مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات عامة

فتاوى نحوية ولغوية

  • ما الضّبطُ الصّحيحُ لكلمة “حزن” ؟

في الحزن ثلاث صيغ: الحُزنُ والحَزَن والحَزْن  :

  • الحُزْنُ بضمٍّ فسُكون، والحَزَنُ بفتح ففتح، كلاهُما: يُرادُ به نقيضُ الفرَح والسُّرور، وهما مُتعاقبان أي يحلّ أحدُهما محلّ الآخَر باطِّرادٍ، والجمعُ أَحْزانٌ، والفعلُ منه: حَزِنَ يحزَنُ حَزَناً.

    واللازمُ منه على وزنِ فَعِلَ، حَزِنَ يَحْزَنُ حَزَناً، والمتعدّي على وزن فَعَلَ: حَزَنَهُ يَحْزُنُه حَزْناً نحو قوله تعالى: « قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ» (يوسف.13)

  • وفي “الحُزْن” وجهان : إذا جاءَ الحزنُ مَنصوبَ الآخِر أي النون، فتَحوا الحاءَ (حَزَناً)، وإذا جاءَ مَرفوعَ الآخِر أَو مكسوراً ضَمّوا أوّلَه (حُزنٌ وحُزنٍ)، نحو قول الله عز وجل: «وقالوا الحمدُ لله الذي أَذْهَبَ عَنَّا الحَزَنَ»،و «تَفِيضُ من الدَّمْعِ حَزَناً»، وقوله عزّ وجلّ: «وابْيَضَّتْ عَيْناهُ من الحُزْنِ فهو كَظيم»، و «وقال أَشْكو بَثِّي وحُزْني إلى الله»
  •  أمّا الحَزْنُ بفتح فسُكون: فهو الأمرُ الوَعْرُ المُمْتَنِع، والفعلُ منه: حَزُنَ المكانُ حُزونةً وضدّه: مَكانٌ سَهْلٌ وقد سَهُل سُهولة، والحَزْنُ المكانُ الغليظ وهو الخَشِنُ. والحُزونةُ الخُشونة، وأَحْزَنَ وأَسْهَلَ إذا رَكِبَ الحَزْنَ والسَّهْلَ. ويَرِدُ الحَزْنُ بالفتح فالسكون، مصدراً للفعل المُتعدّي: حَزَنَه يحزُنُه حَزْناً
  • وفي صيغة “أفْعَلَ” (أحْزَنَ) مَعْنَيانِ: أحْزَنَ بمعنى رَكبَ الحَزْنَ من الأرضِ، ومَعْنى أَحْزَنَه جعله حَزِيناً ، والفرقُ بينَ أحزنَه وحَزَنَه في التعديةِ: أنّ الفعلَ أحزَنَه جعَلَه حَزيناً، أمّا حَزَنَه فبمعنى: جعلَ فيه حُزْناً وبثَّه فيه؛ كأَفْتَنَه جَعلَه فاتِناً وفَتَنَه جعلَ فيه فِتنَةً.

****************

  • تصحيح تعدية الأفعال

ردٌّ على مَن ادَّعى صحّةَ تعديَةِ الفعلِ لَفَتَ بالهمزَة “أَلْفَتَ”: هل يَجوزُ ألْفَتَ فُلانٌ فُلاناً، أو ألفتَ انتباهَه؟
إذا صحَّ أنَّ الفعلَ لفَتَ يتعدّى بالهَمزة؛ فهو أقلُّ من تعديته بغيْرِها، والغالبُ أنّك تجدُ في المَعاجم تغليبَ المجرَّد على المَزيد، لَفَتَ فلانٌ وجهَه عن القوم صَرَفَه ولَفَتَ غيرَه عنهُم أي صرَفَه، ولَفَتَ انتباهَ غيرِه إلى الشيءِ أي صَرَفَ انتباهَه إليه. أمّا المَزيدُ في مادّة لَفَتَ فالأكثرُ وُروداً: الْتَفَتَ التِفاتاً، وتلفَّتَ تلفُّتاً، وقوله تعالى: «ولا يَلْتَفِتْ منكم أَحَدٌ إِلاّ امرأَتَك»، أمّا المُجرَّدُ في قوله عزّ وجلّ: «أَجِئْتَنا لتَلْفِتَنا عمَّا وَجَدْنا عليه آباءَنا»، فقال: تَلفتَنا بفتح التاء لا بضمِّها، فهو واضحٌ صريحٌ؛ إذ رُجِّحَ اللَّفْت على الإلفات، ولا عبرةَ بأن يكونَ مَفْعولُ هذا الفعلِ على الحقيقةِ أو المَجازِ، كأن يُقالَ: نقولُ: لَفَتَ نظَرَه وألْفَتَه؛ فقَد استُعملَ المجرَّدُ مَكانَ المَزيدِ في مثلِ طعم وكَسا:

دَعِ المَكارِمَ لا تَرْحلْ لبُغيتها  *** واقعُدْ فأنت الطّاعمُ الكاسيّ

وهو يُريدُ المُطْعَم المَكْسُوَّ، مثلَما نُريدُ المفعولَ في قولِنا: لَفَتَ انتباهَه يَلفتُه ولَفَتَه عن الشيء صَرَفَه، والمصدرُ اللّفتُ وهو الصّرفُ وإثارَة الانتباه إلى شيء آخَر، فالذي يُجيزُ لَك أن تَقولَ: ما لَفَتَك عن فُلانٍ؟ أَي ما صَرَفَك عنه؟ يُجيزُ لَك أيضاً أن تَقولَ: ما لَفَتَ انتباهَكَ إلى فُلانٍ؟

هذا، إلى ما في المجرَّد المتعدّي بنفسِه (لَفَتَه ولَفَتَ نظرَه) من الإيجاز والاختصار، مثل: رَجَعَ فلانٌ فُلاناً إلى قومه، وليسَ أرجَعَ، وكَسَبَه مالاً وليسَ أكسبَه، وكَساه حلّةً، ووَقَفَ دابَّتَه وليس أوقَفَها…
وخُلاصةُ المسألَة أنّه إذا جازَ تعديةُ الفعل بالهمزة [ألْفَتَ] فتعديتُه من غير زيادَة أوْرَدُ [أيْ أكثرُ وروداً].

***************

  • ملحوظات على لغة الإلقاء في الندوات والمؤتَمَرات:

تتميّزُ بعضُ المُشارَكاتِ في الندوات والمؤتمراتِ الوطنيّةِ والدّوليّةِ، بصفةٍ غَريبةٍ تَعتري لُغةَ الإلقاءِ ومُستَوى الأداء، تجعلُ السامعَ في حيرةٍ من أمرِه؛ إنّها صفةُ إسقاطِ الإعرابِ والاستغناءِ عن الحَرَكاتِ وذلكَ بتسكينِ أواخرِ الكلِمِ، وهذا وضعٌ مُربِكٌ يَضطرُّ معه السامعُ إلى تقديرِ المُسْقَطِ واستكمالِ المَنقوصِ واستحضارِ المُسْتَغْنَى عنه.

ويترتّبُ على إسقاطِ الإعرابِ آفةٌ جَسيمةٌ؛ هي دُخولُ آخرِ حرفٍ من الكلمةِ في أولِ حرفٍ من الكلمةِ التي تَليها، ويَنتهي هذا التداخُلُ بوقوعِ اللّبسِ وإرهاقِ ذهنِ السامعِ في تَقديرِ الصورةِ الإعرابيّةِ السّليمَة. والأغربُ من ذلكَ أنّ كثيرا من الورَقاتِ البحثيّةِ المُستَغْنى في إلقائها عن الإعرابِ تُقرأ قراءةً ولا تُرتجَلُ، ويُفترضُ أنّ القراءةَ المُباشرةَ تُعزّزُ القُدرةَ على المُحافظةِ على الإعرابِ، ولكنَّ الاستعانةَ بالورَقَةِ لَم يَقْوَ على التّغلُّبِ على الآفَةِ.

بل الأغربُ من ذلك كلِّه أنّك لا تستطيعُ أن تُدليَ بالمَلحوظةِ، وكأنّ تركَ الإعرابِ مُترخَّصٌ فيه اتِّفاقاً ومسكوتٌ عَنه عُرفاً، وإذا أنكرْتَ الآفَةَ قيلَ لك إنّنا نتحدّثُ في عصرِ السرعةِ بلُغةٍ تُناسبُ الزّمَنَ السريعَ، وإنّ هذا من خصائصِ “اللغة العربية المُعاصرَة”، والاعتراضُ الذي يَرِدُ على هذه الدّعوى أنّ إسقاطَ الإعرابِ نقصٌ وحالةٌ سالبةٌ، ولا يُعقَلُ أن تَقوى حالةُ السلبِ والإسقاطِ على بناءِ لغةٍ من أصلِ لغةٍ، أو إن شئتَ فقُلْ: ليسَ هَدمُ إعرابِ الفصيحِ شرطاً في بناءِ المعاصرِ غيرِ المُعرَبِ.

ويُضافُ إلى حالةِ الاستغناءِ عن الإعرابِ حالةٌ أخرى مُزريةٌ باللغةِ العربيّةِ، إنّها سوءُ إخراجِ الأصواتِ، ولهذه الصّفةِ تفصيلٌ : مفادُه أنّ المتكلّمَ يخلطُ بعضَ الأصواتِ المتشابهةِ كتابةً وإملاءً ببعضٍ؛ كالضاد والظاء فيجعلُ الظاءَ ضادا مُطلَقاً، والدّال والذّالِ، ويُرقّقُ المُفخّمَ يجعلُ الصادَ سيناً والضادَ دالاً… وقد يَنتهي به أمرُ الخلطِ إلى سوءِ تبيُّن الدّلالَةِ.

من آفاتِ العُدولِ بالأصواتِ عن مخارجها ومظانِّها حالةٌ شديدةٌ الغَرابَةِ؛ إنّها تداخُلُ الأصواتِ في الكلمة الواحدةِ وإدغامُ بعضها في بعضٍ مما لا يَقبلُ الإدغامَ في الأصلِ، فيتعذّرُ على السامعِ أن يتبيّنَ الكلمةَ العربيّةَ، وإذا أنكرْتَ هذه الآفَةَ الصَّوتيّةَ قيلَ لك كما قيلَ في تعليلِ إسقاطِ الإعراب: سرعةُ الكلامِ تَقضي بدُخولِ الأصواتِ بعضها في بعضٍ، وهذه الآفةُ تُعدُّ عندَهُم صفةً من صفاتِ “العربيّةِ المُعاصرةِ” اقتضلها التّداوُلُ ومُقتَضَياتُه.

قد يُقالُ إنّ المتلقّيَ الذي دأبَ على سماعِ هذه “اللّغةِ” يستطيعُ أن يستخدمَ قُدرةً أو مَلَكَةً لغويّةً تُمكّنُه من فَهمِ المرادِ وتَخطّي العائقِ. ولكن ما القولُ في متلقٍّ عربيٍّ آخرَ اعتادَت أذُنُه ألّا تسمعَ إلا المُعربَ من الكلام والمُبيَّنَ من الأصواتِ، فإذا خوطبَ بهذ اللغةِ ذاتِ “الوِزْرِيْنِ” عَميَ عليه المَعْنى وضاعَ التّواصلُ وانقَطَعَ حَبلُ التّفاعُلِ.

وهذا من الآفاتِ المَسكوتِ عَنها تَجمُّلاً و”حفظاً للودّ” على حساب العلمِ ولُغةِ الإلقاءِ العلميّ .

الصفحة السابقة 1 2 3 4
Science
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق