مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامقراءة في كتابنصوص مترجمة

قراءة في كتاب الحركات النسائية ما بعد الربيع العربي بشمال إفريقيا ج.2

إلياس بوزغاية

 

 

 

يستمر كتاب “الحركات النسائية ما بعد الربيع العربي بشمال إفريقيا” في طرح العديد من المواضيع حول حقوق المرأة والحركات النسائية في كل بلد على حدة. ففي الفصل السابع يتناول الكاتب موحى الناجي المفارقة الحاصلة في الحراك الاجتماعي حيث شاركت النساء بكثافة وقوة من أجل الديموقراطية أثناء الحراك لكن فجأة تم تهميشهن مباشرة بعد استثبات الأمن وبروز حركات الإسلام السياسي الذي مثل في بعض المناطق تراجعا في مجال حقوق المرأة حسب رأي الكاتب، كما يشدد الكاتب أن إسقاط الدكتاتوريات لم يكن كافيا من أجل ان نسمي الحراك الاجتماعي ثورة ولكن فقط عندما يحصل انتقال ديموقراطي وعدالة ومساواة في المجتمع. 

تتحدث الفصول الثلاثة الموالية في الكتاب عن مصر في ضوء مختلف الإطارات المفاهيمية المرصودة في الكتاب، ففي الفصل الثامن تتفحص الكاتبة Ellen McLarrney الدساتير التي توالت على تدبير شؤون المصريين وأيضا التأثير على حريات وحقوق المرأة عبر القانون. فعلى الرغم من إقرار جميع الدساتير بالحرص على المساواة وتبني المواثيق الدولية لحقوق الإنسان فإن الواقع يقتضي تعاملا أكثر فاعلية للتوصل لنتائج إيجابية بخصوص حقوق المرأة. في نفس السياق تذهب الكاتبة مشيرة خطاب في الفصل الموالي إلى أن الدساتير عملت بالموازاة مع النضالات المستمرة للفاعلين الحقوقيين مما ساعد على تطور بعض مضامين القوانين لصالح المرأة مثل بنود عدم التمييز وهوية الدولة وعلاقة الدولة بالدين في الدستور الأخير. يبقى في الأخير للكاتبة التعليق على أن هناك فجوة بين طموحات المرأة في رؤية دستور متقدم في مقابل نزوع بعض التيارات المحافظة للاستمرار في نفس الوضع. ويستمر الكتاب في عرض جانب آخر من جوانب النضال النسائي في مصر ويتجلى في التعابير الفنية التي أنتجها الحراك الاجتماعي إبان الثورة المصرية حيث كانت هذه التعابير طريقة للوصول إلى المجال العام وإثارة الانتباه إلى مواضيعها مع تجنب أن يتم وصم أصحابها ب”النسويات” والتمركز حول الأنثى بل الحرص على تعريف أنفسهن بأنهن إنسان مواطن يطالب بالحرية والكرامة والعدالة بجانب الرجال، وهو ما أسمته الكاتبة بأنه ثورة موازية ذكية تعتمد على الفن وتقوم بتسريع التغيير نحو مزيد من الديموقراطية والعدل الاجتماعي.

بالاقتراب من النموذج السوداني في تدبيره للحراك الاجتماعي خلال فترة “الربيع العربي”، تقدم الكاتبة عرضا حول أبرز تلاوين الحراك النسائي في البلد وتتضمن اليسار العلماني للاتحاد النسائي السوداني و الجيش السوداني وأتباعه والتيار الثقافي الديني وضمنه الجبهة الوطنية الإسلامية وحزب المجلس الوطني بالإضافة إلى بعض الجماعات المسيحية المتفرقة وجمعيات المجتمع المدني وبعض أفراد الشعب ذوي التوجهات الفوضوية وجماعات أخرى تتبع للعديد من الأجندات والإديولوجيات. هذا الفصل يحاول وضع الحراك الاجتماعي في السياق السوداني الذي يتميز بالتنوع والتفرقة أحيانا وتراه الكاتبة على أنه إحدى علامات التفرد لدى المجتمع السوداني حيث أن هناك حراكا يحاول نقل موضوع حقوق المرأة من دائرة سلطة الدولة إلى سلطة الشعب.

أما بالنسبة للنموذج الليبي، فإن التركيز اتجه إلى تقييم الحركة النسائية الرسمية بعد سقوط نظام معمر القذافي، حيث ترى الكاتبة Amanda Rogers أن التحديات التي تواجه المرأة الليبية تتلخص في الخصوصية التي راكمتها عبر التاريخ من حيث كونها خضعت لتحكم شخصي وإيديولوجي أثر على حياتها، وبالنسبة لسياق ما بعد الثورة الليبية، فأن ليبيا مازالت تحتفظ بالرمزية المناهضة للاستعمار، وعليه فإن هموم المرأة الليبية غير مرتبطة بالبعد الاجتماعي للجندر بل بالبعد السياسي له وهو الذي يتحكم في الاستقرار والتطور اللازم لإقرار مزيد من الحقوق لها.

ينتقل الكتاب إلى السياق التونسي في ثلاث فصول موالية ينطلق الفصل الثالث عشر فيه إلى التعريف بقصص حياة بعض النساء اللواتي عاصرن الفترة الاستعمارية واستطعن إنتاج كتابات وتحقيق إنجازات اخترقت المجال العام في مواجهة التعليم الاستعماري وبالتالي تفسير دورهن الطلائعي حاليا بعد “الربيع العربي” في الانخراط بقوة في دواليب الحكم بالدولة بشكل يعكس نضالهن الشخصي والجماعي. وعلى نفس النهج يستمر الفصل الرابع عشر في عرض مدى انخراط العديد من الوجوه النسائية في مختلف هيئات المجتمع المدني التي بدأت تضطلع بدور محوري في تونس بعد الثورة، وهو ما يظهر من خلال إقرار المساواة والمناصفة في دستور 2014 والوقوف في وجه كل التراجعات التي يمكن أن تحصل على مستوى حقوق المرأة أو على مستوى الديموقراطية. من زاوية أخرى، يرصد الفصل الخامس عشر التطورات الحاصلة في المجال التشريعي في تونس ويركز خاصة على تاريخ 26 أكتوبر حيث انتصر التيار العلماني على التيار الإسلامي باعتباره كان مدعوما من طرف الفعاليات النسائية التي تدعوا إلى التخلي عن الفكر الإسلامي المحافظ الذي قد هدد مكتسبات المرأة التونسية.

في الجزائر، يتحدث الكاتب رشيد التلمساني عن النموذج الخاص الذي يتميز به وضع المرأة في البلد حيث ساهمت تمثيلية النساء السياسية في تعزيز إيديولوجية الحزب الشعبي الحاكم وبالتالي إلحاق ضرر بسيادة القانون ومنع المرأة من المشاركة في صناعة القرار. الكاتب يرى أن الحضور اللافت للمرأة حاليا يأتي كرد فعل على التوجهات العنيفة للإسلاميين في تسعينات القرن الماضي والتي تم امتصاصها عن طريق سياسة الاحتواء لدى الرئيس بوتفليقة والتي تجد اليوم امتدادا لها عبر استغلال شعارات حقوق المرأة والكوطا من أجل تلميع صورة النظام وتكريس ثقافة الاحتواء وعدم المواجهة، ورغم ذلك يرى الكاتب أن النساء الجزائريات مستمرات في المقاومة والتخطيط لوضع أسس مجتمع مدني قوي يسعى لمحاربة التمييز بين الجنسين.

بالوصول إلى المغرب، يعرض الكتاب تجربة مختلفة تدخل في الإطار المفاهيمي حول جدلية الإسلامي والعلماني في النضال حول حقوق المرأة، حيث تتحدث الكاتبة سمية بوتخيل عن الوضع المتأرجح في المغرب بين التوجهات المحافظة والتوجهات الحداثية بشكل يتجلى في القوانين المتقدمة في مدونة الأسرة وفي دستور 2011 مقابل خطاب ديني/تقليدي يفرغ أحيانا القوانين المتقدمة من فاعليتها. في نظر الكاتبة فإن هذا التداخل بين الديني والقانوني يقوض جهود ومطالب تحقيق “المواطنة التشاركية” والمساواة بين الجنسين. القيود الاجتماعية وقوة الخطاب الذكوري كانت محور الفصل الموالي حيث قامت الكاتبة رشيدة كركش بتفكيكه من خلال مقاربة نفسية واجتماعية للتناقضات الثقافية، فالبنيات النفسية الواعية واللاواعية التي رسمت معالم مجتمع ذكوري غالبا ما يرى الرجل أفضل شأنا من المرأة هي التي تظل تحكم تفاعلات الناس في ما تعنيه العلاقة بين الجنسين سواء في التدابير المؤسساتية أو في الإصلاحات القانونية. بعد المقاربة القانونية والنفسية/الاجتماعية لوضع المرأة في المغرب، يناقش الفصل التاسع عشر ملامح وضع المرأة المغربية على المستوى الاقتصادي حيث يشير إلى واقع الأمية المنتشرة في صفوف النساء في المغرب في مقابل التركيز على الموارد البشرية مما يقلص هامش مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية، وعليه فإن التعليم بالإضافة إلى روح المقاولة يبقيان رهانا صعبا ينبغي على المرأة المغربية أن تخوضه وتربحه خاصة في المناطق القروية. وعلى الرغم من قيام الدولة وعدد من جمعيات المجتمع المدني مثل شبكة أناروز بعدد من الإجراءات في سبيل التنمية إلا أن التجديد والتخطيط الجيدان يعتبران أهم المفاتيح من أجل إنجاح مساعي تمكين المرأة اقتصاديا في المغرب ليس فقط في أسرهن ولكن أيضا في المجتمع. أخيرا وليس آخرا، يعرض الفصل العشرون تأملات حول حركة عشرين فبراير والآمال التي أيقظتها وأيضا الآمال التي خيبتها بعد الربيع العربي بالنسبة للمرأة. فمشاركة المرأة في الحراك الشعبي منذ سنة 2011 يمكن رؤيته من خلال عدد من الزوايا النظرية والتحليلية لعدد من الحوارات والملاحظات الميدانية لتخلص إلى أن هدفين رئيسيين لهذا الفصل هما: تحديد ومناقشة أهم العناصر التي هيمنت على الخطاب السياسي لحركة 20 فبراير والثاني هو البحث عن إطار نظري يمكن من خلاله تحليل هذا الخطاب.

في الختام، يمكن القول أن الكتاب في عمومه والذي يحمل عنوان ” الحركات النسائية ما بعد الربيع العربي بشمال إفريقيا” والصادر باللغة الإنجليزية، يعتبر مساهمة قيمة في مجال رصد وتوثيق العمل النسائي وحقوق المرأة في منطقة شمال إفريقيا والتحولات التي عرفها بعد “الربيع العربي”، والتي استطاع الكتاب أن يغطي جانبا كبيرا منها من خلال عدد من الإطارات المفاهيمية المهمة التي يتم تداولها كثيرا في ميدان حقوق المرأة وداخل كل مجتمع على حدة. القارئ سيجد متعة في متابعة أطوار وتفاصيل ومستجدات حقوق المرأة بعد الربيع العربي رغم ما يكتنف الكتاب من نبرة تعميمية تهاجم المجتمعات المحافظة وتربط بين تحقيق المساواة للمرأة والمشروع الحداثي المنفصل عن الدين بالضرورة.

 

 

 نشر بتاريخ: 03 / 03 / 2017

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق