مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكقراءة في كتاب

قراءة في كتاب: “الحاشية الكبرى على شرح كبرى السنوسي” للإمام أبي العباس أحمد بن علي المنجور (929هـ– 995هـ)

ثالثا: القيمة العلمية للحاشية الكبرى في الدرس العقدي

إن وضع الحواشي على الشروح العقدية عموما صناعة تقريبية برع فيها علماء المغرب منذ قرون، وتتطلب علماً غزيراً وإحاطة بمضمون الكتاب المُحشَّى، ولذلك لا يسلك هذا المسلك التقريبي إلا من بلغ شأوا كبيرا في العلم وكان محققا بارعا. ولا شك أن الإمام أحمد المنجور واحد من هؤلاء العلماء الأفذاذ، وقد عرضنا في ترجمته ما يدل على أنه من أئمة الأصول والفروع. فانكبابه –رحمه الله- على وضع حاشيتين؛ صغرى فكبرى، على كتاب شرح العقيدة الكبرى للإمام أبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي، أحد أئمة علم الكلام بالقرن التاسع الهجري، ليس بالأمر المقدور عليه من قبل أيّ متكلم. ولذلك فأهمية الحاشية الكبرى للإمام المنجور من أهمية وقيمة شرح العقيدة الكبرى للإمام السنوسي، فإن المُتعلِّق يشرف بشرف مُتعلَّقه.

فعقائد الإمام السنوسي حظيت بعناية خاصة في الدرس العقدي منذ عصر مؤلفها، فوضعت عليها من الشروح والحواشي ما يعسر حصره تقريبا للطلبة المقتصدين منهم والمجتهدين، واعتمدت رسميّاً في التدريس بمختلف الجامعات والمساجد والزوايا خصوصا بالغرب الإسلامي.

والحاشية وفق ما تقدم لا توضع إلا على الشروح القيمة المعتمدة في التدريس؛ لأنها في جوهرها تتبع نقدي ناتج عن مباحثة ومدارسة مع العلماء أو طلبة العلم، وقد تقدّم أن العلامة المنجور درّس بفاس وبمراكش العقيدة والفقه وغيرهما، كما أن الغرض من وضع الحاشية توضيح ما غمض من الشرح، أو تكملته، أو استدراك على الشارح، أو مباحثته، أو إضافة تحقيقات ونكت ولطائف غفل عنها. وبذلك تعلم مدى أهمية الحاشية في الدرس العقدي المتقدم؛ أعني المخصص لطلبة العلم المتقدمين في علم الكلام.

وحاشية الإمام المنجور الكبرى على شرح الكبرى حققت سائر الأغراض المذكورة، وهذا لا ينقص من قدر الإمام السنوسي، ولذلك أمر السلطان أحمد المنصور الذهبي –وفق ما تقدم- بالاعتناء بها، بعدما اطلع على دررها النفيسة، لئلا تضيع.

وتكمن أهمية حاشية الإمام المنجور في كونها تتبعت المواضع التي تستدعي مزيد بيان وتحقيق في شرح الإمام السنوسي على كبراه، وقد أوردنا في المحور السابق عددا من مسائلها؛ من بينها ما يتصل بصفات المعاني والصفات المعنوية، وما يتعلق بكلام الله تعالى، وكذا أفعاله سبحانه.

وقد بدا الإمام المنجور في حاشيه متكلما ناقدا؛ إذ لم يسلم للإمام السنوسي دعواه أن إيمان المقلد لا يصح وكذا نسبة ذلك إلى جمهور العلماء، فردّ العلامة المنجور بأدب على الإمام السنوسي في هذه المسألة مبرزاً أن هنالك ما يشعر في بعض مؤلفاته المتأخرة عن شرح الكبرى بتراجعه، وقد تطرقنا إلى بيان ذلك في المحور السابق.

ومما تميزت به هذه الحاشية أن واضعها الإمام المنجور باحث فيها رؤساء عدد من طوائف الإسلام كالمعتزلة والكرامية، منافحاً عن عقائد أهل السنة بقواطع المنقول والمعقول.

وتكمن أهمية هذه الحاشية كذلك في كون الإمام المنجور استحضر فيها مقالات وتحقيقات فاخرة لعدد من جهابذة العلماء المتكلمين؛ نذكر منهم:

  • الإمام أبو الحسن الأشعري (ت 324هـ).
  • الإمام أبو منصور الماتريدي (ت 333هـ).
  • القاضي أبو بكر الباقلاني (ت 403هـ).
  • الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني (ت 418هـ).
  • الإمام أبو المعالي الجويني (ت 478هـ).
  • حجة الإسلام أبو حامد الغزالي (ت 505هـ).
  • الإمام فخر الدين الرازي (ت 606هـ).
  • الإمام أبو إسحاق بن دهاق (ت 611هـ).
  • الإمام تقي الدين المقترح (ت 612هـ).
  • الإمام سيف الدين الآمدي (ت631هـ).
  • العلامة شرف الدين الفهري (ت644هـ).
  • الإمام شهاب الدين القرافي (ت 684هـ).
  • الإمام أبو الحسن علي اليفرني (ت 734هـ).
  • الإمام عضد الدين الإيجي (ت 756هـ).
  • الإمام سعد الدين التفتازاني (ت 792هـ).
  • الإمام ابن عباد الرندي النفزي (ت 792هـ).
  • الإمام أبو عبد الله محمد بن خلفة الأُبّي (ت 827هـ).
  • العلامة ابن زكري التلمساني (ت 899هـ).
  • العلامة أبو العباس أحمد الونشريسي (ت 914هـ).
  • القاضي أبو يحيى زكريا الأنصاري (ت 926هـ).
  • العلامة أبو عبد الله محمد اليسيتني (ت 959هـ).

ومن مفاخر هذه الحاشية أن اهتم فيها العلامة المنجور بتحرير الخلاف العقدي الفروعي داخل المذهب الأشعري وخارجه، بدقة ووفق منهج رصين، دون تطويل مُمل أو إيجاز مُخل، فأتم بذلك –رحمه الله- ما افتقر إليه “شرح الكبرى” من هذا الجانب.

خاتمة:

أسفرت الحاشية الكبرى على شرح الإمام السنوسي لكبراه، عن مُحش بارع، فقد أجاد العلامة المنجور في تتبع المسائل العقدية التي تحتاج إلى مزيد إيضاح وتحقيق مستنداً إلى مقالات حذاق المتكلمين، وقد وظف –رحمه الله- منهجا رصينا في النقد العقدي والمنافحة عن معتقد أهل السنة والجماعة بقواطع البراهين، وهو ما بوأ هذه الحاشية وواضعها المكانة الرفيعة في الدرس العقدي الأشعري.

ومما لفت انتباهنا عند مطالعة هذه الحاشية عدم اهتمام كبير من واضعها –رحمه الله- بجانب الاصطلاح الكلامي تحقيقاً وتدقيقاً، وهو عنصر مهم في الدرس العقدي والكلامي.

 وكذلك لاحظنا غياب المسلك الصوفي العقدي في تحقيق عدد من مسائل شرح الإمام السنوسي لكبراه، وهو أمر مستغرب في عصر العلامة المنجور الذي برزت فيه الكتابات العقدية ذوات النفس الصوفي في التحرير.

هذا ولا شك أن محقق هذه الحاشية بذل جهدا كبيرا في إخراجها من حيز المخطوط لتنتظم في سلك درر المطبوعات، إلا أن عمله لا يزال مفتقرا إلى مزيد عناية بالنص المحقق، وذلك بالمقابلة الجيدة بين النسخ المخطوطة المتوافرة من الحاشية، وتوثيق النصوص الواردة فيها، وكذا بوضع محاور رئيسة وأخرى فرعية تسهل للقارئ معرفة سياق الكلام وتيسر له العثور على مطلبه.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

**************************************************************

  • قائمة المصادر والمراجع المعتمدة:

 

القرآن الكريم برواية ورش عن نافع.

  • إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس، لابن زيدان، عبد الرحمن بن محمد السجلماسي. تحقيق: علي عمر، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، مصر، ط.1: (1429هـ-2008م).
  • جذوة الاقتباس في ذكر من حل من الأعلام مدينة فاس، لأبي العباس أحمد بن محمد المكناسي، الشهير بابن القاضي، دار المنصور للطباعة والوراقة، الرباط، المملكة المغربية، ط. 1973م.
  • الحاشية الكبرى على شرح كبرى السنوسي. نشرت من قبل آل الإمام المنجور، في ذي الحجة سنة 1433هـ، موافق أكتوبر سنة 2012م. (نسخة رقمية).
  • درة الحجال، لأبي العباس أحمد بن محمد المكناسي، الشهير بابن القاضي، تحقيق: محمد الأحمدي أبو النور. مكتبة دار التراث، القاهرة، مصر.
  • دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر، لمحمد بن عسكر الحسني الشفشاوني. تحقيق: محمد حجي. مطبوعات دار الغرب للتأليف والترجمة والنشر، الرباط، المملكة المغربية، ط.2: (1397هـ-1977م).
  • روضة الآس العاطرة الأنفاس في ذكر من لقيته من أعلام الحضرتين مراكش وفاس،  لأحمد بن محمد المقري. المكتبة الملكية، الرباط، المملكة المغربية، ط.2: (1403هـ-1983م).
  • سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس، لأبي عبد الله محمد بن جعفر الكتاني. تحقيق: عبد الله الكامل الكتاني، وحمزة بن محمد الطيب الكتاني، ومحمد حمزة بن علي الكتاني. دار الثقافة، الدار البيضاء، المملكة المغربية، ط. 1: (1425هـ-2004م).
  • صفوة من انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر، لمحمد بن الحاج بن محمد الإفراني. تحقيق: عبد المجيد خيالي. مركز التراث الثقافي المغربي، الدار البيضاء، المغرب، ط.1: (1425هـ-2004م).
  • طبقات الحضيكي، لمحمد بن أحمد الحضيكي، تحقيق: أحمد بومزكو. مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المملكة المغربية، ط.1: (1427هـ-2006م).
  • فهرسة أحمد المنجور، تحقيق: محمد حجي، مطبوعات دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر، الرباط: (1395هـ-1976م).
  • نيل الابتهاج بتطريز الديباج، لأحمد بابا التنبكتي. عناية وتقديم: عبد الحميد عبد الله الهرامة. دار الكاتب، طرابلس، ليبيا. ط.2: 2000م.

الهوامش:


[1] انظر ترجمته وأخباره في: فهرسة المنجور. ودوحة الناشر، للشفشاوني، ص. 59. درة الحجال، لابن القاضي، ج.1، ص. (156-163). وجذوة الاقتباس لابن القاضي، ج.1 ص. (135-136). ونيل الابتهاج، للتنبكتي، ص. (143-145). وروضة الآس، للمقري، ص. (285-286). وصفوة من انتشر، للإفراني، ص. (43-45). وطبقات الحضيكي، ص. (32-34). وسلوة الأنفاس، للكتاني، ج.3، ص. (77-79). وإتحاف أعلام الناس، لابن زيدان، ج.1، ص. (372-375).

[2] جذوة الاقتباس، لابن القاضي، ج.1، ص. 135.

[3] نيل الابتهاج، للتنبكتي، ص. 143.

[4] مقدمة الأستاذ محمد حجي لفهرسة المنجور، ص. 7.

[5] انظر: فهرسة المنجور، روضة الآس، للمقري، ص. (385-386). وصفوة من انتشر، للإفراني، ص.45. وطبقات الحضيكي، ص. 34.

[6] انظر: درة الحجال، لابن القاضي، ج.1، ص. 163. ونيل الابتهاج، للتنبكتي، ص. 144. وصفوة من انتشر، للإفراني، ص.45. وسلوة الأنفاس، للكتاني، ج.3، ص. 78.

[7] انظر: دوحة الناشر، للشفشاوني، ص. 59.

[8] نيل الابتهاج، للتنبكتي، ص. 143.

[9] صفوة من انتشر، للإفراني، ص. 43.

[10] جذوة الاقتباس، لابن القاضي، ج.1، ص. 136.

[11] صفوة من انتشر، ص. 44.

[12] المصدر نفسه، ص. 44.

[13] جذوة الاقتباس، ج.1، ص. 136.

[14] دوحة الناشر، ص. 59.

[15] طبقات الحضيكي، ص. 33.

[16] صفوة من انتشر، ص. 44.

[17] دوحة الناشر، ص. 59.

[18] درة الحجال، ج.1، ص. 157.

[19] نيل الابتهاج، ص. 143.

[20] المصدر نفسه.

[21] روضة الآس، ص. 285.

[22] صفوة من انتشر، ص. 43.

[23] سلوة الأنفاس، ج.3، ص. 77.

[24] المصدر نفسه، ج.3، ص. 79.

[25] انظر: فهرسة المنجور، ص. (80-81).

[26] انظر: جذوة الاقتباس، ج.1، ص. 136. ونيل الابتهاج، ص. 144. وصفوة من انتشر، ص. 45.

[27] سلوة الأنفاس، ج.3، ص. 79.

[28] النسخة المعتمدة من هذا الكتاب هي التي نشرت من قبل آل الإمام المنجور، في ذي الحجة سنة 1433هـ، موافق أكتوبر سنة 2012م. وتقع في 243 صفحة. (نسخة رقمية).

[29] انظر الحاشية الكبرى على شرح كبرى السنوسي، ص. 19.

[30] انظر المصدر نفسه، ص. (20-22).

[31] انظر المصدر نفسه، ص. 23.

[32] انظر الحاشية الكبرى، ص. 28.

[33] المصدر نفسه.

[34] المصدر نفسه، ص. 29.

[35] انظر المصدر نفسه.

[36] انظر المصدر نفسه.

[37] انظر المصدر نفسه، ص. 37-38.

[38] انظر المصدر نفسه، ص. 48.

[39] انظر الحاشية الكبرى، ص. 52.

[40] انظر المصدر نفسه، ص. 69.

[41] انظر المصدر نفسه، ص. (69-82).

[42] انظر المصدر نفسه، ص. (82-83).

[43] انظر المصدر نفسه، ص.  109.

[44] انظر الحاشية الكبرى، ص. 113.

[45] انظر المصدر نفسه، ص. 114.

[46] انظر المصدر نفسه.

[47] انظر المصدر نفسه.

[48] انظر المصدر نفسه، ص. (114-115).

[49] انظر الحاشية الكبرى، ص. 135.

[50] انظر المصدر نفسه.

[51] سورة الحاقة، الآية: 52.

[52] سورة يوسف، الآية: 40.

[53] انظر الحاشية الكبرى، ص. (139-140).

[54] انظر المصدر نفسه، ص. 142.

[55] المصدر نفسه، ص. 142.

[56] الحاشية الكبرى، ص. (144-145)

[57] سورة التوبة، الآية: 6.

[58] المصدر نفسه، ص. (145-146)

[59] انظر المصدر نفسه، ص. 157.

[60] الحاشية الكبرى، ص. 157.

[61] المصدر نفسه، ص.198.

[62] انظر المصدر نفسه، ص. 215.

[63] المصدر نفسه.

[64] انظر المصدر نفسه، ص. (218-219).

[65] الحاشية الكبرى، ص. 224.

[66] المصدر نفسه، ص. (226-227).

[67] المصدر نفسه، ص. 227.

[68] انظر المصدر نفسه، ص. 228.

[69] انظر الحاشية الكبرى، ص. 229.

[70] المصدر نفسه، ص. 231.

[71] المصدر نفسه، ص. 232.

الصفحة السابقة 1 2 3

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق