مركز الدراسات القرآنيةقراءة في كتاب

قراءة في كتاب الأمثال الكامنة في القرآن الكريم للحسين بن الفضل (ت282هـ)

الحمد لله الذي ضرب الأمثال للناس فقال عز من قائل : ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ﴾[1] ، وصلى الله على رسولنا الأسوة الحسنة والنموذج المقتدى بأقواله وأفعاله.

وبعد:

فللمثل أهمية كبيرة ومكانة عظيمة عند العرب في الجاهلية والإسلام، فهو حكمتها، ودليل من أدلة بيانها وفصاحتها، وضرب من ضروب بديعها، وجوامع كلمها، وله تأثير قوي على النفوس الضالة، والقلوب النافرة، بما يقدمه من إعانة على الفهم، واستثارة للذهن، وتقريب للمعاني، وإبراز للحقائق، في صور بديعة، وألفاظ بليغة، لهذا دأب العلماء والأدباء في تأليف وتصنيف كتب الأمثال وتنافسوا في ذلك نظرا لما للمثل من فوائد جليلة.

    وفي هذا السياق يأتي هذا الكتاب الذي بين أيدينا: »الأمثال الكامنة في القرآن الكريم»  للحسين بن الفضل(ت282هـ) وهو من أوائل المؤلفات في هذا الفن، وقد رام من خلاله أن يجمع بين الآيات القرآنية وأمثال العرب، يسأل ثم يجيب.

وسنحاول إن شاء الله قراءة هذا الكتاب واستخلاص أهم ما فيه من درر علمية، تحقيقاً لهذا الغرض.

فقد قسمت هذه القراءة  إلى مبحثين: الأول تناولت فيه: المؤلف ومنهجه في الكتاب وعنوان الكتاب ونسبته.

والمبحث الثاني: خصصته لقراءة أهم مضامين الكتاب وذلك بالاقتصار على بعض الأمثال.

                                      وبالله التوفيق وعليه الثكلان

نبذة موجزة عن الإمام الحسين بن الفضل رحمه الله تعالى

قبل الشروع في دراسة فقرات هذا الكتاب   لابد من  ترجمة موجزة عن حياة الإمام وشيوخه وتلامذته وآثاره، خصوصا وأن العالم من أئمة اللغة ومعاني القرآن حتى وصف بهذا العلم واشتهر به، ونقوله كثيرة ذكرها الثعلبي في الكشف والبيان، وابن عطية في المحرر الوجيز، والزركشي في البرهان، والسيوطي في الإتقان وغيرهم من أئمة التفسير واللغة.

أولا: مولده ونشأته:

   هو الحُسَيْنُ بنُ الفَضْلِ بنِ عُمَيْرٍ أَبُو عَلِيٍّ البَجَلِيُّ العلامة المفسِّر الإمام اللغوي المحدث، أبو علي الكوفي ثم النيسابوري عالم عصره، ولد قبل الثمانين ومئة، في عهد هارون الرشيد، فعاصر خلافة المأمون، والمعتصم، والواثق، والمتوكل، عاش في العصر العباسي، فلا نعلم شيئا عن نشأته ورحلاته، إلا أننا نستنتج من خلال ما عرفه عصره من ازدهار ثقافي وعناية بالعلم والتدوين، ثم كثرة شيوخه الذي أخذ عنهم يدل على تنوع معارف الإمام وترحاله رغم أن المصادر التاريخية لم تسعفنا بذلك[2].

ثانيا: شيوخه وتلامذته وآثاره

سمع من يزيد بن هارون (ت206هـ)، وعبد الله السهمي (ت208هـ)، وإسماعيل بن أبان (ت204هـ) وآخرون.

 وعنه أخذ أبو الطيب محمد بن المبارك (ت254هـ)، ومحمد بن القاسم العتكي (346هـ) وغيرهما.

فبالنظر إلى قائمة شيوخه، يقودنا للقول إن الذين أخذ عنهم كثر من أهل العلم فقد تلقى العلم سماعا عن جمع من أهل العلم ببلده.

 فلم تسعفنا المصادر عن مؤلفات الإمام رغم ما قيل عنه كونه آية في علم المعاني واللغة والتفسير، وهذا يدل على أن له مؤلفات في تفسير القرآن الكريم بدليل النقول التي ذكرها المفسـرون، كابن عطية والواحدي في أسباب النزول، والقرطبي، والنيسبوري، والذهبي، والسيوطي، وغيرهم[3].

إلى أن نظفر ببعض آثاره يبقى الكتاب الموجود الآن في المكتبات هو: الأمثال الكامنة في القرآن الكريم موضوع الدراسة.

ثالثا: مكانته العلمية

قال الذهبي :«قال الحاكم: الحسين بن الفضل بن عمير بن قاسم بن كيسان البجلي، المفسر، إمام عصره في معاني القرآن»[4]. ويقول أيضا: «الحاكم: سمعت إبراهيم بن مضارب، سمعت أبي يقول: كان علم الحسين بن الفضل بالمعاني إلهاما من الله، فإنه كان قد تجاوز حد التعليم»[5].

يقول ابن حجر : «الحسين بن الفضل البجلي الكـوفي العلامة المفسر أبو علي ، نزيل نيسابور ، يروي عن يزيد بن هارون والكـــبار ، ولم أر مــنه كـــلاماً ، لكـن ساق الحاكــــم فــــي ترجمته مناكير عدة»[6].

وقال السيوطي: « أقام بنيسابور يُعلم الناس العلم ويفتي، من سنة سبع عشرة ومائتين، إلى أن مات سنة اثنتين وثمانين، عن مائة أربع سنين وكان من العلماء الكبار العابدين، يركع كل يوم وليلة ستمائة ركعة، وقبره هناك مشهور يزار»[7].

كان مترجمنا محققا للدراية والرواية، وله عارضة كبيرة في النقل والتحقيق، اتفقت مصادر ترجمته على عُلوِّ كعبه العلمي وصلاحه الديني، وجرأته في الصدع بكلمة الحق، فقد كان علماً شامخاً، عُدّ بحق من الآحاد الذين أنجبتهم الأمة الإسلامية في القرن الثالث الهجري.

يقول صاحب لسان الميزان: «وعن أبي القاسم المذكر قال لو كان الحسين بن الفضل في بني إسرائيل لكان من عجائبهم قال وسمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب يقول ما رأيت أفصح لسانا منه ثم اسند أنه كان يصلي في اليوم والليلة ستمائة ركعة ثم ساق عنه أشياء نفيسة من التفاسير وفي آخر ذلك أنه قال من سئل عن مسألة فيها أثر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعليه أن يجيب بجوابه ولا يلتفت الى من خالف ذلك من قياس أو استحسان فان السند لا يعارض بشيء من ذلك ثم ذكر شيئا من افراده وغرائب حديثه فساق له خمسة عشر حديثا ليس فيها حديث مما ينكر بكون سنده ضعيفا حتى يلزق الوهم بالحسين بل لابد فيه من راو ضعيف غيره فلو كان كل من روى شيئا منكرا استحق ان يذكر في الضعفاء لما سلم من المحدثين أحد لا سيما المكثر منهم فكان الأولى لا يذكر هذا الرجل لجلالته والله أعلم»[8].

   فالنصوص السالفة وبعض النقول التي وقفت عليها من خلال تتبع ترجمته تكشف أن الإمام قد برع في علوم عديدة، منها  اللغة، والتفسير، وخصوصا علم المعاني والاشتقاق.

رابعا: وفاته

يقول عنه تلميذه محمد بن صالح بن هانئ: «توفي الحسين في شعبان، سنة اثنتين وثمانين ومائتين، وهو ابن مائة وأربع سنين، وصلى عليه محمد بن النضر الجاروديِ»[9].

ثانيا: منهج الكتاب

في هذا الكتاب حاول المؤلف الربط بين بعض الآيات القرآنية وأمثال العرب وأقوالهم، بحيث يُخرّج بعض ما قالت العرب وسار  على ألسنتها ـ يخرّجه من القرآن، وهو ما سُمّي بـ(الأمثال الكامنة). والكتاب عبارة عن جوابات ومسائلات بلغت 25 مثالا.

والأمثال في القرآن كما هو معلوم عند الدارسين تكون على ضربين: ظاهرة وكامنة:

الضرب الأول: الأمثال الظاهرة في القرآن الكريم: هي عبارة عن تشبيه شيء بآخر، أو تمثيل صورة غائبة بصورة مشاهدة محسوسة، ليسهل تصورها وإدراكها. فمن ذلك قوله تعالى: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ﴾[10].

الضرب الثاني من الأمثال: هو الأمثال الكامنة: وهي عبارة عن ورود أقوال وأمثال مشهورة توافق في معناها بعض الآيات القرآنية. وهذا هو موضوع هذه الرسالة اللطيفة الشيقة، بحيث ربط بين الآيات القرآنية وأمثال العرب.

ثالثا: منهج المحقق في كتابه

أما المحقق هو الدكتور علي حسين البواب، قسم كتابه إلى قسمين قسم الدراسة وقسم التحقيق، وإن كان هو لم يصرح بهذا التقسيم، لكن استلهمته من قراءة للكتاب، أما قسم الدراسة فابتدأه بمقدمة علمية مختصرة حول المثل وقيمته، ثم انتقل إلى تعريف المثل في لغة واصطلاحا. وثلث بمبحث عن مؤلفات هذا الفن.

وقد سجلت بعض الملاحظات حول عمل المحقق، ولعل أبرزها غياب دراسة علمية حول العَلم وموضوع الكتاب،  فهناك شح في الترجمة بيد أنّ الإمام الحسين بن الفضل من أعلام اللغة والتفسير كما تقدم معنا في ترجمته.

 أمّا منهج صاحب الكتاب لم يتطرق إليه وحتى منهجه الذي سار عليه في التحقيق غائب.

واعتمد في تحقيقه على نسختين، الأول محفوظة بالمدينة المنورة، والثاني بمكتبة برلين، وقد برع في وصف النسخ وذكر اختلافات النسخ وما فيها من نقص، فاقتصـر عمله في توثيق الآيات القرآنية، وتخريح الأحاديث النبوية، وعزو الأمثال إلى مظانها، مع بيان الغريب، وترجمة بعض الأعلام.

وهو بهذا العمل يكون قد قرّب إلينا تراثا علميا أصيلا، وكشف النقاب عن أثر نفيس من تراثنا الإسلامي الغابر.

رابعا: توثيق عنوان الكتاب ونسبته:

    قال المحقق بأن النسخ التي وقف عليها ذكرت اسم الكتاب، وورد في فهرسة ابن خير(ت565هـ). وقد رجعت إلى الفهرسة فوجدت هذا النص: «كتاب الأَمْثَال الكامنة فِي القُرآن أَيْضا اسْتِخْرَاج الحسن بن الفضل رَحمَه الله حَدثنِي بِهِ الشَّيْخ الإِمَام الراوية أَبُو الْقَاسِم خلف بن عبد الْملك الْأنْصَارِيّ قِرَاءَة مني عَلَيْهِ قَالَ أَخْبرنِي بِهِ أَبُو الْقَاسِم خلف بن مُحَمَّد بن عبد الله بن صَوَاب اللَّخْمِيّ إجَازَة قَالَ وَسمعتهَا من لفظ صاحبنا أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن يحيى عَنهُ قَالَ حَدثنَا أَبُو مَرْوَان عبد الْملك بن زِيَادَة الله التَّمِيمِي الطبني رَحمَه الله قِرَاءَة عَلَيْهِ وَمرَّة سَمَاعا مِنْهُ ونسخته من كِتَابه قَالَ حَدثنَا أَبُو الْخطاب هبة الله بن عمار الْكرْمَانِي الصُّوفِي وَكتبه لي بِخَطِّهِ فِي الرّبيع الآخر سنة 438 بالإسكندرية قَالَ حدثنا أبو عَليّ الْحسن بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن القناس بالإسكندرية قَالَ حَدثنَا أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الفرغاني قَالَ سَمِعت الشَّيْخ الصَّالح أَبَا الْقَاسِم الْحسن بن مُحَمَّد بن حبيب الْمُفَسّر النَّيْسَابُورِي يَقُول سَمِعت أَبَا إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مضَارب بن إِبرَاهِيم يَقُول سَمِعت أبي يَقُول سَأَلت الْحسن بن الفضل فَقلت إِنَّك تخرج أَمْثَال الْعَرَب والعجم من الْقُرْآن فَهَل تَجِد فِي كتاب الله خير الْأُمُور أوساطها قَالَ نعم فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وسَاق الْكتاب إِلَى آخِره»[11].

المبحث الثاني: وقفات مع كتاب الأمثال الكامنة في القرآن الكريم

موضوع الكتاب حول الأمثال الكامنة  في القرآن الكريم، وهذا من المواضيع الشيقة، بحكم أن الموضوع تتجاذبه علوم كثيرة من لغة ومعاني القرآن، والأمثال في القرآن الكريم مظهر من مظاهر بلاغته ودقة تصويره الفني، وسحر أسلوبه، كما تمثل علما من علوم القرآن، ولكن قل من تناول هذا الجنس بالتصنيف؛ ويعد   الإمام الحسين بن الفضل أبرز من خص هذا الفن بالتصنيف وبرع فيه غاية حتى اشتهر، فالأمثال القرآنية تشكل معلما بارزا من معالم المنهج القرآن التربوي.

وقد قسم العلماء موضوع الأمثال وفقا لظهور المثَل وكمونه، وطوله وقصـره،  إلى قسمين الأمثال الظاهرة، والأمثال الكامنة، يقول بدر الدين الزركشي  (ت794هـ) في بيان الأمثال في القرآن الكريم وأشار إلى تأليف الحسين بن الفضل: هو  «وقد صنف فيه من المتقدمين الحسن بن الفضل وغيره وحقيقته إخراج الأغمض إلى الأظهر وهو قسمان ظاهر وهو المصرح به وكامن وهو الذي لا ذكر للمثل فيه وحكمه حكم الأمثال»[12].

وإلى ذلك يشير الإمام جلال الدين السيوطي (ت911هـ): «أمثال القرآن قسمان: ظاهر مصرح به وكامن لا ذكر للمثل فيه فمن أمثلة الأول قوله تعالى: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾ الآيات ضرب فيها للمنافقين مثلين مثلا بالنار ومثلا بالمطر»[13].

أما الأمثال الكامنة كما عرفها العلماء وهي التي لم يصرح فيها بلفظ التمثيل، ولكنها تدل على معان رائعة في إيجاز.

 ويتضح من قول الزركشي وحتى السيوطي أن الأمثلة الظاهرة: هي ما ظهر فيها المثل،  إلا أن المثل الكامن لم يصرح فيه بلفظ المثل، وهي أمثال بمعانيها،  فالمثل الكامن أشبه بالمثل السائر عندهم، وهاته التسمية اشتهر بها الحسين بن الفضل في كتابه والذي كان ضمن تراثنا الغابر إلى أن وفق الله الأستاذ الحسين بواب إخراجه وتحقيقه فجزاه الله خيرا.

 والكتاب كله سؤال جواب وقد سئل عن خمسة وثلاثين مثلا،  فأجاب رحمه الله بما يقابل كلا منها في القرآن الكريم، ولا نعلم من سبقه في هذا الصنيع كما صرح كثير من العلماء.

ابتدأ الحسين بن الفضل كتابه بقوله: حدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الرازي قال: حدثنا الشيخ أبو الفتح محمد إسماعيل الفرغاني، قال حدثنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المفسر النيسابوري، قال: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن مضارب بن إبراهيم بن طوق، قال: سمعت أبي يقول: سألت الحسن بن الفضل، فقلت: إنك تخرج أمثال العرب والعجم من القرآن: فهل تجد في كتاب الله تعالى: «خير الأمور أوسطها»،؟ قال: نعم، في أربعة مواضع: الأول: في البقرة، ففي قوله تعالى: ﴿لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾[14] ، وهي المسنة.

الثاني: قوله تعالى في «النفقة»: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾[15].

الثالث: قوله عز وجل لنبيّه صلى الله عليه وسلم في «الصلاة»: ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾[16].

والرابع: قوله سبحانه للنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾[17].

ثم انتقل إلى المسألة الثانية وكل مسألة يسأل عنها إلا يوثقها من القرآن الكريم. وسأنتقي بعض الأمثلة هنا وهناك.

قلت: فهل يوجد في كتاب الله: «في الحركات بركات»[18] ؟

قال: نعم، قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً﴾[19].

قلت: فهل يوجد في كتاب الله: «كما تدين تدان»؟

قال: نعم، في قوله تعالى: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾[20].

قلت: فهل يوجد في كتاب الله تعالى: «إنّ الحديد بالحديد يُفلح»[21].

قال: نعم، قوله تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾[22].

قلت: فهل يوجد في كتاب الله تعالى، قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يُلْدَغُ المؤمنُ من حُجرٍ مرّتين»؟[23].

قال: نعم، في قصة يوسف قول يعقوب عليهما السلام: ﴿هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ﴾[24].

خاتمة  

لقد حاولت في هذا العرض التركيز على الجوانب الأساسية والهامة  التي تناولها كتاب «الأمثال الكامنة في القرآن الكريم» المراحل التي قطعها المؤلف، وهو يضم فقرات موضوعه المتشابك، بعد أن نظر في هذا التراث الضخم، وأبان عن آليات تقويمه بمنهج جديد وآليات عملية، معتمدا على أصول التفسير وقواعد اللغة؛ وهذه أبرز الخلاصات التي توصلنا إليها في معرض دراستنا لهذا السفر العظيم:

ـ يتميز هذا الكتاب بخصائص كثيرة أهمها انسياق اللغة للمؤلف انسياقا عجيبا، طاوعته على حسن التبليغ وجميل الأداء، مع ما تجمله دلالاتها ومضامينها من معان مستغلقة عصية، جاءت عباراته مسترسلة في أسلوب هادئ قوي صارم.

ـ كما يتميز الكتاب بالدقة في التناول والضبط في استعمال المصطلحات. وهذا ليس بغريب على العلامة الحسين بن الفضل وهو قامة علمية في موضوع دقيق وهو البيان القرآني وله باع طويل وهو من الأوائل الذي صنفوا في هذا العلم.

ـ أن الكتاب يعتبر قيمة مضافة للمكتبة القرآنية واللغوية، لأنه أعطى نفسا جديدا للدراسات اللغوية والقرآنية عموما.

 ـ كما يستشف ويستنتج أن المثل يجعل الحقائق السامية في معانيها وأهدافها تأخذ صورتها الرائعة وهي تصاغ في قالب حسن يقربها من الافهام.

هذا ما تيسر قوله في قراءة هذا الكتاب «الأمثال الكامنة في القرآن الكريم»، حاولت التعريف بالمؤلِّف والمؤلَّف، لاسيما وأن الشيخ الحسين بن الفضل (ت282هـ) من العلماء الأوائل الذين وضعوا قواعد وأسس هذا العلم، وفتحوا لمن بعدهم باب المنقول والمعقول، استمرارا لسيرورة هذه اللغة وعلاقتها بالنص القرآني المعجز نظما ونثرا.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

لائحة المصادر والمراجع

  • إنباه الرواة على أنباه النحاة، لجمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف القفطي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، نشر: دار الفكر العربي – القاهرة، ومؤسسة الكتب الثقافية – بيروت. (ط/1982).
  • الأمثال الكامنة في القرآن الكريم : الحسين بن الفضل ، تحقيق : د . علي بن حسين البواب ، مكتبة التوبة ، الرياض ، السعودية ، ط الأولى -1412 هـ .
  • الإتقان في علوم القرآن : جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية ، صيدا ، بيروت – 1408 هـ .
  • سير أعلام النبلاء، لشمس الدين الذهبي، نشر: دار الحديث- القاهرة (ط.2006م).
  • صحيح الإمام البخاري، محمد بن إسماعيل  البخاري، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، نشر: دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي). (ط.1/ 1422هـ).
  • صحيح الإمام مسلم، لمسلم بن الحجاج القشيري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، نشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت.
  • فهرسة ابن خير الإشبيلي، لأبي بكر محمد بن خير  الإشبيلي، تحقيق: محمد فؤاد منصور، نشر: دار الكتب العلمية – بيروت/ لبنان(ط.1/1998م).
  • طبقات المفسرين للداوودي، شمس الدين الداوودي المالكي، نشر: دار الكتب العلمية – بيروت.
  • طبقات المفسرين العشرين، جلال الدين السيوطي، تحقيق: علي محمد عمر، نشر: مكتبة وهبة – القاهرة (ط.1/1396هـ).
  • لسان الميزان، لابن  حجر العسقلاني، تحقيق:  دائرة المعرف النظامية – الهند، نشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت – لبنان (ط.2/1971م).

الهوامش

( 1) سورة الروم، آية: 57.
(2) سير أعلام النبلاء (13/414) وينظر : لسان الميزان لابن حجر (2/307).
(3) وهناك رسالة جامعية من جامعة الإمام بن سعود بعنوان: أقوال الحسين بن الفضل في التفسير جمعا ودراسة للباحثة نادية بنت إبراهيم النفيسة (1425هـ).
(4) سير أعلام النبلاء (13/414).
(5) سير أعلام النبلاء (13/414).
(6) لسان الميزان (2/307). طبقات المفسرين للداودي (1/ 159)
(7) انظر ترجمته في: إنباء الرواة على أنباء النحاة للقفطي(3/275)؛ وسير أعلام النبلاء للذهبي(13/414). ولسان الميزان لابن حجر(2/308)؛ طبقات المفسرين(1/48).
(8) انظر لسان الميزان لابن حجر(2/308).
(9) سير أعلام النبلاء (13/416).
(10) سورة البقرة، آية: 16.
(11) فهرسة ابن خير الإشبيلي(1/67).
(12) البرهان في علوم القرآن (1/486).
(13) الإتقان (4/46).
(14) سورة البقرة، آية: 67.
(15) سورة الفرقان، آية: 67.
(16) سورة الإسراء، آية: 109.
(17) سورة الإسراء، آية: 29.
(18) أخرج هذا المثل في: معترك الأقران والإتقان، قال السخاوي: هو من كلام السلف ويعارض قولهم: «الثبات نبات»، ولكن يشير إلى الأول قوله تعالى: ﴿ومن يهاجر في سبيل الله﴾وبالجملة فهما طريقتان بحسب اختلاف الأحوال.
(19) سورة النساء، آية: 99.
(20) سورة النساء، آية: 122.
(21)وعزاه المحقق: كتاب الأمثال(ص:395)، ومجمع الأمثال(1/11)، والمستقصى(1/404). والفلح: الشق، قال العسكري: الصعب لا يلينه إلا الصعب.
(22) سورة الشورى، آية37.
(23) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأداب، لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، رقم6133. ومسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، رقم2998.
(24) سورة يوسف، آية: 64.

Science

د. الحسن الوزاني

باحث بمركز الدراسات القرآنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق