مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةدراسات عامة

فرقة الواقفية

 

اتفقت جميع فرق الشيعة على القاعدة الأساسية القائلة بإمامة علي بن أبي طالب وأفضليته على كل من سواه، وأنه أحق الناس بخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ولاية أمر المسلمين، وقالوا: إن عليا مع الحق يدور معه حيث دار عملا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نص على علي بأنه مولى المؤمنين وولي كل مؤمن وأنه إمام أهل البيت.
وقد كان من الطبيعي جدا أن يحصل الخلاف بين الشيعة ويفترقوا إلى فرق متعددة؛ شأنهم في ذلك شأن بقية الفرق من أهل الأهواء والنحل، فما داموا قد خرجوا عن نهج الصراط المستقيم واستندوا إلى عقولهم وأهوائهم فلا بد أن تظهر بينهم الفوارق تقاربا وتباعدا، ما بين الغالي المتطرف الذي يسبغ على الأئمة هالة من التقديس والإطراء، وبين الذي اتصف بنوع من الاعتدال فلا يكفر غيره..
ولذلك كثرت فرقهم وتعددت- كما سنرى- ؛ وقد ذكر أبو الحسن الأشعري أنهم ثلاث فرق رئيسية وما عداها فروع، وذهب البغدادي إلى أنهم أربعة أصناف والباقي فروع لهم، فيما عدهم الشهرستاني خمس فرق والباقي فروع كذلك.
ويفهم من هذا أن اتفاق فرق الشيعة على هذه القاعدة جعلهم في بداية أمرهم يدا واحدة، ولكن الأمر تطور بعد الفترة الأولى، لا سيما بعد استشهاد الإمام الحسين؛ حيث بدأ الخلاف بينهم حول الأئمة التالين لخلافته، وحول صفات الإمام الجديد وطبيعته وخصائصه، وفرض عليهم اختلافهم – كذلك- في أسلوب المعارضة السياسية طريقة مواجهة الحكام والأمراء في الدولة الإسلامية، وتولدت تبعا لذلك فرق شيعية عديدة من السبئية والكيسانية والكاملية والمغيرية والمنصورية والبنانية والخطابية والحربية والناووسية .. وغيرها من الفرق العديدة والتقسيمات المتعددة وقفت عند إمام أو آخر ونصرته. حتى قال فيهم ابن حزم: (والقوم بالجملة ذوو أديان فاسدة وعقول مدخولة وعديمو حياء ونعوذ بالله من الضلال… فاعجبوا لهذا الجنون واسألوا الله العافية من بلاء الدنيا والآخرة فهي بيده لا بيد أحد سواه، جعل الله حظنا منها الأوفى..)[1].
وكانت فرقة الواقفية أو الواقفة إحدى هذه الفرق، فما موقفها من هذا التدافع؟ وما هي أفكارها اعتقادا وسلوكا؟؟؟
يقول أبو الحسن الأشعري: (والصنف الثاني والعشرون من الرافضة يسوقون الإمامة حتى ينتهوا بها إلى جعفر بن محمد، ويزعمون أن جعفر بن محمد نص على إمامة ابنه موسى بن جعفر، وأن موسى بن جعفر حي لم يمت ولا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها (و) حتى يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا، وهذا الصنف يدعون الواقفة؛ لأنهم وقفوا على موسى بن جعفر ولم يجاوزوه إلى غيره..)[2]. 
ويقول الشهرستاني: (الإسماعيلية الواقفة،  قالوا: إن الإمام بعد جعفر إسماعيل نصا عليه باتفاق من أولاده إلا أنهم اختلفوا في موته في حال حياة أبيه.  فمنهم من قال: لم يمت إلا أنه أظهر موته تقيّة من خلفاء بني العباس، وأنه عقد محضرا وأشهد عليه عامل المنصور بالمدينة. ومنهم من قال: موته صحيح والنص لا يرجع قهقرى، والفائدة في النص: بقاء الإمامة في أولاد المنصوص عليه دون غيرهم؛ فالإمام بعد إسماعيل محمد بن إسماعيل،  وهؤلاء يقال لهم : المباركية.  ثم منهم من وقف على محمد بن إسماعيل وقال برجعته بعد غيبته،  ومنهم من ساق الإمامة في المستورين منهم، ثم في الظاهرين القائمين من بعدهم وهم الباطنية .. واختلفت الشيعة بعده ـ أي موسى بن جعفر الكاظم ـ؛ فمنهم من توقف في موته وقال: لا ندري أمات أم لم يمت ويقال لهم: الممطورة سماهم بذلك علي بن إسماعيل فقال: ما أنتم إلاّ كلاب ممطورة،  ومنهم من قطع بموته ويقال لهم : القطيعة، ومنهم من توقف عليه وقال: إنه لم يمت وسيخرج بعد الغيبة ويقال لهم : الواقفة)[3].
وهم الذين شبه أبو حامد الغزالي بهم الفلاسفة حين قال: (ليعلم أن المقصود تنبيه من حسن اعتقاده في الفلاسفة وظنّ أن مسالكهم نقية عن التناقض ببيان وجوه تهافتهم. فلذلك أنا لا أدخل في الاعتراض عليهم إلا دخول مطالب منكر، لا دخول مدّع مثبت، فأُبطل عليهم ما اعتقدوه، مقطوعا بإلزامات مختلفة؛ فألزمهم تارة مذهب المعتزلة، وأخرى مذهب الكرامية وطورا مذهب الواقفية، ولا أتنهض ذابا عن مذهب مخصوص بل أجعل جميع الفرق إلباً واحداً عليهم؛ فإن سائر الفرق ربما خالفونا في التفصيل، وهؤلاء يتعرضون لأصول الدين، فلنتظاهر عليهم، فعند الشدائد تذهب الأحقاد) [4]. 
الواقفية في كتب الملل والنحل:
    جاءت الواقفية في كتب الملل والنحل على وجه الإجمال، وهذا يعرب عن عدم وجود دور بارز لهم في عصر الغيبة.
والواقفية أو الواقفة: في الملل والنحل، وفي علم الرجال، والدراية، والحديث، وبالخصوص في مذهب التشيُّع: يطلق على طائفة وقفت على إمام وبقيت قائلة بإمامته، وامتنعت وكفت عن القول بإمامة من كان بعده من الأئمة.
 وهذا المعنى العام: وإن صدق على كل من وقف على إمام سواء الكيسانية أو الزيدية أو الإسماعيلية أو الفطحية، بل حتى يصدق هذا المعنى على من لم يقبل إمامة الإمام علي ووقف على النبي الأكرم صلى الله عليه وآله.
    قال النوبختي ـ بعدما بيّن أنّ الشيعة انقسمت بعد رحيل الإمام الكاظم إلى فرقتين، وبيّن الفرقة الثانية بالبيان التالي فقال ـ :
    (وقالت الفرقة الثانية: إنّ موسى بن جعفر لم يمت، وإنّه حيّ، ولا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها، ويملاَها كلها عدلاً كما ملئت جوراً، وإنّه القائم المهدي، وزعموا أنّه خرج من الحبس ولم يره أحد نهاراً ولم يعلم به، وأنّ السلطان وأصحابه ادّعوا موته، وموّهوا على الناس وكذبوا، وأنّه غاب عن الناس واختفى، ورووا في ذلك روايات عن أبيه جعفر بن محمد عليهما السّلام أنّه قال: هو القائم المهدي فإن يدهده رأسه عليكم من جبل فلا تصدقوا فإنّه القائم.
وقال بعضهم: إنّه القائم وقد مات، ولا تكون الإمامة لغيره حتى يرجع، فيقوم ويظهر، وزعموا أنّه قد رجع بعد موته إلاّ أنّه مختف في موضع من المواضع، حي يأمر وينهى، وأنّ أصحابه يلقونه ويرونه، واعتلّوا في ذلك بروايات عن أبيه، أنّه قال: سمّي القائم قائماً، لأنه يقوم بعدما يموت.
وقال بعضهم: إنّه قد مات، وإنّه القائم، وإنّ فيه شبهاً من عيسى بن مريم ـ صلى اللّه عليه وسلم
ـ وأنّه لم يرجع، ولكنّه يرجع في وقت قيامه، فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، وإنّ أباه قال: إنّ فيه شبهاً من عيسى بن مريم، وإنّه يقتل في يدي ولد العباس فقد قتل.
وأنكر بعضهم قتله، وقالوا: مات ورفعه اللّه إليه، وإنّه يردّه عند قيامه، فسمّوا هؤلاء جميعاً الواقفية لوقوفهم على موسى بن جعفر على أنّه الإمام القائم، ولم يأتمّوا بعده بإمام ولم يتجاوزوه إلى غيره.
وقد قال بعضهم ممّن ذكر أنّه حي: إنّ الرضا ومن قام بعده ليسوا بأئمّة، ولكنّهم خلفاؤه واحداً بعد واحد إلى أوان خروجه، وإنّ على الناس القبول منهم والانتهاء إلى أمرهم[5].
وقد لقب الواقفية بعض مخالفيها ممن قال بإمامة علي بن موسى “الممطورة”  وغلب عليهم هذا الاسم وشاع لها، وكان سبب ذلك أن علي بن إسماعيل الميثمي ويونس بن عبد الرحمان ناظر بعضهم، فقال له علي بن إسماعيل وقد اشتد الكلام بينهم: (ما أنتم إلا كلاب ممطورة)، أراد أنهم أنتن من جيف، لأن الكلاب إذا أصابها المطر فهي أنتن من الجيف، فلزمهم هذا اللقب فهم يعرفون به اليوم، لأنه إذا قيل للرجل أنه ممطور فقد عرف أنه من الواقفة على موسى بن جعفر خاصة، لأن كل من مضى منهم فله واقفة قد وقفت عليه، وهذا اللقب لأصحاب موسى [6]. 
وإذن فالواقفية هي فرقة من الشيعة لم تنخرط لا في الاثنا عشرية ولا في الإسماعيلية بمعنى أنها توقفت في ذلك.. وقد اعتبر الحفني أن الواقفة وجدت عند باقي الفرق الكلامية الكبرى من المعتزلة والخوارج والإباضية والشيعة؛ وقال عن الواقفة الشيعية: (هم الذين قالوا انقطعت الإمامة بعد الحسين بدعوى أن الأئمة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا ثلاثة مسمِّين بأسمائهم، واستخلفهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأوصى إليهم، وجعلهم حججا على الناس، وقواما بعده واحدا بعد واحد، وهم: علي والحسن والحسين، فلم يثبتوا إمامة لأحد بعدهم. ومن الشيعة من توقف على محمد الباقر وقال برجعته، كما توقف القائلون بإمامة أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق. وأيضا فإن الإسماعيلية الواقفة قد قالوا إن الإمام بعد جعفر هو إسماعيل، وأنه لم يمت، ومذهب هذه الفرقة هو الوقف على إسماعيل بن جعفر…)[7]. 
الهوامش: 
[1] الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم الظاهري- وثقه وضبطه: سامي أنور جاهين- دار الحديث/ القاهرة-طبعة/2010- ج/3-ص: 147 
[2] مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين للإمام أبي الحسن الأشعري-تحقيق: أحمد جاد-دار الحديث/القاهرة-طبعة/2008- ص: 26
[3] الملل والنحل لأبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني- دار ابن حزم- الطبعة الأولى/2005- ص: 161.
[4] تهافت الفلاسفة للإمام ابي حامد الغزالي-تحقيق وتقديم: د.سليمان دنيا- دار المعارف/مصر-/2007-ص: 82-83
[5] فرق الشيعة، الحسن النوبختي- تحقيق: د.عبد المنعم الحفني- دار الإرشاد/القاهرة-1992-ص: 80-82.
[6] المرجع نفسه، والصفحة نفسها.
[7] – الفرق والجماعات والمذاهب الإسلامية-عبد المنعم الحفني-دار الرشاد/القاهرة-الطبعة الأولى/1993-ص: 421-422.
إعداد: منتصر الخطيب

اتفقت جميع فرق الشيعة على القاعدة الأساسية القائلة بإمامة علي بن أبي طالب وأفضليته على كل من سواه، وأنه أحق الناس بخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ولاية أمر المسلمين، وقالوا: إن عليا مع الحق يدور معه حيث دار عملا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نص على علي بأنه مولى المؤمنين وولي كل مؤمن وأنه إمام أهل البيت.

وقد كان من الطبيعي جدا أن يحصل الخلاف بين الشيعة ويفترقوا إلى فرق متعددة؛ شأنهم في ذلك شأن بقية الفرق من أهل الأهواء والنحل، فما داموا قد خرجوا عن نهج الصراط المستقيم واستندوا إلى عقولهم وأهوائهم فلا بد أن تظهر بينهم الفوارق تقاربا وتباعدا، ما بين الغالي المتطرف الذي يسبغ على الأئمة هالة من التقديس والإطراء، وبين الذي اتصف بنوع من الاعتدال فلا يكفر غيره..

ولذلك كثرت فرقهم وتعددت- كما سنرى- ؛ وقد ذكر أبو الحسن الأشعري أنهم ثلاث فرق رئيسية وما عداها فروع، وذهب البغدادي إلى أنهم أربعة أصناف والباقي فروع لهم، فيما عدهم الشهرستاني خمس فرق والباقي فروع كذلك.

ويفهم من هذا أن اتفاق فرق الشيعة على هذه القاعدة جعلهم في بداية أمرهم يدا واحدة، ولكن الأمر تطور بعد الفترة الأولى، لا سيما بعد استشهاد الإمام الحسين؛ حيث بدأ الخلاف بينهم حول الأئمة التالين لخلافته، وحول صفات الإمام الجديد وطبيعته وخصائصه، وفرض عليهم اختلافهم – كذلك- في أسلوب المعارضة السياسية طريقة مواجهة الحكام والأمراء في الدولة الإسلامية، وتولدت تبعا لذلك فرق شيعية عديدة من السبئية والكيسانية والكاملية والمغيرية والمنصورية والبنانية والخطابية والحربية والناووسية .. وغيرها من الفرق العديدة والتقسيمات المتعددة وقفت عند إمام أو آخر ونصرته. حتى قال فيهم ابن حزم: (والقوم بالجملة ذوو أديان فاسدة وعقول مدخولة وعديمو حياء ونعوذ بالله من الضلال… فاعجبوا لهذا الجنون واسألوا الله العافية من بلاء الدنيا والآخرة فهي بيده لا بيد أحد سواه، جعل الله حظنا منها الأوفى..)[1].

وكانت فرقة الواقفية أو الواقفة إحدى هذه الفرق، فما موقفها من هذا التدافع؟ وما هي أفكارها اعتقادا وسلوكا؟؟؟

يقول أبو الحسن الأشعري: (والصنف الثاني والعشرون من الرافضة يسوقون الإمامة حتى ينتهوا بها إلى جعفر بن محمد، ويزعمون أن جعفر بن محمد نص على إمامة ابنه موسى بن جعفر، وأن موسى بن جعفر حي لم يمت ولا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها (و) حتى يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا، وهذا الصنف يدعون الواقفة؛ لأنهم وقفوا على موسى بن جعفر ولم يجاوزوه إلى غيره..)[2]. 

ويقول الشهرستاني: (الإسماعيلية الواقفة،  قالوا: إن الإمام بعد جعفر إسماعيل نصا عليه باتفاق من أولاده إلا أنهم اختلفوا في موته في حال حياة أبيه.  فمنهم من قال: لم يمت إلا أنه أظهر موته تقيّة من خلفاء بني العباس، وأنه عقد محضرا وأشهد عليه عامل المنصور بالمدينة. ومنهم من قال: موته صحيح والنص لا يرجع قهقرى، والفائدة في النص: بقاء الإمامة في أولاد المنصوص عليه دون غيرهم؛ فالإمام بعد إسماعيل محمد بن إسماعيل،  وهؤلاء يقال لهم : المباركية.  ثم منهم من وقف على محمد بن إسماعيل وقال برجعته بعد غيبته،  ومنهم من ساق الإمامة في المستورين منهم، ثم في الظاهرين القائمين من بعدهم وهم الباطنية .. واختلفت الشيعة بعده ـ أي موسى بن جعفر الكاظم ـ؛ فمنهم من توقف في موته وقال: لا ندري أمات أم لم يمت ويقال لهم: الممطورة سماهم بذلك علي بن إسماعيل فقال: ما أنتم إلاّ كلاب ممطورة،  ومنهم من قطع بموته ويقال لهم : القطيعة، ومنهم من توقف عليه وقال: إنه لم يمت وسيخرج بعد الغيبة ويقال لهم : الواقفة)[3].

وهم الذين شبه أبو حامد الغزالي بهم الفلاسفة حين قال: (ليعلم أن المقصود تنبيه من حسن اعتقاده في الفلاسفة وظنّ أن مسالكهم نقية عن التناقض ببيان وجوه تهافتهم. فلذلك أنا لا أدخل في الاعتراض عليهم إلا دخول مطالب منكر، لا دخول مدّع مثبت، فأُبطل عليهم ما اعتقدوه، مقطوعا بإلزامات مختلفة؛ فألزمهم تارة مذهب المعتزلة، وأخرى مذهب الكرامية وطورا مذهب الواقفية، ولا أتنهض ذابا عن مذهب مخصوص بل أجعل جميع الفرق إلباً واحداً عليهم؛ فإن سائر الفرق ربما خالفونا في التفصيل، وهؤلاء يتعرضون لأصول الدين، فلنتظاهر عليهم، فعند الشدائد تذهب الأحقاد) [4]. 

الواقفية في كتب الملل والنحل:

    جاءت الواقفية في كتب الملل والنحل على وجه الإجمال، وهذا يعرب عن عدم وجود دور بارز لهم في عصر الغيبة.

والواقفية أو الواقفة: في الملل والنحل، وفي علم الرجال، والدراية، والحديث، وبالخصوص في مذهب التشيُّع: يطلق على طائفة وقفت على إمام وبقيت قائلة بإمامته، وامتنعت وكفت عن القول بإمامة من كان بعده من الأئمة.

 وهذا المعنى العام: وإن صدق على كل من وقف على إمام سواء الكيسانية أو الزيدية أو الإسماعيلية أو الفطحية، بل حتى يصدق هذا المعنى على من لم يقبل إمامة الإمام علي ووقف على النبي الأكرم صلى الله عليه وآله.

    قال النوبختي ـ بعدما بيّن أنّ الشيعة انقسمت بعد رحيل الإمام الكاظم إلى فرقتين، وبيّن الفرقة الثانية بالبيان التالي فقال ـ :

    (وقالت الفرقة الثانية: إنّ موسى بن جعفر لم يمت، وإنّه حيّ، ولا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها، ويملاَها كلها عدلاً كما ملئت جوراً، وإنّه القائم المهدي، وزعموا أنّه خرج من الحبس ولم يره أحد نهاراً ولم يعلم به، وأنّ السلطان وأصحابه ادّعوا موته، وموّهوا على الناس وكذبوا، وأنّه غاب عن الناس واختفى، ورووا في ذلك روايات عن أبيه جعفر بن محمد عليهما السّلام أنّه قال: هو القائم المهدي فإن يدهده رأسه عليكم من جبل فلا تصدقوا فإنّه القائم.

وقال بعضهم: إنّه القائم وقد مات، ولا تكون الإمامة لغيره حتى يرجع، فيقوم ويظهر، وزعموا أنّه قد رجع بعد موته إلاّ أنّه مختف في موضع من المواضع، حي يأمر وينهى، وأنّ أصحابه يلقونه ويرونه، واعتلّوا في ذلك بروايات عن أبيه، أنّه قال: سمّي القائم قائماً، لأنه يقوم بعدما يموت.

وقال بعضهم: إنّه قد مات، وإنّه القائم، وإنّ فيه شبهاً من عيسى بن مريم ـ صلى اللّه عليه وسلم

ـ وأنّه لم يرجع، ولكنّه يرجع في وقت قيامه، فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، وإنّ أباه قال: إنّ فيه شبهاً من عيسى بن مريم، وإنّه يقتل في يدي ولد العباس فقد قتل.

وأنكر بعضهم قتله، وقالوا: مات ورفعه اللّه إليه، وإنّه يردّه عند قيامه، فسمّوا هؤلاء جميعاً الواقفية لوقوفهم على موسى بن جعفر على أنّه الإمام القائم، ولم يأتمّوا بعده بإمام ولم يتجاوزوه إلى غيره.

وقد قال بعضهم ممّن ذكر أنّه حي: إنّ الرضا ومن قام بعده ليسوا بأئمّة، ولكنّهم خلفاؤه واحداً بعد واحد إلى أوان خروجه، وإنّ على الناس القبول منهم والانتهاء إلى أمرهم[5].

وقد لقب الواقفية بعض مخالفيها ممن قال بإمامة علي بن موسى “الممطورة”  وغلب عليهم هذا الاسم وشاع لها، وكان سبب ذلك أن علي بن إسماعيل الميثمي ويونس بن عبد الرحمان ناظر بعضهم، فقال له علي بن إسماعيل وقد اشتد الكلام بينهم: (ما أنتم إلا كلاب ممطورة)، أراد أنهم أنتن من جيف، لأن الكلاب إذا أصابها المطر فهي أنتن من الجيف، فلزمهم هذا اللقب فهم يعرفون به اليوم، لأنه إذا قيل للرجل أنه ممطور فقد عرف أنه من الواقفة على موسى بن جعفر خاصة، لأن كل من مضى منهم فله واقفة قد وقفت عليه، وهذا اللقب لأصحاب موسى [6]. 

وإذن فالواقفية هي فرقة من الشيعة لم تنخرط لا في الاثنا عشرية ولا في الإسماعيلية بمعنى أنها توقفت في ذلك.. وقد اعتبر الحفني أن الواقفة وجدت عند باقي الفرق الكلامية الكبرى من المعتزلة والخوارج والإباضية والشيعة؛ وقال عن الواقفة الشيعية: (هم الذين قالوا انقطعت الإمامة بعد الحسين بدعوى أن الأئمة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا ثلاثة مسمِّين بأسمائهم، واستخلفهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأوصى إليهم، وجعلهم حججا على الناس، وقواما بعده واحدا بعد واحد، وهم: علي والحسن والحسين، فلم يثبتوا إمامة لأحد بعدهم. ومن الشيعة من توقف على محمد الباقر وقال برجعته، كما توقف القائلون بإمامة أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق. وأيضا فإن الإسماعيلية الواقفة قد قالوا إن الإمام بعد جعفر هو إسماعيل، وأنه لم يمت، ومذهب هذه الفرقة هو الوقف على إسماعيل بن جعفر…)[7]. 

 

الهوامش:

 

[1] الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم الظاهري- وثقه وضبطه: سامي أنور جاهين- دار الحديث/ القاهرة-طبعة/2010- ج/3-ص: 147 

[2] مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين للإمام أبي الحسن الأشعري-تحقيق: أحمد جاد-دار الحديث/القاهرة-طبعة/2008- ص: 26

[3] الملل والنحل لأبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني- دار ابن حزم- الطبعة الأولى/2005- ص: 161.

[4] تهافت الفلاسفة للإمام ابي حامد الغزالي-تحقيق وتقديم: د.سليمان دنيا- دار المعارف/مصر-/2007-ص: 82-83

[5] فرق الشيعة، الحسن النوبختي- تحقيق: د.عبد المنعم الحفني- دار الإرشاد/القاهرة-1992-ص: 80-82.

[6] المرجع نفسه، والصفحة نفسها.

[7] – الفرق والجماعات والمذاهب الإسلامية-عبد المنعم الحفني-دار الرشاد/القاهرة-الطبعة الأولى/1993-ص: 421-422.

 

                                                        إعداد الباحث: منتصر الخطيب

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق