الرابطة المحمدية للعلماء

قراءة في الجزء الأول من مروية “نداء الحب”

أصدرت الرابطة المحمدية للعلماء صبيحة الإثنين 13 يناير 2014 خلال ندوة علمية نظمتها بمناسبة حلول ذكرى المولد النبوي الشريف لسنة 1435هـ بالمكتبة الوطنية بالرباط، الجزء الأول من مروية موجهة للناشئين تحمل عنوان “نداء الحب” لكاتبها الأستاذ محمد واحي.

وتعد هذه المروية التي تقع في 148 صفحة من الحجم المتوسط، الأولى من نوعها على المستوى الوطني، وهي عبارة، كما قال فضيلة الدكتور أحمد عبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء في مقدمتها، عن “سيرة موطأة لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وقد عمل الأستاذ محمد واحي أثابه الله جاهدا، لتكون سيرة ميسرة، تنقل القيم وتزرعها عن طريق حميمية الحكي داخل الأسرة”.

تساؤلات واستفسارات

وقد أضفى هذا الحكي الأسري وهو عرف ضارب في تاريخ مجتمعنا المغربي، طابع الجمالية والواقعية في آن، وجعل الأحداث المتسلسلة لسيرة نبينها محمد صلى الله عليه وسلم تنساب إلى مخيلة الطفل بكل هدوء وروية، معتمدة في ذلك على آلية الرسم والتلوين التي تثير ملكتي الحب والإعجاب لدى الطفل وتجره جرا من أجل الاكتشاف والاطلاع والمعرفة، ولاشك أن السبيل إلى خلق مجتمع من القراء متفتح الذهن، ناضج الفكر، واسع الثقافة، إنما يبدأ بالأطفال، فعقولهم غضة، وشخصياتهم مرنة، وحساسيتهم للتأثر بالغة .

وإذا كان طابع الجمالية يتراءى للناظر في هذه المروية، التي اعتمدت أسلوبا جديدا لتقديم حياة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، عبر كل فقراتها ومحطاتها على اعتبار أنها سيرة خير وسيد الخلق أجمعين، فإن طابع الواقعية يتراءى ويتجلى في ذلك الانتقال السلس للكاتب من وسطه العائلي وما يدور في محيطه من استفسارات وتساؤلات وحوارات عفوية إلى كنه وجوهر مادته السردية التي هي سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم.    

إن الكاتب وهو ينطلق من وسطه الأسري ليكتب هذه السيرة العطرة، يريد من وراء ذلك أن يؤكد على أن هذا النوع من الكتابة هو حاجة فطرية ضرورية تلح على طلبها النفس البشرية من أجل الارتقاء إلى مكارم الأخلاق ونيل المبادئ والقيم النبيلة  التي كان يتصف بها رسولنا الكريم محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم.

ولذلك نجده ومنذ البدء في كتابة هذه المروية، يلجأ من حين لآخر وبطريقة تلقائية إلى الاستشهاد بالنصوص الحديثية والقرآنية من أجل تصحيح قول أو فعل أو سلوك يراه مخالفا للدين مثل دفع وضرب الأطفال الذين يحبذون الصلاة إلى جانب الكبار في المساجد، أو الاعتقاد بأن محمدا صلى الله عليه وسلم ابن الله كما يعتقد ذلك النصارى بخصوص عيسى ابن مريم عليهما السلام وهو ما نستشفه من السؤال الذي طرحته كل من مريم ويوسف على الجدة التي أجابتهما بسورة الإخلاص ودعتهما إلى تلاوتها وحفظها.. وأيضا الاعتقاد بأن المسلمون “أشرار وإرهابيون” كما يروج البعض في البلدان الأوروبية أو ما يعرف بـ”الإسلاموفوبيا”.

والملاحظ أن الكاتب طرح جملة من المشاكل والانشغالات التي تشغل بال معظم الأسر المغربية داخل وخارج الوطن الأم، وهي انشغالات أبى صاحب المروية إلا أن تكون المدخل إلى “نداء الحب” حتى يعطي لهذا الإبداع بعدا آخر يرتبط بشكل مباشر بما يجري في البلدان الغربية من اعتداءات وإساءات متكررة للإسلام والمسلمين أشدها تلك التي مست شخص رسولنا الكريم، بحيث نعث صلى الله عليه وسلم في أكثر من مرة بـ”الإرهابي”، في منابرهم الصحفية وفي رسوماتهم وعبر شاشاتهم التلفزيونية والسينمائية.

إسم على مسمى  

“نداء الحب”، عنوان، كما قال الأستاذ عبدالسلام الأحمر، عضو المكتب التنفيذي للرابطة المحمدية للعلماء خلال الندوة العلمية المشار لها أعلاه، “جاء حاملا للعديد من الدلالات وقد وفق فيه المؤلف إلى حد بعيد”، وكان بحق إسم على مسمى، والأصل في هذا التوفيق يعود إلى أن هذا العنوان خرج هو الآخر كما خرجت فقرات المادة السردية جميعها من رحم الوسط الأسري لصاحب المروية.

يقول الكاتب “ولقد شجعني ذلك الإقبال المتزايد على الإسلام، أن أحاول القيام بإسهام يريحني وأطفالي وربما أطفال غيري، فبدأت أعود إلى ذلك الطفل الذي كنته، فإذا بي أنجذب إلى كتابة مروية حب من أجل ذلك الطفل الموجود في كل مكان، اعتبارا لما ينبغي أن تكون عليه عالميته، والتي يمكن اختزالها في أن كل الذين بحثوا ويبحثون عن المعنى الوجودي العميق للحب قالوا: بأنهم وجدوه في الإسلام”، مضيفا “فأمسكت بالقلم والصفحة تتزاحم عليها أفكار بدت لي أول وهلة ضبابية، ثم اتضحت لي شيئا فشيئا، فاتسعت لتصير كالبارقة، التي يتبعها الغيث فكانت البداية، إذ تذكرت وأنا أتأمل مشهدا حدث أمامي في البيت في صيف سنة 2003، فأوحى إلي بالذي كنت بحاجة إلى جعله بداية لأكتب ما تجرأت على تسميته: بمروية حب”.

فـ”نداء الحب” انطلاقا من هذين النصين، هو في الأصل أكثر من نداء، إنه صرخة مدوية أطلقها الكاتب من أجل ذلك الطفل الموجود في كل مكان، من خلال مشهد حدث أمامه في بيته في صيف سنة 2003، كما ذكر ذلك، صرخة يريد من ورائها تحقيق مجموعة من المرامي والأهداف أبرزها أن يتفاعل ذلك الطفل مع أحداث السيرة النبوية تفاعلا إيجابيا يختلف بشكل كبير عن ذلك الذي يحدث معه وهو يقرأ قصصا تتناول سير عظماء لا يمثلون قيم الكتاب والسنة، فلا يقرأها كما لو كانت قصصا طريفة وظريفة يستمتع بها ثم يبحث عن قصص طريفة أخرى وهكذا دواليك، ولكن يقرأها من أجل أن يتمثل آداب وسلوكات وتعبيرات النبي صلى الله عليه وسلم في العديد من القضايا والمواقف، ويتمثل كذلك طريقته عليه الصلاة والسلام في معاملة الناس المسلمون منهم وغير المسلمين إلى غير ذلك..

وقد حرص الكاتب محمد واحي على هذا التفاعل كل الحرص خاصة عندما لاحظ أن أحفاده كانوا يجلبون معهم قصصا من أوروبا ويدعون خالتهم “طيبة” إلى قراءتها عليهم في كل ليلة قبل أن يداعب أعينهم النوم، لذلك استوحى منهم هذه المروية لتحل محل تلك القصص وتكون هي ذلك الفضاء الرحب الذي يجيب عن كل تساؤلاتهم واستفساراتهم وهواجسهم، فينمي فيهم الإحساس بالجمال وتذوقه، ومحاولات الاستكشاف، واستخدام الخيال، وحب الاستطلاع، وإيجاد الدافع للإنجاز والتحرر من الأساليب المعتادة للتفكير.

أسلوب راق وجذاب

وقد اعتمد كاتبنا الأستاذ محمد واحي في تقريب هذا الفضاء الرحب من الأطفال وبأسلوب راق وجذاب على لغة واضحة وسهلة وميسرة ومفهومة، بحيث كانت كل الكلمات التي استعملها، كلمات دالة على معنى ثابت وبسيط لا يستعصي على الناشئين، كما اعتمد شخصيات مألوفة لدى الطفل مثل الجدة “مي حبيبة” التي سيتحول اسمها إلى “بوبا” والجد الذي سيصير اسمه “بابو” والخالة وابن الأخت.. تعبر هي الأخرى بلغة على نحو واضح وسهل وفي متناول الجميع، لغة تسهم في تنمية قدرات الطفل العقلية والفكرية والنفسية والعلمية وتنمي حصيلته اللغوية ومعرفته بالماضي والحاضر والمستقبل أيضا.

وإذا كان الرسام يستخدم في صياغته لأعماله الفنية الفرشاة والألوان، والموسيقي يستخدم الآلات والنغمات، والأديب يستخدم الكلمات والألفاظ، فإن الأستاذ محمد واحي في كتابته لهذه المروية اجتمعت فيه كل هذه الوظائف، فقد كان منه الرسام والفنان والأديب..، إذ كان يضبط إيقاعات الجمل والفقرات حتى تأخذ نغماتها المطلوبة  ويتتبع الرسومات والألوان ويتفحصها حتى تتناسب مع الوقائع والأحداث.     

وتعود أسباب هذا الارتقاء الأدبي واللغوي لكون الأستاذ محمد واحي، كما قال فضيلة الدكتور أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء في الندوة العلمية، يعمد “إلى تتبع كل حرف من حروف المروية حرفا بحرف ليشكل ما ينبغي منها أن يشكل، كما كان يحذف كلمة ويعوضها بأخرى، حينما لا يجد التفاهم المشروط بين الكلمات والعبارات”.

ولنتأمل كيف وظف كاتبنا الأستاذ محمد واحي في الصفحة 86 من مرويته على سبيل المثال لغة الوصف في قوله “صار الوليد محمد صلى الله عليه وسلم جعفرا يتراءى في ملامحه، وأعضائه شباب تغلفه الطفولة، وطفولة يغلفها الشباب، كان يكبر بقدر مضاعف منذ طفولته الأولى، فيبدو في سنته الأولى، كما لو بلغ سن الرابعة، ويتجلى جماله العربي، وجمال آخر، يمكن تسميته: بجمال الجمال، يستهوي القلوب والعقول”، وفي قوله في الصفحة 92 “يسكن محمد صلى الله عليه وسلم إلى هذه الطبيعة كما لو كانت صدر أمه فيغفو، ثم ينام، كما هو حال آلاف اليتامى في هذا العالم الظالم أهله، يغفون ثم ينامون رأفة بهم من الرحمن الرحيم”.   

وعموما فيمكن القول أن مروية “نداء الحب” استطاعت وبفضل كل هذه المهارات الفنية واللغوية والأسلوبية أن تخرج إلى حيز الوجود للناشئين عالما خاصا بهم، يسمح لهم بتذوق جمالية النص جملة جملة وكلمة كلمة وحرفا حرفا وذلك بمختلف التعبيرات والمعاني الرائعة.

إعداد: أحمد زياد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق