مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامقراءة في كتاب

قراءة في كتاب: “المرأة بين التراث والمعاصرة قضايا وبحوث” تأليف الدكتورة عصمت عبد اللطيف دندش

 

نادية الشرقاوي

يقع كتاب “المرأة بين التراث والمعاصرة قضايا وبحوث” للدكتورة عصمت عبد اللطيف دندش في 119 صفحة، صدر عن دار الغرب الإسلامي تونس في 1430هـ/ 2009م.
تعرضت صاحبة هذا الكتاب، وهي أستاذة مادة “تاريخ الإسلام” بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس الرباط سابقا، إلى موضوع “قضية المرأة” التي شغلت ولا زالت تشغل المجتمعات من حين إلى آخر، وانتقدت مسألة الدعوة إلى المساواة التامة بين الذكر والأنثى لأن ذلك ينافي الذوق العام.
قدمت لهذا الموضوع بسرد عام لوضع المرأة من مجتمع إسلامي إلى آخر، بين مجتمع متحرر تحكمه أعراف وتقاليد ومجتمع محافظ لم تعتد المرأة فيه الخروج للحياة العامة.
فحاولت صاحبة هذا الكتاب أن تنتقل بنا إلى إحدى المراحل التاريخية التي مر بها المجتمع الإسلامي وهي مرحلة “العصر الوسيط”، وذلك لفائدته الجلية على الباحثين في هذا المجال، فالباحث يجد صعوبة كبيرة في تتبع دور المرأة ونشاطها في المجتمعات الإسلامية في مختلف العصور، وعلى الخصوص فيما اصطلح على تسميته بالعصر الوسيط، وحسب الأستاذة عصمت: “كل المصادر تتجنب التأريخ أو الإشارة إلى دورها في المجتمع، وجل هذه المصادر لا تتعرض إلا لحالات نادرة لبعض النساء اللائي لمعن كشاعرات أو محدثات، أو لبعض الجواري ممن اشتهرن في بلاط بعض الخلفاء … ومع أن المرأة لها دورها الفعال والنشيط في تسيير الحياة العامة مهما كان موقعها، إلا أن المؤرخين تعمدوا التعتيم على دور ونشاط المرأة في المجتمع الإسلامي[1]
وقد نوعت في عرض النماذج وجالت بنا في التاريخ من الغرب إلى الشرق، فعرضت نماذج من مختلف البلاد الإسلامية من الأندلس والمغرب والمشرق، وقدّمت نموذج المرأة المغربية من خلال “المرأة في تادلة من خلال كتب الرحلات في العصر الوسيط“، وللصعوبة الكبيرة التي واجهتها مؤلفة الكتاب في البحث عن تاريخ المرأة المغربية في هذا العصر، نجدها تصف ذلك وتقول: “وجدت نفسي أبحث عن إبرة في جبل من القش، فلا توجد أية إشارة من قريب أو بعيد عن المرأة في بلاد المغرب”[2].
واختارت منطقة تادلة لأهميتها في ذلك العصر اقتصاديا وعسكريا وطبيعيا، فقد تمتعت هذه المنطقة في عهد المرابطين بنوع خاص من العناية والولاء، وحتى بعد عهد المرابطين استمر اهتمام الأسر الحاكمة بهذه المنطقة لأهميتها في استتباب الأمن واستقرار الحكم في البلاد.
ونقلت لنا وصف الحسن الوزاني في كتابه “وصف إفريقية” لنساء حواضر تادلة ومميزاتهن، وتحدثت عن الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للنساء.
وفي عرضها لنموذج المرأة من المشرق اختارت نموذج المرأة المصرية، وذلك من خلال “انطباعات المغاربة عن المرأة المصرية من خلال رحلاتهم في العصر الوسيط“، فالرحلات التي كانت من أجل أداء فريضة الحج أو طلب العلم أو التجارة كانت من الأمور التي اعتادها أهل المغرب والأندلس ونقلوا من خلالها الكثير من الأخبار والثقافات مما رأوه وعاينوه.
ولم تحظ المرأة بكثير من الاهتمام في كتابات الرحالة المغاربة إلا بإشارات شحيحة، وهي على العموم سلبية، “ولم يشر هؤلاء الرحالة إلى مشاركة المرأة في الحياة العلمية والدينية مع أنه في هذه الفترة ظهرت أسماء كثيرة ممن انشغلن بالنحو والفقه والحديث ونظم الشعر، وكان بعضهن يتنقلن بين مصر والشام للسماع من كبار المحدثين والعلماء”[3].
وبالنسبة لدراستها لنموذج المرأة في الأندلس فكانت من خلال “بعض نوازل الزواج والطلاق في الأندلس والمغرب“، واختارت بعض النوازل التي حدثت في الأندلس، والتي تبين كيف كان الحذر من جانب المرأة والرجل على السواء، وهي عبارة عن حالات استثنائية كانت تلجأ إليها بعض النساء لضمان حقوقهن.
وهذا الوضع الذي آلت إليه النساء كان نتيجة أمور كثيرة ذكرتها صاحبة الكتاب منها: وصفُ الرجل للمرأة بسوء التصرف ولؤم الغريزة ونقص العقل، وفرضُ الحجاب الأسود على جسدها وعقلها، اجتهاداتُ الفقهاء التي صارت تصب في هذا الاتجاه وتؤكد على دونية المرأة….
كما ناقشت بعض القضايا التي تهم المرأة، مثل “قضية المرأة بين العولمة والمحلية“، فقضية المرأة من القضايا المهمة التي تبناها المجتمع الدولي على أساس أنها جزء مهم يشارك في التنمية والإنتاج، وقضية المرأة همٌّ تعاني منه جميع الدول سواء المتقدمة أو غير المتقدمة، الفقيرة أو الغنية، فالظلم والتعسف الذي وقع على المرأة خلال عدة عقود كان عامًّا.
وقد أخذت قضية المرأة منعطفا جديدا بدعم من الدول الأوروبية والولايات المتحدة، وانعقدت مؤتمرات دولية خاصة بالمرأة وحقوق الإنسان، إلا أن الملاحظ على قرارات وتوصيات هذه المؤتمرات أنها تلف وتدور حول المساواة بين الرجل والمرأة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية…
وهنا تطرح الأستاذة عصمت في إطار تأثير العولمة أو تدويل قضية المرأة: ما هو دورنا كعرب ومسلمين تجاه هذا النظام الجديد؟ وهل لدينا البديل لتحدي هذا التيار الجارف؟
ودعت إلى مجموعة من الأمور لمواجهة تحدي العولمة والمحافظة على الهوية، ومن بين هذه الأمور: وضع إستراتيجية للنهوض بالمرأة العربية نابعة من الواقع العربي وما له من خصوصيات، بتوفير الشروط المناسبة لواقع المرأة الجديد في إطار المجتمع العصري.
والقضية الأخرى التي تعرضت لها الأستاذة عصمت كانت هي “حق المرأة في تولي المناصب العامة“، وهي قضية أسالت الكثير من المداد وعلا الصراخ فيها عن حقوق المرأة وواجباتها.
وقبل أن تناقش مسألة حق المرأة في تولي المناصب العامة، تحدثت عن مكانة المرأة في القرآن والسنة النبوية الشريفة، وعن مشاركة المرأة الرجل في المحافل الثقافية والفكرية، وأشارت إلى أن المرأة كانت تشارك الرجل في مجلس القبيلة وتشاركه في التجارة وفي إبداء الرأي…
وذكرت أسماء لنساء تولوا الحكم وأبانوا عن حكمة وحسن تدبير كـ ” الفرعونة حتشبسوت” و”الزباء التدمرية” و”ملكة سبأ اليمنية” …
وبينت كذلك أن الإسلام أكد على مساواة المرأة بالرجل مساواة تامة، ولكن في غير الأمور التي تتعلق بتكوينها الجسدي، وأكد كذلك على المشاركة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات والثواب والعقاب..
كما أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بالنساء خيرا، وأشرك المرأة مشاركة فعالة وواضحة منذ بدء الدعوة الإسلامية، فتحملت الأعباء مثلها مثل الرجل في الحياة السياسية والعسكرية….
واستمرت المرأة تنعم بحقوقها وباحترام الرجل لها إلى آخر العصر الأموي وبداية العباسي، ولكن هذه الوضعية تدهورت وبدأت المرأة تفقد حقوقها الواحد تلو الآخر.
وأُهمل رأي المرأة وأبعدت عن المشاركة في اتخاذ القرارات، ففي عصرنا بالرغم من السماح للمرأة بالحصول على أرقى الدرجات العلمية في كل فروع العلم، إلا أنها مازالت محرومة من ممارسة كثير من حقوقها التي كفلها لها الإسلام، والأدهى من ذلك أنها لا تشارك في أمور تخصها وتصدر بها قوانين.
ووقفت الأستاذة عصمت كثيرا مع حديث أبي بكرة الذي يقول: ” لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة“، والذي احتج به فريق عندما تطالب المرأة بحقها في المشاركة في اتخاذ القرارات وتولي المناصب التي تستحقها بعملها وخبرتها، وبيّنت اختلاف العلماء في مسألة تولي المرأة المناصب العامة كالإمارة والقضاء بين مجيز ومانع.
وفي ختام كلامها أكدت الأستاذة عصمت دندش أن على الرجل أن يعرف أن المرأة المسلمة المثقفة تعي حقوقها وواجباتها التي حددها لها الإسلام، ويعي أيضا أن احترام المرأة ليس بالكلام وحده، أو التظاهر أمام الآخرين، أو خارج بيته، وإنما يجب أن يعي أن احترام المرأة وحبه لها هو داخل وخارج بيتها، وأن الإسلام دين حق وعدل ومساواة.

 

 


[1]  الصفحة 13.

[2] الصفحة: 13.

[3] الصفحة: 35.

 

 

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. الإسلام دين حق وعدل ومساواة لكن من ينصفنا… على العموم قراءة مفيدة انا شخصيا استفدت منها .واصلي والله ولي التوفيق

  2. نتمنى لهذا الموقع الاستمرار والعطاء،ونشكركم على عرض هذا الكتاب القيم، نعدكم بقراءته

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق