مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات محكمة

فقه العمليات في التراث الفقهي المغربي فقه الشركات ومتعلقاتها نموذجا(19)

2.1.3- أنـواع القسمـة

والقسمة نوعان: قسمة الرقاب أو الأعيان وقسمة المنافع([1]).

فأما قسمة الرقاب فتنقسم إلى ثلاثة أقسام وهي:

– قسمة القرعة بعد تقويم وتعديل.

– قسمة المراضاة بعد تقويم وتعديل.

– قسمة المراضاة بلا تقويم ولا تعديل.([2])

جاء في التحفة:

ثلاث القسمة في الأصول وغيرها تجوز مع تفصيل([3])

فأما قسمة القرعة فمجمل أحكامها ما يلي:

– أنها تمييز حق وليست بيعا من البيوع، قال أبو علي الحسن بن رحال المعداني: «وقسمة القرعة تمييز حق على الراجح، ولذلك أطلق في المختصر في أن قسمة المراضاة بيع، واقتصر في القرعة على أنها تمييز حق وذلك صواب، بل قال ابن فرحون: تمييز حق في القرعة هو المشهور»([4]).

– أنها يجبر عليها من أباها من الشركاء.([5])

– أنها لا تكون إلا فيما تجانس من المقسوم أو تقارب، فإذا تباين أو اختلف امتنعت القرعة فيه، قال ابن رشد: «ولا تصح إلا فيما تماثل أو تجانس من الأصول والحيوان والعروض، لا فيما اختلف وتباين من ذلك»([6]).

– أن لا يجمع فيها بين اثنين في حظ واحد.([7])

– أن بالإمكان القيام فيها بالغبن إذا ثبت، وكان القيام بقرب حدوث القسمة.([8]) قال القاضي المكناسي في مجالسه: «ويجب القيام فيها بالغبن إذا ثبت؛ لأن كل واحد منهما على قيمة مقدرة وذرع معلوم، فإذا وجد نقصا من ذلك وجب له الرجوع»([9]).

ويجمع هذه الأحكام قولُ ابن عاصم في التحفة:

فقسمة القرعـة بالتقويـم تسوغ في تماثـل المقسـوم
ومن أبى القسم بها فيجبر وجمع حظين بهـا مستنكـر
كذاك في اختلاف الأجناس وفي مكيل أو موزون المنع اقتفي
وبين أهـل الحجر ليس يمتنع قسم بهـا ومدعي الغبن سمع

وأما قسمة المراضاة بعد التقويم والتعديل فمدارها على اتفاق الشركاء وتراضيهم على قسمة الشيء المشترك بعد تقويمه وتسوية أقسامه، بحيث يأخذ كل شريك نصيبه مفرزا دون إجراء قرعة بينهم، وتتلخص أحكامها فيما يلي:

– أنها بيع من البيوع فتأخذ أحكامه في العيب والغبن والاستحقاق والشفعة، قال ابن رشد: «وهذه القسمة لا يختلف فيها أنها بيع من البيوع، وإنما يحكم فيها بحكم البيع فيما يطرأ من الاستحقاق والرد بالعيوب وسائر الأحكام المتعلقة بالبيوع»([10]).

– أن الآبي لها غير مجبر عليها.([11])

– أنها تصح في ما تجانس من الأشياء وفيما اختلف منها على سبيل الاجتماع.([12])

– أنها لا يمتنع فيها اجتماع حظين.([13])

– أنها يقام فيها بالغبن متى ثبت وكان بالقرب.([14])

– أنها يمتنع فيها التفاضل في الطعام المدخر والتأجيل في غير المدخر.([15])

وإلى هذه الأحكام أشار ابن عاصم بقوله:

وقسمة الوفـاق والتسليم لكن مع التعديـل والتقويـم
جمع لحظين بها لا يتقى تشمـل المقسوم كلا مطلقـا
في غير ما من الطعام الممتنع فيـه تفـاضل ففيه تمتـنع
ومن أبى القسم بها لا يجبر وقـائم بالغبن فيهـا يعـذر

وأما ثالث أقسام قسمة الرقاب فهو قسمة المراضاة دون تقويم ولا تعديل، وحاصله اتفاق الشركاء على قسمة الشيء المشترك دون تقويمه ولا تسوية أقسامه، بحيث ينفرد كل شريك بحصته معينة، وأحكام هذا القسم تماثل أحكام القسم الذي قبله غير أنه لا قيام فيه بالغبن مطلقا وبهذا يفترقان.([16])

وإلى هذا القسم أشار ابن عاصم بقوله:

وقسمة الرضا والاتفـاق من غير تعديل على الاطلاق
كقسمة التعديل والتراضي فيما عدا الغبن من الأغراض
ومدع غبنـا بها أو غلطا مكلف إن رام نقضا شططـا

وأما قسمة المنافع فهي التي درج الفقهاء على تسميتها بقسمة المهايأة، ويكون متعلقها منافع الشيء المشترك دون عينه، ولذلك ينحصر أثرها في تنظيم كيفية استغلاله بين الشركاء مع بقاء ملكيتهم لعينه.

والمهايأة صنفان:

– مهايأة زمانية: ويحصل فيها الاتفاق بين الشركاء على الانتفاع بالشيء المشترك مدة من الزمان على سبيل التناوب وبحسب نصيب كل شريك فيه.([17])

– مهايأة عينية: وهي التي يقع الاتفاق بمقتضاها على تقسيم الشيء المشترك، بحيث ينتفع كل شريك بما حصل له مدة محدودة مع بقاء الأصل على الشركة.([18])

ولما كانت قسمة المنافع بصنفيها متعلقة بمنافع الشيء المشترك، فإنها لا تكون إلا بالتراضي، فيمنع الإجبار فيها أو إجراء القرعة فيها([19])، كما تنضبط بقواعد الإجارة من حيث اللزوم وتعيين مدة الانتفاع.([20])

الهوامش:


([1]) بداية المجتهد 4/48، والقوانين الفقهية ص 245، والمقدمات 2/245.

([2]) المقدمات 2/245-246، وبداية المجتهد 4/48.

([3]) شرح ميارة على التحفة 2/96.

([4]) حاشية المعداني على شرح ميارة للتحفة 2/97.

([5]) القوانين الفقهية لابن جزي ص 245، والمقدمات 2/246.

([6]) المقدمات 2/246، والكافي لابن عبد البر، ص 445.

([7]) المقدمات 2/246، والقوانين الفقهية لابن جزي، ص 245.

([8]) القوانين الفقهية، ص 245.

([9]) نقلا عن شرح ميارة على التحفة، 2/100.

([10]) المقدمات، 2/246.

([11]) القوانين الفقهية ص 245، والمقدمات 2/246.

([12]) القوانين الفقهية ص 245، والمقدمات 2/246.

([13]) القوانين الفقهية ص 245، والمقدمات 2/246.

([14]) القوانين الفقهية ص 245، والمقدمات 2/246.

([15]) القوانين الفقهية ص 245، والمقدمات 2/246.

([16]) القوانين الفقهية ص 245، والمقدمات 2/246.

([17]) بداية المجتهد 2/52، والمقدمات 2/252.

([18]) بداية المجتهد 2/52، والمقدمات 2/252.

([19]) القوانين الفقهية لابن جزي ص245 والمقدمات 2/252 وبداية المجتهد 2/52.

([20]) انظر مواهب الجليل من أدلة خليل، للشيخ أحمد الشنقيطي، 4/99، عني بمراجعته عبد الله إبراهيم الأنصاري، الطبعة الأولى 2004، المكتبة العلمية، بيروت.

د. إدريس غازي

• خريج دار الحديث الحسنية ـ الرباط.
• دكتوراه في الدراسات الإسلامية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله ـ فاس، في موضوع: "أصل ما جرى به العمل ونماذجه من فقه الأموال عند علماء المغرب".
• دبلوم الدراسات العليا من دار الحديث الحسنية، الرباط، في موضوع: "المنهجية الأصولية والاستدلال الحجاجي في المذهب المالكي".
من أعماله:
ـ الشاطبي بين الوعي بضيق البرهان واستشراف آفاق الحجاج.
ـ في الحاجة إلى تجديد المعرفة الأصولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق