مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةدراسات عامة

فرقة : يهود الدونمة وازدواجية العقيدة ج1

من الفرق التي انتسبت إلى الإسلام وليست منه ( الدونمة ) وهي كلمة تستعمل كصفة مشتقة من المصدر التركي (دونمك Donmek)  بمعنى الرجوع أو العودة أو الارتداد(1). وهي صفة يطلقها الأتراك على جماعة من اليهود الذين فروا من الأندلس فور سقوطها، واستوطنوا في الدولة العثمانية، وأظهروا أنهم من المسلمين، وتسموا بأسمائهم، مع احتفاظهم بيهوديتهم سراً؛ ليتغلغلوا في أركان الدولة ومناصبها العليا(2).
والباحث في عقيدة الدونمه يجدها من أغرب العقائد التي يصادفها في موضوع الفرق والأديان، وما وجه الغرابة فيها إلا أنّ أتباعها إلى اليوم يتظاهرون بالإسلام ويلتزمون بالشعائر الإسلامية، لكنهم يؤمنون باليهودية ويمارسونها سرّاً.
وحين الكشف عن ظروف نشأة الفرقة وتاريخها ، تتلاشى سمة الغرابة على القارئ العربي الذي يكاد يكون أمرها خفيا عليه، ويستوعب خطورة عقائدها، والدور السياسي.
*رأس الفرقة ومؤسسها:
يعتبر ( سباتاي زفي )(3) هو مؤسس طائفة الدونمة. وهو يهودي من أصل اسباني. ولد في أزمير عام 1035هـ/1626م. وكان أبوه الذي يدعى مردخاي زفي من أكبر تجار أزمير(4). يحكى عنه أنه كان شغوفا منذ حداثة سنه بمطالعة الكتب الدينية، ذكيا نابها واعيا، متأثرا بالأحداث والوقائع التي مر بها أهله وعشيرته، ما بين اضطهاد وهجرة وشقاء وعذاب. وراح يتردد على مجالس دروس الحاخام ” إسحاق دالبا” وهو لما يبلغ الخامسة عشرة من عمره. ولقد قرأ واستوعب التوراة والتلمود، كما برع في التفسير الإشاري، أي رموز وإشارات مضامين معاني الكلمات، فكان يعطي فيها آراء وأقوالا تدعو إلى الإعجاب من قومه وجماعته، وإقبالا عليه وتقديرا له. وبعد إنهاء دراسته أنخرط في سلك الكهنوت حتى أصبح حاخاماً(5) لليهود في أزمير التركية، فرسم  منذئذ طريقه نحو تحقيق حلم اليهود في ظهور المسيح المخلص عام 1666م، واتخذ قراره الأخير بادعاء النبوة فراح يصوم ويغتسل ويتطهر كل يوم استعدادا لليوم الموعود.
*بداية ” الدونمة”:
كان إعلان “سبتاي زيفي” لنبوءته عام 1648م حدثا متوقعا ومرتقبا من مقربيه ومصدقيه ولم يجد حرجا أن يشيعها بينهم بعد أن  هيأهم وعبأهم فكان يخبرهم أن أشياء عظيمة تنتظره. لكن رحلاته المكوكية من أزمير إلى إستانبول ثم أثينا ثم القدس إلى القاهرة لم تسهم فى تعميم  نشرها بين يهود العالم بسبب إجماعهم أن زمن ظهور المسيح المنقذ يتحدد في عام 1666م. فكان على “سبتاي” أن يواجه بعض النتائج السلبية ويخطط بما أوتي من مكر وخديعة ليحول الهزيمة إلى صالحه.
لم يكن السبيل أمامه محفوفا بالورود. فقد وقفت في وجهه طائفة من رجال الدين اليهودي في أزمير، وعقدوا تحت إمرة رئيس الحاخاميين محكمة قضت بإعدامه.  وكتبت له حياة جديدة في ظل قانون الدولة العثمانية التي لم تكن تسمح بالإعدام. مما شجع  المتنبئ ” سبتاي” على الاستمرار في التحدي.
كما اصطدم مشروعه في دعوى النبوءة بصخرة المنافسة من بعض المتطلعين الماكرين ممن هيمنت  الفكرة على عقولهم من يهود الدول الأخرى. وكانت الفتاة “سارة” اليهودية من بولندة قد  وصل إليها خبره وادعت بمكرها أنها رأت في منامها أن نورا سيسطع  في أفق عام 1666م وأنها ستزف زوجة لصاحب النور، فسارع  إلى إشاعة أنه قد أوحي له بالزواج منها وتم الزواج بينهما في القاهرة، وانطلت الحيلة على بسطاء اليهود.

 

                                                                           إعداد الأستاذ: عبد المالك المؤذن

الهوامش:

(1)  أحمد نوري النعيمي: يهود الدونمة. ص8. ط/1415هـ-1995م. دار البشير عمان.
(2)  مصطفى طوران: يهود الدونمة، ص 7 ، تعريب كمال خوجة، الطبعة 1./1397هـ-1977م. دار السلام للطباعة – بيروت.أيضا: محمد عمر : يهود الدونمة، ص 12.الطبعة 3/1410هـ-1989م. دار الوثاق – الكويت.
(3)  في بعض المصادر ( سباتاي صبي) أو ( شبتاي زيفي).
(4) مصطفى طوران: يهود الدونمة، ص 7 ، تعريب كمال خوجة، الطبعة 1./1397هـ-1977م. دار السلام للطباعة – بيروت
(5) جعفر هادي حسن: الدونمه بين اليهودية والإسلام. الناشر: شركة دار الوراق للنشر -لندن- بريطانيا الطبعة: الثالثة- 2008م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق