الرابطة المحمدية للعلماء

في يوم “لغة الضاد” احتفاء بتراث إنساني ينطقه أزيد من400 مليون نسمة

يحتفل العالم هذه الأيام بيوم اللغة العربية، وهو اليوم المخصص للتعريف بلغة الضاد وذلك بعد أن اعتمدت اليونسكو يوماً عالمياً للاحتفال باللغة الأم، وهنا يطرح المرء تساؤلات عن أصل اللغة، وماهيتها ورحلتها، ما دفع للعودة إلى الموسوعات والمراجع للوصول إلى بعض الرواسم التي تحدد علاقتنا بلغتنا العربية عبر التاريخ.

هنالك العديد من الآراء في أصل العربية لدى قدامى اللغويين العرب؛ فيذهب البعض إلى أن يعرب كان أول من أعرب في لسانه وتكلم بهذا اللسان العربي فسميت اللغة باسمه، وورد في الحديث النبوي أن نبي اللـه إسماعيل بن إبراهيم أول من تحدث لسانه بالعربية المبينة، وهو ابن أربع عشرة سنة على حين نَسِي لسان أبيه.

اللغة العربية هي إحدى أكثر اللغات انتشاراً في العالم، يتحدثها أكثر من 422 مليون نسمة، ويتوزع متحدثوها في المنطقة المعروفة باسم العالم العربي، إضافة إلى العديد من المناطق الأخرى المجاورة كإيران وتركيا وتشاد ومالي والسنغال؛ اللغة العربية هي أكبر فرع من فروع اللغات السامية وتشبه إلى حد كبير، من ناحية البنية والمفردات وغيرها، لغات سامية أخرى كالآرامية والعبرية والأمهرية.

وعلى إثر انتشار الإسلام، وتأسيسه دولاً، ارتفعت مكانة اللغة العربية، إذ أصبحت لغة السياسة والعلم والأدب، وأثرت العربية، تأثيراً مباشراً أو غير مباشر في كثير من اللغات الأخرى في العالم الإسلامي، كالتركية والفارسية والأردية مثلا.

إن العربية لغة رسمية في كل دول العالم العربي إضافة إلى السنغال، مالي، تشاد، أريتيريا، سينيغال، وقد اعتمدت العربية كإحدى لغات منظمة الأمم المتحدة الرسمية الست، وتسمى العربية بـلغة الضاد لأنه يعتقد أنها اللغة الوحيدة في لغات العالم التي تحتوي على حرف الضاد.

وتشير كتب التاريخ إلى أن الفتوحات الإسلامية بعد وفاة سيدنا محمد صلى اللـه عليه وسلم كان لها كبير الأثر في نشر اللغة العربية في أصقاع مختلفة خارج شبه الجزيرة العربية، فبعد أن اعتنق كثير من السريان والأقباط والروم والأمازيغ والآشوريين الدين الإسلامي، أصبحوا عربًا باللغة كذلك الأمر، لسببين رئيسيين، منها أن اللغة الجديدة كانت لغة الدين حديث النشأة، وهي لغة مصدر التشريع الأساسي في الإسلام (القرآن، والأحاديث النبوية)، ولأن الصلاة وبعض العبادات أخرى، لا تتم إلا بإتقان بعض كلمات من هذه اللغة، وأيضاً لتعريب دواوين الأمصار حديثة الفتح، في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان. وهكذا أصبحت العربية لغة السياسة والإدارة بعد أن نُقلت إليها المصطلحات الفنيّة في الإدارة والحساب.

وعلى الرغم من أن كثيراً من الأمم الأعجمية بقيت على هويتها ولم تتقبل الهوية العربية، مثل قسم كبير من الأمازيغ والترك والكرد والفرس وبعض الآشوريين والسريان، فإنها تلقنت اللغة العربية وتكلمتها بطلاقة إلى جانب لغتها الأم، وذلك لأن بعضها اعتنق الإسلام مثل الأكراد والفرس والأتراك، وحتى الذين بقوا على الدين المسيحي أو اليهودي، تكلموا العربية كلغة رئيسية إلى جانب لغتهم الأم، بعد أن أصبحت لغة العلم والأدب خلال العصر الذهبي للدولة الإسلامية، تحت ظل الخلافة العباسيّة، بل إن تلك الشعوب اقتبست الأبجدية العربية في كتابة لغتها.

ومع مرور الوقت أصبحت اللغة العربية لغة الشعائر لعدد كبير من الكنائس المسيحية في الوطن العربي، مثل كنائس الروم الأرثوذكس، والروم الكاثوليك، والسريان، كما كتبت بها الكثير من الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى.

ساهم عدد من الأعاجم في تطوير اللغة العربية ومصطلحاتها خلال العصرين الأموي والعباسي بفضل ما نقلوه إلى العربية من علوم مترجمة عن لغتهم الأم، فبرز في العربية كلمات ومصطلحات جديدة لم تكن معهودة من قبل، مثل “بيمارستان”، المأخوذة من الفارسية، وخلال العصر الذهبي بلغت اللغة العربية أقصى درجات الازدهار، حيث عبّر الأدباء والشعراء والعلماء العرب والعجم عن أفكارهم بهذه اللغة، فكُتبت آلاف المجلدات والمؤلفات والمخطوطات حول مختلف المواضيع بلسان العرب. وكان من أهمية اللغة العربية في المجال العلمي والثقافي، أن اقتبست بعض اللغات الأوروبيّة كلمات منها أثناء العهد الصليبي في المشرق، أو عن طريق التثاقف والاختلاط مع عرب الأندلس؛ ومن أبرز اللغات التي تأثرت بالعربية هناك الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والألمانية.

وبعد أن سيطر على اللغة العربية شيء من الركود طوال ما يقرب من 400 سنة، أخذت في أواخر القرن التاسع عشر تشهد بعض الانتعاش، وتجلّى بالخصوص في نهضة ثقافية في بلاد الشام ومصر بسبب ازدياد نسبة المتعلمين وافتتاح الكثير من المطابع التي قامت بتجميع الحروف العربية، ونشرت الصحف الحديثة بهذه اللغة لأول مرة، كذلك ظهرت عدّة جمعيات أدبيّة وأدباء وشعراء كبار ساهموا في إحياء اللغة العربية الفصحى.

وقد أسس هؤلاء الأدباء القواميس والمعاجم الحديثة مثل دائرة المعارف وقاموس محيط المحيط، ووفروا مؤلفات قيمة في مختلف فنون المعرفة، بعد أن ترجموا واقتبسوا روائع الفكر الغربي، كذلك يسّر الأدباء العرب في تلك الفترة اللغة العربية وقواعدها، فوضعوا لها المعاجم الحديثة التي لا تزال متداولة حتى الآن، وتأسست الصحافة العربية لتعيد إحياء الفكر العربي وتوقظ القرّاء على أخبار بلادهم المحلية والأخبار العالميّة.

ومن أبرز المدارس الفكرية العربية التي برزت في ذلك العهد مدرسة أدب المهجر، وهو الأدب الذي أنشأه العرب الذين هاجروا من بلاد الشام إلى أميركا الشمالية والجنوبية، وكوّنوا جاليات عربية، وروابط أدبية أخرجت صحفًا ومجلات تهتم بشؤونهم وأدبهم، وأنشأ أتباعها عدّة نقابات أبرزها الرابطة القلمية.

عبد الله توفيق. عن الوطن السورية بتصرف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق