مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامقراءة في كتابنصوص مترجمة

قراءة في كتاب: الحركات النسائية ما بعد “الربيع العربي” بشمال إفريقيا ج.1

إلياس بوزغاية

 

 

 

يأتي كتاب الحركات النسائية ما بعد “الربيع العربي” بشمال إفريقيا الذي صدر باللغة الإنجليزية بعنوان women’s Movements in post-« Arab Spring »  North Africa في سياق تقييم حضور الحركات النسائية بعد 5 سنوات من اندلاع الحراك الاجتماعي المعروف ب”الربيع العربي”. الكتاب الذي يتضمن 327 صفحة والصادر سنة 2016 عن دار النشر البريطانية Palgrave Macmilla، والذي قامت الدكتورة فاطمة صديقي بتحريره والإشراف على إخراجه يعد مساهمة قيمة في مجال رصد وتوثيق العمل النسائي وحقوق المرأة في منطقة شمال إفريقيا والتحولات التي عرفها بعد “الربيع العربي” حيث اعتمد الكتاب على 5 إطارات نظرية لتشكيل الخيط الناظم الذي يجمع بين فصوله وهي:

1-        ظهور “مركزية” إيديولوجية لقضايا النساء بعد الثورات

2-      نضال المرأة في وجه مقاومة الثقافة الذكورية السائدة وما يتبعها من ردود أفعال معاكسة

3-      ثنائية العلماني والإسلامي التي ميزت تعابير الحراك النسائي بعد الثورات

4-      النوع الاجتماعي gender كتصنيف اجتماعي حي يفسر التجارب النسائية المعيشة في منطقة شمال إفريقيا

5-      الواقع المتضارب في حياة النساء، المشاركة السياسية وتحدي السلطة والتلاعب في خطاب الإدماج

يتكون الكتاب من جزأين، الجزء الأول يتضمن 6 فصول تتناول وضع الحركات النسائية في سياقها في منطقة شمال إفريقيا من خلال بعض المداخل المفاهيمية، ويتناول الجزء الثاني (الذي يتكون من 14 فصلا) خصوصية تجربة كل بلد من بلدان شمال إفريقيا على حدة. في مفتتح الكتاب يطالع القارئ مقدمة تمت كتابتها من طرف الكاتبة النسائية العالمية المشهورة شاندرا موهانتي والتي سلطت الضوء على البعد العالمي والثقافي للقضية النسائية “حيث سياسة الاقتصاد النيولبرالي وخطابات التنمية والتطور يؤرخون لحقبة جديدة من التحكم الإمبريالي/ الاستعماري في ممارسة السلطة على شعوب “العالم الثالث” بالتخفي وراء شعارات التنمية والتمكين للمرأة”.

في مقدمتها، تتحدث الدكتورة فاطمة صديقي أيضا عن التفاعل الحاصل اليوم بين التراث الاستعماري والخطابات ما بعد الاستعمارية وهو الأمر الذي أصبح ينتج مزيدا من الفاعلين والمتحكمين في واقع المرأة في منطقة شمال إفريقيا. تشير الدكتورة إلى أن هذا الكتاب جاء في الوقت الذي ازدهرت فيه الكتابات حول الحراك العربي وتبعاته لكن من دون التركيز على القضايا النسائية في قلب الحراك الحاصل أثناء وبعد “الربيع العربي” وهو ما يشكل قيمة مضافة إلى هذا العمل. وعليه فإن المساهمات والمشاركات في هذا الكتاب تعد تجميعا لجهود أكاديميين ونشطاء جمعويين وفاعلين سياسيين للاقتراب أكثر من فهم التحولات في حياة النساء سواء من خلال المقاربة المفاهيمية للموضوعات أو من خلال المقاربة الميدانية لكل بلد على حدة، مما يسمح أخيرا برسم صورة تركيبية ومقارنة حول الإشكالات المرتبطة بتداخل ما هو ديني وثقافي واجتماعي وسياسي في آداء الفاعل النسائي في منطقة شمال إفريقيا.

تتبنى الدكتورة فاطمة صديقي مفهوم “المركز” (the center) لتشير إلى المكانة التي بدأت قضايا النساء تتبوؤها في الساحة السياسية بعد “الربيع العربي” نتيجة التوتر الحاصل بين التيار العلماني والتيار الإسلامي في الحركة النسائية في المغرب نموذجا. تشرح الكاتبة مدى تداخل عنصر الدين والدولة والهوية في تشكيل معالم مشهد جديد عنوانه رفض التحكم والمطالبة بمزيد من الظهور والحريات في المجال العام. كما أن مفهوم “المركز” عند الدكتورة صديقي يتحدى أي تبسيط للتصنيفات الرائجة بين ما هو حداثي أو تقليدي لأن التجارب النسائية المعيشة تثبت التنوع والتداخل و الحيرة بين هذه التصنيفات.

الفصل الثالث بعنوان “النساء و”الربيع العربي”: ثورة نسائية عابرة للقوميات” للكاتبة والأكاديمية ميريام كوك تسلط الضوء على مقاومة النساء ونضالهن كعامل حاسم في الحراك الشعبي سنتي 2010 و 2011 برغم ردود الأفعال العنيفة ضدهن بعد تحقيق كثير من المطالب. هذه المقاومة حسب الكاتبة تعد نسائية بامتياز وعابرة للقوميات كما أنها تتجاوز منطق التصنيف حسب الطبقة لاجتماعية والسن والمستوى التعليمي، كما أن اللافت للانتباه هو الاستخدام المتزايد لشريحة كبيرة من المجتمع لوسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة فعالة في إيصال وتحقيق مطالب الحراك الاجتماعي ككل حيث لم تكن النساء مجرد مرافقات للرجال بل كن في قلب الثورات لإسماع صوتهن.

الفصل الرابع يستكشف معالم الإبداع في التمرد النسائي عقب الثورات للكاتبة ماركوت بدران التي ركزت على مظاهر التقاطع بين المطالب النسائية والإسلام والثورة في امتداداتها إلى الوقت الحاضر. فالكاتبة ترى أنه في خضم الثورة في مصر مثلا كان المجتمع قادرا على تشكيل بعض معالم الديموقراطية وأن تحقيق المساواة بين الجنسين كان يستدعي الوصول إلى تحقيق ثورة كاملة من أجل تفكيك البنية الذكورية للمجتمع، كما أن إعادة فهم النصوص الدينية جزء لا يتجزأ من الصورة الكاملة للثورة التي من الطبيعي أن تأخذ مدة طويلة للتشكل وإعادة التشكل عبر الأجيال.    

دينا وهبة تواصل الحديث عن أشكال المقاومة وتجارب النساء قبل وأثناء وبعد الثورة المصرية في الفصل الخامس حيث تتكلم عن الأدوار الاجتماعية للمرأة التي غالبا ما تجسدها ليس فقط في الواقع ولكن أيضا في وسائل التواصل الاجتماعي كمتنفس للتعبير عن آمالها وخيباتها وتطلعاتها، وبالتالي تحاول الانتقال من مجرد سرد قصص والتعبير عن مشاعر إلى إيصال معنى للأحداث التي تعيشها وتحويلها إلى واقع حقيقي يعبر عن التجربة الخالصة للمرأة في مجتمع ذكوري ومتحول.

الفصل السادس والأخير من الجزء الأول يأخذ القارئ إلى معرفة مأزق مفاهيمي آخر يتجلى في حياة المرأة الموريتانية كموضوع للانتقال السياسي من ستينات القرن الماضي إلى اليوم، حيث يبرز الإشكال في كون المرأة تعيش ثنائية الضعف والقوة في وقت واحد، وذلك من خلال كونها قادرة على إسماع صوتها لكن رغم ذلك يبقى دورها مهمشا في المجال العام لدى النخبة السياسية الحاكمة. الكاتبة تعرض مقاربة أنتروبولجية لدينامية التطور في الفعل النسائي والإثني في المجال السياسي بموريتانيا، كما تحاول الإجابة عن الأسباب الكامنة والاستراتيجيات المعتمدة لصد النساء عن تحقيق اختراق حقيقي للحقل السياسي وتخلص في الأخير إلى أن هذا الاختراق يبقى رهينا بخلق محاولات فردية جريئة للنساء أكثر من تكوين خطابات وشعارات فضفاضة حول المساواة.

 

نشر بتاريخ:  03 / 02 / 2017

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق