مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثشذور

في آداب الصحبة

يقول الفقيه العلامة عمر بن عبد العزيز الكرسيفي الإرغي السوسي ذاكرا بعض ما ينبغي للمؤمن أن يستعمله في تصرفاته قولاً وعملاً من السنن النبوية وآداب الشريعة، التي رغب فيها الشارع الحكيم، ومن ذلك ما جاء في آداب الشاهد، قال: ، ومن ذلك ما جاء في آداب الصحبة، قال:

«مع صحبة الله تعالى بالوقوف على حدوده فعلاً وتركاً ومراقبة السِّر أن يختلج فيه ما لا يرضي، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم، باتباع سنته واجتناب مخالفته فيما قَلَّ وجلَّ، وبمحبة أهله وأصحابه وإكرامهم، قال تعالى: [قل لا أسألكم عليه أجراً إلاَّ المودة في القربى]، وقال عليه السلام: «تركت فيكم الثقلين: كتاب الله وعزة أهل بيتي»، ومع الصالحين بالاحترام والخدمة والتصديق لهم فيما أُخبروا به عن أنفسهم وعن أشياخهم، قال تعالى في الحديث القدسي: «من أهان لي ولياً فقد آذنني بالمحاربة»، ومع العلماء بتعظيمهم وقبول أقوالهم والرجوع إليهم في المهمات، ومع السلطان بالدعاء له عن ظهر غيب وأداء الطاعة له في غير معصية، وإن كان عبداً حبشياً، ومع الوالدين بالبرور والخدمة بالنفس والمال حياتَهما، والدعاء لهما بعد الموت، وصلة رحمهما وأصدقائهما، مع الأهل بالمداراة وحسن الخلق وسعة الصدر وتمام الشفقة والصفح عن العثرات وتأديبهم وتعليمهم وحملهم على الطاعة، ومع الضيف بإظهار الفرح به والبشاشة وطيب الحديث وبذل المعروف ورؤية الفضل له.

قال بعضهم: «من دعانا فأجبنا أو أبينا، فله الفضل علينا، فإن نحن أتيناه رجع الفضل إلينا»، ومع الإخوان بالتَّحفُّظ حالة الاجتماع من الوقوع في محذور كغيبة وإذاية، وبنشر المحاسن، وبستر المساوئ، والموساة بلا منَّة، والمصافاة والمناصحة، قال الخليل رحمه الله: «الثواني إضاعة، والحزم بضاعة، والإنصاف راحة، واللجاج وقاحة، والصفح عن الإخوان مَكْرُمة، ومكافأتهم على الإساءة دناءة»، وعن الشافعي رضي الله عنه قال: «الانقباض عن الناس مكسبة لعداوتهم، والانبساط إليهم مجلبة لقرناء السوء؛ فكن بين المنقبض والمنبسط»، وقال بعضهم: «آداب مجالسة العامة لمن بلي بهم ترك الخوض في حديثهم والإصغاء إلى أراجيفهم، والتغافل عما يجري من سوء ألفاظهم وقلة اللقاء لهم إلاَّ فيما لابد منه»، وأنشد في مخالطة الناس ما نصه:

الـنَّاسُ  دَاءٌ دفـينٌ لاَ دَوَاءَ لَهُ *** تَحَيَّرَ العَقْلُ فِيهِ وَهْوَ مُنْدَهِلُ
إِنْ كُنْتَ مُنْبَسِطاً سَمَّوْكَ مَسْخَرَةً *** إنْ كُنْـتَ  مُنْقَبِضاَ  قَالُوا  بِهِ ثِقْلُ
إنْ كُنْتَ خَالَطتهُمْ قَالوا: به  طمَعٌ *** إِنْ كُنْتَ فارَقتَهـم قالـوا: به مَلـل
وإِن  تَنَزَّهتَ  عن أمـوالهم كرَما *** قالوا: غنِيٌّ، وإن سألتهم: بَخِلُوا

وكفارة المجلس أن يقال عند الافتراق منه ثلاثاً: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلاَّ أنت استغفرك وأتوب إليك، عملتُ سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلاَّ أنتَ».

المصدر:

المؤلفات الفقهية الكاملة لعمر بن عبد العزيز الكرسيفي (ت1214هـ) (ص: 59 – 60)، منشورات وزارة الأوقاف والشؤن الإسلامية بالمغرب، الطبعة الأولى (1427هـ/2006م).

Science

الدكتور محمد فوزار

باحث مؤهل بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء الرباط

منسق مصلحة الطبع والنشر وتنظيم المعارض بالرابطة المحمدية للعلماء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق