فوائد وعظات من سرية سيف البحر
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه.
بعث النبي صلى الله عليه وسلم عدة سرايا، وكان الغرض منها إضعاف شوكة قريش ومحاصرتها اقتصاديا، ومن بين هذه السرايا؛ “سرية أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه” التي تسمى بسرية سيف البحر، فمتى كانت هذه السرية؟ وما هي أبرز وأهم أحداثها ؟ وما هي الفوائد والعظات المستفادة منها؟
تاريخ سرية سيف البحر:
إن الروايات التي جاءت في الصحيح ليس فيها تحديد لتاريخ وقوعها([1])، بينما حددها بعض أهل المغازي والسير بشهر رجب([2]) ، إلا أن ذلك وهم كما قال ابن القيم الجوزية([3]) وكذا ابن حجر العسقلاني([4]) ورجحا أنها كانت قبل الهدنة، وقبل عمرة الحديبية ([5]).
ملخص أحداث السرية:
وملخص أحداثها كما جاء في الصحيح عن جابر بن عبد الله قال: “بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مائة راكب، أميرنا أبو عبيدة بن الجراح نرصد عير قريش، فأقمنا بالساحل نصف شهر، فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط([6]) ، فسمي ذلك الجيش جيش الخبط، فألقى لنا البحر دابة يقال لها: العنبر فأكلنا منه نصف شهر، وادهنا من ودكه حتى ثابت إلينا أجسامنا، فأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه فنصبه، … وكان رجل من القوم نحر ثلاث جزائر ، ثم نحر ثلاث جزائر، ثم نحر ثلاث جزائر([7])، ثم إن أبا عبيدة نهاه وكان عمرو يقول: أخبرنا أبو صالح أن قيس بن سعد قال لأبيه: كنت في الجيش فجاعوا، قال: انحر، قال: نحرت، قال: ثم جاعوا، قال: انحر، قال: نحرت، قال: ثم جاعوا، قال: انحر، قال: نحرت، ثم جاعوا، قال: انحر، قال: نهيت”([8])
من فوائد وعظات سرية سيف البحر:
لقد أورد بعض شراح الحديث، وبعض أعلام السير والمغازي بعض الفوائد الفقهية المستفادة من هذه السرية نلخصها في الآتي:
قال النووي رحمه الله في شرحه لمسلم: في هذا الحديث جواز صد أهل الحرب واغتيالهم والخروج لأخذ مالهم واغتنامه ([9])،وأن الجيوش لابد لها من أمير يضبطها وينقادون لأمره ونهيه، وأنه ينبغي أن يكون الأمير أفضلهم، قالوا: ويستحب للرفقة من الناس، وإن قلوا أن يؤمروا بعضهم عليهم وينقادوا له([10])، وقد قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: يستحب للرفقة من المسافرين خلط أزوادهم، ليكون أبرك وأحسن في العشرة، وأن لا يختص بعضهم بأكل دون بعض([11]).
قال ابن حجر في فتح الباري: وفي الحديث من الفوائد أيضا مشروعية المواساة بين الجيش عند وقوع المجاعة، وأن الاجتماع على الطعام يستدعى البركة فيه([12]).
ومن الفوائد المستفادة منها كذلك كما قال ابن القيم الجوزية:
جواز أكل ورق الشجر عند المخمصة، وكذلك عشب الأرض.
وفيها : جواز نهي الإمام وأمير الجيش للغزاة عن نحر ظهورهم وإن احتاجوا إليه خشية أن يحتاجوا إلى ظهرهم عند لقاء عدوهم، ويجب عليهم الطاعة إذا نهاهم. ([13]) .
ومن الفوائد كذلك: إباحة ميتات البحر كلها، سواء في ذلك ما مات بنفسه، أو باصطياد([14]).
وفيه: جواز الاجتهاد في الأحكام في زمن النبي صلى الله عليه و سلم كما يجوز بعده([15]).
وفيه: أنه يستحب للمفتى أن يتعاطى بعض المباحات التي يشك فيها المستفتى إذا لم يكن فيه مشقة على المفتى، وكان فيه طمأنينة للمستفتى([16]).
وختاما يمكن أن نخلص من خلال هذه السرية إلى الآتي:
1-الاجتماع على الطعام سبب لحصول البركة.
2- الصبر وحسن التوكل على الله تعالى.
3-فضل التمر ومكانته.
4-نعم الله على عباده لا تعد ولا تحصى.
5-طريق الدعوة طريق صعب ومسلك وعر يحتاج إلى صبر.
6-منقبة عظيمة لأمير السرية أبي عبيدة رضي الله عنه، وكرم الصحابي الذي ذبح للجيش كل يوم ثلاثة جزور إلى أن نهاه عن هذا الفعل أمير السرية أبا عبيدة رضي الله عنه .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
*****************
هوامش المقال:
([1]) أنظر صحيح البخاري (3 /165)، كتاب: المغازي، باب: غزوة سيف البحر، برقم: (4360)، وصحيح مسلم (2/ 932)، كتاب: الصيد والذبائح، باب: إباحة ميتة البحر، برقم: (1935).
([2]) عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير (2/ 204).
([3]) زاد المعاد في هدي خير العباد (3/ 343).
([4]) فتح الباري (8/ 313-314).
([5]) زاد المعاد في هدي خير العباد (3 /344).
([6]) الخبط: ورق الشجر. النهاية في غريب الحديث والأثر (2 /8) مادة : “خبط”.
([7]) الجزائر: مفرده جزور وهو: البعير ذكرا كان أو أنثى . النهاية في غريب الحديث والأثر (1 /258).
([8]) صحيح البخاري (3/ 165)، كتاب: المغازي، باب: غزوة سيف البحر، برقم: (4360)، وصحيح مسلم (2 /932)، كتاب: الصيد والذبائح، باب: إباحة ميتة البحر، برقم: (1935)، واللفظ للبخاري.
([9]) صحيح مسلم بشرح النووي (7 /97).
([10]) صحيح مسلم بشرح النووي (7 /96).
([11]) صحيح مسلم بشرح النووي (7/ 97).
([13]) زاد المعاد في هدي خير العباد (3/ 345-346).
([14]) صحيح مسلم بشرح النووي (7/ 98).
([15]) صحيح مسلم بشرح النووي (7 /98).
([16]) صحيح مسلم بشرح النووي (7 /98).
************************
لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:
الجامع الصحيح. أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه وتصحيحه وتنقيحه: محب الدين الخطيب، ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وراجعه وقام بإخراجه وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة. ط 1/ 1400هـ.
زاد المعاد في هدي خير العباد. لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر الزرعي المعروف بابن القيم الجوزية. حقق نصوصه وخرج أحاديثه وعلق عليه: شعيب الأرنؤوط- عبد القادر الأرنؤوط. مؤسسة الرسالة بيروت. ط3/ 1418هـ- 1998مـ
صحيح مسلم بشرح النووي. حققه وخرجه وفهرسه: عصام الصبابطي- حازم محمد- عماد عامر. دار الحديث القاهرة. ط4 /1422هـ- 2001مـ..
صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج للزبيدي.دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427هـ-2006 مـ.
عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير. لأبي الفتح محمد بن سيد الناس ضبطه وشرحه وعلق عليه. إبراهيم محمد رمضان. دار القلم ط1/ 1414هـ- 1992مـ .
فتح الباري بشرح صحيح البخاري. لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. حقق أصولها وأجازها: عبد العزيز بن عبد الله بن باز. طبعة تمتاز بتصحيح أطراف الأحاديث. دار الفكر بيروت لبنان. ط1/ 1440هـ – 1441هـ- 2019مـ
النهاية في غريب الحديث والأثر. لأبي السعادات المبارك بن محمد ابن الأثير الجزري. خرج أحاديثه وعلق عليه: أبو عبد الرحمن صلاح بن محمد بن عويضة. دار الكتب العلمية بيروت 2010مـ.
*راجع المقال الباحث: يوسف أزهار
