مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةمفاهيم

في الجُمَلِ غَيْرِ التَّامة

 يحدث كثيرا، وأنا أتابع تصريح أحد المتكلمين لقناة تلفازية أو إذاعية، أن أنشغل باختبار قدرته على التكلم كلاما يصلح لأن يوصف بالتامِّ “المفيدِ فائدةً يحسن السكوت عليها”، فأروح أتتبع – في كلامه- الأفعالَ ومعمولاتها، والمبتدآتِ وأخبارَها، والشروطَ وأجوبتها، والظروفَ ومتعلقاتها، وغير ذلك من المتلازمات التي لا بد من ذكرها مجتمعةً لكي تكون الجمل تامة مفيدة. وكثيرا ما يتملكني الحزن لعجز المتكلم عن ضمان “الفائدة” لكلامه، وانتقاله بين أنصاف الجمل وأرباعها.
وإذا كنا قد نلتمس العذر لهذا المتكلم؛ لكونه لم يتهيأ للكلام، ولم يأخذ له أهبته، فهل يُلتَمس العذرُ لِمَنْ يجلس إلى أوراقه ليَكْتُبَ بعيدا عن “إدهاش” الصحافيين، ومكبرات الصوت، وآلات التصوير؟
إن الكاتب لا يجوز له في هذا المقام ما قد تلتمس فيه الأعذار للمتحدث ارتجالا. ولقد قرأت نصوصا لبعض الكتاب تَشِينها أخطاء مما لا عذر فيه لمرتكبه.

 يحدث كثيرا، وأنا أتابع تصريح أحد المتكلمين لقناة تلفازية أو إذاعية، أن أنشغل باختبار قدرته على التكلم كلاما يصلح لأن يوصف بالتامِّ “المفيدِ فائدةً يحسن السكوت عليها”، فأروح أتتبع – في كلامه- الأفعالَ ومعمولاتها، والمبتدآتِ وأخبارَها، والشروطَ وأجوبتها، والظروفَ ومتعلقاتها، وغير ذلك من المتلازمات التي لا بد من ذكرها مجتمعةً لكي تكون الجمل تامة مفيدة. وكثيرا ما يتملكني الحزن لعجز المتكلم عن ضمان “الفائدة” لكلامه، وانتقاله بين أنصاف الجمل وأرباعها.

وإذا كنا قد نلتمس العذر لهذا المتكلم؛ لكونه لم يتهيأ للكلام، ولم يأخذ له أهبته، فهل يُلتَمس العذرُ لِمَنْ يجلس إلى أوراقه ليَكْتُبَ بعيدا عن “إدهاش” الصحافيين، ومكبرات الصوت، وآلات التصوير؟إن الكاتب لا يجوز له في هذا المقام ما قد تلتمس فيه الأعذار للمتحدث ارتجالا. ولقد قرأت نصوصا لبعض الكتاب تَشِينها أخطاء مما لا عذر فيه لمرتكبه.

– من ذلك مثلا قول أحدهم: «…ولأنَّ الخصوبةَ..فقد زرعوا الصبار في قلوب فلاحيه، وعَلَّموهم البنادق والقتل والخوف من الماء. لأنَّ الخصوبةَ، فقد محقوا طلائع الخضرة وبايعوا الصحراء. ولأنَّ النفطَ، فإن القوافل حجت قبل بضع سنين نحو وديانه من كل فج عميق» (1)- حيث ظل الناسخ ( إن) بغَيْرِ خَبَرٍ في ثلاث جمل.

– ومنه قول ثانٍ: «كان يحيى بن الحكم الملقب بالغزال (ت250هـ/864م) لجماله، فقد كان جميلا في شبابه، وسيما في كهولته، وعمَّر طويلا حتى أدرك خمسة من الأمراء الأمويين بالأندلس هم (..)، وقد ذكر ذلك في أرجوزته التاريخية حيث قال:

  أدْرَكْتُ بالمصر ملوكاً أربعَهْ            وخامساً هذا الذي نحن مَعَهْ

والمعلومات التي بأيدينا عن صباه وفتوته قليلة جدا، وما وصلنا منها تصفه بأنه كان شابا ذكيا»(2)- حيث ظل الناسخُ (كان) في بداية هذا المقطع دون خبر.

– ومنه قول ثالث: «وإذا عدنا إلى طرح السؤال مرة أخرى، عن فسحة المثقف، بعد هذه  الأحداث، خاصة وأن هذه الأحداث أدت إلى ظهور مثقفَيْن جديدَيْن وهما المثقف الإرهابي(..) والمثقف الإحلالي أي ذلك المثقف القادم (إلى العراق مثلا) ليَسْتحل الاحتلال الأمريكي ويعطيه المشروعية والشرعية. لعلهما مثقفان يقفان على طرفي نقيض ولكنهما يطرحان فسحة المثقف من جديد. وتحديدا هل يمكن الحديث عن مثقف نهاية معكوسة؟..»(3)- حيث بقيت الجملة الأولى فيه مفتقرة إلى جواب الشرط.

وإذا نحن أمعنا النظر في الأمثلة المذكورة أعلاه، وفي أصحابها، وظروف كتابتها، أمكننا القول، مع بعض التقدير القابل للخطأ، إن من أسباب عدم اكتمال الجمل بها ما يلي:

أ- الترجمةُ وتلبيسُها الأمرَ على بعض الكتاب، كما في المثال الأول الذي أقدر- والله أعلم- أن صاحبه إنما أُتِيَ من قِبَلِ اللغة الإنجليزية التي يشتغل بتدريسها، إذ يُستعمل فيها اللفظ (because) بمعنيين فيما أعلم:

– أولٌ يرادف (لأن) كما في:

I am happy because I am healthy    /   أنا سعيد لأنني معافى

– وثانٍ يُرادف (بسبب) كما في:

Because of the rain I didn’t go to the theatre / بسبب المطر لم أذهب إلى المسرح.            

وربما فكر الكاتبُ في جمل هذه الفقرة من خلال الإنجليزية، بوعي منه أو دون وعي، هكذا:

Because of the fertility they ……because of the fertility…..and because of the petroleum……

 ثم خانته الترجمة – وهي الخائنة دوما- فجَعَل (لأنَّ) مقابلا لـ (Because) وكان حقها أن تقابل في هذا الموضع بـ(بسبب)، فيقال:”وبسبب الخصوبة زرعوا الصبار(..) بسبب الخصوبة محقوا طلائع الخضرة(..) وبسبب النفط حجت القوافل…”.

ب- الشغفُ بالمعلومات والأفكار، وملاحقتُها، والغفلةُ في غمرة ذلك عن إتمام بعض الجمل. وهذا ما أراه واقعاً في المثالين الثاني والثالث، حيث استغرق الكاتبان في مطاردة بعض المعلومات المرغوب في ذكرها؛ فنَسِيَا إتمام جُمَلٍ في مقاليهما.

ج- كما لا يبعد أن يكون الجهل بقواعد اللغة العربية، أو استسهال الكتابة بها أحيانا من أسباب الوقوع في هذا الخطأ.

وأيا ما كان السبب فإن على كل من يمارس الكتابة أن يحرص على أن يضمن لجمله تمامها، وأن يوقن أن” أول الكتابة إتقان اللغة”(4). وبالله التوفيق.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

إحالات:

1- العلم الثقافي (الملحق الثقافي لجريدة العلم)، عدد يوم 09/11/2002م، ص01.

2- مجلة العربي العدد 559، يونيو 2005م، ص22.

3- العلم الثقافي 04/12/2004م، ص01.

4- جهاد فاضل، العلم الثقافي 20/01/2001م، ص01.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق