وحدة الإحياءدراسات وأبحاث

في ضرورة وصل نشأة الفكر الفلسفي اليوناني بالحضارات الشرقية

إن كان لا خلاف على وجود فلسفة لدى اليونان، فإن الاستفهام الذي يشكل منطلق اختلافنا مع أطروحة النزعة المركزية، يخص طبيعة هذا الوجود وكيفية حدوثه وتكوينه:

هل كان “نشأة مبتدئة” أم “نشأة مستأنفة”؟

أو بلفظ آخر: هل بدأت الفلسفة في الظهور داخل السياق اليوناني، أم أن ظهورها فيه كان “نشأة مستأنفة” لصيرورة تطور فكري سابق ينبغي تتبع خيوطه في مسارات تنقلنا خارج المدار الجغرافي اليوناني؟

لنبدأ أولا بالقول: إن أول من يؤكد “النشأة المستأنفة” أي أطروحة الوصل هم أصحاب الشأن أنفسهم؛ أي فلاسفة اليونان الأوائل. وقد كان أولى بمؤرخي المركزية الأوروبية الذين تحدثوا عن الطبقة الأولى من فلاسفة اليونان، على نحو يرجع نشأة التفكير الفلسفي إليهم على نحو مستقل عن أي صلة بالحضارات الشرقية، أن ينصتوا قليلا إلى ما يقولوه هم أنفسهم في وصف مصادر تكوينهم الفكري.

أولا: شهادات الفلاسفة الأوائل

يروي الفيثاغوري/الأفلوطيني “جامبليك” في سرده لسيرة “فيثاغور” أن هذا الأخير سمع “بطاليس الملطي”، فذهب إليه ليتعلم منه علم الرياضيات، ومكث معه يتعلم، فلما أعجب به طاليس، قال له إذا أردت أن تتعلم الرياضيات حقا وتصير حكيما مثلي، فعليك الذهاب إلى مصر؛ لأنني منها تعلمت الرياضيات. وأشار عليه، على وجه أخص، بالذهاب إلى علماء “ممفيس” و”ديوسبوليس”. وقد استجاب فيثاغور إلى نصيحة طاليس فرحل إلى مصر وبقي فيها مدة اثنين وعشرين عاما[1].

وقبل “جامبليك”، أشار “إيزوقراط” إلى أن “فيثاغور” جاء بالفلسفة من  مصر، حيث يقول: “إن فيثاغور الساموسي، تتلمذ على المصريين، فكان أول من أدخل الفلسفة إلى اليونان[2].”

وفي كتاب الجمهورية يقول أفلاطون  إن: “طاليس… تلقى تعليمه على الكهنة المصريين[3].”

وحتى “ديوجين اللايرسي”، الذي ينافح عن ابتداء الفلسفة مع طاليس، نجده مرغما، بعد أن لم يجد لطاليس معلما داخل اليونان، على أن يشير إلى أنه تعلم خارج اليونان؛ (أي في مصر)، يقول ديوجين: “لم يكن لطاليس معلم، باستثناء أنه خلال مقامه بمصر صاحب الكهنة[4].”

وعند بلوتارك ثمة نص ثمين بالنسبة لموضوع بحثنا هذا، حيث لا نجده يكتفي بالإشارة إلى تعلم فلاسفة اليونان الأوائل من الحضارات الشرقية، بل نجده يذكر أسماء حكماء مصريين علموا اليونانيين. يقول بلوتارك (50-125م): “هذا ما أجمع عليه أكثر حكماء الإغريق، سولون، طاليس، أفلاطون، أودوكس، فيثاغور… ليسورغ نفسه، زاروا مصر واتصلوا بالكهنة. ويقال بأن أودوكس تتلمذ على كونيفيس من ممفيس، وسولون تتلمذ على سونشيس السايسي، وفيثاغور على أوفيس الهيليوبوليتاني[5].”

وعند أرسطو نجد إشارة صريحة إلى أن ديموقريطس استلهم نظريته الذرية من الهند. كما يتحدث هيرودوت في تاريخه عن الأثر الفينيقي في الكتابة اليونانية. إضافة إلى تأثير حضارات ما بين النهرين…

وكل هذه الإشارات وغيرها تتضافر لتؤكد أن حضارة اليونان لم تكن مفصولة عن سياقها التاريخي والجغرافي، بل بفعل كونها حضارة نشأت على الماء، وتطورت لديها الملاحة التجارية تطورا بالغا، فإنها كانت مدفوعة نحو الاتصال والتفاعل مع الحضارات الشرقية التي جاورتها وسبقتها إلى بلورة العلوم والمعارف.

إذن، لم يكن مؤسسو الفكر الفلسفي اليوناني منعزلين عن حضارات الشرق، بل إن الشواهد التاريخية، حتى إذا شككنا في ضعف سند أحدها، فإنه يعزز بغيره، تؤكد أن هؤلاء الذين يقال إن الفلسفة بدأت بهم، تتلمذوا على الفكر الشرقي ونهلوا منه.

وكل هذه الشواهد والنصوص القديمة تجعل من نظرية الوصل أكثر مصداقية من نظرية الفصل. ولمزيد توكيد لابد من التوقف للنظر في الأثر الحضاري الشرقي في نشأة الفكر الفلسفي اليوناني، وهنا نكتفي ببيان أثر حضارات ثلاث هي: الحضارة المصرية، والهندية، والفينيقية. لكن، توسيعا للصورة واستكمالا لها، لابد أن نشير في البدء إلى وجود مؤثرات حضارية أخرى كالمؤثر الفارسي. ويكفي لتوكيد ذلك ما أشار إليه تلميذ أفلاطون يودكسوس الكندوسي عندما قارن بين الزرادشتية وفلسفة أستاذه. وداعي المقارنة هنا هو ذلك التشابه الملحوظ بين فلسفة الثنائية التي يرتكز عليها الفكر الزرادشتي والثنائية الأفلاطونية. وفي سياق البحث عن مصادر الثنائية الأفلاطونية، وكذا الفيثاغورية، يذهب أيضا المؤرخ جثري نحو تعميق البحث في الفكر الفلسفي الصيني، التي تبدأ لائحته الثنائية بـ”اليانج/ين[6].”

لكن إذا كان من الممكن توكيد الصلة بين فارس واليونان باعتبار الجوار والصدام العسكري المتكرر، فإننا لا نطمئن لأخذ الصلة بين الفكر الصيني والفكر اليوناني مأخذا دون تشكيك. فالبحث التاريخي لا يتوافر له، في حدود مطالعاتنا، من الوثائق ما يكفي لتوكيد تلك الصلة، أو حتى تغليب الظن لفائدة وقوعها. لكن بالنسبة للحضارات الثلاث الأخرى التي سلف أن ذكرناها؛ أي المصرية، والفينيقية، والهندية، فالصلة بينها وبين اليونان تستحق أن نقف عندها بتأن لتحليلها وبيان تعالقاتها؛ لأننا نعتقد أن ذلك شرطا رئيسا لفهم نشأة الفكر الفلسفي اليوناني.

ثانيا: الأثر المصري في نشأة الفلسفة اليونانية

في تحليل الأثر المصري في نشأة التفكير الفلسفي لدى اليونان، تقوم أطروحة الفصل المحكومة بعقدة المركزية الأوروبية، بنفي التاريخ، وليس استحضاره. وهنا يبدو ضعفها واختلال أساسها. فلنأخذ مؤقتا بفرضية الفصل، لنخلخل بناءها بافتراض شرط صحتها، وعملية الخلخلة هذه تقوم عندنا على استحضار ما تغيبه وتنفيه أي التاريخ، هذا الذي تزعم أنها تؤرخه وتعلل وقائعه، فنقول:

تصح أطروحة المركزية الأوروبية لو:

1.  أن الحضارة اليونانية ونتاجها الفلسفي بدأ مبكرا بالقياس إلى بدء حضارات الشرق. لكن الواقع التاريخي لا يمكن أن يؤسس لشرط الصحة هذا. فإذا قارنا التوقيت الزمني لبدء الحضارة اليونانية بالتوقيت الزمني لبدء الحضارة المصرية مثلا، سنجد فارقا زمنيا هائلا: “فالتاريخ المكتوب للحضارة المصرية القديمة مثلا يعود إلى حوالي القرن الأربعين قبل الميلاد بينما لم تعرف بلاد اليونان الحضارة إلا منذ حوالي القرن العاشر قبل الميلاد[7].”

وتصح أطروحة المركزية الأوروبية لو:

2.  أن هذا السبق الحضاري ظل محصورا في سياقه الجغرافي على نحو منعزل عن اليونان، فيكون ابتداء حضارة الإغريق بدءًا ذاتيا مستقلا عن أي تأثر. والواقع عكس ذلك تماما؛ لأن اليونان لم يكونوا يملكون ما يسد حاجتهم؛ إذ بفعل التضاريس الوعرة لم يتوسع النشاط الزراعي بشكل يكفيهم. وبفعل كون الجغرافية اليونانية عبارة عن جزر بحرية، فقد تطورت لديهم الملاحة التجارية بما تعنيه من تكثيف الاتصال بشعوب الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط؛ حيث كانت رحلات اليونان إلى مصر جد مكثفة.

وكانت أطروحة المركزية الأوروبية ستصح لو:

3. كان الاتصال بين اليونان ومصر مجرد تعالق اقتصادي محدود في تبادل البضائع والسلع التجارية. لكن المؤكد في قراءة تواصل الشعوب، أن التبادل لا ينحصر في مستوى البضاعة التجارية، بل عبرها ومن خلالها يتم تناقل السلع الفكرية أيضا.

وكان من الممكن لصاحب أطروحة المركزية الأوروبية أن يزيف واقعة انتقال السلع الفكرية  لو:

4. كان للإغريق وقت نشأة الفلسفة إرث فكري يمكن أن يجعلهم معتزين بذاتهم الثقافية، ومستشعرين شيئا من الاستعلاء يمنعهم من التأثر والتتلمذ على المصريين والأخذ عنهم. والحال أن التاريخ لا يمنح لداعي هذه الأطروحة ما يسمح له بإعلان وتوكيد هذا الزعم. فحتى المتن الفلسفي اليوناني يُظهر إعجابا بالثقافة المصرية إلى حد استصغار الذات اليونانية في مقابلها.

وكان من الممكن لداعي أطروحة المركزية أن يبرر موقفه القائل بالنشأة الابتدائية المستقلة للتفكير الفلسفي لدى اليونان، لو:

5. أن أوائل فلاسفة الإغريق، الذين بدأت بهم الفلسفة في السياق الأوروبي، لم يزوروا مصر ولم يتواصلوا مع حضارتها.  لكن الواقع التاريخي لا يمنح لهذا الداعي هذه الفرصة، حيث تواتر، في المتون والنصوص القديمة، سواء منها المتن التاريخي أو الفلسفي، القول بأن فلاسفة اليونان لم يزوروا مصر فقط، بل تتلمذوا على مدارسها الفكرية. إذ يروي هيرودوت أن “أكثر الفلاسفة السابقين على عصر سقراط قد زاروا مصر وأخذوا عن كهنتها علوم الرياضة والهندسة والفلك ومن هؤلاء طاليس وفيثاغور  وديمقريطس وأفلاطون الذي تفيض كتابته عن مصر بالكثير من الإعجاب… وكذلك يشهد أرسطو بأن علوم الرياضة قد نشأت في مصر حين توفر لكهنتها الفراغ الضروري للتفكير النظري[8].”

وطاليس الذي يقال: إن به ومعه ولدت الفلسفة كان من الذين زاروا مصر وتتلمذوا على مؤسساتها الفكرية. وقد أشرنا من قبل إلى روايات مؤرخين وفلاسفة قدماء أمثال أفلاطون وجامبليك، وحتى ديوجين اللايرسي، الذي ينافح عن ابتداء الفلسفة مع طاليس نجده يقول: إن طاليس تلقى علمه في مصر.

وفيثاغور الذي يقال إنه نحت كلمة الفلسفة، وإن كنا نشكك في نسب تركيب لفظ الفلسفة إليه انظر مبحثنا الأول، نجد روايات عديدة، أشرنا إليها من قبل، تؤكد زيارته لمصر وتتلمذه على كهنتها، مثل روايات إيزوقراط، وجامبليك، وبلوتارك… وغيرهم.

بل “أفاد ديوجين أن علاقة صداقة  جمعت بين بوليكراتيس من جزيرة ساموس وبين ملك أماسيس ملك مصر، وأن بوليكراتيس سلم فيثاغور رسائل ليقدم بها نفسه إلى الملك الذي قدمه بدوره إلى الكهنة، أولا إلى كاهن هليوبوليس، ثم إلى كاهن ممفيس، وأخيرا إلى كهنة طيبة. وقد أهدى فيثاغور إلى كل منهم كأسا ذهبية[9].”

ويورد هيرودوت طقوسا خاصة خضع لها فيثاغور لكي يستحق الانتماء إلى المدرسة المصرية:

“وقيل… على لسان هيرودوت وجابلونسك وبلينى أنه بعد أداء اختبارات عديدة من بينها الختان الذي فرضه عليه الكهنة المصريون أجيز له أخيرا الانضمام إلى جميع أسرارهم. وتعلم أيضا مذهب التقمص الروحي وهو مذهب لم يكن له أي أثر قبل ذلك في الديانة اليونانية. وعرفنا كذلك أن معارفه في مجال الطب والتزامه بنظام غذائي له قواعد صارمة، كل هذا مايزه عن غيره باعتبار أنها أمور تخص مصر التي بلغ الطب فيها شأوا عظيما لا يدانيه أي مكان آخر. واكتسب معلومات في مجال الهندسة تتطابق مع حقيقة مؤكدة أن مصر مهد ذلك العلم. ولدينا زيادة على هذا آراء وأخبار بلوتارك وديمتريوس وأنتيستين الذين قالوا إن فيثاغور أسس علم الرياضيات بين اليونانيين وأنه قدم فدية إلى ربات الفنون عندما شرح له الكهنة خصائص المثلث قائم الزاوية[10].”

والتدقيق في النظرية الفلسفية المنسوبة إلى فيثاغور وقوانين المدرسة التي أسسها  يدفعنا إلى القول بوجود قرابة وتشابه كبيرين بين الفكر الفلسفي الفيثاغوري ونظام الأسرار المصري. فبالنظر إلى طقوس المؤسسة الدينية المصرية، التي كانت محضن التفكير العلمي والديني، يمكن القول بأن فيثاغور لم ينقل إلى اليونان الفكر الرياضي والعلمي فقط، بل نقل أيضا مجمل نظام هذه المدرسة.

وهنا ينبغي تحفيز البحث التاريخي في علاقة المؤسسة الدينية المصرية بالتوجهات الدينية والفلسفية اليونانية، حيث أن كثيرا من الملامح تُظْهِرُ أنه لم يكن ثمة تأثر فقط، بل تبعية. فمعبد دلفي الذي كان شعاره هو نفسه شعار الفلسفة السقراطية اعرف نفسك، وكانت كاهنته هي التي قالت بأن أعلم اليونانيين هو سقراط، يبدو أنه لم يكن مؤسسة دينية يونانية؛ بل كان اليونانيون ينظرون إليه بوصفه “مؤسسة أجنبية”، ولعل هذا ما يفسر إقدامهم على إحراقه. ولما أحرق المعبد ودمر، لم يفلح أعضاء المعبد في جمع التبرعات لإعادة بنائه، حيث بخل اليونانيون عليهم، فلم يجد هؤلاء من سبيل سوى طلب المساعدة من أحمس ملك مصر!

بل حتى تصورات الوجود لدى اليونان فيما قبل الفلسفة، نجدها موصولة بالأثر الشرقي المصري. فالعقيدة الدينية الأورفية في كثير من مفاهيمها وطقوسها مأخوذة من الديانة المصرية القديمة، على ما يقول هيرودوت و بلوتارك.

وإذا حللنا الرؤية إلى العالم سواء في المتن الأسطوري اليوناني عند هيزيود، أو في أول تمظهر فلسفي مع طاليس، نلحظ أن ثمة قرابة مع الرؤية إلى العالم كما تبلورت في الديانة المصرية:

فمن حيثية فكرة التيوغونيا؛ أي تفسير النشأة والانتظام في مملكة الألوهية والكون نلحظ أن أول “محاولة فكرية إنسانية لتفسير نشأة الكون والآلهة، وتوضيح أنساب هذه الآلهة أو مذهب شامل، ترجع تقريبا إلى مفكري مدينة أونو أو هليوبوليس  في تاسوعهم المشهور، و قد تلت هذه محاولات مذهبية أخرى لعل أهمها مذهب منف Menphis الذي اتخذ من الإله بتاح خالقا، ومذهب الأشمونيين الذي استبدل الثامون بالتاسوع، وجعل الإله تحوت على رأس هذا الثامون. وفي هذه المذاهب جميعا يمكننا أن نرصد فكرة واحدة مهيمنة، هي عملية رد الآلهة جميعا إلى إله واحد، خلقهم وخلق معهم الانسان والكون وسائر الموجودات.

هذه الفكرة المصرية، نجدها تظهر عند اليونان بشكل واضح، لدى هيزيود خاصة الذي جرى على النسق المصري في ثيوجينياه التي يقول فيها في البدء كان الخاوس؛ أي الخلاء… ويستمر هيزيود فيبين كيف نشأ الليل الحالك من الخاوس، ثم كيف نشأت الأرض والسماء وسائر المخلوقات، وتظل تتوالد الأشياء حتى يصل بنا هزيود إلى زيوس الذي أنجبه كرونوس من ريا…

وقد نلاحظ بعض الاختلاف في تفاصيل نشأة الكون والآلهة، بين قدماء المصريين وهزيود، فبينما نجد أن هزيود يبدأ من العماء أو الخاوس، نجد البداية عند مفكري أونو هي النون أو المحيط الأزلي، وكذلك الحال في مذهب الأشمونيين. غير أن هذه الاختلافات التفصيلية لا تنفي أن الفكرة الأساسية واحدة، وأن المحاولتين تستندان إلى أساس واحد. وعلى أية حال فإن الماء الذي اتخذه المصريون بداية للخليقة، سيظهر أثره على مفكر آخر هو طاليس الملطي الذي قال بأن الماء هو أصل الموجودات جميعا[11].”

كما أن جوهر فلسفة أناكسيمندر؛ أي فكرة الـ”أبيرون” أو اللانهائي نجد لها أصولا مصرية، “ففي نصوص الأهرام يخاطب الملك إله الشمس قائلا: إن اسمك هو اللانهائي، وفي هذه النصوص نفسها، نجد أيضا فكرة رد الخليقة إلى الماء[12].”

وثمة تشابه بين المذهب الأشموني وبين التفكير الديني اليوناني فإذا قارنا “النص الأشموني بالنصوص الأورفية لوجدنا تماثلا فيما يتعلق بالعناصر الأولى للوجود وتسلسل الخليقة…[13].”

وفي الفلسفة الأخلاقية لابد أن نلاحظ  أن فكر بتاح حوتب عاش حوالي 2700 ق م الذي تتمحور أخلاقيته حول وجوب ضبط الشهوات وإعطاء الأولية للعقل على الهوى، يتشابه مع الفكر الأخلاقي لسقراط وأفلاطون، وهيراقليطس… وإن كانت الفكرة بحد ذاتها متداولة في مختلف الأنساق الحضارية القديمة.

كما أن فكرة الوحدانية التي أعلنها أخناتون يمكن أن نجد لها شبيها في نصوص بعض الفلاسفة اليونانيين الذين دافعوا عن وحدانية الإله ورفضوا التعدد الوثني. وما يعزز هذا الافتراض هو أن مدينة “أخيتاتون” التي بناها أخناتون “في تل العمارنة ليعبد فيها الإله الواحد… كان بعض المؤرخين يرجح أنه كانت هناك جالية مسينية وهم من سيعرفون فيما بعد باليونانيين موجودة في منطقة العمارنة التي استقر فيها أخناتون. فمن المرجح أن أفكاره قد انتقلت منهم أو عبرهم إلى بلاد اليونان في آسيا الصغرى مباشرة أو عبر كريت التي كانت تلعب في ذلك الوقت دور الوسيط بين مصر وبلاد اليونان[14].”

لكننا لا نريد بما سبق أن نقوم برد فعل معاكس، ينفي عن اليونان كل أصالة وإبداع في مجال التأسيس للفكر الفلسفي، كما كان شأن تلك المحاولة المختلة التي قام بها جورج. جي.إم. جيمس، الذي زعم أن “الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقة![15]“؛ فالموقفان معا، سواء ذاك الذي ينطق بمنطق المركزية الأوروبية، أو هذا الذي يزعم أن كل المنجز الفلسفي اليوناني مسروق من مصر، يفتقران إلى البصيرة المنهجية المتوازنة في قراءات الحضارات ونواتج النظر والتفكير.

إن الأطروحة البديلة التي نريدها هي تلك التي تصل الفكر اليوناني بأصوله، مع الحرص على تقدير إضافته.

ومن ثم فما نريد قوله هو ما تقوله النصوص الفلسفية اليونانية ذاتها؛ أي أن ثمة اتصالا لا انفصالا بين الإغريق والمصريين، وهو الأمر الذي يؤكد أن هناك تأثيرا للفكر المصري القديم في الفلاسفة الأوائل. وهو التأثير الذي نعتقد أن إغفاله يشكل إعاقة معرفية لتأسيس قراءة تاريخية صحيحة قادرة على فهم  وتعليل ظهور التفكير الفلسفي في السياق الأوربي.

ثالثا: الأثر الفينيقي في نشأة الفلسفة اليونانية

لاحظنا من قبل أن سؤال نشأة الفلسفة عند اليونان، لا يمكن أن يجاب عنه إجابة معقولة دون استحضار عواملها وأسبابها، التي تختزلها علاقات التواصل التي ربطت العالم اليوناني القديم بالشرق. ومن بين أهم العوامل التي كان لها دور مهم في عملية النشأة، عامل يتم تغييبه من قبل دعاة المركزية الأوروبية، بينما نراه عاملا حاسما في بروز الفكر الفلسفي اليوناني، وهو تطوير الأبجدية اليونانية. يقول جون بيير فرنان:

“لكي يتحدد مجال الأسطورة بالنسبة للمجالات الأخرى داخل عملية التقابل بين الميثوس واللوغوس اللذان أصبحا منفصلين ومتواجهين، وترتسم صورة الأسطورة الخاصة بالعصر الإغريقي الكلاسيكي، لكي يتم ذلك التحديد كان لزاما توافر مجموعة من الشروط تفاعلت فيما بينها ما بين القرن الثامن والرابع  قبل الميلاد وأدت إلى إحداث ابتعادات وقطائع وتوترات داخلية في العالم الذهني الإغريقي.

إن أول عنصر يجب أخده بعين الاعتبار في هذا المستوى هو انتقال التفكير من التقليد الشفوي إلى أنواع متعددة من الأدب المكتوب..[16].”

يشير فرنان في هذا النص إلى مسألة مهمة تتعلق بتزامن نشأة الفلسفة مع انتقال اليونان إلى الكتابة. فإذا نظرنا إلى توقيت النشأة سنلاحظ أنها جاءت لاحقة للحظة تطور نوعي في النظام اللغوي الإغريقي. وبما أن ظهور الفلسفة اليونانية ارتهنت بتطور النظام اللغوي، فلابد هنا، ضدا على نزعة المركزية الأوروبية، من استحضار الفضل الفينيقي؛ إذ كان إسهام الحضارة الفينيقية حاسما في تطوير ذلك النظام اللسني؛ فمعلوم “أن الكتابة الأبجدية قد ابتكرت من قبل الفينيقيين في مطلع (الألف الأول ق. م)، وأنها انتقلت إلى اليونانيين في نحو (القرن الثامن أو السابع  ق. م)، وأن هؤلاء الأخيرين قد استغرقوا قرنا آخر من الزمن قبل أن يطوروها ويضيفوا إليها الحروف الصوائت التي تحتاجها كتابة لغتهم ؛إذ أن الفينيقية، ككل اللغات السامية، لا تعرف سوى الصوامت، فلنا أن نقدر أن اللوغوس ما كان له أن يعلن عن ظهوره قبل (القرن السادس ق. م)،  وذلك هو القرن عينه الذي تهجى فيه طاليس بأول حروف الفلسفة[17].”

وبما أن الفينيقيين من الجنس السامي، فلم تكن هذه الصلة المفسرة لتطور النظام اللغوي اليوناني، ترضي أصحاب المركزية الغربية العرقية؛ لذا نجدها عند تحليلها للحظة النشأة تسكت عنها قصدا. لكن لا شأن لنا بصمت المركزية الأوربية، ويكفينا أن الإغريق القدامى أنفسهم نطقوا معترفين:” بمديونيتهم تلك للفينيقيين، سواء تصريحا بلسان هيرودوتس التاريخ، ك5،ف58، أو ضمنيا من خلال احتفاظهم من الأبجدية الفينيقية بأشكال حروفها وترتيبها وأسماء رموزها”[18].

يقول هيرودوت متحدثا عن اليونان” لقد استعاروا حروفهم من الفينيقيين الذين علموهم إياها، واستعملوها بعد تعديل طفيف، وإذ استعملوها أطلقوا عليها كما هو حق – نظرا لأن الفينيقيين هم الذين أدخلوها إلى اليونان – اسم فوينيقيا phoinikeia “[19].

رابعا: الأثر الهندي في نشأة الفلسفة اليونانية

وفيما يخص أثر الحضارة الهندية؛ لابد من الإشارة إلى أن الفكر الفلسفي الهندي ظل لمدة طويلة قابعا في هامش القراءات والموسوعات التي تسعى إلى وصف تاريخ الفكر. ورغم الانتماء العرقي الآري للهند، فقد همشتها المركزية الأوربية، مثلما همشت النتاجات المعرفية لغيرها من الحضارات؛ لأنها ظلت مشغولة بالتأسيس للمعجزة اليونانية، جاعلة من السياق اليوناني مبتدأ التفكير الفلسفي والعلمي، ومن كل ما لحقه من نتاج حضاري، حلقة في سلسلة صيرورة متصلة بهذا السياق، ومنبثقة عنه تحديدا.

في إطار هذه النظرة يندرج موقف أحد زعماء المركزية الأوروبية “دي بور”، في كتابه “تاريخ الفلسفة في الإسلام”، الذي يقول بلغة استعلائية ساخرة: “أما  الفلسفة فلا ريب في أنها من ثمار العقل اليوناني، وما يكون لنا أن نُسّاير روح العصر، فنجعل لآراء نساك الهند المتصلة بلبن البقر مكانا من كتابنا أكبر مما ينبغي لها[20].”

بل رغم الإسهام المعرفي المتميز للهند في مجال الرياضيات، واقتدارهم الفريد على تمثل مفهوم بالغ التجريد؛ أقصد مفهوم العدم، وصياغته رياضيا، بابتداع رقم “الصفر” الذي سيكون من أهم شروط تطوير الجبر، نجد “دي بور” يقول بكل تعال: “ونكاد لا نجد هنديا واحدا نفذ عقله إلى إدراك الرياضيات البحتة؛ بل بقي العدد عندهم على الدوام شيئا ماديا حسيا، مهما بلغ في الكبر[21].”

فلننظر إلى هذا السياق الحضاري الهندي لتحديد نوعية علاقته بمدار السياق اليوناني، لتقييم خصوصيته الفلسفية. والهاجس الذي يوجهنا هنا يمكن صياغته استفهاميا بسؤالين اثنين:

  1. هل كان الفكر الفلسفي الهندي مؤثرا أم متأثرا بالفكر اليوناني؟
  2. هل كان موصول الصلة به أم مقطوعها؟

قد يلاحظ القارئ أننا صغنا التساؤلين السابقين بجدل التأثر والتأثير بين الفكرين الفلسفيين الهندي واليوناني، والحقيقة أن هذه الصياغة يفرضها توقيت النشأة. حيث أن بداية الفلسفة الهندية متزامنة مع بداية الفلسفة اليونانية، وحتى إذا قلنا بالسبق الهندي فلا ينبغي أن يذهب إلى أكثر من قرن أو قرن ونصف،على اعتبار أن كتب اليوبانيشاد والرسائل البوذية والجاينية كلها ترجع إلى القرنين السابع والسادس ق. م.

ومن الملحوظ أن دعاة المركزية الأوروبية لما نظروا إلى الفكر الفلسفي الهندي راعهم وجود خصائص فلسفية رصينة، فتعلقوا بهذا التزامن التاريخي ليقولوا بناء عليه إن الفلسفة الهندية هي التي نقلت وتأثرت بالفلسفة اليونانية وليس العكس.

لنأخذ كنموذج على ذلك موقف أحد المنافحين عن دعوى المعجزة اليونانية، جون برنت، الذي يقول: “إننا لا يمكن أن نتحدث عن فلسفة لدى المصريين أو البابليين، أما الذين يمكن أن ننسب لهم فلسفة من القدماء فهم الهنود. ولكننا على الرغم من ذلك لا يمكن أن نرجع الفلسفة اليونانية إلى الهنود، بل الأقرب إلى الحقيقة أن نقول إن الفلسفة الهندية هي التي تأثرت بالفلسفة اليونانية[22].”

إن برنت بهذا الحكم الجازم يتناسى أن اليونان، باعتبارهم شعب الملاحة  التجارية، هم الأكثر تنقلا وسفرا، ومن ثم إذا جاز له توكيد الاتصال بين الفلسفتين اليونانية والهندية، فإن التأثر سيكون أكثر لدى الشعب المتنقل اليونان لا الشعب المستقر في جغرافيته الهند.

بيد أننا، إذ ننتقد موقف برنت، لا نقول بأن الفلسفة الهندية لم تتأثر باليونانية، بل موقفنا كما سنبينه بوضوح لاحقا، هو وجود جدل التأثر والتأثير بينهما نتيجة تواصلهما وتزامن نشأتيهما.

كما أن ما يدفعنا إلى التشكيك في موقف برنت هو النص الفلسفي اليوناني القديم نفسه، حيث يؤكد وجود التأثر والاستفادة من الهند. مثال ذلك ما قاله أرسطو عند تحليله لمصادر فلسفة ديموقريطس، حيث أشار إلى أنه جاء بالنظرية الذرية من الهند. وحتى أرسطو نفسه لا نستبعد أن يكون قد استفاد من المنطق الهندي، إذا أخذنا برأي المؤرخ الألماني “جورس” الذي يقول بأن الإسكندر اقتنى بعد غزوه الهند “بعض المصنفات في الفلسفة والمنطق وأرسلها إلى أستاذه أرسطو[23].”

كما أن الشبه كبير جدا بين مبادئ الفلسفة الفيثاغورية والفلسفة الدينية الهندية، وما يعزز القول بتأثر فيثاغور بالفكر الهندي، الإشارات التاريخية رواية أبولائيوس مثلا القائلة  بأنه زار الهند ودرس على البراهمة.

والواقع أن التشابه كبير بين كثير من مبادئ فلسفة الأوبانيشاد ومرتكزات الموقف الفلسفي الفيثاغوري والأفلاطوني، فيما يخص النفس والرؤية إلى الوجود، فنظرية “التناسخ” أو “سامارا” بالتعبير الهندي  حاضرة عند الفيثاغورية، وكذا في المتن الأفلاطوني، وخاصة في محاورته “فيدون”، حيث سيرفض أفلاطون المعتقد الهوميري القائل بفناء النفس في الـ”هادس”، ويأخذ بالمعتقد الهندي القائل بالتناسخ.

 كما نجد في المتون الفلسفية اليونانية إشارات تثبت حضور مفكرين هنود إلى اليونان، لكن هذه النصوص ذاتها لا يمكن أن تكون إثباتا لوجهة النظر القائلة بأن الفلسفة الهندية هي فقط التي تأثرت بالفلسفة اليونانية؛ لأنها لا تقدم حضورهم بوصفه تلمذة، بل حضور نقاش وجدال؛ أي أنها تؤكد لقاء منظومة فكرية بمنظومة أخرى، وليس لقاء التلمذة بالأستاذية. لنأخذ مثلا ما رواه أريستوكسنيوس التارينتي الذي يتحدث عن حوار جرى  بين حكيم هندي وسقراط عندما سأله الهندي: “إنك تدعو نفسك فيلسوفا، فبماذا تشتغل؟”.

فأجاب سقراط بأنه يدرس الشؤون البشرية. فأخذ الهندي يضحك قائلا: “إنه يستحيل على المرء أن يفهم الشؤون البشرية ما لم يدرك الشؤون الإلهية أولا[24].”

ورغم أننا لا نريد أن نحمل هذا النص فوق ما يحتمل، فإنه رغم جزئيته يكشف عن وجود اتصال، بل حوار مع الفكر الهندي بلغ مرتبة الجدل والنظر النقدي. وهو ما يمكن أن يعزز فرضيتنا بكون الفكر الفلسفي اليوناني كان على تماس مع هذا الفكر ومطلعا عليه. وهذا ما يدفعنا إلى الافتراض بأن الفلسفة اليونانية تجاذبت علاقات مثاقفة مع الفكر الهندي.

إضافة إلى ذلك فإن سياق المقارنة بين تطور الفكر المنطقي في الهند، والمنطق اليوناني، يدفع إلى الافتراض بأن المنطق الرواقي اليوناني لا يستبعد أن يكون قد تأثر بالمنطق الهندي.

وقد لاحظ الفيلسوف اليوناني “كليمنت الإسكندري” التشابه الكبير بين مبادئ الفلسفة اليونانية، وخاصة الأفلاطونية، والفلسفة الهندية فانتهى إلى القول بـ”أن اليونان سرقوا الفلسفة من البرابرة”. ولفظ البربر، كما أشرنا من قبل، يطلق في النص اليوناني القديم على الشعوب غير اليونانية.

إن حديث النصوص التاريخية القديمة عن زيارة كبار فلاسفة اليونان إلى الهند أمثال فيثاغور وديموقريطس وأنكساغورس… كلها إشارات تشكك في أطروحة الفصل، وتؤكد نقيضها. وهو التوكيد الذي يمكن أن نعززه بما ذهب إليه شوبنهور عندما أعلن صراحة أن فيثاغور وأفلاطون انتحلا الكثير من الأفكار الفلسفية الهندية.

ولقد بَيَّنَا من قبل آلية اشتغال النزعة المركزية الأوروبية، وقلنا أنها تحرص على جعل الفكر الفلسفي اليوناني أصلا بلا أصل؛ ولذا تنحو نحو قطع التأثير الخارجي عنه. وإذا ما رأت فلسفة مجاورة له، فإنها عندئذ تلقي آلية الفصل والقطع، وتستعيض عنها بآلية الوصل. وكأن العقل اليوناني لا يشبه عقول باقي الكائنات البشرية، فلا يليق به أن ينظر أو ينصت إلى فكر آخر ويتأثر به!والواقع أن ما يناسب هذه الصورة التي ترسمها النزعة المركزية الأوروبية لعقلها اليوناني، ليس  غير صورة جمجمة عمياء صماء!

وقد لاحظنا، فيما يخص موضوعنا هنا؛ أي علاقة الفلسفة اليونانية بالهندية، أن هذه المركزية  حريصة على وصل الثانية بالأولى وليس العكس انظر نص “جون برنت” الذي أوردناه سابقا، وقد أشرنا إلى ما يعترض هذا التصور الأورو- مركزي من عوائق نصوص فلاسفة اليونان أنفسهم، واقع الجغرافيا اليونانية التي كانت تلقي بهم رغما عنهم إلى خارج مدارهم للتجارة والتواصل مع غيرهم… لكن رغم كل ذلك فإننا نحترس من أن نقع في بديل للنظرة الأورو- مركزية يكون من نفس طينتها؛ أي يشتغل بآلية وصل معكوسة. حيث نعتقد أن سياق نشأة التفكير الفلسفي اليوناني والهندي هو سياق جدل التأثر والتأثير بما يفيده من وجود تواصل وتفاعل في الاتجاهين معا. فلسنا مسكونين بوسواس نقيض لوسواس التمركز الأوربي حول أناه، بل نقول إن التأثير هنا جدلي، إنه أقرب إلى صيغة المثاقفة، وليس صيغة التأثير من جانب واحد.

 لكن هذا التأثير المتبادل لا يعني محو خصوصية كل منهما، فالنظر في سياق تطور الفكر الفلسفي الهندي يؤكد أنه احتفظ بخصوصيته. ويكفي هنا أن نشير إلى التطور النوعي للبحث المنطقي. ونحيل هنا على ألكسندر ماكوفلسكي “الذي عمل زهاء عشرين عاما في إعداد كتابه “تاريخ المنطق”[25]“؛ حيث “لا يؤكد  فقط وجود فلسفة هندية، حتى بالمعنى اليوناني للكلمة، بل كذلك وجود منطق هندي لا يقل أصالة و”عقلانية” عن المنطق الأرسطي، كما لا يقل عنه قابلية للتعريف بأنه “علم الفكر” و”علم قوانين العقل” و”علم نظرية المعرفة”[26].”

وإذا نظرنا إلى تطور الفكر الفلسفي الهندي سنلاحظ أنه لا يقل ثراء وتنوعا عما شهدته اليونان، ولقد قدر بعض المؤرخين المذاهب الفلسفية الهندية “بستة عشر مذهبا[27]“. وقد أدى الجدل والصراع بين هذه المذاهب المختلفة “منذ وقت مبكر إلى تطور خارق للمألوف للمنطق ولنظرية المعرفة[28].”

خلاصة القول:

نرى أن تفسير ظهور الفكر الفلسفي عند اليونان لا يصير معقولا إلا بتجاوز التمركز الأوروبي، وذلك بالنظر إلى تأثير حضارات الشرق، التي أكدتها المتون اليونانية القديمة نفسها. وبإغفال هذه الصلة الحضارية بالشرق، يصير ظهور الفلسفة معجزة غير قابلة للتفسير؛ بمعنى آخر إن داعي المركزية الأوروبية لا يزيف ويغطي حقائق التاريخ فقط، بل ينتهي، بسبب ارتكازه على نظرية المعجزة، إلى تقديم الواقعة التاريخية على  نحو لا ينفي فقط إمكان تعليلها، بل ينفي أيضا إمكان فهمها!

الهوامش


[1] .Jean Philippe Omotunde, L’origine négro-africaine du savoir grec, v1, menaibuc, 2000, p.51.

[2]. Philippe Omotunde, op.cit, p.55.

[3]. Ibid, p.56-57.

[4]. Ibid, p.57.

[5]. Ibid, p.100.

[6]. مصطفى النشار، المصادر الشرقية، م، س، ص113.

[7]. مصطفى النشار، مدخل جديد إلى الفلسفة، القاهرة: دار أنباء للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1998، ص27.

[8]. إيميل برهيه، مقدمة تاريخه عن الفلسفة النسخة الفرنسية، عن أميرة حلمي، الفلسفة اليونانية تاريخها ومشكلاتها، القاهرة: دار قباء، 1998، ص26-27.

[9].  جورج. جي. إم، جيمس، “التراث المسروق، الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقة” ترجمة، شوقي جلال، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 1996، ص55.

[10]. المرجع نفسه.

[11]. حسن طلب، أصل الفلسفة، القاهرة: عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، ط1، 2003، ص124-125.

[12]. المرجع نفسه، ص129.

[13]. النشار، المصادر الشرقية للفلسفة اليونانية، م، س، ص 62-63.

[14]. طرابيشي، نظرية العقل، بيروت: دار الساقي، ط1، 1996، ص74-75.

[15]. جورج. جي. إم. جيمس، “التراث المسروق، الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقة”، م، س، ص25.

[16]. Jean-Pierre Vernant, Mythe et société en Grèce ancienne, Paris, François Maspero, 1974, p.196.

[17]. طرابيشي، م، س، ص74-75.

[18]. طرابيشي، م، س، ص75.

[19]. هيرودوت، التواريخ، ك5، ف58، طبعة فرنسية-يونانية مزدوجة، تحقيق وترجمة ف. لوغران، باريس: منشورات الآداب الجميلة، ط3، 1968، ص102-103.  عن طرابيشي، م، س، ص77.

[20].  ت.ج. دي بور، تاريخ الفلسفة في الإسلام، م، س، ص17.

[21].  المرجع نفسه، ص18.

[22] –  J.Burnet, Early Greek Philosophy, London.1949, p.1-30.

[23].  السيد أبي نصر أحمد الحسيني، الفلسفة الهندية، ط1، القاهرة، د. ت، ص8.

[24]. جورج سارتون، تاريخ العلم،ج2، ص71. نقلا عن مصطفى النشار، المصادر الشرقية، م،  س، ص104.

[25]. طرابيشي، م، س، ص103.

[26].  المرجع نفسه.

[27]. المرجع نفسه، ص107.

[28]. المرجع نفسه.

د. الطيب بوعزة

أستاذ التعليم العالي

مركز تكوين المعلمين/طنجة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق