مركز الأبحاث والدراسات في القيمقراءة في كتاب

قراءة في كتاب : الأستاذ بلكبير

ضمن القراءات التي نظمها مركز الدراسات والأبحاث في القيم بالمكتبة الوطنية بالرباط مساء يوم الثلاثاء 24/4/2012   حول كتاب ” منظومة القيم المرجعية في الإسلام ” للدكتورمحمد الكتاني كان من المقرر أن تدرج قراءة الأستاذ محمد بلكبير،ونظرا لضيق الوقت والتزاما بما تعهد به الأستاذ يتم نشر هذه القراءة.  

موضوع القيم يطرح صعوبات ترتبط بشكل حضور هذا المفهوم عند الباحث المشتغل به، وخاصة حينما يتعلق الأمر بتحديد علمي دقيق للفظة «قيمة»، ذلك أن موضوع القيم يدخل ضمن اهتمامات متخصصين عدة حسب الحقول المعرفية التي يهتم بها كل باحث. وهكذا تنعكس خاصيات التخصص والأرضية المعرفية للباحث في كيفية بسط مفهوم القيمة وتناوله ودراسته. مفهوم القيمة يختلف من الفيلسوف إلى السوسيولوجي إلى الاقتصادي إلى السيكولوجي وهلم جرا  .

هذه قضية تعريف أما القضية الثانية فتتعلق بوظيفية  القيم ومرجعيتها لأن القيم قناعات يتملكها الفرد لاستحسان أو استهجان موضوع سيكولوجي (شخص أو شيء أو حدث أو فكرة)، وذلك في ضوء تقييمه أو تقديره لهذه الموضوعات أو الأشياء، وتتم هذه العملية من خلال احتكام الفرد في ذلك لمعارفه وخبراته ومكونات الإطار الحضاري الذي يعيش فيه ويكتسب من خلاله هذه الخبرات  والمعارف  .    

والقيم ترسم الخطوط وتضع المعايير والشروط التي بموجبها يتم إشباع الحاجات: فالارتواء إشباع للعطش الذي هو حاجة، وتناول الأطعمة إشباع للجوع الذي هو حاجة أيضا، ولكن لا يمكن إرواء الظمأ بشراب محرم ولا إطفاء غلة الجوع بمأكول منهي عنه شرعا. والإحجام عن هذه الأشربة والأطعمة المنهي عنها إنما يضمنه تبني مجموعة من القيم التي تسير في هذا السياق، تتميز بكونها مترابطة فيما بينها؛وهذا ما يعرف ب “المنظومة القيمية” أو “نسق القيم”. وهي:         

مجموعة القيم المترابطة  التي تنظم سلوك الفرد وتصرفاته ؛        

الترتيب الهرمي ﻟﻤﺠموعة القيم التي يتبناها الفرد  أو أفراد اﻟﻤﺠتمع ، ويحكم سلوكه أو سلوكهم   .

مجموعة قناعات لدى الفرد أو اﻟﻤﺠتمع مرتبة وفقا لأولويتها   .

في هذا السياق يتموقع كتاب الدكتور محمد الكتاني “منظومة القيم المرجعية في الإسلام”. فقد انبثق  مفهوم نسق القيم لديه من تصور مؤداه أنه لا يمكن  دراسة قيمة معينة أو فهمها بمعزل عن القيم الأخرى، فهناك مدرج أو نسق هرمي تنتظم به القيم مرتبة حسب أهميتها بالنسبة للفرد أو الجماعة. 

فالمنظومة القيمية تصور يمثل التوجه والسلوك التفضيلي أو السلوك المرغوب من بين عدد من التوجهات المتاحة، بحيث يسمح لنا بالاختيار من بين الأساليب المعبرة للسلوك والأهداف الخاصة بالفعل     .

و في هذين التعريفين تبرز قوة المنظومة القيمية في توجيه سلوك الأفراد، إلا أن هذه القوة تنبني على أسس وعوامل وقناعات تمكن الفرد من الاختيار، علما أن الاختيار لا يكون إلا من متعدد. ونحن بصدد التفكير في كيفية تمنيع الشباب المغربي وتحصينه ضد الغزو العولمي. علينا أن نمكنه من منظومة قيم مرجعية تتسم بالموضوعية والمصداقية والقابلية للإنجاز، واضحة وصادقة، يقتنع بها ويستضمرها ليواجه بها قيم العولمة ضمن مسار يكون فيه حرا لاختيار القيم المناسبة  . 

يهل كتاب الدكتور محمد الكتاني “منظومة القيم المرجعية في الإسلام” في صيغته الأخيرة: الطبعة المزيدة والمنقحة التي أصدرها مركز الدراسات والأبحاث في القيم بالرابطة المحمدية للعلماء، هلالا متلألئا مشعا في عالم مفعم بالقيم والسلوكيات والمعتقدات والقناعات التي يسودها أو بعضها الانسجام والترابط والتواشج أحيانا، والاختلاف والتباين والتدافع أحيانا أخرى، وذلك بفعل انفجار وتنامي المعرفة الرقمية المتدفق، وقد نتج عن ذلك انسياب عقدي استهدف الشباب بشكل خاص على شكل برامج وكبسولات تثقيفية وأفلام ومسلسلات غذتها مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعه بكيفية تنميطية، يشير إليها الدكتور أحمد عبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء في معرض تقديمه لهذا الكتاب قائلا: “…ومن خلال مختلف التحليلات لهذه المعاينات، فإن هذا التنميط لا يحدث بمحض الصدفة، وإنما هو محاولة جادة، واستراتيجيا محكمة وراءها رموز مؤثرون (فنانون، رياضيون، إعلاميون،سينمائيون…) مشهورون يسهل التماهي بهم، و علماء وخبراء في مختلف ميادين المعرفة وخاصة العلوم الإنسانية، ومؤسسات إعلامية كبيرة،ومراكز وشركات سينمائية مختلفة، لها متخصصون إستراتيجيون في مختلف أصناف العلوم الإنسانية، يعملون لتوجيه هذا التنميط وفق أساليب وتقنيات ومقاربات بيداغوجية ومنهجية، تستهدف الإنسان في كل مراحل العمر:(الطفولة، الشباب، المراهقة، الكهولة والشيخوخة). ومما زاد في تأثير هذا المد التنميطي وعزز من فاعليته وقدراته، التطور الهائل في وسائل الاتصال والتواصل، وقدرتها على الاستقطاب نظرا لهندسة برامجها التفاعلية ، وسهولة استخدامها من لدن مستخدميها”   

ولقد استحضر المؤلف هذا البعد الممنهج لسريان القيم الجديدة وقدرتها على الاختراق في بداية مقدمة الكتاب حيث يقول: “ من أهم ما رسخه البحث العلمي المعاصر من قواعد منهجية في دراسة الظواهر الكونية الطبيعية والظواهر الإنسانية الاجتماعية، قاعدة النظر إلى هذه الظواهر باعتبارها نظاماً تتفاعل داخله كل المكونات…” منطلقا من أنها بنيات أو نظمات، ولذلك جاء بناؤه للكتاب في صيغة منظومات قيمية، إيمانا منه أن القيم، وهي جزء من الظواهر الثقافية والنفسية التي تسود المجتمع، ليست عبارة عن ظواهر متنافرة أو متناثرة، وإنما هي وحدات وكليات تترابط فيما بينها بعلائق يسودها التفاعل والتجاوب والتماسك والتكامل، مما يجعل منها بنيات أو صيغ على حد تعريف الجشطالتيين.

نخلص من هذه المقدمة إلى أن الدكتور الكتاني، وهو يؤلف كتابه أو ينقحه ويزيد فيه في طبعته الثانية، قد انطلق من فلسفة وتصور واضحين عنده، جعلهما مقتعدا لفصول الكتاب الاثني عشر، وذلك حينما يشير إلى هذه اللبنة الأولى في بناء الكتاب قائلا: “…يكون من الواجب منهجيا أن ننظر إلى الدين الإسلامي في عقيدته وشريعته وقيمه على أنه منظومة متكاملة”.

ولكي لا تبقى هذه المنظومة مغيبة العناصر والمركبات أو تستحضر هذه الأخيرة على مستوى الاستضمار، يبرز المؤلف مكونات منظومة القيم من جهة، ونظام تركيبها وبنائها من جهة أخرى.

فعلى مستوى المكونات، يوضح المؤلف أنها “منظومة متكاملة تتضمن حقائق عالم الغيب والشهادة”. فهنا إشارة واضحة إلى الجوانب التي تدخل في تناظم فيما بينها لتكون هذا النسق القيمي، وقد اختزل هذه المكونات في جانبين: عالم الغيب وعالم الشهادة، أي الجانب الأنطولوجي والجانب الحسي الواقعي، وهو ما يعبر عنه الفقهاء بالعالم الأخروي والعالم الدنيوي.

أما على المستوى المنهجي، فهناك توضيح من المؤلف أنها منظومة محكومة بقانون التفاعل بين أجزائها، اقتناعا منه أن العالم مجموع علاقات من التفاعل والتجاوب والتقابل يجسدها الاستمرار من جهة، والتطور والتغير من جهة أخرى. وفي هذه الدينامية تتحدد مواقع الأشياء بما فيها الإنسان، كما تتحدد مواقع القيم والعلاقات والترابطات. وتأكيدا لهذا الخط التحليلي المبرز لتصور الدكتور الكتاني في هذا الموضوع، فإنه يشير إلى عدم انتباه بعض العلماء التقليديين للتواشج والتراص والتماشج والتناغم التي كان من الضروري اعتبارها في نسق ونظم مكونات المنظومة “وهذا ما وقع فيه بعض العلماء ولاسيما العلماء التقليديون في القديم والحديث، حينما نظروا إلى المنظومة الإسلامية  العقدية والتشريعية والخلقية كوحدات مستقلة، لكل منها قانونها الخاص. أي نظروا إلى المكونات كأشياء ثابتة،  لا كمكونات متفاعلة فيما بينها. وجعلوا من الإنسان نفسه نثاراً من الأجزاء، والظواهر المنفصلة بعضها عن بعض”.

ومن جانب آخر،لا يعمل المؤلف على رصد منظومة القيم بمختلف أجزائها من باب العرض فقط، وإنما يعمل أيضا على تحديد وظيفيتها وفاعليتها، لأنه يعتبر كل مكون منها قطعة غيار في جهاز متعدد القطع، وكل عطل أو إخلال تتعرض له قطعة ينعكس سلبا على وظيفية وفاعلية الجهاز ككل، حيث يقول: “والقصد من اعتبار هذه القيم منظومةً هو بيان العلاقة العضوية بينها كلها؛ إذ لا تتحقق الغاية منها إلا بتفاعلها المحكم فيما بينها، بوصفها آليات يحرك كل منها الآخر، فإذا تعطلت إحداهما أدت إلى تعطيل الأخرى أو إلى الإخلال بها، أو تخلف نتائجها“.

إن القيم المرجعية في الإسلام، من وجهة نظر الدكتور الكتاني، لا تنحصر في القيم الثلاث (الجمال والخير والحق) التي اهتم بها الفلاسفة القدامى وإن كان من الظاهر أنها متصلة بها ومتداخلة معها، لأن القيم في الإسلام متعددة وإن كانت في نسق وسبك فيما بينها، كما أنها تتباين من حيث أهميتها إذ منها  قيم مرجعية كثوابت و منها قيم فرعية تستلّ منها. واذا كان الدكتور ناصر الدين الأسد قد لخص  مضمون القيم الإسلامية في قوله:”العدل” قيمة كبرى في الإسلام، و هي من “الحق”، ولكنها تمتاز منه، بل ربما كانت جميع القيم منضوية تحت لواء “الحق” ولكن لها شيئا من التمايز، فإن الدكتور محمد الكتاني قد أفرد فصلا خاصا لقيمة الحق باعتبارها القيمة الأساس التي عليها تنبني القيم الأخرى. وفي هذا يقول: “إن الإقرار بوجود قانون أسمى وثابت، أي مطلق ودائم الفعالية يسري في الكون بشتى مظاهره المادية والروحية، هو ما يفضي، لا محالة، إلى تأسيس منظومة فكرية أو تشريعية قائمة على روح “هذا القانون الأسمى”. إلا أن مكمن الضعف في المنظومات الفلسفية التي تحدثت عن المرجعية المطلقة للحياة الإنسانية، هو كونها كانت تعتبر أن المرجع الأسمى لفهم المنظومة الكونية هو العقل فقط، كما عند الفلاسفة المثاليين، أو هو المادة فقط، كما هو عند الفلاسفة الماديين وعامة العلماء،  فـي حين غفـل أولئك الفلاسفة عن كون ثبات كل من العقل والمادة إنما هو أمــر نسبي، لأنه رهين بإرادة خارجية عنهما تتحكم فيهما…” كما يقول أيضا: “ إنه المرجع الحق الدال على وجود الحق الذي لا ريب فيه. وهو الله رب العالمين، بديع السماوات والأرض، الذي سمى ذاته في القرآن “حقاً” بالمعنى الأعـمق لمـفهوم “الحـق” ؛ أي الأول بغير ابتداء، والآخر بغير انتهاء، والثابت الذي لا يعتريه الزوال”. ومن المعلوم اليوم أن المرجعية القيمية المعتمدة في جميع السياقات وفي كل الاهتمامات المعرفية  ووكالات الأمم المتحدة هي حقوق الإنسان، وهي مرجعية يراد لها أن تكون كونية لابد أن تسود لأ نها الأساس في ترسيخ قيم المساواة والإنصاف والكرامة والمواطنة والعدل وكل الحقوق الأخرى. وفي هذا التدافع الحاصل في العالم من أجل إقرار الحقوق: حقوق الطفل وحقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الأشخاص الموجودين في وضعية صعبة وحقوق اللاجئين وحقوق المرضى فإن قيمة الحق كما يرسمها الدكتور محمد الكتاني تكون مصدرا لكل هذه الحقوق وغيرها تغذيها وتبنيها ديناميكيا في نظام وتناسق وترتيب.       

أما قيمة العدل فترتبط بقيمة الحق. وقد جاء أمر الله بالعدل أمرا واضحا صريحا في القرآن، قال تعالى:إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (النحل الآية 90). والإحسان منزلة أخرى من منازل القيم الإسلامية، تختلف عن العدل، ولكنها تنسجم معها في هذه المنظومة الإسلامية. وهل أوضح من أمر الله تعالى بالعدل الوارد في قوله:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ…(النساء الآية 134).

ومحاولة منا لإسقاط منظومة القيم المرجعية في الإسلام على راهن الحال وخاصة مجال الشباب وما يتخبطون فيه من مشاكل أفقدتهم توازناتهم فإن الأمر يقتضي من المربين إعادة بناء ذوات هؤلاء الشباب. ولن يستقيم هذا البناء إلا بتنمية المهارات استنادا إلى القيم. ويمكن أن يستشف من المرجعية القيمية في هذا الموضوع أمور منها:

التكريم: مصداقا لقوله تعالى:وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (الإسراء، الآية 70). 

 

الاستخلاف: أي أن يتبوأ المكانة التي ارتضاها له تعالى كخليفة له في الأرض :وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (البقرة ، الآية 29). 

 

تحمل المسؤولية: التي أناط الله سبحانه وتعالى الإنسان بها، والتي وصفها الله تعالى ب “الأمانة” و”التكليف” قال تعالى:إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا (الأحزاب، الآية 72). 

 

إعمال العقل وتحكيمه في الأمور: وقد وردت الدعوة إلى ذلك بصيغ متعددة، وفي آيات كثيرة: 

الدعوة إلى التفكير والتفكر والتدبر 

الدعوة إلى التعقل 

الخير: يمتلك الفعل البشري قيمته مما يتسم به من خيريّة، وكلما ازدادت نسبة الخيريّة في الفعل ازدادت القيمة التي يمتلكها، وفي هذا الصدد تعرّف القيمة الأخلاقيّة بأنّها: “شكل لتجلي العلاقات الأخلاقيّة في المجتمع. قال تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (آل عمران ، الآية 110).  

 

إن العمل بمقتضى هذه القيم الإسلامية وتحكيمها في اختيار السلوكيات وتبني المسارات عن فهم   واستيعاب واقتناع قد يؤدي، في أغلب الأحيان، إلى درء مخاطر الهجمات المبيتة الهادفة إلى المس بالشباب خلقا وعقيدة وسلوكا وممارسات. إن هذه القيم وما يمكن أن يتفرع منها من قيم مكملة تشكل صرحا إذا لاذ به المرء جعله في مأمن من مخاطر ما يتهدده من إصابات مصوبة إليه بدقة لتعطيل آلياته الفكرية و الوجدانية بما فيها الميكانيزمات العقدية  . 

إن روح التجديد في كل الأعمال المراد منها بناء الإنسان (المنظومة التربوية، الإعلام، الحقل الفني بكل أنواعه، الإنتاج الأدبي والفكري…) يجب أن تتخذ من المنظومة القيمية الإسلامية مقتعدها لأن هذه المنظومة كونية بكل المقاييس.     

لننظر إلى الهندسة التي سلكها الدكتور محمد الكتاني في إقامة الكتاب، ولنتمعن في ترابط الفصول المكونة لهذا الكتاب:

الفصل الثاني: الحق باعتباره قيمة مطلقة وفيه يبني قناعة مفادها أن الله حق مطلق

الفصل الثالث: العلم باعتباره منهجا لمعرفة الحق

الفصل الرابع: الديـن منهجا للهداية الربانية

الفصل الخامس:الإيـمان رديفا للعلم بالحق

الفصل السادس: الصدق أساسا لتطابق الظاهر مع الباطن

الفصل السابع: من الحرية مفهوما إلى التحرر ممارسة

الفصل الثامن: المسؤولية أو أمانة الإنسان الكونية

الفصل التاسع: الشريعة منظومة مقاصدية متكاملة

الفصل العاشر: العدل قانوناً للطبيعة والمجتمع

الفصل الحادي عشر: الوسطية وقاء من التطرف والصراع

الفصل الثاني عشر: حقوق الإنسان في الإسلام

نجد أن هذا البناء نظم متناسق ونظام متكامل وبذلك يدل العنوان على المضمون إنها فعلا منظومة من القيم المرجعية في الإسلام. 



 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


موضوع القيم يطرح صعوبات ترتبط بشكل حضور هذا المفهوم عند الباحث المشتغل به، وخاصة حينما يتعلق الأمر بتحديد علمي دقيق للفظة «قيمة»، ذلك أن موضوع القيم يدخل ضمن اهتمامات متخصصين عدة حسب الحقول المعرفية التي يهتم بها كل باحث. وهكذا تنعكس خاصيات التخصص والأرضية المعرفية للباحث في كيفية بسط مفهوم القيمة وتناوله ودراسته.       مفهوم القيمة يختلف من الفيلسوف إلى السوسيولوجي إلى الاقتصادي إلى السيكولوجي وهلم جرا  .

هذه قضية تعريف أما القضية الثانية فتتعلق بوظيفية  القيم ومرجعيتها لأن القيم قناعات يتملكها الفرد لاستحسان أو استهجان موضوع سيكولوجي (شخص أو شيء أو حدث أو فكرة)، وذلك في ضوء تقييمه أو تقديره لهذه الموضوعات أو الأشياء، وتتم هذه العملية من خلال احتكام الفرد في ذلك لمعارفه وخبراته ومكونات الإطار الحضاري الذي يعيش فيه ويكتسب من خلاله هذه الخبرات  والمعارف  .    

والقيم ترسم الخطوط وتضع المعايير والشروط التي بموجبها يتم إشباع الحاجات: فالارتواء إشباع للعطش الذي هو حاجة، وتناول الأطعمة إشباع للجوع الذي هو حاجة أيضا، ولكن لا يمكن إرواء الظمأ بشراب محرم ولا إطفاء غلة الجوع بمأكول منهي عنه شرعا. والإحجام عن هذه الأشربة والأطعمة المنهي عنها إنما يضمنه تبني مجموعة من القيم التي تسير في هذا السياق، تتميز بكونها مترابطة فيما بينها؛وهذا ما يعرف ب “المنظومة القيمية” أو “نسق القيم”. وهي:      

§       مجموعة القيم المترابطة  التي تنظم سلوك الفرد وتصرفاته ؛    

§       الترتيب الهرمي ﻟﻤﺠموعة القيم التي يتبناها الفرد  أو أفراد اﻟﻤﺠتمع ، ويحكم سلوكه أو سلوكهم .

§       مجموعة قناعات لدى الفرد أو اﻟﻤﺠتمع مرتبة وفقا لأولويتها .

في هذا السياق يتموقع كتاب الدكتور محمد الكتاني “منظومة القيم المرجعية في الإسلام”. فقد انبثق  مفهوم نسق القيم لديه من تصور مؤداه أنه لا يمكن  دراسة قيمة معينة أو فهمها بمعزل عن القيم الأخرى، فهناك مدرج أو نسق هرمي تنتظم به القيم مرتبة حسب أهميتها بالنسبة للفرد أو الجماعة.

فالمنظومة القيمية تصور يمثل التوجه والسلوك التفضيلي أو السلوك المرغوب من بين عدد من التوجهات المتاحة، بحيث يسمح لنا بالاختيار من بين الأساليب المعبرة للسلوك والأهداف الخاصة بالفعل   .

و في هذين التعريفين تبرز قوة المنظومة القيمية في توجيه سلوك الأفراد، إلا أن هذه القوة تنبني على أسس وعوامل وقناعات تمكن الفرد من الاختيار، علما أن الاختيار لا يكون إلا من متعدد. ونحن بصدد التفكير في كيفية تمنيع الشباب المغربي وتحصينه ضد الغزو العولمي. علينا أن نمكنه من منظومة قيم مرجعية تتسم بالموضوعية والمصداقية والقابلية للإنجاز، واضحة وصادقة، يقتنع بها ويستضمرها ليواجه بها قيم العولمة ضمن مسار يكون فيه حرا لاختيار القيم المناسبة.

يهل كتاب الدكتور محمد الكتاني “منظومة القيم المرجعية في الإسلام” في صيغته الأخيرة: الطبعة المزيدة والمنقحة التي أصدرها مركز الدراسات والأبحاث في القيم بالرابطة المحمدية للعلماء، هلالا متلألئا مشعا في عالم مفعم بالقيم والسلوكيات والمعتقدات والقناعات التي يسودها أو بعضها الانسجام والترابط والتواشج أحيانا، والاختلاف والتباين والتدافع أحيانا أخرى، وذلك بفعل انفجار وتنامي المعرفة الرقمية المتدفق، وقد نتج عن ذلك انسياب عقدي استهدف الشباب بشكل خاص على شكل برامج وكبسولات تثقيفية وأفلام ومسلسلات غذتها مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعه بكيفية تنميطية، يشير إليها الدكتور أحمد عبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء في معرض تقديمه لهذا الكتاب قائلا: “…ومن خلال مختلف التحليلات لهذه المعاينات، فإن هذا التنميط لا يحدث بمحض الصدفة، وإنما هو محاولة جادة، واستراتيجيا محكمة وراءها رموز مؤثرون (فنانون، رياضيون، إعلاميون،سينمائيون…) مشهورون يسهل التماهي بهم، و علماء وخبراء في مختلف ميادين المعرفة وخاصة العلوم الإنسانية، ومؤسسات إعلامية كبيرة،ومراكز وشركات سينمائية مختلفة، لها متخصصون إستراتيجيون في مختلف أصناف العلوم الإنسانية، يعملون لتوجيه هذا التنميط وفق أساليب وتقنيات ومقاربات بيداغوجية ومنهجية، تستهدف الإنسان في كل مراحل العمر:(الطفولة، الشباب، المراهقة، الكهولة والشيخوخة). ومما زاد في تأثير هذا المد التنميطي وعزز من فاعليته وقدراته، التطور الهائل في وسائل الاتصال والتواصل، وقدرتها على الاستقطاب نظرا لهندسة برامجها التفاعلية ، وسهولة استخدامها من لدن مستخدميها”  

ولقد استحضر المؤلف هذا البعد الممنهج لسريان القيم الجديدة وقدرتها على الاختراق في بداية مقدمة الكتاب حيث يقول: “ من أهم ما رسخه البحث العلمي المعاصر من قواعد منهجية في دراسة الظواهر الكونية الطبيعية والظواهر الإنسانية الاجتماعية، قاعدة النظر إلى هذه الظواهر باعتبارها نظاماً تتفاعل داخله كل المكونات…” منطلقا من أنها بنيات أو نظمات، ولذلك جاء بناؤه للكتاب في صيغة منظومات قيمية، إيمانا منه أن القيم، وهي جزء من الظواهر الثقافية والنفسية التي تسود المجتمع، ليست عبارة عن ظواهر متنافرة أو متناثرة، وإنما هي وحدات وكليات تترابط فيما بينها بعلائق يسودها التفاعل والتجاوب والتماسك والتكامل، مما يجعل منها بنيات أو صيغ على حد تعريف الجشطالتيين.

نخلص من هذه المقدمة إلى أن الدكتور الكتاني، وهو يؤلف كتابه أو ينقحه ويزيد فيه في طبعته الثانية، قد انطلق من فلسفة وتصور واضحين عنده، جعلهما مقتعدا لفصول الكتاب الاثني عشر، وذلك حينما يشير إلى هذه اللبنة الأولى في بناء الكتاب قائلا: “…يكون من الواجب منهجيا أن ننظر إلى الدين الإسلامي في عقيدته وشريعته وقيمه على أنه منظومة متكاملة”.

ولكي لا تبقى هذه المنظومة مغيبة العناصر والمركبات أو تستحضر هذه الأخيرة على مستوى الاستضمار، يبرز المؤلف مكونات منظومة القيم من جهة، ونظام تركيبها وبنائها من جهة أخرى.

§       فعلى مستوى المكونات، يوضح المؤلف أنها “منظومة متكاملة تتضمن حقائق عالم الغيب والشهادة”. فهنا إشارة واضحة إلى الجوانب التي تدخل في تناظم فيما بينها لتكون هذا النسق القيمي، وقد اختزل هذه المكونات في جانبين: عالم الغيب وعالم الشهادة، أي الجانب الأنطولوجي والجانب الحسي الواقعي، وهو ما يعبر عنه الفقهاء بالعالم الأخروي والعالم الدنيوي.

§       أما على المستوى المنهجي، فهناك توضيح من المؤلف أنها منظومة محكومة بقانون التفاعل بين أجزائها، اقتناعا منه أن العالم مجموع علاقات من التفاعل والتجاوب والتقابل يجسدها الاستمرار من جهة، والتطور والتغير من جهة أخرى. وفي هذه الدينامية تتحدد مواقع الأشياء بما فيها الإنسان، كما تتحدد مواقع القيم والعلاقات والترابطات. وتأكيدا لهذا الخط التحليلي المبرز لتصور الدكتور الكتاني في هذا الموضوع، فإنه يشير إلى عدم انتباه بعض العلماء التقليديين للتواشج والتراص والتماشج والتناغم التي كان من الضروري اعتبارها في نسق ونظم مكونات المنظومة “وهذا ما وقع فيه بعض العلماء ولاسيما العلماء التقليديون في القديم والحديث، حينما نظروا إلى المنظومة الإسلامية  العقدية والتشريعية والخلقية كوحدات مستقلة، لكل منها قانونها الخاص. أي نظروا إلى المكونات كأشياء ثابتة،  لا كمكونات متفاعلة فيما بينها. وجعلوا من الإنسان نفسه نثاراً من الأجزاء، والظواهر المنفصلة بعضها عن بعض”.

ومن جانب آخر،لا يعمل المؤلف على رصد منظومة القيم بمختلف أجزائها من باب العرض فقط، وإنما يعمل أيضا على تحديد وظيفيتها وفاعليتها، لأنه يعتبر كل مكون منها قطعة غيار في جهاز متعدد القطع، وكل عطل أو إخلال تتعرض له قطعة ينعكس سلبا على وظيفية وفاعلية الجهاز ككل، حيث يقول: “والقصد من اعتبار هذه القيم منظومةً هو بيان العلاقة العضوية بينها كلها؛ إذ لا تتحقق الغاية منها إلا بتفاعلها المحكم فيما بينها، بوصفها آليات يحرك كل منها الآخر، فإذا تعطلت إحداهما أدت إلى تعطيل الأخرى أو إلى الإخلال بها، أو تخلف نتائجها“.

إن القيم المرجعية في الإسلام، من وجهة نظر الدكتور الكتاني، لا تنحصر في القيم الثلاث (الجمال والخير والحق) التي اهتم بها الفلاسفة القدامى وإن كان من الظاهر أنها متصلة بها ومتداخلة معها، لأن القيم في الإسلام متعددة وإن كانت في نسق وسبك فيما بينها، كما أنها تتباين من حيث أهميتها إذ منها  قيم مرجعية كثوابت و منها قيم فرعية تستلّ منها. واذا كان الدكتور ناصر الدين الأسد قد لخص  مضمون القيم الإسلامية في قوله:”العدل” قيمة كبرى في الإسلام، و هي من “الحق”، ولكنها تمتاز منه، بل ربما كانت جميع القيم منضوية تحت لواء “الحق” ولكن لها شيئا من التمايز، فإن الدكتور محمد الكتاني قد أفرد فصلا خاصا لقيمة الحق باعتبارها القيمة الأساس التي عليها تنبني القيم الأخرى. وفي هذا يقول: “إن الإقرار بوجود قانون أسمى وثابت، أي مطلق ودائم الفعالية يسري في الكون بشتى مظاهره المادية والروحية، هو ما يفضي، لا محالة، إلى تأسيس منظومة فكرية أو تشريعية قائمة على روح “هذا القانون الأسمى”. إلا أن مكمن الضعف في المنظومات الفلسفية التي تحدثت عن المرجعية المطلقة للحياة الإنسانية، هو كونها كانت تعتبر أن المرجع الأسمى لفهم المنظومة الكونية هو العقل فقط، كما عند الفلاسفة المثاليين، أو هو المادة فقط، كما هو عند الفلاسفة الماديين وعامة العلماء،  فـي حين غفـل أولئك الفلاسفة عن كون ثبات كل من العقل والمادة إنما هو أمــر نسبي، لأنه رهين بإرادة خارجية عنهما تتحكم فيهما…” كما يقول أيضا: “ إنه المرجع الحق الدال على وجود الحق الذي لا ريب فيه. وهو الله رب العالمين، بديع السماوات والأرض، الذي سمى ذاته في القرآن “حقاً” بالمعنى الأعـمق لمـفهوم “الحـق” ؛ أي الأول بغير ابتداء، والآخر بغير انتهاء، والثابت الذي لا يعتريه الزوال”. ومن المعلوم اليوم أن المرجعية القيمية المعتمدة في جميع السياقات وفي كل الاهتمامات المعرفية  ووكالات الأمم المتحدة هي حقوق الإنسان، وهي مرجعية يراد لها أن تكون كونية لابد أن تسود لأ نها الأساس في ترسيخ قيم المساواة والإنصاف والكرامة والمواطنة والعدل وكل الحقوق الأخرى. وفي هذا التدافع الحاصل في العالم من أجل إقرار الحقوق: حقوق الطفل وحقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الأشخاص الموجودين في وضعية صعبة وحقوق اللاجئين وحقوق المرضى فإن قيمة الحق كما يرسمها الدكتور محمد الكتاني تكون مصدرا لكل هذه الحقوق وغيرها تغذيها وتبنيها ديناميكيا في نظام وتناسق وترتيب.    

أما قيمة العدل فترتبط بقيمة الحق. وقد جاء أمر الله بالعدل أمرا واضحا صريحا في القرآن، قال تعالى:إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (النحل الآية 90). والإحسان منزلة أخرى من منازل القيم الإسلامية، تختلف عن العدل، ولكنها تنسجم معها في هذه المنظومة الإسلامية. وهل أوضح من أمر الله تعالى بالعدل الوارد في قوله:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ…(النساء الآية 134).

ومحاولة منا لإسقاط منظومة القيم المرجعية في الإسلام على راهن الحال وخاصة مجال الشباب وما يتخبطون فيه من مشاكل أفقدتهم توازناتهم فإن الأمر يقتضي من المربين إعادة بناء ذوات هؤلاء الشباب. ولن يستقيم هذا البناء إلا بتنمية المهارات استنادا إلى القيم. ويمكن أن يستشف من المرجعية القيمية في هذا الموضوع أمور منها:

§       التكريم: مصداقا لقوله تعالى:وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (الإسراء، الآية 70).

 

§       الاستخلاف: أي أن يتبوأ المكانة التي ارتضاها له تعالى كخليفة له في الأرض :وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (البقرة ، الآية 29).

 

§       تحمل المسؤولية: التي أناط الله سبحانه وتعالى الإنسان بها، والتي وصفها الله تعالى ب “الأمانة” و”التكليف” قال تعالى:إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا (الأحزاب، الآية 72).

 

§       إعمال العقل وتحكيمه في الأمور: وقد وردت الدعوة إلى ذلك بصيغ متعددة، وفي آيات كثيرة:

ü   الدعوة إلى التفكير والتفكر والتدبر

ü   الدعوة إلى التعقل

§       الخير: يمتلك الفعل البشري قيمته مما يتسم به من خيريّة، وكلما ازدادت نسبة الخيريّة في الفعل ازدادت القيمة التي يمتلكها، وفي هذا الصدد تعرّف القيمة الأخلاقيّة بأنّها: “شكل لتجلي العلاقات الأخلاقيّة في المجتمع. قال تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (آل عمران ، الآية 110).

 

إن العمل بمقتضى هذه القيم الإسلامية وتحكيمها في اختيار السلوكيات وتبني المسارات عن فهم   واستيعاب واقتناع قد يؤدي، في أغلب الأحيان، إلى درء مخاطر الهجمات المبيتة الهادفة إلى المس بالشباب خلقا وعقيدة وسلوكا وممارسات. إن هذه القيم وما يمكن أن يتفرع منها من قيم مكملة تشكل صرحا إذا لاذ به المرء جعله في مأمن من مخاطر ما يتهدده من إصابات مصوبة إليه بدقة لتعطيل آلياته الفكرية و الوجدانية بما فيها الميكانيزمات العقدية.

 إن روح التجديد في كل الأعمال المراد منها بناء الإنسان (المنظومة التربوية، الإعلام، الحقل الفني بكل أنواعه، الإنتاج الأدبي والفكري…) يجب أن تتخذ من المنظومة القيمية الإسلامية مقتعدها لأن هذه المنظومة كونية بكل المقاييس. 

لننظر إلى الهندسة التي سلكها الدكتور محمد الكتاني في إقامة الكتاب، ولنتمعن في ترابط الفصول المكونة لهذا الكتاب:

الفصل الثاني: الحق باعتباره قيمة مطلقة وفيه يبني قناعة مفادها أن الله حق مطلق

الفصل الثالث: العلم باعتباره منهجا لمعرفة الحق

الفصل الرابع: الديـن منهجا للهداية الربانية

الفصل الخامس:الإيـمان رديفا للعلم بالحق

الفصل السادس: الصدق أساسا لتطابق الظاهر مع الباطن

الفصل السابع: من الحرية مفهوما إلى التحرر ممارسة

الفصل الثامن: المسؤولية أو أمانة الإنسان الكونية

الفصل التاسع: الشريعة منظومة مقاصدية متكاملة

الفصل العاشر: العدل قانوناً للطبيعة والمجتمع

الفصل الحادي عشر: الوسطية وقاء من التطرف والصراع

الفصل الثاني عشر: حقوق الإنسان في الإسلام

نجد أن هذا البناء نظم متناسق ونظام متكامل وبذلك يدل العنوان على المضمون إنها فعلا منظومة من القيم المرجعية في الإسلام. 

الدكتور محمد بلكبير

• رئيس مركز الأبحاث والدراسات في القيم بالرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق