مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةدراسات عامة

فرقة اليزيدية

فصل في التعريف بهم:
اليزيدية طائفة من الأكراد، يسكن أكثرهم في جهات الموصل وولاية أروان الروسية، ومنهم طوائف في نواحي دمشق وبغداد وحلب. وهم من أغرب طوائف المبتدعة بدعة؛ يدينون بعبادة الشيطان ويقولون بالتناسخ، ولهم في كتم نحلتهم والاحتفاظ بأسرارهم مبالغة شديدة طوت أمرهم عن الناس زمنا، ثم أتيح لبعض من خالطهم من رواد الإفرنج وغيرهم كشف القناع عن كثير من دخائلهم، ولكن وقع في عباراتهم من الاختلاف ما لابد من وقوعه في كل أمر يحاط بالخفاء والكتمان..
وعثر أحد الفضلاء في الموصل على نسخة مخطوطة باللغة العربية من كتابيهم”الجلوة” و”مصحف رش” فنشرهما بنصيهما في إحدى المجلات الأمريكية مع الترجمة الانجليزية. وعثر أحد علماء المشرقيات بالنمسا على نسخة منهما بالعربية والكردية فطبعهما بالنصين والترجمة النمسية في فيينا، فازداد بطبعهما جلاء ووضوحا وأميط اللثام عما تضارب فيهم من الأقوال ..
غير أن القول في منشأ هذه النحلة وأول مبتدع لها وما تقلبت فيه بعد ذلك من الأطوار حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن لم يزل غامضا ملتبسا، وكل ما أوردوه عنها في ذلك جاء مضطربا مبتورا لا يصدر عنه الباحث بغناء وهو ما قصدنا البحث فيه في هذه الرسالة بعد أن نلخص من عقائدهم ما يتوقف عليه اطراد البحث ويمثل للقارئ صورة مجملة منهم.
فصل في ملخص عقيدتهم:
للقوم كتابان كما ذكرنا؛ أحدهما كتاب”الجلوة”[1] وهو يتضمن ما خاطب به الباري تعالى عباده والمقصود بهم اليزيدية، وكلاما في قدمه تعالى، وبقائه وقدرته ووعده ووعيده، وذكر القول بتناسخ الأرواح، وفيه أن الكتب التي بأيدي الخارجين أي أهل الأديان المعروفة ليست كما أنزلت بل بدلوا فيها وحرفوا فما وافق منها سنن اليزيدية فهو المقبول وما غايرها فمن تبديلهم.
والثاني”مصحف رش” أي الكتاب الأسود وفيه حديث خلق السماوات والأرض وما فيها من بحار وجبال وأشجار وخلق الملائكة والعرض وآدم وحواء وإرسال الشيخ عادي بن مسافر من الشام إلى (لالش) وما كان من نزول طاووس ملك (أي الشيطان) إلى الأرض وإقامته ملوكا لليزيدية ومقاومة اليهود والنصارى والمسلمين والعجم لهم. وفيه أن كافة الطوائف البشرية من نسل آدم وحواء، وأما شيث ونوح وأنوس وهم آباء اليزيدية الأولون فمن نسل آدم فقط، وأصلهم من توأمين ذكر وأنثى ولدهما بإحدى الخوارق. وأن طوفانا أتى على اليزيدية بعد طوفان نوح مضى عليه الآن سبعة آلاف سنة كان ينزل في كل ألف سنة منها إله من السماء يشرع لهم الشرائع ويسن السنن ومن هؤلاء الآلهة السبعة يزيد الذي ينتسبون إليه. أما رئيسهم وأولهم فالشيطان المعبر عنه عندهم بطاووس ملك، ومرتبة هؤلاء الآلهة دون مرتبة الإله الأعظم الواحد القهار الفعال لما يريد.
وفي هذا الكتاب أيضا شرائعهم وما أحل لهم وما حرم عليهم في الزواج وغيره وشرح أمر الطواف بسناجقهم (أي أعلامهم) في البلدان والقرى لجمع الصدقات وزيارتهم لقبر الشيخ عادي وما يفعلونه في عيد أول السنة من قطف النور الأحمر وذبح الذبائح وإطعام الفقراء وزيارة القبور..وفي كلا الكتابين من التلفيق والخبط والخلط ما فيه.
فصل في الشيخ عادي:
للشيخ عادي مقام غير منكور عند اليزيدية، وقبره اليوم كعبتهم التي يحجون إليها وشيخهم الأعظم سادن مقامه، ولهم فيه مزاعم في مصحف رش..منها أن الله تعالى أرسله من أرض الشام إلى لالش ومفهوم العبارة أن ذلك كان قبل خلق آدم عليه السلام، وهو من الخلط الذي لا تخلو منه عباراتهم..
[قال عنه ابن خلكان]: «الشيخ عدي بن مسافر بن إسماعيل بن موسى بن مروان بن الحسن بن مروان، كذا أملى نسبه بعض ذوي قرابته، الهكاري مسكنا، العبد الصالح المشهور الذي تنسب إليه الطائفة العدَوية.. سار ذكره في الآفاق وتبعه خلق كثير وجاوز حسن اعتقادهم فيه الحد، حتى جعلوه قبلتهم التي يصلون إليها وذخيرتهم في الآخرة التي يعولون عليها. وكان قد صحب جماعة كثيرة من أعيان المشايخ والصلحاء المشاهير مثل عقيل المنبجي/المنحي وحماد الدباس وأبي النجيب عبد القاهر السهروردي وعبد القادر الجيلي وأبي الوفاء الحلواني، ثم انقطع إلى جبل الهكارية من أعمال الموصل، وبنى له هناك زاوية، ومال إليه أهل تلك النواحي كلها ميلا لم يسمع لأرباب الزوايا مثله. وكان مولده في قرية يقال لها بيت فار/قار من أعمال بعلبك، والبيت الذي ولد فيه يزار إلى الآن. وتوفي الشيخ سنة سبع وقيل خمس وخمسين وخمسمائة في بلده بالهكارية ودفن بزاويته رحمه الله. وقبره عندهم من المزارات المعدودة والمشاهد المقصودة، وحفدته إلى الآن بموضعه يقيمون شعاره ويقتفون آثاره، والناس معهم على ما كانوا عليه زمن الشيخ من جميل الاعتقاد وتعظيم الحرمة..»[2].
فصل في الشيخ حسن:
ذكر اسمه في الكتاب الأسود(مصحف رش) على أنه ثاني الآلهة السبعة عندهم..وهو من آل عدي بن مسافر وأحد خلفائه عليهم، وفي زمنه دب الفساد والزيغ فيهم..وكان الشيخ عدي في حياته يثني عليه ويقدمه ويقول فيه: «أبو البركات ممن دعي في الأزل وكان من السابقين إلى الحضرة»، ويقول فيه أيضا: «أبو البركات يخلفني»، وسكن أبو البركات بلالش إلى أن مات مسنا ودفن عند عمه وقبره ظاهر يزار، وتخرج عليه ولده عدي بن أبي البركات وكان مثله في المناقب والفضائل..
ذكر للزاوية العدوية:
الزاوية التي دفن بها بالقرافة الصغرى كانت تعرف بزاوية عدي بن مسافر، وبالزاوية العدوية، ثم عرفت بالزاوية القادرية لسكنى جماعة من ذرية سيدي عبد القادر الجيلي بها وتوليهم شؤونها والنظر في أوقافها، وتعرف الآن عند العامة بجامع سيدي عُليّ، وقد ذكرها المقريزي في خططه باسم الزاوية العدوية وقال إنها بالقرافة تنسب إلى الشيخ عدي بن مسافر..
فصل في منشأ نحلتهم وتكوين طائفتهم:
لا يخفى أن الغالب في كثير من النحل والمذاهب أن يطرأ عليها التغيير والتبديل بعد ذهاب الداعين إليها إما بالابتداع فيها أو بتغيير النصوص أو بتأويلها على حسب ما توحيه الآراء وتزينه الأهواء..ولم يكن لهذه الطائفة وجود ولا ذكر في التاريخ قبل القرن السادس حتى اشتهر الشيخ عدي بن مسافر بالزهد والورع وكثرة المجاهدة وتسامع به الناس فقصدوه من الأطراف للاسترشاد ثم انتقل إلى جبال هكار موطن الأكراد فتبعه منهم خلق كثير اتخذ منهم المريدين وأحدث الطريقة العدوية..وإنما بدأ فيهم الزيغ بعد موته في رئاسة الشيخ حسن عليهم أو قبله بقليل..ولما فشا فيهم الانحراف وشاع عنهم كتب إليهم الإمام ابن تيمية الرسالة العدوية[3]..وهي طويلة بناها على النصح والإرشاد إلى طريق السنة و الحض على التمسك بها وتعرض فيها لما كانوا عليه في زمنه فحذرهم من البدع والغلو في المشايخ كما غلوا في الشيخ عدي. ومن قوله في هذا الصدد: «وفي زمن الشيخ حسن زادوا أشياء باطلة نظما ونثرا وغلوا في الشيخ عدي وفي يزيد بأشياء مخالفة لما كان عليه الشيخ عدي الكبير قدس الله روحه، فإن طريقته كانت سليمة لم يكن فيها من هذه البدع ، وابتلوا بروافض عادوهم وقتلوا الشيخ حسنا وجرت فتن لا يحبها الله ولا رسوله»، فيتضح من هذا ومما تقدمه أصل منشأ هذه الطائفة ، وأنها كانت تسمى في أول الأمر بالعدوية نسبة إلى شيخها، أما تسميتها بعد ذلك باليزيدية فلم نقف على زمنها، والظاهر أنها حدثت في القرون الأخيرة..
فصل في منشأ اعتقادهم في يزيد:
[غالى اليزيدية في أمر يزيد بن معاوية حتى قال فيه عدي بن مسافر في نسخة من عقيدة له]:«وأن يزيد بن معاوية رضي الله عنه إمام وابن إمام ولي الخلافة وجاهد في سبيل الله ونقل عنه العلم الشريف والحديث وأنه بريء مما طعن فيه الروافض من أجل قتل الحسين رضي الله عنه..» فمن هذا القول نشأ اعتقاد اليزيدية في يزيد فإنهم تولوه أولا تبعا لرأي شيخهم ثم جروا فيه على ما جروا عليه من الغلو في غيره فجعلوه وليا ثم نبيا وما زالوا به حتى اتخذوه إلها من الألهة السبعة حين تمادوا في الضلال واستغرقوا في السخافات والأوهام.
فصل في منشأ اعتقادهم في الشيطان:
ليس في عقيدة الشيخ عدي ما يخالف الأصول المعروفة في عقائد أهل السنة والجماعة، وقد تصفحناها فلم نشتم منها رائحة رأي في الشيطان يخرج اعتقاد اليزيدية عليه ، بل رأيناه بالعكس يكثر من لعنه وينحي على من يزعم أن الخير من الله تعالى والشر من إبليس وعلى من تغالوا فقالوا إرادة إبليس فوق إرادته تعال، فترى من هذا أن مذهبهم في الشيطان غير مبني على قول لشيخهم كما بني مذهبهم في يزيد، بل هم فوق ذلك مخالفون ومضادون لرأيه فيه، ولم يشر الإمام ابن تيمية في الرسالة العدوية إلى شيء من ذلك. فالظاهر أنهم جنحوا إلى هذا الرأي بعد زمنه، ولعله نشأ من أحد من تولى زعامتهم من المشايخ..
[و] قد تقدم أن اليزيدية لم يكونوا إلا طائفة من الصوفية ثم صاروا من غلاتهم وما زالوا يتمادون في الغي حتى باينوا جميع الفرق الإسلامية وخرجوا من الإسلام جملة. ولا يخفى أن لغلاة الصوفية من الآراء الشاذة والكلمات الموهمة ما لا يحتمل ظاهره، ينطقون بها في أحوال تعرض لهم.. ومن تلك الآراء ما ذهب إليه بعضهم من التعصب لإبليس وتبرير عمله في عدم السجود لآدم عليه السلام.
خاتمة:
[بعد عرض هذه الفصول يتبين] أن تكوين هذه الطائفة كان على يد الشيخ عدي بن مسافر في القرن السادس، وأنها سميت بالعدوية نسبة إليه ثم تسمت بعد ذلك باليزيدية، وأن منشأ اعتقادهم في يزيد بن معاوية من شيخهم هذا فلا صلة له بيزيد بن أبي أنيسة ولا بنحلته.. وأن طريقتهم تقلبت بعد ذلك في أطوار فبدأ فيها الانحراف في زمن الشيخ حسن بن عدي بن أبي البركات ثم توالى عليها النقص والزيادة والتغيير والتبديل قرنا بعد قرن حتى وصلت على ما هي عليه الآن..  

[ اليزيدية ومنشأ نحلتهم-تأليف: أحمد تيمور باشا-الناشر: مكتبة الثقافة الدينية-الطبعة الأولى/2001]   

 

                                                                        إعداد: الباحث منتصر الخطيب

الهوامش:

[1] ذكر المؤلف في هامش هذه الفقرة أن هذا الكتاب المشار إليه ليس هو كتاب الجلوة لأرباب الخلوة لمؤلفه شيخ طريقة الزيدية الشيخ حسن باعتبار أن الرجل كان على رقة دينه وذا عقل ودهاء وعلم و أدب من أن ينحط قلمه لمثل هذا السخف الموجود في الكتاب المذكور.
[2] وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لابن خلكان-تحقيق: إحسان عباس-دار صادر/بيروت-د.ت-ج/3-ص:254
[3] الرسالة السنية إلى الطائفة العدوية (الوصية الكبرى)-مخطوط/موقع: مركز ودود للفهارس وكتب التحقيق.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. سلام عليكم
    من اجل معرفة الكثير عن الديانة اليزيدية أرجو زيارة الرابط التالي كتاب الأستاذ أمين فرحان جيجو عضو مجلس النواب العراقي
    http://www.ezidi-islah.net/ezidi.pdf

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق