وحدة الإحياءحوارات

في روحانية التدين وأبعاده الجمالية حوار مع الدكتور محمد التّهامي الحرّاق

حاوره خالد محمد عبده  

ينشد الكثيرون اليوم الصوفيَّ الذي يقدر على تفهّم الأديان، والجمع بين الأشتات المتفرقين؛ إذ من خلال فهم التصوف يمكن اعتبار الصّوفيّ المتحقق هو الأقدر على تخطّى الأشكال والوصول إلى الوحدة المرتكزة عليها، كذلك هو الأقدر على اختبار أن عقيدة التوحيد هي دين الحب. ففي مثل واقع الصراع الأيديولوجي الذي أصبح سمة لعصرنا الحالي، يشعر المسلم بالاغتراب؛ خاصة إذا ما أثيرت قضايا تتعلق بما يعتقده من أفكار دينية، أو طرح أحدهم بعض الأفكار التي يراها غريبة عليه، بناءً على ما اعتاد سماعه في بيئته أو فيما يبثه الإعلام من كمّ المعلومات المتضاربة، كيف يوائم بين ما يلقى إليه اليوم من خارج وبين ما ورثه من معارف أو لقّنها تلقينًا.

  من هنا نشأت فكرة حوارنا هذا مع أحد المختصين في الدرس الصوفي.

أولا: الأدب الصوفي

1. لكم اهتمامٌ بحثيٌّ بالأدبِ الصّوفيِّ المعاصرِّ، فمن خلال متابعة ما تُقدِّم للقارئ العربي من مواد تُعنى بالتّصوفِ والإسلاميات نلاحظ عنايتك بنصوص وإبداعات الأستاذ عبد الإله بن عرفة[1]، والتي تمثّلت في الكتاب النقدي حول جماليات السرد بالحديث عن المغامرة الإبداعية العرفانية، فهل يمكن أن تحدثنا عن هذه المغامرة، وعن تجربتكم في خوضها من خلال العَالمِ الثّري الذي يُصرُّ ابن عرفة على إتحافنا بثماره اليانعة كل يوم؟

تعود صلتي بمشروع الرواية العرفانية للصديق والأخ العزيز المبدع عبد الإله بن عرفة إلى بداية الألفية الثالثة، وتعيينًا عند صدور الطبعة الأولى من روايته “جبل قاف” (2002)؛ حيث وجدتني إزاء أفق إبداعي تتواشج فيه الجمالية مع الروحانية في سردية عرفانية عنوانها الفرادة في المسلك والرهان. بالطبع كان هذا الأفق مختمِرًا بتعدد روافد تكوين ابن عرفة، مثلما أنضجته تجربة عرفانية ووجدانية باذخة، انتسجت صداقتُنا على أرض معانيها. وقد ظل هذا الأفق يتطور ويتسع ويتبلور عبر توالي الأعمال الروائية العَرَفية (نسبة إلى ابن عرفة)، إلى أن اتخذ بُعدًا عربيًا وصار يحظى بعناية بحثية نقدية ودراسية أكاديمية واسعة.

ويمكن التقاط ملامح تبلور هذا الأفق بالعودة إلى مختلف الروايات التي تلت “جبل قاف“؛ أعني “بحر نون” (2007)، و”بلاد صاد” (2009)، و“الحواميم” (2010)، و”طواسين الغزالي” (2011)، “ابن الخطيب في روضة طه” (2012)، “ياسين قلب الخلافة” (2013)؛ إلى الحلقة الروائية الثامنة التي صدرت أخيرا بعنوان “طوق سر المحبة، سيرة العشق عند ابن حزم” (2015).

إن جماع ما أُنجز لحد الآن من مُنجَزٍ سردي عرفي يؤشر على الرهانات الجمالية والروحية والحضارية لما أسميه بـ”المغامرة الإبداعية العرفانية” في التجربة السردية لعبد الإله بن عرفة. وسيكون مفيدًا أن أغتنم هذه المناسبة لأقف عند بعض مسوغات توصيفي لهذه التجربة بـ”المغامرة”؛

  لماذا “المغامرة” وليس فقط “المسار” أو “التجربة” أو غيرهما من النعوت التي لا تخلو من دلالة؟ “المغامرة“، في ما أرى، تفيدُ هنا اختراقَ مجهولٍ، وتأملَ منسيٍّ، ومحاولةً للانفكاك من السائد والسيِّد، والتحرر من مكرورِ الكلام نحو المفاجئ والمُدهش. إنها بهذا الاعتبار، استشرافٌ للغرابة بما هي استكشافٌ من خلال مغادرة الألفة الأليفةِ في السائر الشائع، لا بما هي إغرابٌ واستغلاق مجانيان بلا طائل إبداعي. و”المغامرة”، بهذا المعنى، شرطُ كل إبداع. إنها إلقاء للتابوت في اليم، وهو إلقاء لا يخلو من ألمٍ، لذا كان كلُّ إبداع حقٍّ مغامرةً؛ أي مخاطرة بالحرث في تربة غير مألوفة، وكانت تُطوّق هذه المغامرةَ سوءُ تفاهمات شتى لكون تلقيها يعتاص في البدء على الذاكرة القرائية السائرة، إذ أدواتُ التلقي “المألوفة” “تستغرب” النصّ الجديد؛ بل قد تمجّه وتلفِظُه خارج الأدب. والذي يستحضرُ النسيانَ النقدي الذي كان نصيبَ الأعمالَ الأولى من الرواية العرفانية، وكذا اضطرارَ الكاتب إلى تدبيج مقدمات لأعماله منذ الرواية الثالثة في مشروعه السردي، سيقف على حقيقة هذه “المغامرة”.

 من هنا كان نعت “المغامرة” إشارةً إلى ذاك الأفق الاستكشافي الذي فتحته الرواية العرفانية، والذي لا محالة مثير لأسئلة وإشكالات وتباينات في القراءة النقدية لم يكن قد فُكِّر فيها بعدُ، و”المغامرة” بهذه المثابة، و كما سلف، شرطٌ في كل إبداع؛ “و من شرط كل شرط جزاء” كما يقول البوصيري في “همزيته“.

2. هل يمكن أن تحدّثنا عن ملامح هذه المغامرة الإبداعية العرفانية؟

يمكن أن أشير إيجازاً إلى بعض ملامح هذه المغامرة، وذلك في صيغة استفهامات مفتاحية: كيف انتقلت “الحروف المُقطَّعة القرآنية” من حروفٍ نورانية مُعجِزة عند أهل التفسير إلى مُستَنَد إبداعيّ سردي في الرواية العرفانية، حيث تبلور انطلاقا منها مفهوم “الكتابة بالنور” في المشروع السردي العِرفاني؟!

ثم كيف تم الصهرُ اللطيفُ، في هذه الروايات وبشكل ما فتئ يتبلور من عمل لآخر، بين “التخييل السردي” في الرواية بما هي جنس أدبي حديث، وبين مفهوم “الخيال” عند الصوفية، وتخصيصا في التجربة العرفانية الأكبرية؛ أي عند محي الدين ابن العربي، حيث “الخيال” برزخٌ بين عالمي المعاني والأجسام، وحضرةُ إدراك، وأفقٌ لإشراق اللانهائي والمطلق في مجالي الصور؟ ثم كيف يتفاعل التاريخيّ والجمالي والعرفاني في أعمال ابن عرفة من أجل بنينةِ عوالم سردية وروحانية وفلسفية تفتحُ آفاقاً أخرى للتعامل الإبداعي مع التراث، و”المغامرة” بقراءته ضمن رهانات جمالية وحضارية مفرطة في الراهنية؟

3. تحتاج هذه الاستفهامات الهامة إلى بعض من بيان حتى يتبصّر القرّاء..

نعم. نستطيع الإشارةَ إلى عتبات للاقتراب من هذه الاستفهامات المفاتيح؛ وذلك من خلال الإشارة إلى تفاعلات مكونات الرواية العرفانية؛ مثلَ تفاعل الإبداعي والتاريخي على أرض العرفاني؛ أو تفاعل العرفاني والجمالي باستحضار التاريخ، ثم تفاعل فعل الكتابة كمشروع والانكتاب بما هو انفعال واجِدٌ في حضرة كشف، وكذا تفاعل التنظير مع الكتابة الإبداعية بدءًا من رواية “بلاد صاد” حيث بدأ يصر الروائي على تصدير أعماله بـ”مقدمات” ثم بـ”بيانات”؛ وهي تصديراتٌ تستدعي قراءةً خطية تبحث في تطور الوعي التنظيري لابن عرفة من عمل لآخر، ثم قراءة نسقية تشج هذه “المقدمات” و”البيانات” قرائيا بالمُنجَز الإبداعي السردي بعيدا عن ثنائية التنظير والتطبيق، بحيث يمكن قراءة تلك “المقدمات” و”البيانات” في ضوء المكونات الجمالية والسردية والأفق العرفاني للأعمال الإبداعية، لا الاكتفاء بقراءة هذا المُنجَز بـ”مفاتيح” القراءة الواردة في تلك التصديرات المصاحِبَة.

تحتاج هذه “التفاعلات” كلها إلى تأمل ودراسة، وهي تفاعلات، لقوة تشابكها و تصاهرها، نعتُّها بـ”التوالجات”؛ وذلك في دراسة حديثة غير منشورة بعنوان “توالجات المعرفي والعرفاني والجمالي في الرواية العرفانية.. اقتراب أولي“، وهي دراسة أُعدت بمناسبة الندوة الدولية التي عُقدت في 24-25/12/2014 بكلية الآداب بنمسيك بالدار البيضاء، حول “الرواية العرفانية عند عبد الإله بن عرفة: الأبعاد والدلالات“.

 وإجمالاً، فإن كل هذه الآفاق لم تدرس بعدُ، ولم يُبحث بعدُ، بما يكفي ويشفي، في أثرها على التمثل الإبداعي العرفاني لمفاهيم السرد والزمان والشخوص والكتابة والمعنى والمتلقي… إلخ؛ بل ولجنس “الرواية” ولمفهوم “الأدب”.

  هذا وغيره هو ما جعلني أنعت هذه “التجربة” بـ”المغامرة”، لكونها، مثلا، تربك مفهوم “التخييل السردي” حين تشج “الخيال” الإبداعي بـ”الخيال” العرفاني، ومفهوم “الكتابة” حين تشجُ، جماليا وروحيا، الكتابةَ السردية الروائية بـ”الحروف القرآنية المقطعة” وبأنماط الكتابة الصوفية من مناجيات وأحزاب وأدعية وحِكم وشذرات وشطحات..، وتُخرج هذه الصلات من مجرد الاستثمار في لغة السرد وممكناته الأسلوبية إلى استدعاء مخاضات التجربة العرفانية بكل أبعادها المعرفية والوجدانية وتوظيفها سرديا، سواء في بناء عوالم الحكي، أو شعراً من خلال ما ينظمه المؤلف في افتتاح كل روايةٍ، أو رسماً من خلالِ الرسوم التي يُبدعها المؤلفُ على أغلفةِ رواياته… وهو ما يخرج فعل تلقي هذه الكتابة من تلق أدبي يزاوج بين المتعة والمعرفة إلى تلق وجداني تواجدي يثمر في المتلقي أثرا حالاً يزج به في قلب مخاضات التجربة العرفانية من خلال استحضار المعارف الذوقية العرفانية (الأحوال والمقامات، علم أسرار الحروف، السماع…إلخ) ممهورةً بتجربة ذاتية وجدانية عرفانية للكاتب تحضر، صمتا وصوتا، في ثنايا الاختيارات الجمالية والإبداعية العَرفية.

نحن، إذن، إزاء قارة تُستكشف، وعلينا أن نتمرنَ على قراءتها، ونخوض “مغامرة” هذه القراءةِ بنفس الشغف والعشق وروح “التهتُّك” العرفاني الذي يسري في أوصال الكتابة السردية لابن عرفة.

 ولعل إقدامَنا، في “مجموعة الذاكرين للمديح و السماع”، على تقديم قراءة إبداعية سماعية لهذه الأعمال السردية العرفانية، من خلال إنتاجِ وصلات سماعية إنشادية موسيقية تقدم تمثلا معينا لمسارات الخطِّ السردي والعرفاني في كل عمل من هذه الأعمال؛ لعل في هذه “المغامرة” نوعا من الانخراط الذي حاولنا فيه قدر المستطاع شقَّ أفقٍ قرائي مُغامِر يوازي توهج الإبداع السردي العرفاني في هذه الروايات. على أن هذه “المقاربة” تحتاج بدورها إلى تحليل واستكشاف قرائيين بأدوات تجمع بين النقد الجمالي الأدبي والنقد الفني الموسيقي فضلا عن السبر الروحي العرفاني.

4. قدّمت قراءة مفتاحية لـ(قواعد العشق الأربعون)، تلك الرواية المترجمة في إصدارين، والتي انتشرت من خلالهما في ربوع العالم العربي. برأيك ما المميز في هذه الرواية؟ وما الذي يجعل منها مثالاً للأدب الصوفي المعاصر، في حين أن غيرها من الأعمال الأدبية المكتوبة بلسان عربي مبين لم يكتب لها الذيوع، وتقتصر معرفتها على المتخصصين في هذا الباب فحسب؟

رواية إليف شافاك “قواعد العشق الأربعون” تتقاطع في بعض المناحي مع “الرواية العرفانية العَرَفية”؛ فهي تشتغل على التاريخ وعلى السفر العرفاني لتجربة صوفية باذخة هي تجربة مولانا جلال الدين الرومي، وهو ما يذكرنا باشتغال ابن عرفة في أعماله على أسفار عرفانية شامخة لأعلام بارزين مثل ابن عربي والششتَري والغزالي… كما أنها رواية استعملت، بإبداعية، نمطا من أنماط الكتابة الصوفية متمثلا في “الحِكم” الصوفية، والتي حضرت في صورة “القواعد الأربعين” التي تُشرِق في لحظاتٍ سردية معينة على طول مسار الحكي، غير أن ما حقَّق لرواية إليف شافاك الذيوع والانتشار عواملُ عدة أخرى.

 منها:

أ. أنها تناولت بـ”التسريد” حياةً روحية متوهجة ذات ملمح استثنائي كوني هي تجربة مولانا جلال الدين. وقد استمدت الروايةُ جزءا من شهرتها ونجاحها من الشغف الذي تحظى به التجربة الروحية المولوية اليوم في العالم؛ وذلك لاعتبارات معرفية وحضارية وإيديولوجية أصبحت تتيح إمكانية انتعاش متجدد للتصوف في بعده الإنساني والجمالي الكوني، ضمن سياق أنسنة ما يعرف اليوم بـ”عودة الدين” في المجال التاريخي الحديث. وتجربة مولانا تستجيب بألق لهذا الأفق.

ب. قدرة شافاك اللافتة على ما سبقَ أن سميتُه بـ”المزج بين سحر الكتابة وعمق التأمل وحيرة السؤال”، حيث يتبدى “سحر الكتابة” في مهارتها السردية المتمثلة في التركيب بين تعدد الخطوط السردية وتعدد الأزمنة والأصوات والانتقال السلس بين الحكاية الإطار (حكاية إيلاَّ…) والحكاية المؤَطَّرة وهي رواية عزيز (الكفر الحلو) عن علاقة العشق التي نشأت بين مولانا جلال الدين الرومي وشيخه شمس الدين التبريزي؛ ويتبدى “عمق التأمل” فيما تطرحه الروايةُ من سلوكات ومواقف وقواعد للعشق تسطرها شخصية “شمس الدين التبريزي”، وتعبر من خلالها عن رؤى عميقة من قضايا أنطولوجية وتيولوجية تتصل بالوجود والمعنى والإنسان والحب والحقيقة… إلخ؛

وأخيرا لا آخرا، تظهر “حيرة السؤال” في مختلف أشكال “الانقلاب الأنطولوجي” الذي جاء شمس الدين التبريزي ليحدثه في مسار حياة مولانا جلال الدين، والذي ترك آثاره على حياة شخصية إيلا المسيحية وعلى علاقتها بعزير اليهودي الذي أسلم، وهو ما يطرح، ضمنا وعلنا، سؤال العلاقة بين الأديان، بل و يسائل في لحظات سردية معينة، أشكال النزاع بين تصورات متباينة عن “الله”، وهي تصورات تنتصر فيها الرواية لصلة “العشق” الإلهي ولصفة الله “المعشوق” على غيرها من الصلات والصفات… وهذه كلها قضايا وأسئلة مفرطةٌ في راهنيتها، كما قلنا سابقا، عن تيمات الرواية العرفانية عند ابن عرفة. على أن نجاح شافاك يكمن أيضا في بهاء الطرح الإبداعي والجمالي والفلسفي لتلك القضايا في رواية “قواعد العشق الأربعون“.

هذه بعض من مفاتيح نجاح هذه الرواية كما أراها… إنها رواية تستجيب لبعض الأسئلة الجمالية والفلسفية والأنطولوجية والروحية التي تؤرق الإنسان المعاصر، نعم هي لا تقدم إجابات جاهزة أو أجوبة ناجزة، ولكنها تجدد بـ”سحر الكتابة وعمق التأمل وحيرة السؤال” ذاك الشغف في الحقيقة؛ أو قل ذاك العطش الأنطولوجي إليها، والذي صوره لنا راهب بوذي أبدع تصوير حين قال: “يُبقي المُعلِّمُ رأسَ تلميذه تحتَ الماءِ فترةً طويلة، طويلة؛ فتبدأ فقاعاتُ الهواء في التناقص شيئا فشيئا، وعندئذ، وفي اللحظة الأخيرة، يُخرج المُعلمُ رأسَ تلميذه من الماء، ويُنعشه قائلا له: حين تَرغبُ في معرفة الحقيقة كما رغبتَ في الهواء، فحينئذٍ سوف تُدرك جوهرَهَا”.

 5.هذا الأندلسيّ” و”الحواميم” و”الطواسين” وغيرها نماذج أدبية اتخذت من الموضوع الصوفي بأشخاصه وأعلامه وفكره مادة لتبني لنا عالمًا في ثوب لم نعتد عليه، هل تساهم هذه الأعمال في نشر الفكر الصوفي وتقديمه في ثوب جمالي جديد يناسب هذا العصر؟

 إن هذه الأعمال الأدبية، على ما بينها من تفاوت في الاقتراب واختلاف في الأفق التسريدي وتمايز في رهانات الكتابة الإبداعية، تُسهم في إعادة التأمل في الفكر الصوفي من خلال زوايا جمالية، ومداخل فلسفية، ورهانات حضارية، لم تكن مطروحة في أزمنة سالفة. وقد سبق أن سجلت ملاحظة أرى لزاما هنا أن أذكر بها، وهي أننا في هذه الأعمال لا نستحضر “الحيوات” التاريخية للشخصيات الصوفية مناط التسريد، فـ”ابن سبعين” بنسالم حميش في “هذا الأندلسي” يتقاطع مع ابن سبعين التاريخي في الاسم وبعض المعطيات التاريخية والمعرفية، لكنه ينفصل عنه في أفق الحضور وكيفية الاستحضار، سواء من خلال تخييل البياضات التاريخية في ترجمته، أو من خلال إعادة بناء فكره وتجربته الروحية من منظور أسئلة ورهانات واحتياجات عصرنا المختلف بشكل جذري عن السياق التاريخي الذي تبلورت فيه تجربة ابن سبعين معرفةً وعرفانا وحياة.

ويظهر هذا الأمر أيضاً في أعمال ابن عرفة كما هو الحال في روايته “بلاد صاد“، والتي تتناول نفس الفترة التاريخية (القرن السابع الهجري/الثاني عشر الميلادي) التي اشتغل عليها حميش في “هذا الأندلسي“؛ حيث تتمحور الرواية الأخيرة حول شخصية ابن سبعين، فيما تشتغل “بلاد صاد” على تلميذه أبي الحسن الششتَري، مع ضرورة الإشارة إلى اندراج رواية حميش ضمن مسار إبداعي سردي يستثمر أساساً التاريخَ، وقائع و أسلوبَ سرد، في الكتابة الروائية (نستحضر هنا مثلا روايته “مجنون الحكم” عن الحاكم بأمر الله أو رواية “العلامة” عن المؤرخ عبد الرحمن بن خلدون..)؛ فيما تندرج رواية ابن عرفة ضمن مشروعه للرواية العرفانية، حيث يتفاعل مع التاريخ من زاوية العرفانِ مهما تنوعت العوالم التاريخية المستثمَرة في الرواية؛ كما يظهر ذلك من خلال طبيعة الشخصيات التي يتناولها بالتسريد (ابن عربي، الششتري، الغزالي…)؛ و كذا من خلال التناول العرفاني حتى لبعض القضايا الحضارية مثل مأساة طرد المورسكيين من الأندلس في رواية “الحواميم” (والتي يتقاطع فيها موضوعا لا طرحا مع “ثلاثية غرناطة” للمرحومة رضوى عاشور و”البيت الأندلسي” لواسني الأعرج، و”المورسكي” لحسن أوريد)؛ أو إعادة الاعتبار للسان الدين ابن الخطيب في رواية “ابن الخطيب في روضة طه” أو إعادة التأمل في سقوط الخلافة في “ياسين قلب الخلافة” و في بعض الأسباب المنسية لخروج المسلمين من الأندلس في “.طوق سر المحبة، سيرة العشق عند ابن حزم“… إلخ.

وعلى الجملة، فإن هذه الأعمال، وما يسير في منحاها كما هو شأن الرواية التي أصدرها أخيرا عبد الواحد العلمي بعنوان: “زمن ابن عجيبة”، تدخل في نسق شامل من إعادة قراءة موروثنا الروحي بعيدا عن الإقصاء الذي طاله مدة ليست بالقصيرة في تاريخنا الفكري سواء تعلل هذا الإقصاء بمعجم فقهي يقوم على اتهام التصوف وأهله بـ”الابتداع” و”المروق” و”الضلال”… إلخ، أو بمعجم يساري تقدمي، يقوم على اتهامهم بتكريس “الرجعية” و”الخرافة” و”التخلف”… إلخ. على أن هذه الأعمال الروائية بقدر ما تعيد قراءة هذا الموروث الروحي من أماكن نظرية ومداخل أنطلوجية ورهانات معرفية وحضارية لم يُفكر فيها من قبلُ في التعامل مع الموروث العرفاني الإسلامي، بقدر ما تطرح أسئلةً جمالية جديدة على الإبداع الروائي تستوجب تجديدا في أدوات المقاربة النقدية بما يتلاءم والأفق الإبداعي والسردي الجديد الذي تتيحه مختلف أشكال التفاعل النصي مع أنماط الكتابة الصوفية الباذخة المشار إليها آنفا.

وتجدر الإشارة، هنا، إلى أن هذه الرهانات الجمالية كان قد افتتحها سابقاً أيضا، بشكل من الأشكال، روائيون بارزون. أشيرُ تمثيلاً إلى جمال الغيطاني في “التجليات” وغيرها، وأحمد التوفيق في “جارات أبي موسى“… إلخ؛ مثلما نجد لها بعض البذور في أعمال مبكرة بالمغرب مثل كتاب “الزاوية” للتهامي الوزاني. تبقى نقطة أرى من الملائم الإلماع إليها، وهي أن هذه الأعمال، بالإضافة إلى ما سبق، تسهم في إخراج اللغة الصوفية المتميزة ببهاء خاص، من النسق التداولي المغلق بين الصوفية إلى الفضاء الإبداعي المفتوح، مثلما تسهم في إخراج أدب “التراجم” و”الكرامات” و”كلام القوم”… إلخ، من التعامل الفولكلوري إلى التفاعل الإبداعي والاستثمار الجمالي.. وهو أمر ربما كان الشعر العربي الحديث أسبق إليه من السرد.

ثانيا: الموسيقى والسماع الصوفيّ

1. نود في بداية هذا المحور أن نعرّف القارئ بمعنى (السماع) عند الصوفية، وهل هو مقتصر على الذكر الجهري في حلقات؟ وهل الذكر يتمثّل في تلاوة آيات من القرآن الكريم وبعض التسابيح والتهاليل؟ أم يتسع الذكر لقراءة الأشعار والأمداح والغزل؟ وهل السماع يتمثّل في القول دون الحركة أم يمكن أن تنضم إليه الحركة بحسب حال الذاكر كما نشهده عند الدراويش الدوّارين؟

“السماع” مصطلح مشترك بين عدة علوم، فهو يشير إلى أحد طرق نقل الحديث في علم مصطلح الحديث؛ ويشير، عند النحاة، إلى ما يقبله التداول اللغوي ولا تنتظمه قاعدة نحوية يُقاس عليها؛ فيما أهل “السماع”، عند علماء الكلام، هم الآخذون بالنقل والأثر مقابل القائلين بأولوية العقل والرأي؛ أما عند الصوفية فيشيرون به إلى سماع الأقوال، الصوفية أو المُصَوَّفة، مُحلاةً بالنغم ومُرنَّمة بالألحان تعبيرا عن مواجيدهم وتحريكا لأحوالهم وتغذية لأذواقهم. طبعا، انتقلَ مصطلح السماع عند الصوفية عبر مراحل وأشواطٍ كيما تتبلور دلالته المذكورة، وأسهمت في تشكيل أبعاده الدلالية مقاربات ثلاث رئيسة، هي “المقاربة الصوفية” التي انشغلت بسؤال التأصيل الشرعي العرفاني للمصطلح والممارسة في ذات الآن؛ و”المقاربة الفقهية” التي انشغلت بسؤال الحكم الفقهي للسماع، وهو السؤال الذي أثمر تراثا سجاليا كبيرا بين فقهاء القوم وفقهاء الظاهر، ثم “المقاربة الفنية” التي تكاد تكون منسية، والتي عُنيت بالأشكال الجمالية الأدبية والطربية التي تشّكَلَ من خلالها الملمح الفني للسماع في التجارب الروحية الأولى. وهي الأشكالُ التي استوت ونضجت في المرحلة المؤسساتية الطرقية؛ أي حين أضحت الزوايا والطرق والخانقاوات مدارس روحية فنية متمايزة على الصعيدين التربوي التزكوي والجمالي الفني.

وبالعودة إلى التعريف السابق للسماع الصوفي، نقف عند إشارات مُضَمَّنة يمكن إنارة جوانب منها؛ فالأمر يتعلق بدايةً بسماع “أقوال”، وفي ذلك إشارة للاستمداد العرفاني من قوله تعالى: ﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ. الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ (الزمر: 16-17)؛ من هنا تسمية المُنشِد والمسَمِّعِ بـ”القوَّال” أو “قوالي”، وفي الآية إشارة ثانيةٌ إلى المسلك الإحساني المُستمَد من “السماع” بما هو استماع للقول بالأذن والفؤاد، يقول الشيخ محمد الحراق (أحد كبار صوفية المغرب في القرن التاسع عشر للميلاد) في “تائيته” الشهيرة:

وألقِ لنا أذنَ الفـؤادِ مصيخَــةً   وعِ القولَ منِّي واستمعْ لنصيحتِي

على أن استعمال اصطلاح “القول” هنا سيتوسَّع لاستيعاب سائر “مسموعات القوم” من المُنشَدَات، أكانت شعرا فصيحا أم مُوشَّحا أم زجلا؛ (أي شعرا عاميا، ونطلق اصطلاح “الزجل” في المغرب تحديداً على المنظوم بالعامية الأندلسية) أم ملحونا؛ (أي الشعر المنظوم بالعامية المغربية) أم نصوصا نثرية (صلوات نثرية، موالد نثرية)… إلخ. كما سيتوسع مفهوم “القول” من حيث المكوناتُ الدلالية ليشمل شقين في السماع، نطلق عليهما في المغرب “المديح النبوي” و”السماع المجرد”، حيث تتمحورُ نصوص الشقِّ الأول؛ أي “المديح النبوي”، حول الحضرة النبوية وتتضمن أغراضا دلالية مخصوصة بالمدح النبوي مثل “الشمائليات” و”المعجزات” و”الصلوات” و”الحجازيات”؛ (أي “المُشوقات” إلى زيارة المعاهد المقدسة في مكة والمدينة..) و”الاستشفاعيات”… إلخ؛

 بينما تتمحور نصوص الشق الثاني؛ أي “السماع المجرد”، حول ما يسمى بـ”كلام القوم”، وهو “كلام” يسبح في تلك الحقائق المتصلة بالحضرة الإلهية؛ ويشمل أغراضا مثل “محبة القوم” و”محبة الحق” و”الخمريات الصوفية” (وهي نصوص تستعمل الرمز الخمري في الإشارة للتجليات الروحية) و”تغزلات الحقيقة” (وهي نصوص تستعمل الرمز الغزلي في الإشارة لتلك التجليات) و”التوحيد الخاص” (وهي نصوص تعتمد لغة شطحية متحررة من تلك الرموز من أجل الإشارة إلى وحدة الشهود الكشفي)… إلخ. ويسمى هذا الشق “سماعا مجردا” في إشارة إلى كونه سماعاً صِرفا، مدارُه حول كلمة التوحيد “لا إله إلا الله” بأذواقها وأسرارها وتجلياتها، فيما يطلقون مصطلح “السماع” على السماع المازج بين أسرار “لا إله إلا الله” وأنوار “محمد رسول الله”؛ أي المازج بين أغراض “كلام القوم” و أغراض “المديح النبوي”، وهذا مما يفهمُه أهلُ الذوق من قول سلطان العاشقين عمر ابن الفارض عند حديثه عن هذا الذكر في “الخمرية” التي مطلعها:

شرِبنا على ذكرِ الحبيبِ مدامـةً   سكرنا بِها من قبل أن يُخلق الكَرْمُ

حيث يقول مشيرا إلى “الشرابِ     الصرف” و”الشراب الممزوج”:

عليكَ بها صِرفاً وإِنْ شِئتَ مَزجَهَا    فعدلُكَ عن ظَلْمِ الحبيبِ هو الظُّلمُ

وهنا يتبدى الجوابُ عن جزءٍ من سؤالكم، حيث إن السماع يُعد نوعا من أنواعِ الذكر الذي يتضمن تلاوةَ القرآن الكريم، والأورادِ الراتبة وما تقوم عليه من استغفارٍ وصلواتٍ وتهليلٍ، بشهادة التوحيد أو الاسم المفرد، و أحزاب و مناجياتٍ… إلخ؛ ليأتي “السماع” بما هو “إنشاد” ملحقاً بالذكر، لكونه يتغنَّى بالأقوال المديحية والصوفية مخَلِّلاً إياها بالصلاة على النبي، صلى الله عليه وسلم، أو بما نسميه بـ”الجلالة”، وتتضمن “الهيللة”؛ أي “لا إله إلا الله محمد رسول الله” والاسم المفرد “الله”؛ كما قد يتم تخليلُ تلك الأقوال المُنشَدَة بصيغ تسبيحيةٍ مثل: “الغني يا ربِّ مولاي”، أو “غيرك ما كان يا اَلله”؛ أو “عوني وحسبي مالي سواه”… إلخ.

وإذا كان السماعُ، بهذه الاعتبار، نوعاً من أنواع الذكرِ ولحظةً من لحظاته، فإن “الحركة” أو”الرقص الصوفي”، والمسمَّى في المشرب الشاذلي السائد في المغرب بـ”العِمَارة”، يُعتبر لحظةً أوجيةً لتوهُّج الأحوالِ وانتعاشِ المواجيد، وخلالها ينتقل السماعُ المجرد من الذكرِ والإنشاد قعوداً إلى الذكر والإنشاد قياماً، حيث تنتقضُ الأجسادُ راقصةً في حلقة الوجدِ تعبيراً، حسب الصوفية، عن شوقِ الروح إلى موطنِها الأصلي، إذ هناكَ تلذَّذَت بخطابِ ربِّها ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ (الأعراف: 172)، وهو ما يشير إليه الصوفي الكبير أبو مدين شعيب الأنصاري التلمساني المشهور بالغوث في “نونيته” حين يقول:

أما تنظرُ الطيرَ المقفَّصَ يا فتى          إذا ذَكَرَ الأوطـــانَ حنَّ إلى المَغْنَى

 يُفَرّجُ بالتغريـــدِ ما بِفُــؤادهِ        فتضطرِبُ الأعضاءُ في الحِسّ والمعنَى

ويرقصُ في الأقفاصِ شوقاً إلى اللِّقا        فتهتــزُّ أربابُ العقولِ إذا غنَّـــى

  كذلكَ أرواحُ المحبّينَ يا فتَـــى        تهــزِّزها الأشواقُ للعالمِ الأسنَــى

تبقى ملاحظةٌ رئيسةٌ لاستكمال صورةٍ عامة عن مفهوم “السماع”، وهي أن مُعتَمَدَ الأداءِ فيهِ أساساً على الأصواتِ والحناجِر، وقد يَستعمل بعضَ الآلات، في هذه الطريقةِ أو تلك، بشكل يُبَيِّئُ المعازفَ في النسق العرفاني التربوي على مستوى الخلفية وعلى مستوى المقاصد؛ و ذلك بما يُسعف القولَ المنشَدَ في أداءِ وظائفه التربوية والروحية المخصوصة.

2. هل للموسيقى بالفعل دور في تزكية النفس وترقية الروح؟ وكيف يمكن ترقية الإنسان عبر هذه الوسيلة؟ وهل هي جوهرية في السماع أم أمر عرضيٌ يمكن الاستغناء عنها؟

الإنسان، كما نعلم جميعا، يقطنُه ميلٌ فطريٌّ للجمال أكان بهاءً مرئيا يسرُّ الناظرين، أم كان عِطرا طيباً يُنعش بعَرْفِهِ النفوس، أم كان مسموعاً جميلا تطربُ له الأرواحُ وترِقُّ له السرائر… إلخ؛ وهذا الميلُ الفطري الجِبِلّي له أثر وصدى في الحيوانات والنباتات وسائر المخلوقات الحيَّة…إلخ، والموسيقى هي من أبرز اللذائذ الجماليةِ التي تتميَّزُ بلطافتها، تلكَ اللطافة التي تنفذُ عبر السمعِ إلى الدخائلِ فتفعل في مختلف الكائناتِ الحيةِ الفعائل، ولنا في قصة الفارابي الذي أضحكَ وأبكى وأنامَ الحاضرين بصناعتهِ الموسيقية مثالٌ بيِّن واضح للأثر المذهل للموسيقى على الإنسان.

 لهذا كان للموسيقى أثرٌ سحريّ روحي خاص جعلها ترتبط منذ القدم بـ”المُقدس”، حيث انتعشت في الأديرة والبِيَع والكنائس والمعابد من خلال الترانيم الشعائرية والتراتيل الدينية التي تتصل عضويا بطقوس التقرب والتعبد والتنسك؛ وذلك باعتبارها “موسيقى مُقدسة” تُترجمُ وجها من أوجه صلة الإنسان بالمطلق؛ وتحرك فيه تجربة الافتتان بالمتعالي، وتستثير فيه مختلف الأحاسيس الدينية.

 ولما كان للموسيقى هذا الشأو في التأثير على النفوس وتحويل الدخائل وتوهيج المشاعر وتهييج الخوالج واللواعج، عملَ الصوفيةُ المسلمون على استثمار لطافتها وطاقتها التأثيرية في مساراتهم التربوية والروحية من أجل تربية النفس وتزكيتها؛ خصوصا وأنهم أدركوا أن السماع، بما هو موسيقى، ليس سوى “مصيدة للنفوس” بلغة لسان الدين ابن الخطيب؛ ذلك أنه حسبهم “لا يحدث في القلب شيئا وإنما يحرك ما فيه”، لذلك اشترطوا في المُقبِل على السماع في سياقهم الروحي شرائطَ، ووضعوا لاستعمال هذه الأداة اللطيفة ضوابطَ تخص الزمان والمكان والإخوان، وتتعلق بالمُسمِّع وسياقِ السماع والمستمِع وأداة السماع… إلخ، حتى لا تُحرك الموسيقى في النفسِ هواها، و لا تزيغَ الوسيلةُ الجمالية عن الغاية الروحية المرجُوّة.

ولكي يضمنوا للسماع، بما هو موسيقى، مفعولا لوظيفته كتربية بالطرب، فقد توسعوا في التأصيل العرفاني للسماع، وصلَ إلى حد القول إن الأرواح اعتاص ولُوجُها في الجسدِ عند أول الخلق، فعالجها الحقُّ بالطرب و النغم فولجَت، ونجد هذا عند المولويين والشاذليين و سواهم. و قد رأينا سابقاً أن القومَ جعلوا لذيذ السماع المقيَّد بالنغم مُذكِّرا لِلذيذ السماع الروحاني في الأزل، حين خاطب الحقّ الأرواح في آية الميثاق.

إضافةً إلى هذا البعد التأصيلِي للسماع من حيث الخلفية العرفانية الإجمالية، نجد القومَ يعملون على التأصيل العرفاني التفصيلي أيضا لآلات الطرب ذاتِها، وذلك بتصويف حضورِهَا، من خلال تلوين طبيعةِ استعمالها ووظائفهِ بعلامات النسق الصوفي، واستمداد دلالاتها الإشارية من خصوصية هذا النسق ومميزاته، حيث نظروا، مثلا، إلى الأوتار باعتبارها تسبِّحُ بسرِّ الوِتْر، و إلى آلتي الناي والدفّ بوصفهما تلهجان بذكر الحق المطلق.

 هكذا”سمع” أبو الحسن الششتري، الحادي الواجد في الأسواق، تسبيحَ الأوتار فقال:

واسمَعْ إذا غنتِ المثَانِي    تقولُ يا هو لبيكَ يا هو

و”رأى” سلطان العاشقين عمر ابن الفارض المعانيَ اللطيفة الرائقة البهيجة لمحبوبِه المطلق في نغمةِ العود والناي، فنَظَم:

       تراهُ إن غابَ عنّي كُلُّ جارحةٍ         في كلّ مَعنى لطيفٍ رائقٍ بَهجِ
     في نغْمَةِ العودِ والنّايِ الرّخيم إذا      تَألّقا بينَ ألحانٍ من الهَــزَجِ

بل إن شيخا صوفيا كبيرا مثل عبد الغني النابلسي سيكتب رسالة إشارية باذخة حول الدلالات العرفانية لصوت الناي، بعنوان: “تحفة أولي الألباب في العلوم المستفادة من الناي والشباب“.

وفي هذا الأفق نفهمُ كلام مولانا جلال الدين الرومي حين باح:

صـوتُ الدفّ والنايِ يردد: الله هو

يرقصُ الـشفق ويـقفزُ مــــسرورا: اللهُ هو

ومعلومة مكانة الناي لدى المولويين ودلالاتها العميقة منذ مفتتح كتاب “المثنوي“، بل إن الموسيقى بمختلف أنغامها وآلاتها في النسق المولوي صارت أعظم طريق في القربات، كما صرح بذلك مولانا في إفضائه الواجد حين صدح: “كل الطرق تؤدي إلى الله وأنا اخترت طريق الموسيقى والرقص”. من هنا جوهرية الموسيقى وآلات الطرب عند المولويين، فيما قد تحضر تلك الآلات في السماع الشاذلي، وقد يُكتفى بالاعتماد على الأصوات والحناجر و هو الغالب، وذلك بحسب سياق السماع ونسقه الزاوياتي والمقاصدي. على أنهم جميعا يرون إلى الآلات رؤيتهم إلى سائر أشياء الوجود، باعتبارها تدل على معنى الألوهية وتسبِّح بسر الوحدانية: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ (الإسراء: 44)، وهذه الرؤية الخاصة للآلات ولوظائفها هو ما يسوّغ عنايتهم بها في السماع.

أما سؤالكم عن دور السماع في التربية، فهذا أمر ثابت لأنهم اتخذوه أداةً للترويح على المبتدئين وطريقا لمساعدة المتوسطين على الترقي في معارج القرب، مثلما اتخذوه أداة للتنفيس عن مواجيدهم والإشارة إلى أذواقهم، وكذا وسيلة لاستثارة هذه المواجيد والأحوال. فيما لا يحتاج الأكابر من الصوفية إلى السماع المقيَّد بالنغم، لأنهم في سماع مطلق دائم؛ أي يسمعون عن الله وبالله وفي الله من كل شيء بنَغَم وبغيره، وحضورُهم في حلقات السماع إنما هو بغاية حفظِ حقوقها وآدابها ومساعدةِ المريدين السالكين على الترقي مقامات المعرفة الذوقية بالله.

من هنا الأهمية الاستثنائية للسماع بما هو تربية بالجمال، وما أحوجنا اليوم إلى الإفادة اليوم من هذا البعد التربوي الروحي ذي الأفق الكوني.

3. تغني وتنشدُ اليوم أشعار الشيخ الأكبر ابن عربي والمتصوف السبعيني الششتري، ونجد من كلمات ذي النون ورابعة وغيرهم من القوم الصوفية الكبار ما يتردد في فضاء الإعلام من أغانٍ تلقى قبولاً لاستخدامها هذه الكلمات، وهي على غير الحال الذي تلقى فيه في بلاد المغرب، كيف تقيّم هذا الإنتاج؟ وهل هناك قواعد خاصة بالموسيقى الصوفية والإنشاد ينبغي على المؤدي أن يتحلى بها كما عند القوم الصوفية آداب للمريدين؟

يحتاج الإنتاج الصوفي الشعري بإجمال، والمتداول منه في الإنشاد والسماع بشكل خاص، إلى مقارباتٍ متعددة المداخل لـ”تقييمه” على مستويات لغته الشعرية وتفاعلاته النصية وأنماط تلقيه المعرفي والجمالي والروحاني، مثلما يحتاج “التلقي السماعي” لهذه النصوص، سواء تعلق الأمر بالسماع المطلقِ؛ (أي بالتلقي بما هو فهم إشاري لهذه النصوص من غير شرط النغم) أو السماع المُقيَّد بالنغم؛ يحتاج ذاك “التلقي السماعي” إلى اقتراب خاص يرصُد أشكالَ التأثير المتبادل بين الأبعاد المعرفية والعرفانية والشعرية والموسيقية والتداولية في إعطاء هذه الأشعار كينونة عرفانية وجمالية خاصة يعكسها ببهاء تسمية هذه الأشعار من لدن الصوفية بـ”كلام القوم”.

واصطلاح “كلام القوم” اصطلاح دقيق يعنون به أساسا كلامَهم في الأحوال والمذاقات العرفانية والتي تستبد فيه الإشارةُ بنسغ الكلام؛ سواء أكانت إشاراتٍ تستمد رموزها من معجَم الطبيعة، أم من معجم الخمريات الحسية، أم من معجم الغزليات الحسية، أم كانت إشاراتٍ تروم قول التجلي في صرافته ونضارته المطلقة في لغة شطحية تنتعش أساساً في ما يعرف لدى القوم بـ”التوحيد الخاص” كما ألمحنا لذلك آنفا.

وفي استعمالِ القوم اصطلاحَ “الكلام” للإشارة إلى الإنتاج الشعري الصوفي إحالةٌ على “كلام الله” الذي تستمد منه أحوالُهم أسرارها ومعانيها الذوقية، خصوصا وأن ثمة عدة خصائص يروم كلامُهم أن يستلهم فيها كلامَ محبوبهم؛ منها: أن كلا الكلامين يقف على العتبة بين المطلق والنسبي، بين المرئي واللامرئي، بين الإلهي والبشري، فإذا كان كلام الله بما هو وحيٌ هو تماس بين المطلق الإلهي واللغة البشرية النسبية، فإن “كلام القوم” هو أيضا تماس بين غيب التجليات الربانية وبشرية اللغة التي تروم قولَ ما لا ينقالُ من هذا الغيب إذا استعملنا لغة النفّري؛

 ومن تلك الخصائص أيضا أن كلام الله هو موضوع ترتيل وزينة للأصوات الحسنة؛ بمعنى أن إلهيته يتم توهيجها باستعمال النغم للطافته الروحية المشار إليها آنفا، ولدور الأداء الترنيمي الترتيلي في بث الحياة في شفاهته التي تحمل سره اللطيف المطلق، الأمر ذاتُه في “كلام القوم” حين يُحلَّى بالأنغام والألحان العِذاب والتي تستدعي، بلطافة النغم وحيويةِ الأداء بالأنفاس، تلكَ الأحوال الذوقية التي تكمنُ في كلام أهل الله الصادر عن وجد وفتح وكشف؛

العنصر الثالث أن كلا من “كلام الله” و”كلام القوم” يُثمر أثراً قلبيا، يسمى في السياق القرآني “وجلا” و”خشوعا”، وفي السياق العرفاني “حالا” و”وجدا”، ثم إن كلا الكلامين، كعنصر رابع من تلك الخصائص، يَشهدُ تحققا للمعاني في تمظهراتٍ تجسيدية حسية؛ إذ تتجسدُ الحقائقُ القرآنية المطلقة في حركات المؤمن أثناء شعيرة الصلاة بشكل خاص، واستلهاما منها تتجسدنُ أسرار “كلام القوم” في تواجدِ الأجساد أثناء حلقات الرقصِ الصوفي.

ها هنا نتبين بعض الأبعاد الضامِرة في الأشعار الصوفية المنشَدَة في السماع، والتي يشير إليها بكثافةٍ اصطلاح “كلام القوم”؛ أبعاد لا يمكن أن تُدركَ وتُستبطَنَ إلا من خلال نوع من التلقي المخصوص لتلك الأشعار في السياق العرفاني الصوفي. لذلك كان الصوفيةُ يشترطون في السماع آدابا وشرائطَ كي تنتعش تلك الأبعاد، وكي لا يتحوّل الطربُ في السماع إلى طربٍ دنيوي لهوي، فتفقد حلقاتُ السماع هويتَها الموسيقية الروحية ووظائفها التربوية التزكوية، وتضيّعَ تلك الأشعارُ دلالاتِها الحالية والإشارية، ويفقِدَ التلقي قدرتَه على تحريك المذاقات واستثارةِ المواجيد.

وقد كانت تلك الشروطُ والآداب تتجدد من صوفي لآخر، ومن نسق لآخر، ومن مرحلة لأخرى؛ وذلك بحسب ما يستجد من عوائق وانحرافات، ويظهر من موانع وانزياحات عن الضوابط الشرعية والعرفانية والجمالية للسماع. وهي ضوابط مُحدَّدَة ومُقَعَّدة؛ ضوابط شرعية مثل أن لا يصرف السماعُ عن الشعائرِ المَفروضَةِ؛ وضوابط عرفانية مثل ضرورة التأهُّل للسماع بالرياضات والمجاهدات والأوراد، إذ كل سماع من غير إعداد للقلب بتلقيه وفق روحانيته قد يُبطِلُ بعدَه الوظيفي التربوي، لذا قالوا “لا يصلح السماع إلا لمن كانت نفسه ميتة وقلبه حي”؛ وضوابط جمالية مثل ضرورة أن يُسند التسميع والإنشاد لصيِّت حسنٍ وقوالٍ شأنه الإجادة في صناعةِ الترنيم واختيار القولِ الملائم للحال الحاضر، وانتقاء الإشارة الأليق بوقت الصوفي ووجدِه مما يعرفُ عندنا في المغرب بـ”المُناسبَة”… إلخ.

طبعا هذه الشرائطُ والضوابطُ أصبحت اليوم تعرف تحولاتٍ كبرى لمَّا أُخرج السماع من نسقِه العرفاني المخصوص إلى الفضاء العام للمجتمع الحديث، ليُعرض على ركح المسرح أو على القنوات التلفزية في الملتقيات الفنية المفتوحة. وقد أتيحت لي فرصة التفصيلِ في أبعاد وخلفيات هذه التحولات ضمن دراسة بعنوان: “التربية بالطرب عند الصوفية، قراءة في الأصول والوظائف والتحولات”، أسهمتُ بها في الندوة الدولية التي تم تنظيمها بكلية الآداب بالرباط بتاريخ 19-20/11م 2014م حول “الخطاب الصوفي وأبعاده المعرفية والحضارية“.

أما بخصوص القواعد الفنية التي ينبغي أن تحترمها الموسيقى الصوفية، فهي عديدة، سواء على مستوى انتقاء النصوص المُنشَدة مما يلائم أحوالَ المريدين والسالكين ومناسبةَ الاجتماع… إلخ، وقد أشرتُ لذلك سابقا، أو على مستوى انتقاء النّغم الملائم سواء للشعرِ المنتقى دلالةً وبناءً، أو للسياق الوجدي، أو على مستوى الإيقاع؛ إذ ما كل إيقاعٍ صالح لكل سياق، أو على مستوى طرائقِ الأداء، أكانَ أداءً فرديا أم جماعيا أم واشجا بينهما.

وإذا كان الأمر يستدعي استعمالَ آلات الطرب، فيُفترض انتقاءُ الآلات الملائمة للنسق العرفاني مثل الناي والعود والدف، واستعمالُها بشكل لا يطغى فيه العزفُ على القولِ لأهمية هذا الأخير في السماع كما سبق، فضلا عن ضرورةِ روحنةِ العزف والأداءِ بحيث يتم التخلي عن كل التزاويقِ والزخارف والتلوينات الموسيقيةِ ذاتِ البُعد الدنيويّ اللَّهوي، وتلك الموحيةِ بالغنج ودلال الهوى الحسي، والمنتعشةِ في مجالس الأنس واللهو والمجون، بل يتم الاشتغال على الموسيقى بما يستخرج منها ما تكتنزه من طاقاتٍ إشارية روحية تقول لحناً و إيقاعا وأداءً تلك المعاني الإشارية العرفانية المتوهجة من كلامِ القوم وأحوالِ الواجدين… هذه بعضُ القواعد الفنية التي تقتضيها الموسيقى الصوفية حتى تحافظ على روحانيتها طبيعةً ووظيفة.

4. كيف ترى اصطلاح (الموسيقى المقدّسة) و(الموسيقى الروحية)، هل يمكن أن نخصص لونًا معينًا من الموسيقى بهذه الصفة، أم أن ألوانًا عدّة من الموسيقى يمكنها أن تلامس الروح وتصنع بها ما يصنعه هذا اللون؟

أخال أن مثل هذا السؤال يكتسي أهمية استثنائية اليوم في ظل نوع من الفوضى التي أصبحت تطبع “سوق الاصطلاح” في التعامل مع السماع والموسيقى الصوفية، خصوصا بعد أن خرج هذا الموروث الجمالي الروحي من الزوايا والتكايا والخانقاوات إلى الفضاء المفتوح للمجتمع الحديث، سواء في المسارح وقاعات العرض، أو في القنوات التلفزية والمواقع الإلكترونية… إلخ، وهو ما يضع مثل هذا الموروث أمام إحراجات حقيقية تسائل وظائفه وأبعاده على مختلف المستويات العرفانية والجمالية.

في ضوء هذا التوضيح، يمكننا التمييز بين اصطلاحات رئيسة هي “الموسيقى المقدسة” و”الموسيقى الروحية”، و”الموسيقى الصوفية”؛ فبخصوص نعت “الموسيقى المقدسة” فيُشيرُ إلى تلك الموسيقى التي تترجم نوعا من العلاقة مع المقدّس في طقوس تعبدية وشعائر تنسكية ضمن ديانة معينة، مثل التراتيل الكنسية التي تستعمل في القداس المسيحي، ولكن لا نستعملُ نحن المسلمين هذا الاصطلاح؛ لأن “القدوس” هو الله سبحانه وحده، فـ”القدوس” اسم من أسمائه الحسنى، ولا نلحق القداسة إلا بما أضفى عليه القدوس سبحانه هذه الصفة، كقوله تعالى عن “مكان” تكليمه لموسى عليه السلام: ﴿إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ (النازعات: 16)، وما سوى ذلك فنحن لا نستعمل هذا النعت، ومن ثم لا نصفُ أشكال الترنيم والترتيل والتغني التي تطولُ القرآن الكريم من تجويد وترتيل بـ”المقدسة”؛ مع أنها تتصل بكتاب ووحي “القدّوس”. وكان قد أثير مثل هذا النقاشِ في الدورة الأولى لـ”مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة” عند إحداثه عام 1994م؛ حيث انتهى المنظمون إلى استعمال نعت “الموسيقى العريقة” مقابل النعت الفرنسي musique sacrée، وظلت هذه الترجمة غير الحرفية ثابتة في عنوان المهرجان إلى الآن.

أما اصطلاح “الموسيقى الروحية” فهو أكثر وسعا من “الموسيقى المقدّسة”، ذلك أن كل موسيقى هي، بمعنى من المعاني، روحية؛ أي أنها تخاطبُ وتحاور وتستدعي الجانب اللطيف اللامادي والجانب الوجداني من الكائن الإنساني، غير أن هذا الاصطلاح أخذ معنى تداوليا خاصا بموجبه راح يشير إلى نوع من الموسيقى التأملية التي تستدعي طاقة الإنسان على التحرر من ضوابطه الحسية وإكراهاته اليومية وشواغله الاستهلاكية المعيشة؛ وبهذا المعنى وهذا الفهم تشمل “الموسيقى الروحية” الموسيقى ذات الصلة بالتدين وتلك المنقطعة عن هذه الصلة.

 فيما يدل اصطلاح “الموسيقى الصوفية”، على نوع التطريب الذي ارتبط بشكل مخصوص من التدين، وهو شكل تبلور أساساً في طرق تربوية وروحية ذات منهاج محدد في التطهير والتأهيل وتحصيل المعرفة العرفانية الذوقية بالله. من هنا استيعاب نعت “الموسيقى الصوفية” لكل أنماط الموسيقى التي نشأت وانتعشت في الزوايا والتكايا والخانقاوات، والتي ارتبطت بالنسق الصوفي على مستويات التأصيل والوظائف والتلقي. و”الموسيقى الصوفية”، بهذا المعنى، هي المقابل التوصيفي الحديث لمصطلح “السماع” في المعجم الصوفي؛ سواء أكان سماعا مجردا عن المعازف أم مصاحبا بها.

 بقي أن أشير، ضمن هذا التأمل الاصطلاحي، إلى ظهور نعوت اصطلاحية جديدة أصبحت اليوم تنافس الاصطلاحات السابقة مثل: “الأنشودة الإسلامية” و”الأناشيد الدينية”… إلخ؛ وهي اصطلاحات تحاول أن تؤسسَ لتعامل فني مع المعاني الدينية في استقلالٍ، بل وتَعارض، مع “المرجعية الصوفية”، كما تعبّر عن منحى آخر يحاول أن يجد للحركات الإسلامية موطئ قدمٍ في “السياق الفني” المتصل بالتدين، دونما إحالة على “الموسيقى” بسبب تحفظاتٍ فقهية إسلاموية عليها من ناحية، و دونما استعمال لاصطلاح “السماع”، بسبب التناقض التاريخي بين مرجعية الحركات الإسلامية والمرجعية الصوفية التي يحيل عليها اصطلاح “السماع” من ناحية ثانية. وهذا وجه من أوجه الأثر الإيديولوجي على المعجم الاصطلاحي التوصيفي للفن المتصل بأشكال التدين السائدة اليوم في سياقنا العربي الإسلامي.

5. إلى أي مدى ساهم الفن المغربي في إثراء فن السماع الصوفي؟ وهل يتقاطع مع الفن الأندلسي في ذلك؟ ولو أمكن أن تعرّفنا ببعض النماذج التي ساهمت في ذلك؟

فن السماع الصوفي في المغرب مجلى جمالي روحي متميز شعرا ونغما وإيقاعا وأداء وتداولا، وقد أسهمتْ في رسم ملامحه المتفردةِ عواملُ أدبية وطربية وتاريخية تعاضدت جميعُها لمنح هوية جمالية وفنية للسماع في المغرب؛ مما جعل سماع أهل المغرب متميزا عن السماع الصوفي في الشرق الإسلامي.

 فعلى المستوى الشعري برزت أسماء صوفية كبرى في الغرب الإسلامي كان لها عظيمُ الأثر في دبغ هذا السماع بملمح أدبي خاص، حيث استفاد السماع من ظهور أعلام شعرية كبرى في الأندلس والمغرب أمثال أبي مدين الغوث ومحي الدين ابن العربي وأبي الحسن الششتري وغيرهم، كما استفاد من ظهور فن نظمي متميز في الأندلس هو “الموشحات” وما تمتازُ به من طاقة تطريبية باذخة، وكذا من ظهور الزجل بما هو نظم بالعامية الأندلسية، مثلما أفاد بشكل لافت من التلقي الخاص الذي تقبَّل به صوفيةُ الغرب الإسلامي أشعارَ صوفية كبار مثل عمر ابن الفارض وشرف الدين البوصيري، وقبلهما الحلاج ورابعة العدوية؛

كل ذلك وغيرهُ وفَّر للسماع الصوفي بالمغرب مادة إنشادية روحية فنية، انتعش تنغيمُها وتطريبُها بفضل الثراء الفني للموسيقى الأندلسية، والتي ما فتئت تغتني بتفاعلها مع التراثات الموسيقية المحلية في مختلف مراحل انتقالها عبر الهجرات الأندلسية المتتالية إلى دول شمال إفريقيا، وخصوصا في المغرب حيث تم استثمار هذا الثراء الفني لمنح ملامح متميزة للسماع الصوفي على المستوى الموسيقي إن من حيث الطبوع؛ (أي المقامات الموسيقية) أو من حيث الإيقاعات أو أساليب الأداء، فضلا عن البنيات الشعرية التي تميز نصوص الإنشاد في السماع المغربي والمشار إليها آنفا والتي اغتنت أيضا بنمط شعر “الملحون”؛ أي النظم الشعري بالعامية المغربية.

على أن هذا الفن ما كان لينتعش في المغرب ويمتلك حضورا وملمحا متميزين لولا عدة عوامل تاريخية وثقافية واجتماعية؛ مثل انتعاش الاحتفال بالمولد النبوي الشريف منذ القرن السابع للهجرة بالغرب الإسلامي؛ وكذا انتقال التصوف إلى طور المأسسة في الزوايا والرباطات، والتي أصبحت مدارس لتلقين هذا الفن وتطويره وانتعاشه وتكوين أربابه من المنشدين والمسمّعين والقوالين؛ وكذا احتضان المجتمع لهذا الفن في مختلف المناسبات العامة والخاصة، مما جعل من “السماع” مظهرا ثقافيا روحيا يضطلع بدور هام في التعبير عن الوجدان الديني الجمعي للمغاربة، أكانوا صوفية أم غير صوفية.

وإذا أردتم أن أقدم لكم نموذجا لازدهار فن السماع في المغرب، فلن أجد ربما شخصيةً صوفية أكثر تمثيلية لهذا الازدهار من شخصية العارف المغربي الكبير محمد الحراق الحسني (تـ. 1188ﻫ/1776م)، وطريقته درقاوية جزولية شاذلية. عُرف هذا الشيخُ، فضلا عن إتقانه لمختلف العلوم الشرعية، بتبحر في علوم القوم كما تدل على ذلك “رسائله في التصوف” (وهي محققة ومطبوعة)، و”شروحاته” على كلام العارفين مثل “شرحه الحزب الكبير للإمام أبي الحسن الشاذلي“، و”شرحه على الحكم العطائية” وعلى بعض كلام الششتري… إلخ، لكن أكبر إسهامٍ له في فن السماع هو ديوانُه الذي أغنى به ديوان السماع في المغرب، وأصبحت لأشعاره وتواشيحه وبراويله؛ (أي أشعاره المنظومة بالعامية المغربية مما يعرف بـ”الملحون” المشار إليه آنفا) شهرة كبرى في حلقات السماع داخل المغرب و خارجه.

ومشهورةٌ عندنا في المغرب العنايةُ الكبرى التي أولتها الطريقة الحراقية للسماع، فقد اعتنى شيخُها المؤسِّس بنقل بنيات الأشعار في الموسيقى الأندلسية من الدلالات الدنيوية إلى الدلالات الروحية الإلهية، و ذلك عبر معارضة النصوص المُنشَدَة في الموسيقى الأندلسية و احتذائها بنصوص تتفق معها في بنياتها العروضية والشعرية وتفترق عنها بالدلالات الصوفية التي تدور في فلكها أغراضُ “كلام القوم”. وبهذا الصنيع أتاح الشيخ الحراق لنا مدونة شعرية باذخة للتغني في السماع الصوفية.

 زد على هذا عناية هذه الطريقة بالسماع باعتباره مظهرا من مظاهر جمالية الطريقة، والتي لم تقم على البذاذة وخرق العوائد ولبس المرقعات والمسلك الملاماتي..إلخ، بل قامت على منهاج الشكر والتنعم وإظهار الفضل الإلهي في الحس والمعنى، وهو ما يشير إليه القولُ المأثور عن الشيخ: “دخلت من باب الفضل فلا أدل إلا عليه”؛ أي أنه لم يدخل للطريقة من باب الجلال والتقشف وتخريب الظاهر كما حصل لسميِّهِ في المشرب الدرقاوي العارف الكبير أحمد بن عجيبة.

 ضمن هذا الأفق الجمالي، جاءت عنايةُ الحراقيين بالسماع ثم بآلات الطرب لاحقاً؛ حيثُ أصبحت الزاوية الأم بمدينة تطوان (شمال المغرب) متحفاً لهذه الآلات على عهد الشيخ الثالث إدريس الحراق. وبهذا الاعتبار شكلت هذه المدرسة الروحية نموذجا متميزا لانتعاش التلاحين ولازدهار الإبداع الفني في هذا المظهر الجمالي الروحي طلبا لخدمة المقاصد الروحية التربوية التي أُسندت للسماع في النسق الصوفي الحراقي. ومن هذه المدرسة برز أعلامٌ كبار أمثال الشيخ محمد بلعربي الدلائي الرباطي تلميذ الشيخ الحراق المؤسس، وعن الدلائي أخذ الشيخ بنعاشر الحداد الخمليشي، الذي أخذ عنه سيدي عبد السلام اكديرة جدِّ شيخي في السماع أستاذي سيدي عبد اللطيف بنمنصور رحمه الله.

6. لعبت المولوية الدور الأبرز في مجال الموسيقى في تركيا، ما هي الطريقة الأشهر في المغرب التي تلعب هذا الدور؟ وإن كانت الموسيقى مجال اهتمام لطرق صوفية عديدة في المغرب حبذا لوعرفتنا بها؟

من المعلوم أن المشرب الصوفي الأبرز في المغرب، هو المشرب الشاذلي، والذي يمتد سنده إلى الصوفي المغربي الأصيل أبي الحسن الشاذلي وارث سر العلم العرفاني الكبير دفين جبل العلم بشمال المغرب مولاي عبد السلام ابن مشيش. ومع أنه سيظهر في المغرب مشربان أساسيان روحيان آخران هم المشرب القادري نسبة إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني والمشرب التيجاني نسبة إلى الشيخ أحمد التيجاني؛ إلاّ أن أغلب الطرق الصوفية المغربية شاذلية مشيشية؛ من هنا كانت أبرز مدارس السماع في المغرب شاذلية، يظهر هذا في عناية المغاربة في حلقهم السماعية بـ”الصلاة المشيشية”، ذاك النص الروحي البهي الذي وقعه بأحواله ومواجيده مولاي عبد السلام ابن مشيش؛ كما يظهر ذلك أيضا في العناية المحورية للمغاربة بمتني “البردة” و”الهمزية” لمحمد شرف الدين البوصيري تلميذ أبي العباس المرسي وارث سر أبي الحسن الشاذلي. وقد حظيت القصيدتان البوصيريتان بعناية أدبية وحضارية كبيرة في المغرب، من ألمع وجوهها عنايتُهم بتلحينهما والتغني بهما بأشكال فنية سماعية أندلسية مغربية، تنافست الزوايا الشاذلية المختلفة في التأنّق والترونق والتفنن فيها.

ونقف أيضا عند حضور المشرب الشاذلي في السماع من خلال عناية المغاربة أيضا بالتغني وإنشاد الصلاة على النبي، صلى الله عليه وسلم، اعتمادا على تأليف متميز في بابه هو كتاب “دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في الصلاة على النبي المختار” لمحمد بن سليمان الجزولي، ويُعد هذا العَلَم الصوفي مجددا للطريقة الشاذلية بالمغرب. ومع أن ثمة سوءَ فهم من لدن البعض لموقف الإمام الشاذلي من السماع، وهو من بيَّنَّاه في دراستنا لكتاب محمد بلعربي الدلائي الرباطي “فتح الأنوار في بيان ما يعين على مدح النبي المختار“، فإن كل فروع هذا المشرب قد اعتنت بالسماع وأسندت له وظائفَ تربوية وروحية رئيسة في مدارسها السلوكية والتسليكية، مما كان له دور باذخ في إغناء مدونة فن السماع؛ سواء على المستوى الشعري أو على المستوى النغمي أو المستوى التداولي.

هكذا نسجل ظهور شعراء صوفية مغاربة كبار في مدونة الإنشاد السماعي سواء في الفصيح أو الموشح أو الملحون مثل الحسن اليوسي وحمدون بلحاج السلمي ومحمد الحراق وأحمد بن عبد القادر التستاوتي وأحمد بن عاشور وأحمد بن علال الشرابلي وعبد القادر العلمي وغيرهم، مثلما اعتنت الزوايا المغربية الشاذلية بمختلف الشعراء الصوفيين أندلسيين ومشارقة، فاستدعت أشعارَهم إلى حِلَق السماع ولحنتها وتداولتها وفق الأساليب الفنية الروحية المخصوصة للذكر والسماع في هذه الزوايا، وبمثل هذا الصنيع كان تعاملُهم مع أشعار رابعة العدوية والحلاج وابن الفارض وأبي مدين الغوث وابن العربي والششتَري والسُّهروردي المقتول وعلي وفا… إلخ، حيث أصبحنا أمام مدونة إنشادية قادمة من أزمنة وأمكنة مختلفة، على أرض معانيها، التي ينسجها السماع الصوفي حسب وقت المريدين ومواجيدهم وأحوالهم، تتآلفُ روحيا أنفاسُ مختلف العارفين. وهي أرض معنويةِ يغيب فيها كل أثرٍ للجغرافيا الحسية، مثلما يغيب كل أثر للتحقيب الزماني؛ كما ينعدم في حضنها كلُّ صدى لأي تصنيف منبثق من خارج التجربة الروحية، كما هو شأن التصنيف المبتسِر للقوم إلى “متصوفة سنيين” و”آخرين إشراقيين”. وهذه إحدى الأبعاد العرفانية العميقة للسماع الصوفي بما هو أرض للمعاني والتعالي العرفاني.

تبقى إشارة هامة، وهي أن حضور السماع لدى الشاذليين في المغرب يعتمد أساسا على الأصوات والحناجر، كما سبقت الإشارة، إلى أن طُرقا صوفية شاذلية اعتنت بالآلات والمعازف لاحتضانها أساسا الموسيقى الأندلسية المعروفة عندنا بـ”طرب الآلة”؛ ذلك أن هذه الموسيقى لما حُوصِرَت من لدن الفقهاء في بعض اللحظات التاريخية، و مُنِعَ الناس منها، وكُسرت معازفُ العازفين، وضُيِّقَ على أهلِ صناعتِهَا بشتَّى أشكالِ التضييق، احتضنت الزوايا هذه الموسيقى وتبنَّتْها، كما عملت على “تصويفها”، حيث غيَّرت أشعارَها من أغراضِ الغزل والتشبيب والخمريات الحسية إلى الأغراض المديحية والصوفية كما فصَّلنا ذلك آنفا؛ وبذلك كانت الزوايا هي الرّئة التي تنفست من خلالها هذه الموسيقى واستمرَّت في الحياة. لذا، تشربت الزوايا هذه الموسيقى ليس فقط ألحانا وأداءً، بل وكذلك آلاتٍ وعزفاً، وهو ما لم يُفصح عن ذاته بشكل واضح إلا لاحقاً، وإن بتفاوتِ، مع طرق صوفية شاذلية شهيرة مثل “الريسونية” و”الحراقية” و”الشقورية” و”الوزانية”.

7. هل لنا بنموذج يوضح هذا التشرب الذي تشيرون إليه؟

نعم، يمكن أن نتبين البعد العميق الذي اتخذته الموسيقى لدى هذه الطرق من خلال الإنصات، مثلا، إلى هذا النص المتميّز الذي استحضرته في كتابي “موسيقى المواجيد“، والذي يبرز حضورَ الموسيقى في لحظة احتضار أحد شيوخ الزاوية الوزانية (نسبة إلى مؤسسها مولاي عبد الله الشريف الوزاني) ذات المشرب الجزولي الشاذلي، هو الشيخ علي بن أحمد بن مولاي الطيب الوزاني (تـ.1226ﻫ/1811م)، والذي يعد نموذجا ساطعا لعناية الوزانيين بالموسيقى واحتضانهم لنوباتها ووعي صدور صغارهم وكبارهم، إناثهم وذكرانهم لصنائعها ومستعملاتها. فقد كان هذا الشيخ يحتضر في مرضه الأخير، فـ”أمر فقراء البردة، كما يروي واحد ممن حضر الحدث، بقراءتها من أولها إلى ختمها، وقرؤوا من الهمزية شيئا من آخرها حتى ختموها، وأمرهم بقراءة بعض القصائد المولدية في مدح خير البردية، ووجبت صلاة الظهر فأمر بالوضوء من لم يكن على وضوء فتوضؤوا وصلينا الظهر، وأذن لأصحاب الموسيقى فدخلوا فأمرهم أن يعملوا عراق العجم (وهو أحد مقامات الموسيقى الأندلسية) فعملوا منه ما شاء الله وشيئا من طبع الحسين (اسم لمقام موسيقي آخر)، وأمرهم أيضا أن يعملوا التوشيح المعلوم لأبي حيان وهو “إن جنَّ ليل داج”، وهذا بواسطة ابنه البركة وخليفته من بعده ووارث سره مولانا التهامي”.

إنهُ نموذج ساطع يبرز بعض الأبعاد العرفانية لحضور الطرب عند الموت لدى الصوفية، فاستدعاءُ طبع (مقام) عراق العجم، مثلا، في لحظة الاحتضار إشارةٌ صوفية إلى دنوِّ أجل الشيخ الوزاني؛ لأن أهل السماع الشاذلي قد جرت عادتهم بختم مجالسهم السماعية بهذا المقام الموسيقي، مثلما أن استعمال الموسيقى في هذه اللحظة يعدُّ أمارةً متوهجة على رضا المحبينَ بقضاءِ محبوبهم، بل فرحهم بلقاء هذا المحبوب، فلا مكان في أحوالهم للحزن أو الألم عند الموت؛ ألم يقل مولانا جلال الدين الرومي: “حين تقبل زائرا قبري ستجد ضريحي المسقوف يرقص، فلا تأتين يا أخي دونما دف إلى قبري، فليس هناك من مكان للحزين في الوليمة”.

8. نقرأ عن مشايخ ألفوا قطعا موسيقية أو أشعار خاصة للإنشاد والمدح في حلقات السماع، فهل يمكن ذكر بعضهم ونبذة ولو موجزة عن دورهم في تطوير الموسيقى الإلهية؟

إذا كنا قد أشرنا سالفاً إلى نماذج من شعراء القوم المتداولة نصوصُهم في حِلق السماع، فإن أمر الملحنين ليس متيسرا دائما؛ خصوصا وأن أغلبَ هؤلاء كانوا يرومون التخفي وحجب أسمائهم إذ لا يدعون في ذلك بدعوى، بل يعتبرون تلك التلاحين الصوفيةَ فتوحاً ربانية تنطق بها أصواتُهم، وتفيضُ بها مواجيدهم، ولذا لم يكن ديدنُهم توثيقَ أسماء الملحنين؛ مثلما كان يتعذر تنويط وتدوينُ تلك الألحان موسيقيا، مما جعل التواترَ الشفاهي هو المعبَرَ الأساس لانتقال هذه الألحان بين أهل السماع والمريدين.

على أن ثمة بعض الأسماء القليلة التي احتفظت بها ذاكرةُ أهل السماع في هذا الباب، وهي استثناءات ليس إلا؛ مثل الشيخ محمد بلعربي الدلائي المشار إليه آنفا، والذي عاش خلال القرن التاسع عشر للميلاد، وكان عالِماً صوفيا وفناناً كبيرا فُتِح عليه في تلحين الموشحات والبراول والجلالات (وقد سبق تفسير هذه الاصطلاحات)، وترتيب المستعملات؛ (أي القطع الإنشادية السماعية) في وصلات فنية تعرف عندنا بـ”النفقات”. وهو المجهود الذي أصبح يشكل “سُلَّماً” للعمل؛ أي نموذجا للتعلم والتناقل والتداول، ومازالت ذخيرةُ هذا العارف الفنان متداولةً في الزوايا الصوفية الشاذلية المغربية إلى اليوم، وهي تلاحين حازت من البهاء والألق ما يستذرف الدموع، وتقشعر له الجلود، وتتحرك له المواجيد والأحوال، سواء تعلق الأمر بتلاحين “البردة” و”الهمزية” البوصيريتين، أو تعلق الأمر بتلاحين كلام القوم، وخصوصا كلام الإمام أبي الحسن الششتري وابن الفارض وعلي وفا ومحمد الحراق.

وقد ورثَ سرّ هذه المدرسةِ في زماننا المعاصرِ شيخُ المادحين والمسمعين في المغرب أستاذُنا المرحوم برحمة الله سيدي عبد اللطيف بنمنصور، والذي يعد بحق آيةً من آياتِ الله في تلحين نصوص المديح النبوي وكلام القوم، حيث فاقت تلاحينُه ألفَ تلحين؛ أبدعها على مدى أكثر من ستين عام من العطاء وإغناء مدونة السماع الصوفية بالمغرب وخصوصا في ميزان “الدرج” (وهو أحد الأوزان الموسيقية التي أغنت بها الزاوية الصوفية مدونةَ طرب الآلة). وهو عطاء متفرّد حاولنا الوقوفَ عند بعض معالمه في كتابٍ أتمنى أن يعرف النور قريبا، بحول الله، عنوانه: “الشيخ عبد اللطيف بنمنصور، أمير الأدراج في طرب الآلة وفن السماع”.

الهوامش


* باحث في التصوف وفن السماع.

[1] . راجع مثلا: مساهمة محمد التّهامي الحرّاق في كتاب “جمالية السرد في الرواية العرفانية“، وهو مؤلَّف جماعي بالاشتراك مع د. عبد الإله بن عرفة وآخرين، بيروت: دار الآداب، 2014.

Science

د. محمد التهامي الحراق

• دكتوراه في الآداب من جامعة محمد الخامس بالرباط.
• المسؤول الثقافي والفني عن مؤسسة الذاكرين للأبحاث الصوفية وموسيقى السماع ـ الرباط
• عضو في مركز خديجة لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
• نائب رئيس مؤسسة مولاي عبد الله الشريف للدراسات والأبحاث ـ فرع الرباط.
• مشرف ومعد للعديد من البرامج التلفزية والإذاعية حول التصوف، منها:”عباد الرحمن”، و”ذكر ومذاكرة”، و”مرحبا بالمصطفى”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق