مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات محكمة

فقه العمليات في التراث الفقهي المغربي فقه الشركات ومتعلقاتها نموذجا(6)

ما جرى به العمل في المزارعة:

1- اللزوم في المزارعة لا يكون إلا بالشروع في العمل كالشركة:

وقع الخلاف في المذهب في شأن اللزوم في المزارعة أَهو بمجرد العقد، أم بالإبذار، أم بالشروع في العمل، وقد تحصل في هذه المسألة أقوال ثلاثة وهي:

أ- أن المزارعة لازمة بمجرد العقد، وهو قول ابن الماجشون وسحنون وابن القاسم في كتاب ابن سحنون.

ب- أنها لازمة بالإبذار، وهو قول ابن القاسم في المدونة.

ج- أنها لا تلزم إلا بالشروع في العمل، وهو قول ابن كنانة في المبسوط.

ومنشأ الخلاف في المسألة: دورانُ المزارعة بين الإجارة والشركة، فالقائل بلزومها بالعقد لاحظ فيها معنى الإجارة، ومن قال بمقابل ذلك نزلها منزلة الشركة، وبالقول الأخير جرى العمل بقرطبة.

قال السجلماسي في نظم العمل المطلق:

ومُتشـارِكـا المزارعـة مـا لم يشرعـا عقدهما ما لزما
بذلك الفتـيـا ومهمـا سلمـا من اكتراء الأرض مما قد حرما

وقد حكى الأقوال الثلاثة المذكورة جماعةٌ منهم المتيطي وابن سلمون وابن عات والجزيري والفشتالي بألفاظ مختلفة، وكلهم ذكروا العمل بالقول المذكور وهو أن المزارعة لا تلزم إلا بالشروع([1]).

وقال ابن ناجي: «اختلف المذهب هل تلزم الشركة بالعقد أم لا على ثلاثة أقوال حكاها ابن رشد، فقيل: تلزم به، قاله سحنون وابن الماجشون وابن كنانة وابن القاسم في كتاب ابن سحنون، وقيل: لا تلزم به بل بالشروع، قاله ابن كنانة في المسبوط، وبه جرت الفتوى بقرطبة، وهو على قياس رواية علي بن زياد في لزوم الجعل بالشروع، وقيل لا تلزم إلا بالإبذار، قاله ابن القاسم في المدونة، ورواه عنه أصبغ في العتبية»([2]).

وقد نظم أبو علي المعداني هذه المسألة فقال:

فذاتُ زرع دون ما تحامـل بالعقد أو البذر أو بالعمـل
مذهبها الثاني والثالـث قضـى به وغيرها بعقد ارتضـي([3])

ومن فتاوى العلماء المنزلة على مقتضى العمل المذكور فتوى أبي الحسن الصغير الواردة في المعيار ونصها: «وسئل عن خماس عقد الشركة مع صاحب البقر ثم غاب قبل الشروع في العمل فحرث صاحب البقر أياما، فقدم الخماس فقال لا أحرث حتى تدخلني فيما حرثت بيدك وأنا غائب، وأدخله فيه فحرث، فهل يجوز هذا أم لا؟ فأجاب: أما على القول بأن الشركة لا تلزم إلا بالشروع، وعليه العمل، فلا يجوز هذا؛ لأن العقد اليوم لزم، فكأنه عقد معه الشركة على أن أعطى خمس هذا المحروث المجهول ولا يجوز. وعلى القول بأنها تلزم بالعقد يجوز لأنه مجرد طوع،

فلو غاب بعد ما شرع لجاز أن يدخله فيه اتفاقا، لأنه هبة خمس من هذا الحرث»([4]).

الهوامش:


[1]- انظر فتح الجليل الصمد، ص 234-235.

[2]- شرح ابن ناجي على متن الرسالة 2/164، مطبوع مع شرح زروق على متن الرسالة دار الفكر 1982، وانظر المقدمات الممهدات 2/211، ومواهب الجليل 7/153.

[3]- حاشية المعداني على شرح ميارة للتحفة، 2/199.

[4]- المعيار، 8/157.

د. إدريس غازي

• خريج دار الحديث الحسنية ـ الرباط.
• دكتوراه في الدراسات الإسلامية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله ـ فاس، في موضوع: "أصل ما جرى به العمل ونماذجه من فقه الأموال عند علماء المغرب".
• دبلوم الدراسات العليا من دار الحديث الحسنية، الرباط، في موضوع: "المنهجية الأصولية والاستدلال الحجاجي في المذهب المالكي".
من أعماله:
ـ الشاطبي بين الوعي بضيق البرهان واستشراف آفاق الحجاج.
ـ في الحاجة إلى تجديد المعرفة الأصولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق