مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات محكمة

فقه العمليات في التراث الفقهي المغربي فقه الشركات ومتعلقاتها نموذجا(12)

2.1- أركـان الـشفـعـة

تنبني الشفعة على أركان أربعة وهي الشفيع والمشفوع فيه والمشفوع منه وما به تكون الشفعة. وبيانها كما يلي:

– الشفيع:

وهو كل شريك يملك نصيبا شائعا في عقار معين، بحيث لو باع شريكه نصيبه المشاع معه كان للأول الحق في أخذ النصيب المبيع من يد المشتري وضمه إلى نصيبه دفعا لضرر متوقع نزوله به.

ويشترط في الشفيع شروط أربعة وهي:

1- أن يكون متوفرا على أهلية التصرف وقوامها البلوغ والرشد.

2- أن يكون مالكا لحصته على سبيل الشياع مع شريكه أو شركائه، قال ابن أبي زيد القيرواني: «وإنما الشفعة في المشاع، ولا شفعة فيما قد قسم»(

[1]).

3- أن يكون ثابت الشركة في العقار المشفوع فيه قبل وقت بيع العقار المشفوع فيه، واستمرار شركته إلى وقت ثبوت حقه في الشفعة.([2])

4- أن يكون قادرا على أداء ثمن البيع وصوائر عقده خلال المدة المسموح له فيها بالقيام بالشفعة وهي السنة لقول صاحب التحفة:

والترك للقيام فوق العـام يسقط حقـه مع المقـام([3])

– المشفوع فيه:

والمراد به محل الشفعة وهو شامل لما يلي([4]):

أ- الأصول ويقصد بها الأرض وما يتصل بها من شجر وبناء. وهذا القسم تجوز الشفعة فيه ما دام ملكها مشاعا بين الشريكين، فإذا قسمت وصار لكل شريك حصته على وجه التعيين بطلت الشفعة، وصار الشركاء كالجيران ولا شفعة للجار.([5])

ب- توابع الأصول مما هو غير منقول كالجدران والبئر وفحل النخل والماء، وهذه تجوز الشفعة فيها ما دامت أصولها مشاعة غير مقسومة.([6])

قال الشيخ ميارة: «وأما إن قسم المتبوع وهو الأرض وبقي التابع لها على الإشاعة، فباع أحد الشركاء نصيبه منه فلا شفعة على المشهور»([7]).

قال ابن عاصم:

وفي الأصول شفعة مما شرع في ذي الشيـاع وبحد تمتنع
ومثل بئر وكفحل النخل تدخـل فيهـا تبعـا للأصل
والماء تابع لهـا فيه احكم ووحده إن أرضه لم تقسم

أما العقار المشاع الذي لا يقبل القسمة كالحمام والفرن والرحى ففيه خلاف في المذهب([8])، حيث نجد فيه من رأى الشفعة فيه وهو قول أشهب وابن الماجشون وأصبغ وابن القاسم في أحد قوليه، ومنهم من رأى المنع كمطرف([9])، والقولان المذكوران يتفرعان على الخلاف في تعليل الشفعة بدفع ضرر الشركة أو دفع ضرر القسمة.([10])

وقد شرط الشيخ خليل في العقار المشفوع أن يكون قابلا للقسمة، غير أنه أشار إلى أن المدونة تجيز الشفعة في العقار مطلقا، حيث جاء في المختصر قوله: «إن انقسم وفيها الإطلاق وعمل به».

وقد درج ابن عاصم على إيجاب الشفعة في الحمام والفرن والرحى وما شاكل ذلك فقال:

والفرن والحمام والرحى القضا بالأخذ بالشفعة فيها قد مضى

قال الشيخ ميارة: «يعني أنه اختلف في الأصول التي لا تراد إلا لخراجها ولا تقبل القسمة كالفرن والحمام والرحى والحانوت وما أشبه ذلك هل تجب فيها شفعة أو لا، وبوجوبها الحكم والقضاء»([11]).

كما درج على ذلك السجلماسي في العمل المطلق حيث قال:

والأخذ بالشفعة في الحمام ونحـوه نسـب للإمـام

ج- الغلات والثمار:

استحسن الإمام مالك وجوب الشفعة في المشترك فيها، قال الشيخ زروق: «قال مالك في المدونة: مـا علمت أحدا من أهل العلم قاله قبلي ولكن استحسنته»([12]).

والثمار إما أن يقع الاشتراك في أصولها وحكمها ثبوت الشفعة فيها تبعا لأصولها، فهي من باب المشفوع فيه بالتبع لغيره.([13])

قال ابن عاصم:  

وفي الثمـار شفعة إن تنقسم وذا إن المشهـور في ذاك التزم

والقول التفصيلي فيها أن الثمار إن بيعت مع أصولها، وكانت يوم البيع مؤبرة ومزهية فالمشهور جواز الشفعة في الثمار مع أصولها ما لم تيبس، فإن يبست فلا شفعة فيها، ويقوم الشفيع بنقص حصتها من الثمن بعد أدائه للمشتري مصاريف السقي والعلاج([14])، وإن كانت غير مؤبرة أو غير مزهية فالاتفاق على جواز الشفعة فيها مع أصولها، ولا شيء على الشفيع يغرمه سوى ثمن البيع ما لم ييبس.([15])

وإما أن تقع الشركة فيها من غير اشتراك في الأصل، أي على سبيل الاستقلال كأن يكون الاشتراك فيها بسبب الحبس أو الهبة، والحكم فيها ثبوت الشفعة للشريك الذي لم يبع حصته فيها إلا إذا يبست فلا شفعة لانتفاء منفعتها.([16])

جاء في التحفة ما نصه:

ومثلـه مشتـرك من الثمـر لليبس إن بدو الصلاح قد ظهر

– المشفوع منه:

وهو الشخص الذي انتقل إليه ملك الحصة بتفويت من الشريك الذي لم يقاسم، سواء أكان المالك الجديد أجنبيا أو شريكا.

وانتقال الحصة المذكورة إلى المشفوع منه إما أن يكون بعوض كالبيع والصلح وهبة الثواب، وهذا يوجب قيام الشريك غير البائع بحقه في الشفعة.

وإما أن يكون عن طريق التبرع كالهبة والصدقة والوصية، وهذا يوجب إسقاط الشفعة إذ لا شفعة في التبرعات.

قال ابن عاصم:

وشفعة في الشقص يعطى عن عوض والمنع في التبرعـات مفتـرض([17])

وجاء في العمل المطلق:

وليس في صدقة ولا هبـة لا لثواب شفعة مستوجبة

غير أن المشفوع منه إن كان أجنبيا أخذت منه جميع الحصة وردت إلى مستحقها بالشفعة، بينما يترك للمشفوع منه الشريك جزء من الحصة في حدود نصيبه في الملك المشاع.

– المشفوع به:

وهو ما يدفعه الشفيع للمشتري مقابل تملكه المشفوع فيه سواء كان معجلا أو مؤجلا أو قيميا أو مثليا.([18])

قال ابن عاصم:

ويلزم الشفيع حـال ما اشتري من جنس أو حلول أو تأخر

ويدخل في الثمن أيضا كل ما لزم المشتري من مصاريف التسويق والتوثيق، وإليه أشار في التحفة بقوله:

وما ينوب المشتري فيما اشترى يدفعه لـه الشفيع محضرا

وإذا كان الشفيع غير مليئ بالثمن يوم المطالبة بالشفعة، تعين عليه الإتيان بالضامن أو تعجيل الثمن لقول ابن عاصم:

وحيثما الشفيع ليس بالملي قيل له سق ضامنـا أو عجل([19])

أما إذا حصل خلاف بين الشفيع والمشفوع منه في الثمن، كأن يدعي المشتري الجهل به أو نسيانه أو يختلفان في مقداره مع غياب البينة، فالقول قول المشتري مع يمينه إن كانت دعواه غير بعيدة. وهو ما ذهب إليه ابن القاسم وابن الماجشون وهو المشهور، وذهب ابن حبيب إلى تقويم الشقص المشفوع فيه وتخيير الشفيع بين الأخذ بالشفعة بتلك القيمة أو الترك.

وإلى ذلك أشار في التحفة بقوله:

وحيثما في ثمن الشقص اختلف فالقـول قول مشتر بعد الحلف([20])

الهوامش:


[1] شرح زروق على الرسالة 2/191.

[2] البهجة في شرح التحفة 2/204.

([3]) انظر شرح ميارة على التحفة 2/77، والبهجة 2/213.

([4]) انظر شرح ميارة للتحفة، 2/67.

([5]) البهجة 2/203، وشرح ميارة للتحفة 2/67.

([6]) البهجة، 2/203.

([7]) شرح ميارة للتحفة، 2/67.

([8]) جامع الأمهات، ص 266.

([9]) المقدمات، 2/225-226.

([10]) نفسه، 2/227.

([11]) شرح ميارة للتحفة، 2/96.

([12]) شرح زروق على الرسالة 2/192، والمعيار 8/86.

([13]) انظر شرح ميارة للتحفة، 2/71.

([14]) انظر البهجة في شرح التحفة للتسولي، 2/207.

([15]) شرح ميارة للتحفة، 2/72.

([16]) انظر البهجة 2/20، وشرح التاودي على التحفة بهامش البهجة 2/207.

([17]) البهجة 2/216-217، وشرح ميارة للتحفة 2/82-83.

([18]) البهجة 2/237، وشرح ميارة للتحفة 2/95.

([19]) شرح ميارة للتحفة 2/94، والبهجة 2/238.

([20]) انظر البهجة 2/231، وشرح ميارة للتحفة 2/88.

د. إدريس غازي

• خريج دار الحديث الحسنية ـ الرباط.
• دكتوراه في الدراسات الإسلامية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله ـ فاس، في موضوع: "أصل ما جرى به العمل ونماذجه من فقه الأموال عند علماء المغرب".
• دبلوم الدراسات العليا من دار الحديث الحسنية، الرباط، في موضوع: "المنهجية الأصولية والاستدلال الحجاجي في المذهب المالكي".
من أعماله:
ـ الشاطبي بين الوعي بضيق البرهان واستشراف آفاق الحجاج.
ـ في الحاجة إلى تجديد المعرفة الأصولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق