مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامقراءة في كتاب

قراءة في كتاب: شخصية المرأة بين رؤية الإسلام وواقع المسلمين

فضيلة العزيزي

يقع كتاب “شخصية المرأة بين رؤية الإسلام وواقع المسلمين” لـ “حسن الصفّار” في 168 صفحة، صدر عن المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى 2003م.

يشير الكاتب في مقدمة كتابه إلى أن بعض الأوساط ظلت تنظر إلى المرأة وكأنها أقل قيمة من الرجل، ومن ثم وجب أن يكون هو في المقدمة وهي تابعة له، بل وصل الحد في بعضها إلى التشكيك في إنسانية المرأة وهدف وجودها. لكن انبثاق نور الإسلام شكل نقلة تاريخية في مسألة النظر إلى المرأة، وأكّد على وحدة النوع الإنساني في أصله وهدف خلقه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء)[1] ، وقال عز وجل: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)[2]. وقد تناول الصفّار عددا من القضايا التي تهم المرأة، حيث تطرّق إلى: المرأة والمعرفة الدينية، المرأة والدور القيادي، المرأة وقوة الشخصية، المرأة إذ تطالب بحقوقها، الأمومة، ثم المرأة حين تفوق الرجال، وبه استهل كتابه:

الباب الأول: المرأة حين تفوق الرجال:

يرى الكاتب أن أهم معايير التمايز والتفاضل بين بني البشر ثلاثة، وهي تعبّر عن قيم حقيقية أقرّها الإسلام، وتتمثّل في:

التقوى: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[3].
العلم: قال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)[4]، وقال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)[5].
العمل: فإنجاز الإنسان وفاعليته هي التي تحدد موقعيته في الدنيا ومكانته في الآخرة.
وانطلاقا من المعايير السالفة ذكرها فإن ساحة السباق والتنافس مفتوحة للجميع وإتاحة فرص التقدّم هي نفسها أمام الجنسين، قال تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ)[6]، كما تعتبر الإرادة وقابلية المعرفة أمرين تتحقق بهما الانجازات والمكتسبات، والتفاوت يكون في مدى استثمار الفرد لهاتين النعمتين. والتاريخ يسجل لنا بإكبار وإعظام نماذج رائدة في التفوق لشخصيات نسائية رائعة:

امرأة فرعون: التي لم تخضع لزوجها الطاغية الذي ادّعى الألوهية فتحمّلت التعذيب والتنكيل وصمدت على الحق حتّى أتاها اليقين وهي شهيدة محتسبة.

بلقيس ملكة سبأ: صاحبة الموقف الحكيم التي قادت قومها إلى حظيرة الإيمان والحق، قال تعالى: (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[7].

نفيسة بنت الحسن: التي أخذ عنها الكثير من العلماء كالإمام الشافعي وأحمد بن حنبل… وغيرهن. بل وحتّى في عصرنا الحاضر فإن الكاتبة الجنوب إفريقية “كاثلين ليندساي” والروائية الكاتبة “باربرا كارتلاند” ضربتا الرقم القياسي في عدد الروايات المنشورة، وهكذا كانت المرأة سباقة إلى ميادين المعرفة وأثبتت إمكانية تقدمها وتفوقها على الرجال.

الباب الثاني: المرأة والمعرفة الدينية:

  إن المرأة والرجل كليهما مخاطبان بالدين، وقد تكون عدم مشاركة المرأة في ميدان العلوم الدينية خسارة نوعية –خاصة في تنقيح الأحكام والموضوعات المرتبطة بشئون المرأة-، لذا وجب عليها التسلّح برؤية الإسلام والتحصّن بمفاهيمه ومناهجه حتى لا تقع فريسة لتأثيرات البرامج والأفكار الوافدة.

فالمرأة كالرجل توازيه في إنسانيته وتشاركه بالقيام في دور الخلافة وتحمل مسؤولية عمارة الأرض، وقد كانت رغبة النساء في تحصيل العلوم الشرعية ماسة، كما جاء عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: (قَالَت النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ)[8].

الباب الثالث: المرأة والدور القيادي:

ويرى الكاتب أن بإمكان المرأة الوصول إلى مستوى الفقاهة والإجتهاد كالرجل تماما، قال تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ)[9]. كما أن الاصطفاء الإلهي لم يجعله تعالى رتبة خاصة بالرجال دون النساء، يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ)[10]. وآل ابراهيم وآل عمران فيهم الرجال والنساء مثل سارة وهاجر ومريم وأمها…

الباب الرابع: المرأة وقوة الشخصية:

إن قوة الشخصية هي السلاح في ظروف التحديات والمواجهة، وهي الحل الوحيد والحصانة الأفضل للوقوف أمام الإغواءات والإغراءات التي يذهب ضحيتها مجموعة من المستجيبين قصد إشباع الشهوات والغرائز لذا وجب على المرأة الاتصاف بالقوة والصلابة في شخصيتها حتى تسهم في الدفاع عن دينها ووطنها وكل ما قد يتعرّض لها، كما يرى الكاتب أن صفة الحياء بالنسبة للمرأة تأخذ أهمية كبرى حيث تجعلها أكثر رزانة وانضباطا وأبعد عن مواقع الفتنة والإثارة إلا أن هذه الصفة لا تتصادم مع قوة الشخصية بل إن الإفراط فيه واستخدامه في غير موضعه لا يدخل ضمن الحياء المحبّذ، كما أن الغلو والتشدد في الحياء فيه تضييق كبير على حرية المرأة وإضعاف لشخصيتها، بل حينما يُنْسَبُ للإسلام فهو يشوّه حقيقته المشرقة، وقوة الشخصية لا تأتي اعتباطا وإنما من:

التربية السليمة: وتتطلب الرعاية الكافية التي تلبي الاحتياجات المادية والروحية والنفسية.

الوعي بالدين والحياة: فالجيل الناشئ في حاجة ماسة للوعي الديني والحياتي حتى لا تلتبس عليهم الأمور ولا تفاجئهم الإشكاليات.

الاحترام الإشباع العاطفي: واللذان يتمثلان في إغداق البنت بمزيد من العطف والحنان وتوفير أكبر قدر من الاحترام حتى لا تندفع للبحث عن مصادر أخرى تشبع جوعها العاطفي ما يجعلها فريسة سهلة للطامعين والمنحرفين.

الباب الخامس: المرأة إذ تطالب بحقوقها:

يؤكد الكاتب أنه من الصفات التي ركّز عليها الإسلام هي الانتصار للحق، قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ)[11]. وبذلك فهو يشجع على المطالبة بالحقوق والدفاع عنها وعدم إتاحة الفرصة للظالمين المعتدين، حيث ظل النظر إلى المرأة في بعض الأزمنة الغابرة كرقيق يباع ويشترى، كما اعتبرت كمصدر للشرور والخطيئات… وكان وأدها أفضل من بقائها حية إلى أن جاء الإسلام وأعاد إليها اعتبارها فعاشت في عزة وكرامة، لكن ذلك لم يدم طويلا فسرعان ما عادت رواسب الجاهلية إلى الظهور وتعرّضت حقوقها للانتهاك، وذلك باختلاق نصوص موضوعة تارة وبتحريف مقصد بعض النصوص تارة أخرى. ورغم أن المرأة المعاصرة قد حققت تقدّما جيدا في اكتساب بعض الحقوق إلا أنها أصبحت تعيش معاناة لاستغلال أنوثتها، ودُفعت إلى استعراض مفاتنها تحت مسمى “التحرر” وفي المقابل تدفع هي ثمن كل ذلك بإهدار إنسانيتها وكرامتها، وقد أفادت دراسات أوربية أن المرأة الغربية تقع ضحية أعمال العنف والضرب والاسترقاق والإجبار على ممارسة الدعارة[12]، أما في المجتمعات الإسلامية فوضع المرأة يترنح بين واقعين سيئين –كما يقول الصفار-:

واقع الانجراف خلف النموذج الغربي للمرأة في بعده السلبي.

 وواقع التخلف والجمود الذي شل حركة المرأة بحجة الحفاظ على العفّة والحجاب… إلى غير ذلك من الآراء التي تنفّر المرأة من الإسلام، فكيف الطريق إلى الخلاص والاهتداء إلى الخيار الصحيح؟. إن العودة إلى مفاهيم الإسلام الصحيحة وتعاليمه القيمة هي سبيل المرأة لتحرير ذاتها، قال تعالى: (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى)[13]. وللوصول إلى ذلك يتوجب على المرأة أن تنفتح على الإسلام مباشرة بقراءته من مصادره وينابيعه الصافية وأن تتجاوز الإضافات والتفسيرات التي حصلت في عصور التخلّف.

الباب السادس: الأمومة وظيفة أرقى:

 تعد الأم الجهة الأكثر تأثيرا في تشكيل شخصية ابنها بحكم قربها منه خاصة في السنوات التأسيسية أي الأولى من عمره، من هنا وجب عليها أن تهتم بغرس بذور الاستقامة والصلاح في نفسية وليدها وأن تقدّم له الإرشادات والنصائح اللازمة، لكن هذا لا ينفي دور الأب في تربية أبنائه إلا أن العلاقة بين الأم وابنها تكون أوثق وأقوى نظرا لطبيعة دورها لذلك تكون هي الأكثر تأثيرا عليه وقدرة على صناعة شخصيته. 

وفي خاتمة كتابه يشيد الصفار بالدور الراقي الذي تلعبه الأم في حياة وليدها بل في حياة الأمة جمعاء، ويرى أن الأمومة هي أرقى وظيفة في المجتمع البشري لأنها ترتبط بإنتاج الإنسان نفسه، وصنع شخصيته، وذلك لا يدانيه أي إنجاز، ويحث بضرورة التوعية التي تعيد لهذه المهمة مركز الصدارة في اهتمام امرأة اليوم.

نشر بتاريخ 17/04/2012

——————————————————————————–

[1] سورة النساء، الآية 1.

[2] سورة الذاريات، الآية 56.

[3] سورة الحجرات، الآية 13.

[4] سورة المجادلة، الآية 11.

[5] سورة الزمر، الآية 9.

[6] سورة آل عمران، الآية 195.

[7] سورة النمل، الآية 44.

[8]  رواه البخاري، كتاب العلم، باب “هل يجعل للنساء يوم على حدة في العلم”، رقم الحديث 102.

[9] سورة القمر، الآية 17.

[10] سورة آل عمران، الآية 33.

[11] سورة الشورى، الآية 39.

[12] شخصية المرأة بين رؤية الإسلام وواقع المسلمين، حسن الصفّار، الطبعة1، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ص122،123.

[13] سورة البقرة، الآية 120.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق