مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةدراسات عامة

عن ديانة برغواطة وغمارة

أشرت في مقال سابق حول ظهور أديان بربرية لمناهضة الإسلام في إفريقية إلى ذكر نبذة عن بعض هذه الفرق، ويأتي هذا المقال لإتمام الفائدة في تأريخ هذه الديانات؛ مأخوذة من كتاب “الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي من الفتح العربي حتى اليوم لكاتبه: “ألفرد بل”[1]، وخاصة ديانة قبائل” برغواطة” وقبائل “غمارة”، ومما جاء في هذا الكتاب  قول مؤلفه:
«ومن بين البدع التي نعرف عنها بعض الأمور، بدعة ولدت في القرن الثاني الهجري لدى قبيلة برغواطة، والثانية في القرن الرابع الهجري لدى قبيلة غمارة، وكلتا القبيلتين تنتسب إلى شعب مصمودة، والمصامدة كما يقول ابن خلدون: (أكثر قبائل البربر وأوفرهم، من بطون برغواطة وغمارة وأهل جبل درن، ولم تزل مواطنهم بالمغرب الأقصى منذ الأحقاب المتطاولة، وكان المتقدم فيهم قبيل الإسلام وصدرهم برغواطة)[2]، وبطونهم تسكن-إلا في النادر- جبال المغرب الأقصى..
–    ديانة برغواطة: يقول ألفرد بل عن هذه الفرقة: «هؤلاء البربر المصامدة (كانت مواطنهم خصوصا من بين المصامدة في بسائط تامسنا وريف البحر المحيط من سلا وأزمور وأنفا (الدار البيضاء الآن) وآسفي)[3] كما يقول ابن خلدون. وكان كبيرهم حين قامت ثورة ميسرة الخفير (سنة740م) هو أبا صالح طريف الذي عاد إلى تامسنا هو ورجاله بعد حملة الخارجية صوب الشرق، وبقي قائما بأمرهم على مذهب الصفرية.
ولما مات أبو صالح طريف انتقلت الزعامة إلى ابنه صالح الذي كان في صحبته أثناء ثورة ميسرة (وكان من أهل العلم والخير فيهم، ثم انسلخ من آيات الله، وانتحل دعوى النبوة، وشرع لهم الديانة التي كانوا عليها من بعده)[4]..
ادعى صالح النبوة، وادعى لذلك أنه تلقى من الله قرآنا باللغة البربرية مؤلفا من ثمانين سورة، كما ادعى أنه يوحى إليه في كل خطبه وأقواله، لكنه لم يفض بهذا إلا إلى ابنه إلياس، ونصحه بألا يكشف للناس الديانة الجديدة إلا حين يشعر بأنه من القوة بحيث يستطيع فرضها على من حوله طوعا أو كرها عند الحاجة..
وليست لدينا معلومات عن الجانب العقائدي من هذه الديانة. ولا بد أنه كان ضئيلا، لأن الجانب الشعائري كان هو المهم عند البربر..
إن ديانة صالح بن طريف هذه تبدو لنا تقليدا تافها لشريعة الإسلام قام به بربري ومن أجل البربر، وإضافات هنا وحذف هناك كانت كافية لتشويه الفروض الإسلامية ..
وفيما يتعلق بالنواحي الدينية، وهي أثيرة عند البربر، زادت شريعة صالح فيها بإضافة نواحي جديدة إلى تلك التي شرعها الإسلام..
أما عن قواعد القانون المدني الشخصي والاجتماعي فإن ما نعرفه عنها يختلف كثيرا عما يناظرها في الشريعة الإسلامية..
وكان أتباع صالح يعدونه شخصا مقدسا، شبه إلهي، وكل ما يصدر عنه مبارك..
أما عن مذهب هذا المتنبئ البربري في القرن الثاني للهجرة/الثامن الميلادي فإن ما قلناه يبرهن على أن عقيدة الله وجوهر الشعائر الإسلامية كانت معروفة للبربر بحيث لم يحتج صالح إلا إلى تشويهها لتتفق مع أذواق بني قومه واستبدال اللغة البربرية باللغة العربية في ديانته الجديدة لقبولها..
وينبغي ألا نندهش من أن الحكام المسلمين في المغرب والأندلس، حين بسطوا سلطانهم على النواحي المجاورة لديار برغواطة وحلفائها، حاربوهم بوصفهم- أي برغواطة- يدينون بمذاهب مبتدعة ملحدة..ولم يقض على بدعة برغواطة إلا المرابطون في النصف الثاني من القرن الخامس..»[5].
–    ديانة غمارة:  وعن الفرقة الثانية يقول ألفرد بل: «ولدت ديانة حاميم، متنبئ غمارة، في نواحي تطوان لدى مجكسة، وهم بطن من غمارة، وغمارة قبيلة بربرية من مصامدة الشمال، وكان ذلك حوالي سنة 925م. وجدّه جفوال بن ورزوال الذي كان جدا؛ إليه ينتسب بطن من مجكسة هم بنو جفوال، وبينهم ولد حاميم، وبلده كان ثلاثة أميال من تطوان. وهذا النسب كان كافيا ليجعل حاميم ذا مكانة في قومه.
–    ولفهم المحاولة التي قام بها هذا المتنبئ البربري حاميم وقبول بدعته في غمارة، ينبغي علينا أن نستحضر في الذهن خشونة هؤلاء الجبليين الجهلاء في ذلك العصر، يقول ابن خلدون: (كان غمارة هؤلاء غريقين في الجهالة والبعد عن الشرائع والانتباذ عن مواطن الخير)[6]، وسذاجتهم في الاعتقاد يضرب بها المثل في كل العصور..
ومتنبئ غمارة اسمه حاميم، كما قلنا، وهذا الإسم مأخوذ من القرآن الكريم، ففيه سور كثيرة تبدأ بالحرفين “حا” و”ميم”..وكنيته أبو محمد..
وحاميم ، مع اعترافه برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم العربي واحترامه له، فإنه ادعى أنما أراد إصلاح الإسلام كما أصلح النبي محمد التوحيد عند اليهود والنصارى بعد أن شوهه هؤلاء..
وكما فعل صالح بن طريف، وضع حاميم قرآنا باللغة البربرية..
والقليل الذي نعرفه عن هذه الديانة وصل إلينا عن طريق المؤلفين السنة وخصوصا أقدمهم وهو البكري الذي عاش بعد حاميم بحوالي قرن. وهذه الأخبار..رغم إيجازها تسمح لنا مع ذلك بمعرفة القسمات الجوهرية في العبادة التي أقامها التشريع الديني الذي دعا إليه. وفيها نجد إشارات تتعلق بأربعة أركان من أركان الإسلام الخمسة..
ومثل هذه الأخبار القليلة [إشارة إلى بعض النصوص التاريخية التي أوردها] لا تكفي لتحديد عقائد وشريعة ديانة حاميم، وأقصى ما نستطيعه هو أن نجد فيها من ناحية ترتيبا لبعض العقائد والشعائر الإسلامية، ومن ناحية أخرى محاكاة لديانة صالح بن طريف، خصوصا فيما يتعلق بتحريم أنواع من الأطعمة»[7].
ويعلق ألفرد بل في ختام تأريخه لهذه الفرق بالقول: «والديانة التي ابتدعها صالح بن طريف في برغواطة في القرن الثامن الميلادي ليست بغير مشابه- إذا حكمنا بحسب الوثائق القليلة التي بأيدينا- مع تلك التي دعا إليها حاميم في قبيلة غمارة بمنطقة الريف بعد ذلك بقرنين؛ كلاهما ادعى النبوة، وكلاهما وضع مذهبا مستلهما من الإسلام وعلى قدر عقلية البربر ومعبرا عنه في «قرآن» مكتوب باللغة البربرية (ويختلف كل الاختلاف عن القرآن الكريم)، وكلاهما اهتم بتحديد شعائر منظمة أولى من الاهتمام بوضع عقائد متعمقة، وكلاهما تأثر بالسحر والكهانة.. كذلك يلاحظ أن الديانتين البربريتين اللتين تحدثنا عنهما في هذا الفصل لم تستخدما نفس وسائل الدعوة والانتشار؛ فصالح مثل حاميم اعتبر أن زعيم ديانته يجب في نفس الوقت، مثل النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة، رئيسا للدولة التي كونتها القبيلة أو القبائل المتحالفة، لكن صالح بن طريف لم يتصور انتصار مذهبه إلا بمساعدة قوة عسكرية كافية متكونة من القبيلة والقبائل المتحالفة معها، قوة تستطيع أن تفرض الديانة على المترددين والأعداء..وحاميم لأنه لم يفهم هذا الجانب العملي لنجاح الدعوة، ولم يستخدم نفس الوسيلة لتحقيق أهدافه الدينية؛ لم يفلح في إنجاز عمل طويل المدى.. وفضلا عن ذلك، فإن هذه البدع البربرية، المحلية جدا، لم يتسع مداها كثيرا، وحتى الفرق-وخصوصا الخارجية- وكانت أوسع انتشارا من تلك البده الملحدة، لم تستطع هي الخرى أن تزيل مذهب أهل السنة عن سيطرته..»[8].
[الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي من الفتح العربي حتى اليوم-ألفرد بل-ترجمه عن الفرنسية: عبد الرحمن بدوي-دار الغرب الإسلامي/بيروت-1981]

الهوامش:
[1] الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي من الفتح العربي حتى اليوم-ألفرد بل-ترجمه عن الفرنسية: عبد الرحمن بدوي-دار الغرب الإسلامي/بيروت-1981-ص: 172 وما بعدها
[2] العبر لابن خلدون-ج/6-ص:427-428
[3] نفس المصدر-ص:428
[4] نفس المصدر-ص:429
[5] الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي-الفرد بل-ص: من 173 إلى180
[6] العبر لابن خلدون-ج/6-ص:429 وما بعدها
[7] الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي-الفرد بل-ص: من  180إلى 188
[8] نفس المرجع-ص:190-193

 

                                                         إعداد: منتصر الخطيب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق