مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكشذور

قالوا في الموطأ: 1

أ- “الموطأ” وكتب الأصول الستة:

 يقول السيد محمد بن علوي المالكي الحسني -رحمه الله-:

   «اختلف العلماء في “الموطأ”، هل يعتبر من كتب الأصول الستة؟

وظهر لي بعد تتبع أقوالهم أنهم في ذلك قسمان:

فقسم: لا يعدون “الموطأ” في كتب الأصول الستة.

وقسم: يعدونه في كتب الأصول الستة.

ولهم آراء مختلفة في تعيين درجته بينها، فبعضهم يجعلونه قبل “الصحيحين”، وبعضهم يجعلونه بعدهما، وبعضهم يجعلونه بعد “الترمذي”، وقبل “النسائي”.

    فأما من لم يعده في كتب الأصول فكثير، منهم: الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي، وجرى على هذا في كتابه الذي جمع فيه أطراف الكتب الستة، والحافظ أبو بكر محمد بن موسى الحازمي، والحافظ عبد الغني المقدسي، والحافظ أبو القاسم علي بن أبي محمد الحسن الدمشقي الشهير بابن عساكر، وجرى على هذا في كتابه “الإشراف على معرفة الأطراف”، الذي تعقب فيه عمل المقدسي، مقتصرا على الكتب الأربعة دون “الصحيحين”.

    والحافظ جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن المزي في كتابه “التحفة”، وقد قال في مقدمة كتابه: «إني عزمت إلى أن أجمع في هذا الكتاب إن شاء الله أطراف الكتب الستة، التي هي عمدة أهل الإسلام: وعليها مدار عامة الأحكام، وهي: “صحيح البخاري”، و”مسلم”، و”سنن أبي داود”، و”الترمذي”، و”النسائي”، و”ابن ماجة”، ولم يذكر فيها “الموطأ”.

    وكذا النووي، والسيوطي، والحافظ القسطلاني شارح “البخاري”، ويعتذر كثير من العلماء عن عدم جعل أولئك الحفاظ للموطأ بين الأصول الستة: بأنَّ ذلك لاندماج أحاديثه فيها إلا ما قلَّ، وليس ذلك؛ لأنه غير صحيح عندهم.

    قلت: وهذا كلام صحيح، حتى عند من يجادل في صحة “الموطأ”، وذلك لأنهم اتفقوا على أن الأصول الستة هذه، ليست كلها صحيحة، كما قال الحافظ العراقي:

ومن عليها أطلق الصحيحا        فقد أتى تساهلا صريحا

وكما صرح بعض أصحاب هذه الأصول كـ”الترمذي”، و”أبي داود”، بأن كتابه ينقسم إلى صحيح وغيره، فهي تجمع بين: الصحيح، والحسن، والضعيف.

    لذلك، فإن عدم جعلهم “الموطأ” من الأصول الستة، ليس دليلا على عدم صحته.

    وما اشتهر على ألسنة كثير من طلبة العلم من إطلاق اسم: “الصحاح” على الكتب الستة، فخطأ أو تساهل، والصواب أن يقال: الأصول الستة، أو: الكتب الستة، وقد وقع في مثل هذا الوهم بروكلمان، وفؤاد سزكين، حيث قال عن “سنن ابن ماجة”: «وهو أحد الكتب الصحيحة»، وعن “الترمذي”، «الجامع الصحيح الذي يعتبر من الكتب الصحيحة المعتمدة». مع أن العلماء جعلوا “السنن” لابن ماجة من ضمن الأصول، وهو أقل درجة من “الموطأ” بلا شك، وأظهر دليل على ذلك:

    أنه لم يختلف أحد من العلماء في عدم جواز إطلاق اسم الصحة على جميعه، بخلاف “الموطأ”، فإنهم لم يتفقوا كلهم على إطلاق اسم “الضعيف” على جميعه.

    هذا مع كونهم تكلموا في “سنن ابن ماجة”، فقال بعضهم: «هو ليس من الأصول»، وجعل بعضه بدله “سنن الدارمي”.

    وقال المزي: «كل ما انفرد  به عن الخمسة، فهو ضعيف».

وبالجملة، فالكلام فيه كثير.

    وبهذا، ثبت أن عدم جعل “الموطأ” من الأصول الستة، لا صلة له بقضية الاختلاف في صحته، لجعلهم ما هو أقل منه درجة منها.

    وعندي: أن السبب في عدم جعلهم “الموطأ” من الكتب الستة، يمكن أن يكون لأنه لا يشترك معهم في زمنهم وشيوخهم، فهو قبل زمن هذا الاصطلاح، فالكتب الستة في زمن واحد، مع تقارب طبقات شيوخ أصحابها.

    أما “الموطأ”، فزمنه غير زمنهم، إذ هو في النصف الأول من القرن الثاني الهجري، وهي بعد منتصف القرن الثالث.

    وشيوخ صاحبه من التابعين وكبار أتباعهم، أما شيوخ أصحاب الكتب الستة، فمن أتباع أتباع التابعين، وأنزل.

    وهذا شبيه باصطلاحهم على تسمية ابن عباس، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم بالعبادلة، كما قال الناظم:

أبناء عباس وعمرو وعمر      وابن الزبير هم العبادلة الغرر

  وليس منهم ابن مسعود، لا لكونه ليس مثلهم، وإنما لأنه مات قبل انعقاد هذا الاصطلاح، وهم عاشوا حتى احتاج الناس إلى عملهم وفقههم.

   وأما من جعله من ضمن كتب الأصول الستة: فالحافظ أبو الحسن رزين بن معاوية العبدري في كتابه “جامع الصحاح”، والحافظ مجد الدين أبو السعادات ابن الأثير في كتابه “جامع الأصول من حديث الرسول صلى الرسول صلى الله عليه وسلم”، والحافظ عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الدّيبع الشيباني في كتابه “تيسير الوصول إلى جامع الأصول”.

    وذلك لأنهم نظروا إلى معنى الأصل الذي إذا توفر في كتاب يكون أصلا، وتحصّل عندهم أنه يتضمن أمرين: الصحة والشهرة، ولما وجد أن “الموطأ” قد تضمن هاتين الخصلتين بالكمال والتمام – كما سيأتي-، أدخلوه في ضمن هذه الأصول.

    وينبغي أن يلاحظ: أن من عدّه ضمن كتب الأصول الستة، جعله سادسها، لأن العلماء اختلفوا في تعيين السادس في هذه المجموعة، أما الخمسة وهي: “صحيح البخاري”، و”صحيح مسلم”، و”السنن” لأبي داود، و”سنن الترمذي”، و”سنن النسائي”، فمتفق عليها. فبعضهم كابن طاهر المقدسي، والحافظ عبد الغني جعل السادس هو “سنن ابن ماجة” لكثرة ما فيها من النفع في أبواب الفقه. وبعضهم كالعلائي، وابن حجر جعل السادس هو “مسند الدارمي”، لأنه أكثر صحة منه، وإن كان مرتبا على الأبواب كالسنن. ولكون أحاديثه مسندة غالبا، سمي “مسندا”. وبعضهم مثل من ذكرنا، جعل السادس هو”الموطأ”.»

                                                                (يـتـبـع)

 

“فضل الموطأ وعناية الأمة الإسلامية به”، ص130 وما يليها، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الثانية 1429هـ -2008م.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق