مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةدراسات عامة

في طريق تحقيق النجاة لأهل السنة والجماعة في العاقبة

   يقول أبو المظفر الاسفراييني (ت471هـ):
«اعلم أن الذي تحقق لهم هذه الصفة  [صفة أهل السنة] أمور:
منها: قوله تعالى:﴿ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم﴾[سورة:آل عمران/الآية:31]، والمحبة من الله تعالى في متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم سبب محبة الرب للعبد، فكل من كان متابعتُه للرسول صلى الله عليه وسلم أبلغ وأتم، كانت المحبة لهُ من الله أكمل وأتم، وليس في فرق الأمة أكثر متابعةً لأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم، وأكثر تبعاً لسُنته من هؤلاء، ولهذا سُمُّوا أصحاب الحديث وسُمُّوا بأهل السنة والجماعة.
 – ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سُئل عن الفرقة الناجية قال:(ما أنا عليه وأصحابي)، وهذه الصفة تقرَّرَت لأهل السنة، لأنهم ينقلون الأخبار والآثار عن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم، ولا يدخل في تلك الجملة من يطعن في الصحابة من الخوارج والروافض، ولا من قال من القدرية: إن شهادة اثنين من أهل صفين غير مقبولة على باقة بقل، ومن ردهم وطعن فيهم لا يكون متابعا لهم ولا ملابسا بسيرتهم.
 – ومنها: ما جاء في رواية أخرى أنه سئل عن الفرقة الناجية فقال:(الجماعة)، وهذه صفة مختصَّةٌ بنا، لأن جميع الخاص والعام من أهل الفرق المختلفة يسمونهم أهل السنة والجماعة، وكيف يتناول هذا الاسم الخوارج وهم لا يرون الجماعة، والروافض وهم لا يرون الجماعة، والمعتزلة وهم لا يرون صحة الإجماع، وكيف تليق بهم هذه الصفة التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومنها: أنهم يستعملون في الأدلة الشرعية كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة والقياس، ويجمعون بين جميعها في فروع الشريعة، ويحتجُّون بجميعها، وما من فريق من فرق مخالِفيهم إِلاَّ وهم يردُّون شيئا من هذه الأدلة، فبانَ أنهم أهل النجاة باستعمالهم جميع أصول الشريعة دون تعطيلِ شيءٍ منها.
ومنها: أن أهلَ السنة مجتمعون فيما بينهم، لا يكفِّر بعضهم بعضاً، وليس بينهم خلافٌ يوجب التبريء والتفكير[ولعله:التكفير تبعا لسياق الكلام] فهم إذاً أهلُ الجماعة قائمون بالحق، والله تعالى يحفظ الحقَّ وأهلَه، كما قال تعالى:﴿ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾[سورة الحجر/الآية:9]، قال المفسرون: أراد به الحفظ عن التناقض[في نسخة أخرى:التناقص، ولعله المقصود]، وما من فريق من فرق المخالفينَ إلا وفيما بينهم تكفير وتبريء، يكفر بعضهم بعضا كما ذكرنا من الخوارج والروافض والقدرية، حتى اجتمع سبعة منهم في مجلس واحد فافترقوا عن تكفير بعضهم بعضا، وكانوا بمنزلة اليهود والنصارى حين كفر بعضهم بعضا، حتى قالت اليهود:﴿ ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء﴾[سورة البقرة/الآية:112]، وقال الله سبحانه وتعالى:﴿ ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا﴾[سورة النساء/الآية:81].
– ومنها: أن فتاوى الأمة تدور على أهل السنة والجماعة، فريقي الرأي والحديث، ومعظم الأئمة ينتحلون مذهَبهم، ويجتمعون على طريقِهم، وهو الغالبُ على بلاد المسلمين، فهم إذاً أهل الجماعة من سائر الوجوه، وكلهم متفقون على ردِّ مذهب الروافض والخوارج والقدرية، من أهل الأهواء والبدع.
ومنها: أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير قوله سبحانه وتعالى:﴿ يوم تبيض وجوه وتسود وجوه﴾[سورة آل عمران/الآية:106]، إن الذين تبيضُّ وجوههم هم الجماعة، والذين تسود وجوههم هم أهل الأهواء، وأهل الأهواء هم الذين لا يتابعون الكتاب ولا السنة، ومنه قوله تعالى:﴿إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء﴾[سورة الأنعام/الآية:160]، فتبين أن الذين فارقوا دينهم [وفي نسخة: فرقوا دينهم] هم ليسوا على طريق الحق، وجميع من ذكرناهم من فرق المخالفين يفرقون فيما بينهم، كما وصفناه من اختلافهم، فبانَ به أنهم مفارقون للدين، وأهل السنة والجماعة متمسكون[وفي نسخة:به] بعروة الإسلام وحبل الدين، مجتمعون في أصولهم غير متفرقين، فكانوا هم أهل النجاة دون من خالفهم في هذه الصفة».

[من كتاب:”التبصرة في الدين” وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين-

تأليف: أبي المظفر شاهفور بن طاهر بن محمد الأسفراييني-(ت:471هـ)-

دراسة وتحقيق: الدكتور مجيد الخليفة-دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع-

بيروت/لبنان-الطبعة الأولى/2008- ص:416-417-418]

 


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق