الرابطة المحمدية للعلماء

عودة النقاش مجددا حول “الموت الرحيم”: Euthanasie

الموت والحياة بين ثوابت الدين و تأملات الفلسفة

أثار
النداء الذي وجهته المدرسة الفرنسية شونتال سيبير “Chantal Sébir”، والذي تلح فيه على مساعدتها لوضع حد
لمعاناتها وآلامها الشديدة التي لم ينفع معها أي علاج، نقاشا واسعا حول ما بات
يعرف بـ ” الموت الرحيم” ” Euthanasie L'”.
ما بين مؤيد له رحمة بالمريضة، ومراعاة لمعاناة ذويها، واحتراما لحريتها وحقها في
الموت بكرامة.. وبين معارض يعتبر أن الحياة هبة من الله، له وحده يعود الحق في
انتزاعها، ووضع حد لها متى يشاء.

 وهو النقاش الذي شكل موضوع مقالة “Jean-paul Delevoye “في العدد28-4-2008
من جريدة “لوموند” الفرنسية ” libre de mourire ?  “، الذي انتقد فيه اختزال الموقف من قضية
” الموت الرحيم” إلى مجرد رأي معارض ينطلق من الدفاع عن الحق المقدس في
الحياة، أو رأي مناصر ينطلق من التمسك بالحق في الموت بكرامة “Invoquer son droit á mourir dans la dignité” مؤكدا أن الأمر يتجاوز هذا
المستوى التبسيطي الاختزالي، لأنه إشكال فلسفي أكثر منه قانوني “IL est tout autant philosophique que Juridique”.

وقد أرجع الكاتب الموقف المتردد من الاعتراف
بهذا الحق، لدى الأوروبيين عموما، إلى تغلغل القيم و الأخلاق المسيحية وتشكيلها
الواعي واللاواعي لبنية العقل الأوروبي، وهي الأخلاق التي لا تدع مجالا “لشرعية
الحق في الموت”؛ فبنهيها الجازم عن القتل” Tu ne tueras point” لا تسمح لأي شخص، على الأقل من الناحية
المعيارية، أن يقترف فعلا من شأنه أن يفضي إلى القتل.. كما لا تسمح بأية مساعدة
خارجية لوضع حد للحياة حتى ولو كان الهدف هو التخفيف من معاناة لا تحتمل..وهو ما
جعل القانون الفرنسي، على علمانيته، والاتفاقية الأوروبية للحريات الأساسية وحقوق
الإنسان لا تعترف بالحق في “الموت الرحيم”..

غير أن حدة هذا الرفض بدأت تلين
خاصة مع اعتراف كل من هولندا وبلجيكا قانونيا بهذا الحق بعد أن سبقتها استراليا
لذلك، غير أنها سرعان ما عملت على إلغائه تحت ضغط الاعتراض الشعبي القوي.. كما أن قطاعا مهما من الرأي العام الأوروبي بدأ يتساءل: كيف للمجتمع أن
يعترض على حق مريض ميؤوس من شفائه في أن يضع حدا لمعاناته الشديدة والمتواصلة؟ كيف
للمجتمع أن يقحم نفسه ويتدخل “S’immiscer”  في الحياة الخاصة للمريض وإمعانه في إملاء
السلوك الذي ينبغي عليه اتباعه.

وبينما نجد
إجماعا في دائرة الفقه الإسلامي المعاصر بتحريم القتل الرحيم الفعال “passive Euthanasie”،
والقول بجواز القتل الرحيم غير المنفعل “active Euthanasie”
نجد، بالمقابل، اتجاها متناميا في المجتمعات الأوروبية يعتبر أن أنسنة القانون
تستوجب مراجعته في اتجاه الاعتراف بالموت الرحيم بشقيه، شريطة خضوعه لضوابط
قانونية محددة واحترامه لإرادة المريض..

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق