مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

في رحاب توحيد ابن عاشر

إعداد:

د/ عبد الله معصر، رئيس مركز دراس بن إسماعيل

د/ مولاي إدريس غازي، باحث بمركز دراس بن إسماعيل. 

قال الناظم رحمه الله:

يجب لله الوجــود والـقدم        كذا البقاء والغنى المطلق عـــــم

وخلفه لخلقه بلا مثـــــال        ووحدة الذات ووصف والفعـال

وقدرة إرادة علم حيـــــاة        سمع كلام بصر ذي واجبـــات

قال الشارح رحمه الله:

والعاشرة: (حياة)، قال المحلى تبعا للسعد: “وهي صفة تقتضي صحة العلم لموصوفها، وعبارة شرح الصغرى صفة تصحح لمن قامت به أن يتصف بالادراك. قال في شرح المقدمات: بمعنى أنها شرط عقلي له. قال السكتاني: وكذا هي شرط عقلي لباقي المعاني؛ لأنها إذا كانت شرطا للعلم وهو لازم القدرة والإرادة والكلام، أي والسمع والبصر، فما هو شرط في اللازم شرط في الملزوم ضرورة. فإن قلت قد ثبت الإدراك بدون الحياة في كثير من الجمادات، فقد جاء في معجزات نبينا حنين الجذع الذي كان يخطب عنده المصطفى وبكاؤه، وقول المصطفى: (هذا بكى لما فقد من الذكر)، وتأمين أسكفة الباب وحوائط البيت على دعائه صلى الله عليه وسلم، وانقياد الشجر له مجيئا ورجوعا إلى محلها وشهادتها له، وتسليم الحجر، وذكر المفسرون في آية: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده)[ سورة الإسراء، الآية: 44.] أنه تسبيح بالمقال، لقوله: (ولكن لا تفقهون تسبيحهم) [ سورة الإسراء، الآية: 44.] لا بلسان الحال؛ لأنا نفقهه، قلت: ذلك كله بعد خلق الحياة فيها وخروجها عن الجمادية، وليس ذلك من قلب الحقائق المحال، إذ المحال هو أن تصير الحقيقة مع بقائها عين حقيقة أخرى، أما إذا ذهبت وخلفتها حقيقة أخرى في محلها بعد زوالها وانعدامها فلا محذور فيه، وإذا صح أن تخلف الجمادية الحيوانية بالموت صح أن تخلف الحيوانية الجمادية بالإحياء، ولذلك صح البعث، ومن إدراك الجماد بعد خلق الحياة فيه ما في حديث ابن المبارك وأبي الشيخ في العظمة وغيرهما مرفوعا: (إن الجبل لينادي الجبل باسمه يا فلان هل مر بك اليوم أحد ذكر الله فإذا قال نعم استبشر). قال عون: (أفيسمعن الزور إذا قيل ولا يسمعن الخير، هن للخير أسمع، وقرأ: (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا)، إلى قوله: (ولدا)[ سورة مريم، الآيتان: 98- 99.]. وأخرج أبو الشيخ أيضا وابن مردويه عن ابن عباس: (الزرع يسبح وأجره لصاحبه والثوب يسبح ويقول الوسِخ لصاحبه إن كنت مؤمنا فاغسلني).

ثم إن الحياة لا تتعلق بشيء؛ لأن مفهومها لا يقتضي زيادة على القيام بمحلها، وهو وإن كان المفيض للحياة على كل حي فليس ذلك أثر للحياة، وإنما هو من وجوه تعلقات القدرة كالإماتة، والتخصيص بهما من وجوه تعلقات الإرادة. وزعم بعض المتأخرين أن الحياة متعلقة، وأن من لازمها إفادة الحس والحركة لمن أراد إحياءه وضد ذلك لمن أراد إماتته، فهو الحي والمحيي والمميت، قال ولا معنى للتعلق والتأثير سوى ذلك، فتنبه له. هـ. وفيه نظر؛ لأن تعلق الصفات المتعلقة نفسي لها لا تعقل بدونه، كما أن قيامها بالذات نفسي لها كما في شرح الصغرى، وليست الحياة كذلك، فإنها تتعقل بدون ما جعله لازما لها من إفادة الحس والحركة وضد ذلك، وما ذكره هذا القائل اشتباه منشأه ما ذكره أئمة التصوف من أن الله تعالى يمد عباده من صفات ذاته، أي يعطيهم صفات لها علقة بصفات ذاته وإن لم يكن بينها وبين صفات الذات اشتراك أصلا ولا مشابهة؛ كحياتهم من حياته، وسمعهم وبصرهم من سمعه وبصره، وعلمهم وحلمهم من علمه وحلمه، وغناهم به من غناه، ورحمة بعضهم بعضا من رحمته وهكذا، ويحتمل أن يحمل على هذا حديث: (خلق الله آدم على صورته) ، أي وهبه صفات مرتبطة بصفاته، ولذا قالوا إن ما عدا اسم الجلالة من أسمائه تعالى صالح للتعلق والتخلق، وأما اسم الجلالة فلا يصلح إلا للتعلق، وقال صاحب عوارف المعارف في قول عائشة لما سئلت عن خلقه صلى الله عليه وسلم: (كان خلقه القرآن) ، لا يبعد أن يكون إشارة إلى تخلقه بالصفات الإلهية؛ أي معاني الأسماء الحسنى كالرحمة والعفو والشكر، فعبرت بهذه العبارة احتشاما من الحضرة العلية لوفور عقلها وكمال أدبها.اهـ، انظر المواهب. فالتبس على هذا القائل المدد الذي يذكر الصوفية بالتعلق عند المتكلمين، فظنهما شيئا واحدا، وليس كذلك والله أعلم.

 والحادية عشر: (سمع)، قال السعد: هو صفة تتعلق بالمسموعات[1] هـ. ومتعلقه جميع الموجودات قديمة أو حادثة، فيتعلق سمعه تعالى بذاته وصفاتها الوجودية في الأزل تعلقا تنجيزيا قديما، وبجميع الحوادث عند وجودها تعلقا تنجيزيا حادثا، وقبل ذلك تعلقا صلاحيا، وذهب بعضهم إلى أن السمع القديم يتعلق بالحادث قبل وجوده تعلقا تنجيزيا، فقد قال بعض الصوفية: نوديت في سري قل للجاهلين بي أن سمعي وبصري يتعلقان بالمعدوم الممكن، واستدل على ذلك بقوله تعالى: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها)[سورة المجادلة، الآية: 1]، أي سمعه في أزله؛ لأن لفظ القرآن دل على الكلام القديم وتعلقه القديم، فيكون متكلما في أزله بأنه سمعه، والأصل عدم التأويل، وذهب ابن عبد السلام وتلميذه القرافي إلى أن السمع إنما يتعلق بالأصوات والكلام النفسي؛ إذ لم يرد في الشرع خلافُ ذلك والله أعلم.

 

شرح العالم العلامة البحر الفهامة شيخ الشيوخ سيدي محمد الطيب بن عبد المجيد المدعو ابن كيران المولود سنة 1172هـ المتوفى بمدينة فاس 17 محرم سنة 1227 هـ على توحيد العالم الماهر سيدي عبد الواحد بن عاشر قدس الله سرهما آمين، ص:66-67. 

(طبع على نفقة الحاج عبد الهادي بن المكي التازي التاجر بالفحامين)

مطبعة التوفيق الأدبية


الهوامش:


[1] – المراد بالمسموعات في حقه تعالى هي الموجودات؛ الأصوات وغيرها، وفي حق المخلوق هي الأصوات فقط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق