مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكقراءة في كتاب

قراءة في كتاب: “الحاشية الكبرى على شرح كبرى السنوسي” للإمام أبي العباس أحمد بن علي المنجور (929هـ– 995هـ)

 

مقدمة:

يتسم الإسهام العقدي المغربي بالتنوع في مسالكه التقريبية، وهو ما بوأه مكانة رفيعة في منظومة الكتابات العقدية.

 ومن أشهر المسالك التقريبية التي برع في سلوكها متكلمو المغرب، وضع الحواشي على الشروح العقدية، وهو مسلك يتطلب تمكناً من العلم الذي ينتمي إليه النص المُحشَّى، ولذلك لا يقرب هذه الصناعة التقريبية إلا كبار العلماء من المحققين المدققين، فالحاشية ثمرة لقراءة نقدية ومباحثة ومناقشة معمقة لمضمون النص المُحشَّى، وهو ما يجعلها زاخرة في الغالب بالتحقيقات والنكت العلمية والاستدراكات.

ولا توضع الحاشية إلا على الشروح العلمية المهمة المعتمدة في التدريس، كشروح عقائد الإمام أبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي (ت 895هـ) التي حظيت منذ قرون بعناية كبيرة من قبل العلماء بالمشرق والمغرب.

ومن أهم الحواشي التي وضعت على شرح الإمام السنوسي لكُبراه؛ “الحاشية الكبرى” للإمام أبي العباس أحمد بن علي المنجور (ت 995هـ)، ويكفيها شرفا أن السلطان أحمد المنصور الذهبي أمر بالاعتناء بها بإخراجها من مبيضتها وصيانتها لئلا تندثر.

ولأهمية هذه الحاشية في تحقيق عدد من المسائل العقدية، ومنهج صاحبها فيها، ومكانته العلمية المرموقة، سنعمل في هذا المقال على تقديم قراءة علمية فيها، مع بيان قيمتها العلمية في الدرس العقدي. وارتأينا أن ينتظم ذلك في ثلاثة محاور:

أولها: للتعريف بصاحب “الحاشية الكبرى” الإمام أبي العباس أحمد المنجور.

وثانيها: لتقديم قراءة في كتاب “الحاشية الكبرى على شرح الكبرى للإمام السنوسي”.

وثالثها: لتبيان القيمة العلمية للحاشية الكبرى في الدرس العقدي.

أولا: التعريف بصاحب الحاشية الكبرى الإمام أبي العباس أحمد المنجور[1]

  • اسمه ونسبه:

هو أبو العباس أحمد بن علي بن عبد الرحمن بن عبد الله المنجور، المكناسي النجار، الفاسي المولد والدار، الشيخ الإمام الفقيه المعقولي[2]. عُرف بالمنجور الفاسي[3].

  • ولادته:

ولد الإمام المنجور عام 929هـ على الأرجح من الأقوال، قال الأستاذ محمد حجي: «اختلف في تحديد تاريخ ولادة أحمد المنجور، فقيل عام 926هـ، و928ه، و929هـ، وهذا التاريخ الأخير هو المعتمد: ذكره تلميذه أحمد ابن القاضي في “لقط الفرائد”، وأكده محمد ميارة في مقدمة كتابه “شرح تكميل المنهج المنتخب” نقلا عن خط أحد أقرباء المنجور أنه توفي وهو ابن 66 سنة»[4].

  • شيوخه[5]:

أخذ الإمام أحمد المنجور عن جلة من علماء عصره، نذكر منهم:

– الإمام أبو الحسن علي بن هارون المطغري (ت 951هـ).

– العلامة المحقق أبو محمد عبد الواحد بن أحمد الونشريسي (ت 955هـ).

– الإمام أبو زيد عبد الرحمن بن علي سقّين السفياني العاصمي الفاسي (ت956هـ).

– العلامة أبو عبد الله محمد بن أحمد اليسيتني (ت 959هـ).

– العلامة عبد الوهاب بن محمد بن علي الزقاق الفاسي (ت 961هـ).

  • تلامذته[6]:

أخذ عن العلامة أحمد المنجور خلق كثير من أبرزهم:

    – السلطان أحمد المنصور الذهبي (ت 1012هـ).

    – الشيخ العلامة أبو المحاسن يوسف بن محمد بن يوسف القصري الفاسي (ت 1013هـ).

  • العلامة أبو العباس أحمد ابن القاضي المكناسي، ثم الفاسي، (ت 1025هـ).
  • قاضي الجماعة بفاس أبو القاسم بن محمد بن أبي النعيم الغساني الفاسي (ت 1032هـ).
  • العارف بالله أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن يوسف القصري الفاسي (ت 1036هـ).
  • قاضي الجماعة أبو عبد الله الرجراجي.
  • قاضي تامسنا إبراهيم الشاوي.
  • وظائفه

ذكر صاحب “دوحة الناشر” أن الإمام المنجور كان يُدرِّس بفاس ومراكش[7]. ويعضد ذلك قول تلميذه الشريف عبد الواحد الفيلالي: «استفدنا منه فوائد جمة وفتح بصائرنا، وسمعنا منه علما غزيرا في الأدب والتاريخ والعروض وغيرها بمراكش وفاس»[8]. ومما يؤكد ذلك كذلك قول الإفراني: «وله صناعة في التدريس، يجيد ترتيب النقول، ويتأنق في كيفية الإلقاء…»[9]. وقد أشار ابن القاضي إلى أن الإمام المنجور كان له وقت مخصوص للتدريس، وذلك بقوله: «وكان دأبه قراءة القرآن إلا وقت المطالعة أو التأليف أو التدريس أو وقت ضرورياته»[10].

  • خصاله:

تذكر المصادر المترجمة للإمام أحمد المنجور أنه –رحمه الله- كان “دمث الأخلاق متقشفا في الدنيا، قانعا بما تيسر من المأكول والملبوس…”[11]، وذلك من زهده لا لفاقته –رحمه الله-، قال الإفراني: « وما ذُكر من قلة ذات يده يدل على زهده وورعه، وإلا فإن السلطان المنصور كان يُجلُّه كثيرا ويصله بالجوائز والعطايا الجزيلة، وهو لا يلقي لها بالا، ويفرقها على الضعفة والأرامل»[12].

وكان العلامة المنجور “من أورع الناس في النقل، كاد لا يفارق لسانه “لا أدري” أو “حتى أنظر”، أو كلاما يقرب من هذا، رحمة الله عليه”[13].

وقد رزق –رحمه الله- حسن العبادة[14]، وكان حريصا على “اتباع السنة في أحواله كلها، حتى كان تلميذه عبد الله بن علي بن طاهر الشريف الحسني، إذا سئل يقول: اصبروا حتى أنظر هل فعله الشيخ المنجور أم لا؟ فإنه لا يفعل إلا السنة”[15].

  • مكانته العلمية:

أجمعت المصادر المترجمة للإمام أحمد المنجور على أنه كان من أعلم أهل زمانه بالمعقول والمنقول، متضلعا من مختلف العلوم، فليس بمستغرب أن تكون له حظوة عند السلطان أحمد المنصور الذهبي، حتى أضحى السلطان المذكور أشهر تلامذته، قال الإفراني: «وكان المنجور يفد على السلطان المنصور كل سنة بحاضرة مراكش، وأخذ عنه المنصور وأجازه في الحديث وغيره حسبما هو في أول فهرسته»[16].

ولتأكيد منزلته الرفيعة عند علماء عصره ومن بعدهم نذكر طائفة من أقوالهم وشهاداتهم في حقه رحمه الله:

من ذلك قول العلامة الشفشاوني (ت 986ه): «…كان عالما مشاركا، ورزق حسن العبادة»[17].

وكذلك قول تلميذه العلامة ابن القاضي: «كان آية من آيات الله في المعقول والمنقول، وكان أحفظ أهل زمانه، وأعرفهم بالتاريخ والبيان، والمنطق والأصول، وغير ذلك، وكانت له معرفة برجال الحديث»[18].

وحلاه العلامة أحمد بابا التنبكتي (ت 1036هـ) بقوله: «آخر فقهاء المغرب ومشاركيهم في الفنون فقها وأصولا وبيانا وقراءة وعربية وفرائض وحسابا ومنطقا وعروضا، إلى مطالعة التواريخ والحديث. خدم العلم عمره حتى صار بآخره شيخ الجماعة»[19].

وقال تلميذه الشريف عبد الواحد الفيلالي في حقه: «…هو نهاية في تحقيق ما ينقل ويقول، مشارك في فنون العلم له في كل ما يتعاطاه من ذلك ما ليس لغيره، وله عناية عظيمة بالمطالعة والإقراء لا يمل ولا يضجر، منصفا في المراجعة جنوحا إلى الصواب مهما تعين وعند من تعين، صدوقا في النقل متثبتا في الإملاء، قوي الإدراك، ثابت الذهن، صافي الفهم…»[20].

وحلاه العلامة شهاب الدين المقري (ت1041هـ) بقوله: «الشيخ القدوة المحقق، خاتمة الشيوخ…»[21].

كما حلاه العلامة الإفراني (ت 1152هـ) بما نصه: «الشيخ الإمام شيخ الإسلام حامل راية العلوم: أبو العباس أحمد بن علي المنجور الفاسي، أحد الراسخين في العلم والمكبين على المطالعة والتقييد. كان رحمه الله متبحرا في العلوم كلها من معقول ومنقول، وفروع وأصول، شديد العناية بالتحصيل. بلغ الدرجة العليا في علم العقائد. وأما الأصول فذلك عشه فيه يدرج، ويعرف كيف يدخل فيه ويخرج. وانفرد عن أهل زمانه بمعرفة تاريخ الملوك والسير والعلماء على طبقاتهم ومعرفة أيامهم»[22].

وقال العلامة محمد بن جعفر الكتاني (ت 1345هـ) في حقه: “الشيخ الإمام، شيخ الإسلام، عالم الأعلام، ومفتي الأنام، محيي الدين والسنة، ونجم الأمة، الفقيه المعقولي، المحدث الأصولي، (…) خاتمة علماء المغرب، وشيخ الجماعة فيه في جميع الفنون»[23].

ونقل العلامة الكتاني المذكور في السلوة[24] عن الشيخ المدرع بيتين جميلين في مدح الإمام المنجور:

                                         وأحمد إمامنا المنجور   ***    سؤدده بين الورى مشهور

                                     كان رئيس العلم في المعقول ***   والفقه والبيان والأصول

  • مؤلفاته[25]:

ترك الإمام أحمد المنجور –رحمه الله- كتابات في الأصول والفروع واللغة فاخرة، تتضمن فوائد وتحقيقات باهرة. وفيما يأتي عرض لمؤلفاته –رحمه الله-:

  • الشرح الكبير على تحصيل المقاصد في التوحيد، للشيخ ابن زكري، وهو الموسوم بـ “نظم الفرائد ومبدي الفوائد لمحصل المقاصد”.
  • الشرح الصغير على تحصيل المقاصد، وهو مختصر للشرح الكبير المذكور.
  • الحاشية الكبرى على شرح الكبرى للإمام السنوسي. وهو الذي يتعلق به مقالنا هذا.
  • الحاشية الصغرى على شرح الكبرى للإمام السنوسي.
  • مراقي المجد في آيات السعد.
  • شرح نظم علاقات المجاز ومرجحاته لابن الصباغ المكناسي.
  • شرح المنهج المنتخب إلى قواعد المذهب للزقاق.
  • المختصر المذهب من شرح المنهج المنتخب.
  • شرح المختصر من ملتقط الدرر.
  • شرح نظم عبد الواحد الونشريسي لقواعد أبيه (إيضاح المسالك).
  • أجوبة مجموعة من مسائل الفقه والكلام وغيرهما.
  • الفهرست.
  • وفاته:

توفي الإمام أحمد المنجور يوم الاثنين سادس عشر ذي القعدة من سنة خمس وتسعين وتسعمائة (995هـ)[26]. ودفن –رحمه الله- خارج باب الفتوح متصلا بقبر شيخه اليسيتني بمطرح الجنة[27].

1 2 3الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق