مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

قراءةٌ في كتب الأفعال الأندلسية – الحلقة الثالثة –

2- كتاب الأفعال لابن القطاع الصقلي (ت: 514هـ)(1)

هذا الكتاب لابن القطاع الصقلي، وهو عليّ بن جعفر بن علي السعدي، ولد سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة (433هـ)،  قال عنه ياقوت الحموي: «وكان إمام وقته ببلده وبمصر في علم العربية وفنون الأدب. قرأ على أبي بكر محمد بن البر الصقلي، وكان مما رُوِيَ عنه «كتاب الصحاح» لإسماعيل بن حماد الجوهري، ومن طريقه اشتهرت رواية هذا الكتاب في جميع الآفاق»(2).

وقد انتزح ابن القطاع من صقلية في حدود الخمسمائة وألقى عصا التسيار بالقاهرة، فحظي بها وعظمت منزلته وبَالغ في إكرامه أهل الدولة المصرية، وحظى عند أبي القاسم الأفضل الجمالي المعروف بالملك الأفضل شاهنشاه (ت:515هـ)، وهو أحد وزراء الدولة الفاطمية بمصر، كان حسن التدبير فحْل الرأي(3)، وإليه نسب ابن الصّيرفيّ (ت:542هـ) رسائلَه الموسومة بـ«الأفضليات». وقد أسند إلى ابن القطاع تعليمَ ولده وتأديبَه.

وقد تصدر للتدريس ونفع الخلق وتعليم الطلبة، وأخذوا عنه النحو واللغة، قال الصفدي: «وكان نقاد المصريين ينسبونه إلى التساهل في الرواية، وذلك لأنه لما قدم مصر سألوه عن كتاب صحاح الجوهري فذكر أنه لم يصل إليهم، ثم إنه لما رأى اشتغالهم به ركَّب له إسنادا، وأخذه الناس عنه مقلدين له»(4).

مؤلفاته:

كان ابن القطاع لغويا طويل الباع، وأديبا بارعاً واسع الاطلاع، وخلف تصانيف مفيدة، قال ياقوت الحموي: «ولابن القطاع عدة تصانيف منها: كتاب الدرّة الخطيرة في شعراء الجزيرة يعني جزيرة صقلية؛ اشتملت على مائة وسبعين شاعرا وعشرين ألف بيت شعر. وكتاب الأسماء في اللغة جمع فيه أبنية الأسماء كلها. وكتاب الأفعال هذّب فيه أفعال ابن القوطية وأفعال ابن طريف وغيرهما في ثلاث مجلدات. وله حواش على كتاب الصحاح نفيسة، وعليها اعتمد أبو محمد ابن بريّ النحوي المصري في ما تكلم عليه من حواشي الصحاح. وكتاب فرائد الشذور وقلائد النحور في الأشعار. وكتاب العروض والقوافي. وكتاب ذيل تاريخ صقلية. وكتاب الأبنية، أبنية الأسماء والأفعال»، وكذلك له أشعار غمزها ياقوت غمزا خفيا، بقوله: «ولابن القطاع أشعار ليست على قدر علمه»، ثم ذكر نماذج منها.

وقد توفي سنة أربع عشرة وخمسمائة (514) بمصر، وقيل سنة 515هـ.

مقدمة الكتاب والدوافع على وضعه:

استهل المؤلف – رحمه الله – كتابه بالثناء على فضل لسان العرب، وحث طلاب العلم على الحرص عليها والعناية بمعرفتها، وقال: «اعلم أن أفضل ما رغب فيه الراغب وتعلق به الطالب معرفة لغة العرب التي نزل بها القرآن وورد بها حديث النبي – عليه السّلام – لتعلم بها حقيقة معانيهما، ولئلا يضل من أخذ بظاهرهما. وقد قال بعض الحكماء: اللغة أركان الأدب، والشعر ديوان العرب بالشعر نظمت المآثر، وباللغة نثرت الجواهر، لولا اللغة ذهبت الآداب، ولولا الشعر بطلت الأحساب، بلغة العرب نزل القرآن، وبشعرهم ميز الفرقان، من ذم شعرهم فجر، ومن طعن على لغتهم كفر……».

وقد دفعه إلى وضع الكتاب أسباب أشار إليها في مقدمة كتابه، ويمكن ردها إلى أمرين اثنين:

الأول: ما لمحه في كتاب الأفعال لابن القوطية من تعقيد وانغلاق وسوء ترتيب وفواتٍ وخلط في التبويب، وكون معانيها المخدرة لا تعنّ إلا بعد إرهاق ناظر وإعنات خاطر، وكون مضامينها حجرا على المنتهين لا المبتدئين، فعزم على تفصيل مجمله، وحل مشكله. وقد أشار إلى ذلك بقوله: «وهذا الكتاب في غاية الجودة والإحسان لو كان ذا ترتيب وبيان، لكن لم يرتبه على الكمال، وقد اجتهدت في ترتيبه وتهذيبه بعد وسميته (تهذيب كتاب الأفعال) لأنه قد أربى فيه على كل من ألّف في معانيه إلا أنه لم يذكر فيه سوى الأفعال الثلاثية».

– استدراك فواتِ ابن القوطية، كالأفعال الثلاثية والمزيدة بالهمزة والثنائية المكررة، والأفعال الرباعية الصحيحة، والأفعال الخماسية والسداسية المزيدة،

الثاني: رغبة بعض الطلبة في كتاب «أبنية الأفعال» مهذباً وملخّصا ومشروحا، فتشمر –رحمه الله تعالى – لإطلابِهِ وإسعافه في مراده، وقد نبه إلى ذلك بقوله: «سألتني – أراك الله السول، وبلّغك المأمول – أن ألخص لك ما انغلق وبعد، وأخلص لك ما عسر وانعقد، من كتاب أبنية الأفعال لأبي بكر محمد بن عمر بن عبد العزيز المعروف بابن القوطية»(5)، وقوله: «فرددت كل فعل إلى مثله وقرنت كل شكل بشكله ورتبته خلاف ترتيبه وهذبته خلاف تهذيبه وذكرت ما أغفله من الأفعال الثلاثية والمزيدة بالهمزة والثنائية المكررة، وأوردت الأفعال الرباعية الصحيحة والأفعال الخماسية والسداسية المزيدة وأثبتها على حروف المعجم حتى لا يحتاج الناظر أن يخرج من باب إلا وقد استوعب جميع الأفعال على التمام والكمال، وأعلمت على ما أورده بحرف القاف وعلى ما أوردته أنا بحرف العين ليعرف بذلك ما أورده وما أوردتُ وما ترك وما زدت، وجمعت فيه ما افترق في مصنفات العلماء، ونظمت فيه ما انتثر في مدونات البلغاء، وأردت أن يكون الكتاب جامعا لسائر الأفعال حائز القصب الكمال، ولم أورد فيه سوى المعروف المستحسن، وعديت عن الحوشيّ المستهجن، فإن شذّ عنه شيء فهو من هذا النوع، وأرجو أن لا يشذ عنه شيء من اللغة المستعملة، ولا يبقى في نفس الناظر فيه أمر من الأمور المشكلة، بعون الله وتأييده، وتوفيقه وتسديده، جعلنا الله من الراغبين فيما لديه، العاملين بما ندب إليه، الفائزين برحمته عند القدوم عليه».

منهجه في الكتاب:

– تهذيب كتاب ابن القوطية وشرحه وبسطه، واطّراح بعض تقسيمات ابن القوطية وتفريعاته، مما يرى الاستغناء عنه خيرا من ذكره.

– ترتيب الكتاب حسب الحروف الهجائية على ترتيب (أبتث…و،هـ، ي)، لا على ترتيب المخارج كما فعل ابن القوطية وابن الحداد السرقسطي.

– وضع علامة يتمايز بها الأصل عن التهذيب، فوضع حرف (ق) على كلام ابن القوطية، وحرف (ع) على كلامه.

– تحري الأفعال الشائعة المستعملة، والإعراض عن الغريب والحوشي.

– تقسيم كل حرف إلى:

  أ- فعل وأفعل من الثلاثي الصحيح بمعنى واحد وبغيره.

  ب- باب الثنائي المضاعف.

  ج- باب المهموز.

  د- باب المعتل.

  هـ- باب الثنائي المكرر، (أي الرباعي المضاعف نحو زلزل وبخبخ).

  و- باب الرباعي الصحيح.

  ز- باب الخماسي والسداسي، ويريد بهما ما كان على خمسة أحرف أو ستة، ويندرج في ذلك مزيد الثلاثي والرباعيِّ، صحيحا أو مهموزا أو معتلا.

مكانة الكتاب:

لكتاب ابن القطاع –رحمه الله تعالى – منزلة لدى العلماء والمصنفين، ولهم عناية بمباحثه، لكثرة فوائده وغرره، ووفرة عوائده ودرره، قال عنه الفيروزآبادي: «وله تصانيف حسان، من أجلِّها كتابُ الأفعال، لم يؤلف في معناه أجل منه على اختصاره»(6).

وقد رجع أيضا إليه العلماء في تصانيفهم وأفادوا منه ومنهم:

– جمال الدين بن مالك الطائي الجياني (ت:672هـ) في كتابه: إكمال الإعلام بتثليث الكلام.

– الرضيّ الإستراباذي (ت: 686هـ) في كتابه: شرح شافية ابن الحاجب.

– أبو العباس أحمد الفيّومي (ت:770هـ) في: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير.

– مجد الدين الفيروزآبادى (ت:817هـ) في معجمه المشهور: القاموس المحيط.

* ومحشّيه ابن الطيب الفاسي (ت:1170هـ) في: إضاءة الراموس في إفاضة الناموس على إفاضة القاموس.

   * وشارحه المرتضى الزبيدي (1205هـ) في: تاج العروس من جواهر القاموس.

– ابن حجر العسقلاني (ت:852هـ) في: فتح الباري شرح صحيح البخاري

– بدر الدين العيني (ت:855هـ) في: عمدة القاري شرح صحيح البخاري.

– نور الدين الأشْموني (ت: 900هـ) في شرحه على الألفية، المسمَّى بـ« منهج السالك إلى ألفية ابن مالك ».

– خالد الأزهري المصري (ت: 905هـ) في كتابه: شرح التصريح على التوضيح.

– جلال الدين السيوطي (ت:911هـ) في كتابيه: همع الهوامع شرح جمع الجوامع، والمزهر في علوم اللغة وأنواعها.

– شهاب الدين الخفاجي (ت:1069هـ) في كتابيْهِ: حاشيته على تفسير البيضاوي، وشرحه على «درّة الغوّاص في أوهام الخواصّ» للحريري.

– عبد القادر البغدادي (ت: 1093هـ) في كتابه النفيس: خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب.

– أبو البقاء الكفوي الحنفي (ت: 1094هـ) في كتابه: الكليات.

– محمد بن عبد الباقي الزرقاني (ن:1122هـ) في شرحه على موطأ الإمام مالك –رضي الله عنه -.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر

(1) ترجمته في: الوافي بالوفيات (20/175)، والبلغة (ص:204)، وبغية الوعاة (2/153)

(2) معجم الأدباء (4/1669)

(3) انظر: وفيات الأعيان (2/448)، واتعاظ الحنفاء (3/60)

(4) الوافي بالوفيات (20/175)

(5) الأفعال (1/2)

(6) البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة (ص: 205)

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. بارك الله في هلمكم وعملكم.
    لدي ملحوظة، كتاب ابن القطاع الصقلي قد لا ينتمي إلى المدرسة الأندلسية بقدر ما ينتمي إلى المدرسة المغاربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق