه الكريم، ولأهمية هذا المؤلَّف في تقريب الممارسة الصوفية ومنهجها وكذا مكانة صاحبه، سيروم هذا المقال قراءة هذا المؤلف قراءة علمية  بغية تقريب ما جاء فيه وذلك من خلال محاور ثلاث:

أولها: التعريف بالمؤلف عبد الكريم بن هوازن القشيري.

وثانيها: قراءة في كتاب “”الرسالة القشيرية في علم التصوف”.

وثالثها: القيمة العلمية للرسالة.

1-التعريف بالمؤلف عبد الكريم بن هوازن القشيري[1]:

أبو القاسم عبد الكريم بن هوزان بن عبد الملك بن طلحة بن محمد القشيري الفقيه الشافعي؛ الملقب بزين الدين[2]، كان علامة في الفقه والتفسير والحديث والأصول والأدب والشعر والكتابة وعلم التصوف، جمع بين الشريعة والحقيقة، أصله من ناحية أستوا من العرب الذين قدموا خراسان، توفي أبوه وهو صغير، وقرأ الأدب في صباه، وكانت له قرية مثقلة الخراج بنواحي أستوا، فرأى من الرأي أن يحضر إلى نيسابور يتعلم طرفاً من الحساب ليتولى الاستيفاء ويحمي قريته من الخراج، فحضر نيسابور على هذا العزم، فاتفق حضوره مجلس الشيخ أبي علي الحسن بن علي النيسابوري المعروف بالدقاق، وكان إمام وقته، فلما سمع كلامه أعجبه ووقع في قلبه فرجع عن ذلك العزم، وسلك طريق الإرادة، فقبله الدقاق وأقبل عليه، وتفرس فيه النجابة فجذبه بهمته وأشار عليه بالاشتغال بالعلم، فخرج إلى درس أبي بكر محمد بن أبي بكر الطوسي، وشرع في الفقه حتى فرغ من تعليقه، ثم اختلف إلى الأستاذ أبي بكر بن الإسفرايني، وقعد يسمع درسه أياماً فقال الأستاذ: هذا العلم لا يحصل بالسماع ولابد من الضبط بالكتابة، فأعاد عليه جميع ما سمعه تلك الأيام، فعجب منه وعرف محله فأكرمه وقال له: ما تحتاج إلى درس بل يكفيك أن تطالع مصنفاتي، فقعد وجمع بين طريقته وطريقة ابن فورك، ثم نظر في كتب القاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني وهو مع ذلك يحضر مجلس أبي علي الدقاق، وزوجه ابنته مع كثرة أقاربها.

وبعد وفاة أبي علي سلك مسلك المجاهدة والتجريد وأخذ في التصنيف، فصنف التفسير الكبير قبل سنة عشر وأربعمائة، وسماه ” التيسير في علم التفسير ” وهو من أجود التفاسير[3]، وصنف الرسالة ” في رجال الطريقة “، وخرج إلى الحج في رفقة فيها الشيخ أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين وأحمد بن الحسين البيهقي وجماعة من المشاهير، فسمع معهم الحديث ببغداد والحجاز.

قال عبد الغافر بن إسماعيل: ومن جملة أحوال أبي القاسم ما خص به من المحنة في الدين، وظهور التعصب بين الفريقين في عشر سنة أربعين وأربع مائة إلى سنة خمس وخمسين، وميل بعض الولاة إلى الأهواء، وسعي بعض الرؤساء إليه بالتخليط، حتى أدى ذلك إلى رفع المجالس، وتفرق شمل الأصحاب، وكان هو المقصود من بينهم حسدا، حتى اضطر إلى مفارقة الوطن، وامتد في أثناء ذلك إلى بغداد، فورد على القائم بأمر الله، ولقي قبولا، وعقد له المجلس في مجالسه المختصة به، وكان ذلك بمحضر ومرأى منه، وخرج الأمر بإعزازه وإكرامه، فعاد إلى نيسابور، وكان يختلف منها إلى طوس بأهله، حتى طلع صبح الدولة ألبآرسلانية  فبقي عشر سنين محترما مطاعا معظما .

ومن نظمه:

سقى الله وقتا كنت أخلو بوجهكم … وثغر الهوى في روضة الأنس ضاحك

أقمت زمانا والعيون قريــــــــــــــــــــــــــــــرة …  وأصبحت يوما والجــــــــــــــــــــــــــــــفون سوافك [4]

أخذ أبو القاسم القشيري رحمه الله العلم والتصوف على يد شيوخ زمانه، وكان من المكثيرين للشيوخ، ومن بينهم :

ـ محمد بن عبد الله بن عبيد الله بن أحمد الشيرازي، أبو عبد الله ابن باكويه، صوفي، من كبار المشايخ في عصره .

ـ أبو الحسين أحمد بن محمد الخفاف .

ـأبوبكر محمد بن أحمد بن عبدوس المزكي .

ـ أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك .

ـ أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم.

ـ أبو الحسين بن بشران .

ـ أبو الحسين ابن الفضل.

أبو محمد جناح بن نذير .

ـ ابن نظيف .

ـ السيد أبو الحسن العلوي .

ـ أبو القاسم بن حبيب.

ـ الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الله المعروف بابن البيع الحاكم.

ـ أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي.

ـ أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر الزاهد.

ـ  أبو نعيم عبد الملك بن الحسن بن محمد بن إسحاق الأزهري الإسفراييني.

ـ الشيخ عبد الرحمن بن إبراهيم المزكي.

ـ أبو الحسن علي بن الحافظ أحمد بن عبدان بن محمد بن الفرج الأهوازي.

ـ أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبيد الله بن باكويه، الشيرازي[5].

ـ أبو بكر محمد بن أبي بكر الطوسي.

ـ أبو إسحاق الإسفراييني.

تلاميذه:
وأخذ عنه تلامذة كثر ممن أصبح لهم باع كبير في مختلف العلوم نذكر منهم:

ـ زاهر بن طاهر ابن محمد بن محمد بن أحمد الشحامي النيسابوري.

ـ وجيه بن طاهر ابن محمد بن محمد بن أحمد أبو بكر الشحامي النيسابوري.
ـ الوزير العادل المعروف بنظام الملك، الحسن بن علي بن إسحاق بن العباس  أبو علي الطوسي، المعروف بخواجا بَزْرُك.

ـ أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي.
ـ أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد بن محمد بن أبي العباس الصاعدي الفراوي النيسابوري الشافعي.

ـ ابن عبد الله، النيسابوري الشاذياخي الخرزي.

ـ أبو سعد إسماعيل بن أبي صالح.

ـ أبو المظفر بن القشيري.

ـ أبو القاسم زاهر بن طاهر.

ـ أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الفرحان السمناني.

خلف الإمام القشيري رحمه الله مجموعة من المصنفات في علوم مختلفة منها؛

ـ الرسالة القشيرية في التصوف.

ـ لطائف الإشارات؛ تفسير للقرآن الكريم.

كتاب نحو القلوب

وكتاب الجواهر.

وكتاب أحكام السماع.

وكتاب غيون الأجوبة في فنون الأسولة

وكتاب المناجاة

كتاب المنتهى في نكت أولي النهى[6]

 مختصر في التوبة وعبارات الصوفية ومعانيها، ومنثور الخطاب في مشهور الأبواب، القصيدة الصوفية وفيها بيان معتقد أهل السنة والجماعة[7]،

التفسير ويقال له التفسير الكبير[8]

ـ شكاية أهل السنة.

ـ الحقائق و الرقائق

ـ آداب الصوفية.

ـ كتاب الجواهر .

ـ رسالة ترتيب السلوك.

ـ بُلغة القاصد.

ـ المنشور في الكلام على أبواب التصوف.

ـ عيون الأجوبة في أصول الأسئلة.

ـ التحبير في التذكير، وهو عبارة عن شرح لأسماء الله الحسنى.

ولأبي القاسم أربعون حديثا من تخريجه.[9]

بعض ماقيل في حقه من طرف كبار العلماء

 وصفه الذهبي في السير بقوله: “وكان عديم النظير في السلوك والتذكير، لطيف العبارة، طيب الأخلاق، غواصا على المعاني.”[10]

قال أبو سعد السمعاني: “لم ير الأستاذ أبو القاسم مثل نفسه في كماله وبراعته، جمع بين الشريعة والحقيقة.”[11] ـ وقال: ” كل من أتى بعده بنكتة أو أعجوبة في علم التصوف فهو مسروق من كلامه، يوجد متفرقا في أطراف كلامه.[12]

وقال أبو بكر الخطيب: “كتبنا عنه، وكان ثقة، وكان حسن الوعظ، مليح الإشارة، يعرف الأصول على مذهب الأشعري، والفروع على مذهب الشافعي”.[13]

قال أبو الحسن الباخرزي: “ولأبي القاسم فضل النطق المستطاب ماهر في التكلم على مذهب أبي الحسن الأشعري، خارج في إحاطته بالعلوم عن الحد البشري، كلماته للمستفيدين فرائد، وعتبات منبره للعارفين وسائد، وله نظم تتوج به رؤوس معاليه “.[14]

كتب إِلَى الشَّيْخ أَبُو الْحَسَنِ عبد الغافر بن إِسْمَاعِيلَ الْفَارِسِي قَالَ :عبد الْكَرِيم بن هوَازن بن عَبْدِ الْمَلِكِ بن طَلْحَة بن مُحَمَّد الْقشيرِي أَبُو الْقسم الإِمَام مُطلقًا الْفَقِيه الْمُتَكَلّم الأصولي الْمُفَسّر الأديب النَّحْوِيّ الْكَاتِب الشَّاعِر لِسَان عصره وَسيد وقته وسر اللَّه بَين خلقه شيخ الْمَشَايِخ وأستاذ الْجَمَاعَة ومقدم الطَّائِفَة ومقصود سالكي الطَّرِيقَة وَبُنْدَار الْحَقِيقَة وَعين السَّعَادَة وقطب السِّيَادَة وَحَقِيقَة الملاحة لم ير مثل نَفسه وَلَا رأى الرآؤون مثله فِي كَمَاله وبراعته جمع من علم الشَّرِيعَة والحقيقة وَشرح أحسن الشَّرْح أصُول الطَّرِيقَة. [15]

ـ قال ابن الصلاح: ” الفقيه الصوفي، المفتنُّ في العلوم.[16] ـ

 قال علي بن الحسن في “دمية القصر”: “جامع لأنواع المحاسن، تنقاد له صعابها ذلل المراسن، فلو قرع الصخر بسوط تحذيره لذاب، ولو ارتبط إبليس في مجلس تذكيره لتاب، وله فصل الخطاب في فضل النطق المستطاب، ماهر في التكلم على مذهب الأشعري، كلماته كلها ـ رضي الله عنه ـ للمستفيدين فوائد وفرائد، وعتبات منبره للعارفين وسائد. ثم إذا عقد بين مشايخ الصوفية حبوته ورأوا قربته من الحق وخطوته تضاءلوا بين يديه، وتلاشوا بالإضافة إليه، وطواهم بساطه في حواشيه، وانقسموا بين النظر إليه والتفكير فيه.[17] ـ

قال ابن خلكان: “كان علامة في الفقه والتفسير والحديث والأصول والأدب والشعر والكتابة وعلم التصوف، جمع بين الشريعة والحقيقة[18].

وفاته:

     توفي صبيحة يوم الأحد قبل طلوع الشمس سادس عشر ربيع الآخر سنة خمس وستين وأربعمائة بمدينة نيسابور، ودفن بالمدرسة تحت شيخه أبي علي الدقاق، رحمه الله تعالى.

1 2الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق