مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات محكمة

فوائت معاجم اللغة في كتاب «معاني الشعر» للأشنانداني

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على نبيه الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 ——————————–

أما بعدُ، فهذا بحث لطيف في كتاب نادر لم يُعْطَ حقه من العناية والاهتمام، ولا تكاد تعرفه إلا القِلة القليلة من الباحثين والمُشتغلين بالأدب، على منزلة صاحبه وتقدّمه. والناظر في الكتاب يتبيَّنُ أنه شاهد عَدل على مرحلة من تاريخ العلم بالشعر العربي، وهي مرحلة القرن الثالث الهجري حيث الأئمة الأعلام الكُثر المتقدّمون، ومنهم الأشنانداني الذي أخذ عمن تقدمه كالتوّزي وأبي عبيدة، وهذان أخذا عن الأصمعي، والأصمعي أخذ عن أبي عمرو بن العلاء. فلذلك كانت للأشنانداني هذه المنزلة في سند الأخذ عن العلماء علمَ الشعر والعربية، وعنه أخذ البصريون، ومنهم أبو بكر بن دريد، فنعلم بذلك كيف كان التأليف عندهم في هذا الباب، وما كانوا يعتمدون عليه من العلوم في بيانه.

وخَلة أخرى للكتاب، وهي أنه من الكتب القليلة التي وصلتنا من ذلك العصر في بابها، وهو باب معاني الشعر التي ألّف فيها أئمة كبار مثل: الأخفش وثعلب وابن قتيبة وغيرهم.

والطبعة التي بين أيدينا هي طبعة جمعية الرابطة الأدبية في دمشق سنة 1922م، وفيها كثير من أخطاء الطبع والسهو في التحقيق لوقوع نسخة وحيدة مخطوطة للكتاب إليهم، وقد حصلتُ عليها ورجعتُ إليها في كثير مما أشكل على محققي الكتاب مما تجده مُنبهًا عليه في مواضعه. وجاء بعدهم الدكتور صلاح الدين المنجد سنة 1964م فاعتنى بهذه الطبعة مصححا بعض أخطاء الطبع، لكنه ترك التحقيق كما هو والحواشي كما قررها أصحابها مع أن فيها سهوا كثيرا. ثم جاءت دار الكتب العلمية ببيروت فَسَطَتْ على الطبعتين الأوليين كما يسطو على الحديدِ المِبْرَدُ، فنشرت الكتاب باسمها خِلْوًا من اسم المحققين أو اسم الجمعية، مع فساد كبير في الضبط وإسقاط للفهارس، وهي الطبعة الرائجة للكتاب مع الأسف.

صاحب الكتاب:

أما صاحب الكتاب، أو مَن نُسب إليه الكتاب، فهو أبو عثمان سعيد بن هارون الأشنانداني. قال أبو البركات الأنباري: «وأما أبو عثمان الأشنانداني رحمه الله، فإنه كان من أئمة اللغة، أخذ عن أبي محمد التوّزي، وأخذ عنه أبو بكر بن دريد»(1).

وقد تفرّد ياقوت الحموي في معجم الأدباء بتعيين سنة وفاته، فقال: «كان نحويا لغويا من أئمة اللغة، أخذ عن أبي محمد التّوزي، وأخذ عنه أبو بكر ابن دريد. وله من التصانيف: كتاب معاني الشعر يرويه عنه ابن دريد، وكتاب الأبيات، وغير ذلك. مات سنة ثمان وثمانين ومائتين»(2).

فبذلك نعلم أنه من أئمة القرن الثالث. وأما نسبة كتاب الأبيات له ففيها نظر، فإنه لم يصلنا هذا الكتاب ولا عُلم عنه شيء، وذكره القِفطي في إنباه الرواة باسم «كتاب الأبيات الفريدة»(3)، وإنما قلت فيه نظر لأن البغدادي أورد في الخزانة بيتين وذكر أن ابنَ دريد أوردهما عن أبي عثمان الأشنانداني في كتابه، وسماه: «كتاب أبيات المعاني»(4)، فكأن البغدادي جمعهما في اسم واحد، ومن ذلك أُتِي الذين فرّقوا بينهما وجعلوهما كتابين. وقد علمنا أن القدماء يختصرون أسماء الكتب كثيرا، فلعلهم تارة يذكرونه باسم «معاني الشعر»، وتارة باسم «أبيات المعاني»، وتارة أخرى باسم «كتاب الأبيات» اختصارا. والله أعلم بالصواب.

ذكر سند الكتاب:

الكتاب كما هو مذكور في مقدمته روايةُ أبي منصور محمد بن علي بن إسحاق الكاتب عن أبي سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي عن أبي بكر محمد بن دريد عن أبي عثمان سعيد بن هارون الأشنانداني. وقد أخذه الأشنانداني عن جماعة، منهم التوزي عن أبي عبيدة، ومنهم سعيد بن مسعدة الأخفش، ومنهم أبو عمر الجرمي، ويُعزى الكتاب إلى الأشنانداني من طريق ابن دريد.

والذين ترجموا للأشنانداني يذكرون أن الكتاب له، والذي أراه أن حالَه في ذلك كحال كتاب فحولة الشعراء المنسوب للأصمعي، فهو سؤالات لأبي حاتم السجستاني يسألها الأصمعيَّ، فالأمر في ذلك سيان، لذلك نجد اختلاف عبارة التَّحَمُّلِ في الكتاب، فتارة نجد: وأخبرنا أبو بكر، وأنشدني أبو عثمان، وأخبرنا أبو عثمان…

القول في أبيات المعاني:

يُقصد بها تلك الأبيات التي عسُر على الناظر فيها دَرْكُ معناها أول الأمر، فيحتاج معها إلى إعمال النظر والغَوْر في التأويلات المحتملة، والعلم بمذاهب العرب في كلامهم، وأنهم لا يقصدون في ذلك ظاهر اللفظ وما يتبادر إلى الذهن، وإنما يقصدون المعاني الخفية التي يُعمل الشاعر فيها يَده فيُجِيلُها بالتورية عنها، فلا تُدرك إلا بعد كَدِّ الذهن وإعمال الفكر. وقد عرض السيوطي في المُزهر لهذا المبحث وسلكه في باب الألغاز، قال: «وهي أنواع ألغازٍ قصدتها العربُ، وألغاز قصدتها أئمة اللغة، وأبيات لم تَقْصد العرب الإلغازَ بها، وإنما قالتها فصادف أن تكون ألغازا، وهي نوعان: فإنها تارة يقع الإلغاز بها من حيث مَعانيها، وأكثرُ أبيات المعاني من هذا النوع، وقد ألف ابن قتيبة في هذا النوع مجلدا حسنا، وكذلك ألّف غيره، وإنما سموا هذا النوع أبياتَ المعاني لأنها تحتاج إلى أن يسأل عن معانيها ولا تفهم من أول وَهْلة، وتارة يقع الإلغاز بها من حيث اللفظ والتركيب والإعراب»(5).

ما فات المعاجم وكتب اللغة من الألفاظ التي ذكرها الأشنانداني:

جمع الكتاب قدرا صالحا من الألفاظ الغَرِيبَةِ التي ترد غالبا في الشعر الجاهلي، وأكثر هذه الألفاظ مما لم تَنُصَّ عليه المعاجم وكتب اللغة، وإنما هي ألفاظ اكتسبت معانيَها من سياقها الذي وردت فيه داخل البيت، لذلك فَاتَهُم التنبيهُ عليها. ولا يُعلم من ذلك أنها لم تَرِدْ قَطُّ في كتاب، وإنما لا تكاد تجدها إلا في الكتاب الواحد أو الكتابين، أو تجدها مشارا إليها عَرَضا وليس في مادتها من المعاجم، وبه نعلم أن كثيرا من معاجم اللغة التي بين أيدينا لم يستوفِ المادة التي يُعرض لها في خلال كلامهم.

وفيما يلي بعض هذه الكلمات التي وقعتُ عليها في أثناء اطلاعي على الكتاب مع معارضة ذلك بما هو مُثبت في المخطوط الأصل، وقد اجتمع لدي ما أنت راءٍ مما حاولتُ أن أجدَ له نظائر من كتب اللغة والمعاجم، أو أُثبتَ وقوعه في مظانه مع إشارة المحققين إلى أنهم لم يجدوه:

  • النَّاهِلُ:

ذكره الأشنانداني في أول الكتاب عند قول القائل:

وَشَعْثَاءَ غَبْرَاءِ الْفُرُوعِ مُنِيفَةٍ /// بِهَا تُوصَفُ الْحَسْنَاءُ أَوْ هِيَ أَجْمَلُ

دَعَوْتُ بِهَا أَبْنَاءَ لَيْلٍ كَأَنَّهُمْ /// وَقَدْ أَبْصَرُوهَا ‌مُعْطِشُونَ ‌قَدَ انْهَلُوا

قال: «والناهل أيضا: الذي سقى إبلَه أول سقية، وهو من الأضداد، زعموا».

قال محققو الكتاب: «لم يوجد ناهل بهذا المعنى، وإنما جاء الناهل بمعنى الشارب أول الشرب، وجاء بمعنى الرّيان والعطشان، وهذا من الأضداد، ولو قال: والمُنْهِل، لتمّ له ما أراد».

قلت: جاء في تهذيب الأزهري: «وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: أَنهلْتُ الإبلَ: وَهُوَ أول سَقْيِكَهَا، وَقد نَهلَتْ هِيَ: إِذا شَرِبت فِي أول الوُرودِ. أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: إِذا أَورَد إبلَه الماءَ؛ فالسَّقيَةُ الأولى النَّهَل، وَالثَّانيَة العَلَل»(6).

قوله: إذا أوردَ إبله الماء، أي: إذا أنهل، وعليه فاسمُ الفاعل منه مُنْهِل، ويشهد له ما أنشده في اللسان:

أَعَلَلًا وَنَحْنُ مُنْهِلُونَهْ؟(7)

إلا أن في كلام الأشنانداني ما يقتضي صياغته من الثلاثي «نهل»، لذلك قال: الناهل، ولم أجده في كلامهم بهذا المعنى، إنما الناهل عندهم الريّان أو العطشان؛ لأنه من الأضداد كما مرّ.

وقوله: فالسَّقيَةُ الأولى النَّهَل، وَالثَّانيَة العَلَل، قال حسّان بن ثابت في لاميته التي يُجيب فيها ابنَ الزِّبَعْرَى بعد وَقعة أُحُد:

نَضَعُ الْخَطِّيَّ فِي أَكْتَافِكُمْ /// حَيْثُ نَهْوِي عَلَلًا بَعْدَ نَهَلْ(8)

  • أَسْقَابٌ:

ذكرها عند تفسيره لقول القائل:

فَمَا صَرَمَتْ شَهْرَيْنِ حَتَّى رَأَيْتُهَا /// تُنَتِّجُ أَسْقَابًا تَرُوقُ وَتُونِقُ

جعل الأسقاب جمعا لسَقْبٍ، وهو ولد الناقة ساعةَ يولد ويعرف أنه ذَكر، فإذا عُرف أنه أنثى فهو حائل.

أما ابن دريد، فجعله جمعا لسَقب، وهو عمود الخِباء(9).

ووجدت في معجم التقفية في اللغة للبندنيجي (توفي سنة 284هـ): «والأسقاب: جمع سقب»(10)، ولم يقيدها بولد الناقة أو بواحد العمود كما عند ابن دريد.

أما معاجم اللغة فلم تذكر الأسقاب جمعا لسقب، والذي فيها: السقاب والسقبان والأسقب والسقوب.

  • سَرَيْنَا لَيْلَةَ ابْنِ أَنْقَدَ:

وهو مثل من أمثالهم، ذكره الأشنانداني في تفسير قول الشاعر:

أَيُثْوِي عِيَاضًا وَلَمْ أَتَّئِرْ /// وَيَحْتَلُّ فِي سَلْوَةٍ أَنْقَدَا؟

أنقد: هو القنفذ، ولا يكون إلا في أرض سهلة، وفيه حذف المضاف، والتقدير: أرض أنقد.

قال الأشنانداني: «ومثل من أمثالهم: سرينا ليلة ابن أنقد، أي: سرينا ليلنا كله؛ لأن القنفذ لا ينام».

ومعنى البيت: أيُقتل عياضٌ ويبقى قاتلُه في سلوة من العيش كأنه في أرض أنقد، ولم آخذ بثأره؟

ومحققو الكتاب في الحاشية ذكروا أنه يُقال: أسرى بليل أنقد، وبات بليل أنقد، من غير ذكر «ابن».

والذي في المراجع أنه يقال بهما جميعا، قال ابن دريد: «وأنْقَدُ: اسْم من أَسمَاء القُنْفُذ، يُقَال فِي مثل: بَات فلَان بليلِ أنْقَدَ، وبليلِ ‌ابنِ ‌أنقدَ، إِذا بَات ساهراً؛ لِأَن الْقُنْفُذ لَا ينَام اللَّيْل»(11). ولعل المحققين أُتُوا من قِبل مجمع الأمثال للميداني، فإنه لم يذكر ابن أنقد، والذي فيه: بات بليلة أنقد، وأسرى من أنقد، واجعلوا ليلكم ليلَ أنقد(12).

  • الأَوْبُ:

قيّده الأشنانداني بالرجوع ليلا عند تفسيره لقول الشاعر:

وَآبَ كَلَوْنِ اللَّيْلِ وَاللَّيْلُ مُظْلِمٌ /// إِلَى مِثْلِ لَوْنِ الصُّبْحِ وَالصُّبْحُ أَزْهَرُ

قال: «والأوب: الرجوع ليلا، ولا يقال: أُبْنا نهارا». واستشهد ببيت النابغة:

وَلَيْسَ الَّذِي يَرْعَى النُّجُومَ بِآيِبِ

وأنكره محققو الكتاب، والذي في المعاجم أنه الرجوع، أو ضرب منه، ولا يقيدونه بالليل إلا ما كان من التأويب، فهو الإتيان ليلا، يقال: وتَأَوَّبْتُهُمْ: إذا أتيتهم ليلا(13).

وذَكَرَ معانيَه في القاموس، قال «والأَوْبُ: السحابُ، والريحُ، والسُّرْعَةُ، وَرَجْعُ القَوائمِ في السَّيْرِ، والقَصْدُ، والعادَةُ، والاسْتِقَامَةُ، والنَّحْلُ، والطريقُ، والجهةُ، وورُودُ الماءِ لَيْلاً، وجمْعُ آيبٍ، كالأُوَّاب والأُيَّابِ»(14).

  • الضَّوَامِرُ:

في قول الشاعر:

وَتَقْضِي الْقُرَاسِيَّاتُ بِالْعَدْلِ بَيْنَنَا /// وَيَحْكُمُ فِيهَا ذُو الْكِلَابِ فَيَجْنَفُ

إِذَا كَاسَ مِنْهَا مُشْمَخِرٌّ بِنَاؤُهُ /// أَسَاخَتْ وَلَمْ تُذْعَرْ ضَوَامِرُ تَصْرِفُ

فسّر الضوامرَ بأنها التي لا تجتر، ومحققو الكتاب ذكروا أنهم لم يجدوها بهذا المعنى، وإنما هي من الضمر، أي: الهزال ولحاق البطن. وقد عدت إلى المخطوط فوجدتها: الضوامز، بالمعجمة، والنقطة فيها ظاهرة، لكن المحققين نظروا إلى الكلمة المتداولة، وهي الضوامر، فأثبتوها.

والضوامز بالمعجمة: جمع ضامز، قال في الجمهرة: «ضَمَزَ البعيرُ يضمِز ضَمْزاً، إِذا أمسكَ عَن جِرَّته فَلم يجترَّ. وضَمَزَ الرجل، إِذا سكت فَلم يتكلّم، فَهُوَ ‌ضامِز أَيْضا، وَالْقَوْم ضُموز، أَي: سُكوت»(15).

  • النُّطْفَةُ:

في قول الشاعر:

تَوَخَّى بِهَا مَجْرَى سُهَيْلٍ وَخَلْفَهُ /// إِلَى الشَّامِ أَعْلَامٌ تَطُولُ وَتَقْصُرُ

فَلَمَّا رَأَى أَنَّ النِّطَافَ تَعَذَّرَتْ /// رَأَى أَنَّ ذَا الْكَلْبَيْنِ لَا يَتَعَذَّرُ

قال الأشنانداني: «يريد نِطاف الماء، والنطفة الماء المجتمع لا يكون إلا قليلا».

فقيّده بالقلة، وردّه محققو الكتاب بما نقلوه عن القاموس والتهذيب بأنه يقال للقليل والكثير، وإنما هو بالقليل أخص.

والذي في جمهرة ابن دريد يعضد قول الأشنانداني، قال: «والنُّطفَة: مَعْرُوفَة، وكل مَاء مُجْتَمع نُطْفَة، وَلَا يكون إِلَّا قَلِيلا»(16).

وأكثر ما في المعاجم أنها تُقال للكثير والقليل جميعا، وأنها أخص بالقليل.

  • الرَّأْيُ:

فسّره الأشنانداني بمَدى الطَّرف في قول القائل:

تَوَقَّعَ لَا يَأْوِي لِمُسْتَنْهِضَاتِهِ /// إِذَا حَالَ دُونَ الرَّأْيِ شَخْصٌ تَطَالَلَا

إِذَا رَجَعَتْ حَسْرَى بَوَادِرُ طَرْفِهِ /// رَأَى الْجَوْنَ مِنْ وَجْهِ الْغَزَالَةِ أَطْحَلَا

قال محققو الكتاب: «لم نجد من فسر الرأي بمدى الطرف»، وليس كما قالوا، ولعل منه قول الله تعالى: {تَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ} [آل عمران: 13]، ويُقوّي قولَ الأشنانداني ما في الجمهرة أيضا، قال: «والرأي: مُنْتَهى الْبَصَر، ‌رَأْي ‌الْعين: مُنْتَهى بصرها»(17). وقال في التهذيب: «ورأيتُه ‌رَأي ‌العَيْن، أَي حَيث يَقَع البَصَرُ عَلَيْهِ»(18)، فهذا هذا.

  • الطُّحْلَةُ:

وردت في البيت السابق، قال الأشنانداني: «والطحلة: سواد فيه حمرة كلون الطحال، وكذلك يرى الإنسان الشمس إذا أحدّ النظر إليها ثم غمض عينه وفتحها حتى ترجع إليه قوة بصره».

ولم يستسغها المحققون بما نقلوا عن كتب اللغة من أنها لون بين الغبرة والبياض بسواد قليل كلون الرماد. وهذا أيضا ما في المعاجم وكتب اللغة، لكن اشتقاقها من الطحل يفسر ما ذهب إليه الأشنانداني، ويجعل له وجها من كلام القوم.

  • الغَزَالَةُ:

وردت في البيت السابق أيضا، قال الأشنانداني: «والغزالة وقت طلوع الشمس ساعةَ تشرق، ولا تسمى غزالة إذا ارتفعت».

وتعقيب المحققين يفيد أنهم يرونها الشمس بعينها، لا وقتها.

قلت: في الجمهرة ما يقتضي إجازة الأمرين جميعا، قال ابن دريد: «والغزالة: الشَمس عند طلوعها، يُقال: طلعت ‌الغزالة، ولا يقال: غَابَتْ ‌الغَزالةُ، قَال الأصمعي: ليس ‌الغَزالة الشَمس بِعينها، ولكن ‌الغَزالة: وقت طلوع الشَمس، واحتجّ بقول ذِي الرُّمَّة:

وَأَشْرَفْتُ ‌الْغَزَالَةَ رَأْسَ حُزْوَى /// أُرَاعِيهِمْ وَمَا أُغْنِي قِبَالَا»(19).

وفي صحاح الجوهري: ويقال: ‌الغَزالَةُ الشمس أيضاً(20). وعلل المرزوقي تسمية الشمس بالغزالة لدوران قرصها في مرأى العين(21). فلذلك جاز القولان عند أهل اللغة.

10- البَاشُورَةُ:

في قول الشاعر:

وَلَمَّا رَأَتْ لِلصُّبْحِ فِي غَسَقِ الدُّجَى /// تَبَاشِيرَ لَمْ تُسْتَرْ بِمَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ

رَعَتْ مَا بَقَا مِنْ لَيْلِهِ فِي نَهَارِهِ /// تَحِنُّ إِلَى بَعْضٍ وَيَذْعَرُهَا بَعْضُ

قال الأشنانداني: «وتباشيرُ كلِّ شيء: أوله، يقولون: رأينا تباشير الصبح، وهو ابتداء ضوئه في سواد الليل، وبذلك سُمي أولُ ما يبدو من الثمار: الباكورة والباشورة».

والذي في المعاجم وكتب اللغة التباشير فقط، لا يذكرون لها مفردا كما فعلوا مع البواكير فقالوا: واحدها: باكورة. وكذلك ابن دريد الذي أخذ عن الأشنانداني لم أجده في الجمهرة ذكر الباشورة مفردا للتباشير.

غير أني وجدت في الفائق للزمخشري أن التباشير واحدتها تبشيرة، قال: «التبشيرة: وَاحِد التباشير، وَهِي الأوائل والمبادئ، وَمِنْه تباشير الصُّبْح»(22).

وما في كلام الأشنانداني يُفيد قياسها على الباكورة.

11- الهْرَاجِيبُ:

في قول الشاعر:

وَأَسْمَرَ أَحْيَاهُ وَقَدْ مَاتَ حِقْبَةً /// حَفِيفُ هَرَاجِيبٍ مَعَ الْفَجْرِ رُزَّحِ

فسّر الهراجيب بأنها الناقة التامة السريعة الخطو، والذي نقله محققو الكتاب من قول صاحب القاموس، أنها الطويلة الضخمة.

وفي المخصص لابن سيده: «وناقة ‌هِرْجَاب: سريعة، وَقد تقدَّم أَنَّهَا الطَّوِيلَة الضَّخْمَة»(23). فجمع بين القولين، وفي الجمهرة ما يُفيد الجمع أيضا، وفيها أن الهرجاب السريعةُ والطويلةُ على وجه الأرض والخفيفة(24).

ولم أجد من فسرها بأنها التامّة كما عند الأشنانداني، وأكثر الذي في المعاجم وكتب اللغة أنها الطويلة الضخمة.

————————————–

والله أعلم، والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على نبيه وعلى آله وصحبه أجمعين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

  1. نزهة الألباء في طبقات الأدباء، تحقيق إبراهيم السامرائي، مكتبة المنار: (155:1).
  2. انظره بتحقيق إحسان عباس (1376:3).
  3. بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي: (151:4).
  4. خزانة الأدب للبغدادي: (409:10).
  5. المزهر للسيوطي، دار الكتب العلمية: (450:1).
  6. تهذيب اللغة للأزهري: (مادة: نهل).
  7. لسان العرب: (مادة: نهل).
  8. ديوان حسان بشرح البرقوقي: 303.
  9. جمهرة اللغة لابن دريد: 2/664.
  10. التقفية في اللغة: 178.
  11. الجمهرة: 2/677، وانظر كذلك: المستقصى للزمخشري 2/4، والفصول والغايات للمعري 52، والأزمنة والأمكنة للمرزوقي 283.
  12. مجمع الأمثال للميداني: 1/97، 1/176، 1/354.
  13. لسان العرب: (مادة: أوب).
  14. القاموس المحيط للفيروزآبادي: (مادة: أوب).
  15. جمهرة اللغة لابن دريد: 2/812، وانظر لمادة (ضمز) معاجمَ اللغة، ففيها تفصيل.
  16. جمهرة اللغة: 2/920.
  17. جمهرة اللغة: 1/235.
  18. تهذيب اللغة للأزهري: (مادة: رأى).
  19. الجمهرة: 2/819.
  20. صحاح الجوهري: (مادة: غزل).
  21. الأزمنة والأمكنة للمرزوقي: 288.
  22. الفائق في غريب الحديث والأثر للزمخشري: 1/113.
  23. المخصص: 2/197.
  24. تجدها في الجمهرة في مواضع متفرقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق