مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةدراسات عامة

“فضل الصحابة والخلفاء رضوان الله عليهم”

    شهد الكتاب والسنة  أن هذه الأمة أفضل الأمم، قال -تعالى-: ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس﴾ الآية [1]، وقال تعالى: ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا﴾[2]، وأوساط الناس أشرافهم وشاهد أهم خيراتهم، وقال تعالى: ﴿ محمد رسول الله  والذين معه أشداء على الكفار ﴾ الآية[3]، وقد جاء عنه -عليه السلام- في الخبر المشهور المستفيض: ﴿خير القرون[4] قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم﴾[5]، وشك الراوي في الرابع. فخرج من مضمون هذا أن هذه الأمة خير الأمم، وأن الصحابة – رضي الله عنهم – خيار هذه الأمة، ثم التابعون، ثم تابعوهم بإحسان إلى يوم الدين.
   وأما فضل الصحابة -رضي الله عنهم- فلا يتعدد ما جاء في فضلهم وتقدمهم، قال تعالى: ﴿والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار﴾[6]، وهذه الآية تشمل جميع  الصحابة إذا كان الذين اتبعوهم بإحسان، الذين جاءوا من بعدهم. ويحتمل أن يكون السابقون بعض الصحابة المتقدمون على بعضهم، ثم خصص الآية الأخرى فقال: ﴿لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل، أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، وكلا وعد الله الحسنى﴾ [7]، فإذا سبق المتقدم المتأخر بتساوي الأعمال وصحبة النبي -عليه السلام- فلا جرم أن التابع وتابعه مسبوق. ومعلوم -على العادة- أن من سبق من الثوار إلى الملوك وبادر بنفسه وماله، أرفع قدرا  عندهم ممن تأخر وإن تساووا في النصرة والمعونة، فكيف  من هاجر إلى الله ورسوله بنفسه وماله، وخرج عن سجيته وعادته وفارق الأهل والمال والوطن؟ فصح أن متقدمي الصحابة – رضوان الله عليهم – أفضل من متأخريهم. وقد وقعت المناظرة بين “ابن ورقا” والشيخ “أبي الحسن الأشعري” في التفاضل بين  “علي” و “أبي بكر” -رضي الله عنهما- في التقدم في بالإيمان فإنهما سبقا الناس، فوقع الاتفاق على أن “أبا بكر” أفضل الكهول و”عليا” أفضل الشباب، وهذا على جهة التسامح، فالمتقدم “أبو بكر”-رضي الله عنه -.
    فأفضل الصحابة المتقدمون، وأفضل المتقدمين البدريون، وأفضل البدريين أصحاب الشجرة الذين رضي الله عنهم عند بيعة الرضوان، وأفضل العشرة الأربعة الخلفاء بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأفضل الخلفاء “أبو بكر”[8].
    والدليل على فضله عليهم إجماع الكل من الصحابة على تقديمه لإصلاح دينهم ودنياهم من غير خوف هرج ولا فتنة، فإنه إذا خيف الهرج والفتنة فر بما قدم المفضول ، والصحابـة – رضي الله عنهم – اجتمعوا في “سقيفة بني ساعدة”، واجتمعوا حتى رضوه وبايعوه عن رضي منهم واختيار، لكونه جمع شروط الخلافة على أتم الجمع، مع زيادة الفضل حتى قال “عمر” -رضي الله عنه-:« من قدمه رسول الله – صلى الله عليه وسلم –  لأمر ديننا نقدمه لأمر دنيانا »[9]، يعني بذلك تقديم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – [له] للصلاة في الخبر المشهور[10]، حتى راجعته “عائشة” [11] -رضي الله عنها –  في تقديمه فقال: ﴿يأبى الله ذلك والمؤمنون﴾[12] وفي هذه القولة تنبيه عظيم على أن خلافة “أبي بكر” كانت بالوحي، وإلا فمن أين كان يعلم  أن الله – تعالى –  يأبى تقديم “عمر” ويرضى تقديم “أبي بكر”؟ وكذلك المؤمنون إذا اجتهدوا وأجمعوا على تقديمه؟….. ولا خلاف بين المسلمين أن إجماع الصحابة حاكم على كل إجماع يأتي بعده، وهذه أول مسألة اجتهادية وقعت في الإسلام بعد فقد رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، وفي هذه المسألة رد على من أنكر القياس، وعلى صحة الاجتهاد في مسائل الاختلاف.
   وأما ما اختلقه الروافض من إنكار “علي” – رضي الله عنه – تقديمه وشماسته[13] وإكراهه على البيعة، فباطل وتخرص منهم. والدليل على كذبهم في ذلك قتال “علي” -رضي الله عنــه- أهل الردة  معهم، وسبي الجارية من بني حنيفة وتسريه بها، ومنها ولده “محمد”، ولذلك سمي “ابن حنفية” ليفرق بينه وبين  إخوته من “فاطمة” – رضي الله عنهم – فلو كان لا يرى إمامته لم يفعل ذلك، وحاشا علمه وورعه وفضله من ذلك.
   على أن خلافته مستخرجة من كتاب الله –تعالى–  في قوله – سبحانه:﴿قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد﴾ إلى قوله: ﴿فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا من قبل يعذبكم عذابا أليما﴾[14]. والدليل على صحة خلافته من هذه الآية: الوعد بالثواب على طاعته، والوعيد بالعذاب على معصيته، وهو الذي دعاهم  لقتال بني حنيفة –كما تقدم- ، فلو لم يكن خليفة  لما صح الوعد والوعيد على طاعته ومعصيته. وهذا بين لا خفاء به.

 

الهوامش :

1- آل عمران / 110.
2- البقرة / 143.
3- الفتح / 9.
4- ورد بلفظ: ﴿خير الناس﴾.
5- متفق عليه من حديث عمران بن حصين، أخرجه البخاري في الصحيح، (كتاب : الشهادات، باب: لا يشهد شهادة جور إذا أشهد): 5 / 258، رقم: 2651، وأخرجه مسلم (كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضل الصحابة …): الصحيح: 4 / 1964، رقم: 2535.
6- التوبة / 100.
7- الحديد / 10.
8- في الأصل ( أبي بكر ).
9- أخرجه النسائي بلفظ آخر عن عبد الله بن عمر قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر فقال: أنتم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أيا بكر أن يصلي بالناس؟  فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟!  انظر: السنن، (كتاب: الإمامة، باب: ذكر الإمامة والجماعة): 2 / 74- 75، رقم: 777، وحسن إسناده الألباني في: صحيح سنن النسائي، ط: المكتب الإسلامي، بيروت: 1401 هـ: 1 / 168، رقمه: 749.
10- جزء من حديث أخرجه أبو داوود عن عبد الله بن زمعة في (كتاب: السنة، باب: استخلاف أبي بكر): أنظر:السنن: 5 / 47- 48، رقم: 4660. وهو حديث حسن صحيح كما ذكر الألباني في: صحيح سنن أبي داود: 3 / 882، رقمه: 3895.
11- مراجعة السيدة عائشة – رضي الله عنها – غير ثابتة في الأخبار التي ذكرنا.
12- انظر مثلا ما أخرجه الحاكم عن عبد الله بن زمعة، (كتاب: معرفة الصحابة، باب: ذكر عبد الله بن زمعة بن الأسود)، وعلق عليه بقوله: «حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»، وسكت عنه الذهبي  في “التلخيص”، انظر: المستدرك: 4 / 368، رقم: 6824.
13- أي امتناعه. من شمس يشمس شموسا وشماسا أي امتنع وأبى، وشمس الفرس يشمس شموسا وشماسا بالكسر: استعصى على راكبه، فهو شموس…ومنها قيل للرجل الصعب الخلق: شموس أيضا، انظر: الفيومي- المصباح المنير، (مادة: شمس):1 / 390.
14- الفتح / 16.

من كتاب: مقدمات المراشد إلى علم العقائد، لابن خمير السبتي.

حققه وقدم له الأستاذ، د. جمال علال البختي. ط1: مطبعة الخليج العربي،

تطوان: 1425هـ/ 2004م. ص: 384 وما بعدها.

 

     شهد الكتاب والسنة  أن هذه الأمة أفضل الأمم، قال –  تعالى – : ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس﴾ الآية 1، وقال –  تعالى -: ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ﴾2 ، وأوساط الناس أشرافهم وشاهد أهم خيراتهم، وقال –  تعالى -: ﴿ محمد رسول الله  والذين معه أشداء على الكفار ﴾ الآية3، وقد جاء عنه  – عليه السلام – في الخبر المشهور المستفيض:  ﴿خير القرون4 قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ﴾5 ، وشك الراوي في الرابع. فخرج من مضمون هذا أن هذه الأمة خير الأمم، وأن الصحابة – رضي الله عنهم – خيار هذه الأمة، ثم التابعون، ثم تابعوهم بإحسان إلى يوم الدين.
           وأما فضل الصحابة- رضي الله عنهم – فلا يتعدد ما جاء في فضلهم وتقدمهم، قال – تعالى -:  ﴿والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار﴾6، وهذه الآية تشمل جميع  الصحابة إذا كان الذين اتبعوهم بإحسان، الذين جاءوا من بعدهم. ويحتمل أن يكون السابقون بعض الصحابة المتقدمون على بعضهم، ثم خصص الآية الأخرى فقال: ﴿لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل، أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، وكلا وعد الله الحسنى﴾7 ، فإذا سبق المتقدم المتأخر بتساوي الأعمال وصحبة النبي – عليه السلام – فلا جرم أن التابع وتابعه مسبوق. ومعلوم – على العادة – أن من سبق من الثوار إلى الملوك وبادر بنفسه وماله، أرفع قدرا  عندهم ممن تأخر وإن تساووا في النصرة والمعونة، فكيف  من هاجر إلى الله ورسوله بنفسه وماله، وخرج عن سجيته وعادته وفارق الأهل والمال والوطن؟ فصح أن متقدمي الصحابة – رضوان الله عليهم – أفضل من متأخريهم. وقد وقعت المناظرة بين “ابن ورقا” والشيخ “أبي الحسن الأشعري” في التفاضل بين  “علي” و “أبي بكر” – رضي الله عنهما –  في التقدم في بالإيمان فإنهما سبقا الناس، فوقع الاتفاق على أن “أبا بكر” أفضل الكهول و”عليا” أفضل الشباب، وهذا على جهة التسامح، فالمتقدم “أبو بكر” – رضي الله عنه -.
       فأفضل الصحابة المتقدمون، وأفضل المتقدمين البدريون، وأفضل البدريين أصحاب الشجرة الذين رضي الله عنهم عند بيعة الرضوان، وأفضل العشرة الأربعة الخلفاء بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وأفضل الخلفاء “أبو بكر”.
       والدليل على فضله عليهم إجماع الكل من الصحابة على تقديمه لإصلاح دينهم ودنياهم من غير خوف هرج ولا فتنة، فإنه إذا خيف الهرج والفتنة فر بما قدم المفضول ، والصحابـة – رضي الله عنهم – اجتمعوا في “سقيفة بني ساعدة”، واجتمعوا حتى رضوه وبايعوه عن رضي منهم واختيار، لكونه جمع شروط الخلافة على أتم الجمع، مع زيادة الفضل حتى قال “عمر” –  رضي الله عنه -:« من قدمه رسول الله – صلى الله عليه وسلم –  لأمر ديننا نقدمه لأمر دنيانا »2 ، يعني بذلك تقديم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – [له] للصلاة في الخبر المشهور3 ، حتى راجعته “عائشة” – رضي الله عنها –  في تقديمه فقال: ﴿يأبى الله ذلك والمؤمنون﴾1 . وفي هذه القولة تنبيه عظيم على أن خلافة “أبي بكر” كانت بالوحي، وإلا فمن أين كان يعلم  أن الله – تعالى –  يأبى تقديم “عمر” ويرضى تقديم “أبي بكر”؟ وكذلك المؤمنون إذا اجتهدوا وأجمعوا على تقديمه؟….. ولا خلاف بين المسلمين أن إجماع الصحابة حاكم على كل إجماع يأتي بعده، وهذه أول مسألة اجتهادية وقعت في الإسلام بعد فقد رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وفي هذه المسألة رد على من أنكر القياس، وعلى صحة الاجتهاد في مسائل الاختلاف.
     وأما ما اختلقه الروافض من إنكار “علي” – رضي الله عنه – تقديمه وشماسته2 وإكراهه على البيعة، فباطل وتخرص منهم. والدليل على كذبهم في ذلك قتال “علي” –رضي الله عنــه- أهل الردة  معهم، وسبي الجارية من بني حنيفة وتسريه بها، ومنها ولده “محمد”، ولذلك سمي “ابن حنفية” ليفرق بينه وبين  إخوته من “فاطمة” – رضي الله عنهم – فلو كان لا يرى إمامته لم يفعل ذلك، وحاشا علمه وورعه وفضله من ذلك.
       على أن خلافته مستخرجة من كتاب الله –تعالى–  في قوله – سبحانه:﴿ قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد﴾ إلى قوله: ﴿فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا من قبل يعذبكم عذابا أليما ﴾3 . والدليل على صحة خلافته من هذه الآية: الوعد بالثواب على طاعته، والوعيد بالعذاب على معصيته، وهو الذي دعاهم  لقتال بني حنيفة –كما تقدم- ، فلو لم يكن خليفة  لما صح الوعد والوعيد على طاعته ومعصيته. وهذا بين لا خفاء به.
من كتاب: مقدمات المراشد إلى علم العقائد، لابن خمير السبتي. حققه وقدم له الأستاذ، د. جمال علال البختي. ط1: مطبعو الخليج العربي، تطوان: 1425هـ/ 2004م. ص: 384 وما بعدها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق